رسائل الأدباء رسالة من مارون عبود الى بطرس بواري

عزيزي الأستاذ بطرس بواري

لا أستطيع أن أقول لك كما قلت لي: «إعجابي وتقديري لك كبيران.» لأني لا أعرفك، وإن كان «البواريون» أبناء عم لنا يصح فينا وفيهم قول عمر لهند: «إنما نحن وهم شيء أحد.»
أعذرني إذن إن شككت بوجودك؛ لأني أخاف أن أكون في هذه المناقشة مثل دون كيشوت وسانشو بانسا.
أشكرك أولًا وإن كنت أبغض هذا البحث العقيم، وخصوصًا متى كان على حد قول بشار: «كالروم تغزو وتؤخذ الخزر.» تُخطئ المطبعة وأُطالب أنا …
أما أضعت وقتك في انتقاد كلمة «وفير» وهي من هفوات الطبع وصوابها: «يوشح الواقع ببرفير خياله المجنح.»
ثانيًا: وأنا أكره جدًّا أولًا وثانيًا وثالثًا: «اللها تفتح اللهى.» هي كما قلت، والكلمة مقولة قديمًا، وأظنني أحسن كتابتها على حقها؛ فهي إما من كبائر المطبعة، وإما من خطايا ناموسي …
ثالثًا: تسألني عن فعل نخر وتقول: والفعل بكسر الخاء لازم، ولم تنص كتب اللغة على أي تعديل له.
لقد ذكرت الكسر يا أخي ونسيت الفتح … فقد عدَّت العرب نخَر المفتوح الخاء وقالوا: نخر الناقة … إلخ، فكما عرفوا هم كيف يستدرون الناقة بنخرها، كذلك يحق لنا نحن أن نفعل، بعدما عرفنا ما ينخر العظم وغيره …
أما قولك: «وأظن أنه لو جازت هذه التعدية لأدخله من عرَّب التوراة، ومنهم الشيخ إبراهيم اليازجي.»
أنت تجهل يا صاحبي أن هذه الآية محذوفة من «توراة البروتستان»، ولو عرفت لما قلت: «ومنهم الشيخ إبراهيم.»
وبعد، فكيف يأتي الشيخ إبراهيم بفعل غير موجود في الأصل؟ فترجمة التوراة حرفية، ثم من قال لك إن الشيخ إبراهيم مضى لسبيله وردَّ الباب خلفه؟
أما كلمة «احتار»، فقد كثر سائلي عنها حتى أجبت أحدهم «جهاد» في مجلة الأحد، وإن صدق الظن فأنت «جهاد» الأمس و«بطرس بواري» اليوم؛ ذلك السائل المتكتم، فقد ملأت خياشيمي رائحة أسلوبك.
وأخيرًا، كلمة القسس التي زعمت أن جمعها ممنوع؛ لأن مفردها قس بفتح فسكون، وهذا لا يجمع على فُعُل بضمتين.
لا، يا أستاذ، إن لفظة قس مثلثة القاف، وهي سريانية معربة أصلها قشو وقشيشو، ومعناها الشيخ والقديم، والشيخ فاضل عندهم، والقديم مقدس دائمًا؛ ولذلك جاء في المعجم الذي اعتمدت عليه القسس الفضلاء؛ فليتك شعرت بأن قوله: «الفضلاء» يدل على أنها جمع! أليس كذلك؟
وأما اعتذارك أخيرًا عن النقد بقولك: «إن كل ما قصدت ليس إلا محض استيضاح دون أن يكون له ثمة أي نقد» (كذا).
فالجواب عليه أنك لم تنتقد رجلًا معصومًا، وأنا أُرحِّب بالنقد ترحيبي بصديق عزيز، وأرجو منك ألا «تشفق أن ينشب بيني وبين الأستاذين مبارك إبراهيم والعوضي الوكيل نقد لغوي.»
لكل خطاب يا بثين جواب. وما إخالك رأيت مني غير ذلك.
٣١ / ٨ / ١٩٥٣

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى