محمد الإحسايني - محمد بن إبراهيم المراكشي من خلال شعره

( أتيهُ وأزهو في الأنام مجرراً*
لأجيال مجدٍ في يدي الصارمُ العضبُ
أدوسُ بأقدامي جباه عزيزهمْ
وإن رام رفع الرأس؛ فالهلك والعطبُ
وأرفع رأسي شامخ الأنف في الورى،
ولي من فعالي المال،والجاه،والصحبُ.
...وتعرفني الأخلاق، والفضل،والنهى،
وتعرفني الآداب والعلم والكـُتـْبُ...
ويتحدث عن المحيطين به:
ويعرفهم بعد النذالة لؤمهم
وغدر ومكر والخيانة والنهبُ
متى حجزت عني المراقي والعلا
وهل بين ذي مجد وبين العلا حـُجـْبُ!
وما أنا في أهل القريض كمعشر
إذا مُنــِحوا ذبـّوا وإن منعوا سبـّوا
وإن كان لي في الشعر متعة ُ خاطر
فـِوردُه لي عذب ورَبعه لي خِصبُ
قريضي توحيه إليّ قريحتي
فأشدو به شدواً به يـُخلـَبُ اللب ّ ُ
معانيه لي قد أسفرت عن لثامها
ويأتي ذلولاً منه ليَ، يسهـُـلُ الصعبُ
أطوف على أزهاره متنشقاً
وأشرب من سلساله وهـْوَ لي عذبُ
وتجثو معانيه أماميَ خـُضـّعاً
وقافية ٌعصماءُ لم يجدها هُرْبُ
ولم أحترف يوماً مديح قصائدي
إذا جاء ذو مدح وفي يده قـَعـْبُ
بلى؛ إن مدحي في البرية مـُوقــَفٌ
على مفرد تهمي1 بنائله السحبُ
فيعرفني رغم العدا وكلامـِهمْ
وأعرفه، والندب يعرفه الندبُ
ولست تراني واصفاً غير خمرة
إذا كنتُ في حفلة وطاب ليَ الشربُ
يمازجها الساقي فيطفو حبابها
أيطفو بسطح الماء لؤلؤه الرطبُ
أو الحدق المرضى وهدب شفارها
إذا ما ارتخت في خدها تلكمُ الهدبُ
أو البانة َ الميساءَ أ ُحرمُ ضمهاَ
وقد ضمها ويلاه، في أهيفٍ، ثوبُ!
ولي خير إخوان يودون عشرتي
ولي قد تصافى منهمُ الوُد والحبّ ُ
يحبونني حباً أحبهمُ به
فمني لهم قلب، ولي منهم قلبُ...)

محمد بن إبراهيم المراكشي كما وصفه رئيس إدارة الحماية السرية بمركش

على إثر هجاء محمد بن إبراهيم المراكشي للباشا البغدادي حاكم فاس2 بقصيدته الشهيرة التي جاءت عقب جلد هذا الأخير،" للوطنيين" المناهضين لـ "الظهير البربري"،كتب كوميسار مراكش تقريراً سرياً عن الشاعر، رداً على طلب من الجنرال الفرنسي حاكم الناحية المراكشية
هذه ترجمته كما جاء في كتاب" شاعر الحمراء في الغربال" لـ أحمد الشرقاوي –إقبال:
"جواباً عن كتابكم نمرة 344 المؤرخ 24 مارس الجاري، المتعلق بقصيدة مبيدة وطاعنة لسيادة باشا فاس، من مشيعها عبد الرحمان المعروفي، أتشرف بأن أخبركم أنه حقيقة ينسب العموم بـ مراكش للشاعر المحلي السيد محمد بن الحاج إبراهيم السراج الذي ذكر على ملإ من الناس، بأن له غرضاً في ذلك، وهو أخذ ثأر أحد أصدقائه بـ فاس الذي أسيء به عند حركة الهيجان الواقع ضد جريان الظهير المتعلق بـ البرابر.
وإن السيد محمد بن الحاج إبراهيم السراج زيد[ وُلد] بمراكش سنة1897 ، وأبوه كان سراجاً، وأنه قرأ القرآن بمراكش، ولم يخاط محلات أُخـَر معدة للقراءة،وله فكرة عريضة، وله ميلان للشعر،ونال في أقرب وقت بعض الشهرة لدى أهل العلم[ رجال الدين] بالقصائد، والهجو، ويقدمها لساداته، وكان السيد الحاج السباعي التونسي الوكيل الشرعي يوجهه بصفته فقيه[أديب] مدة أربعة أعوام،أو خمسة، وله علاقات مع بعض الجرائد التونسية، أي الحاج الوكيل المذكور، وكان ينشر فيها أشعار معاضده السيد محمد بن الحاج إبراهيم، وبعد وفاة السيد الحاج السباعي دخل السيد محمد بن الحاج إبراهيم السراج عند سيادة الباشا السيد الحاج التهامي المزواري[ الأكلاوي] بصفته معلم صبيانه ، ثم بعد شهور، طرد منها، وبسبب ذلك، أشاع شعراً فادحاًُ في جانب سيادة الباشا، وخليفته السيد أحمد البياز حتى ألزمه ذلك الخروج منؤقتاً من هذه الناحية ليلتجئ إلى فاس.
وهو يحب العيش الراغد،ولا قدرة له على تعاطي مواصلة ومواظبة خدمة، ويستعمل الأقوال الهجوية اللا ذعة في مذمات الناس، الذين يؤدون له الدراهم أو يتركونه يأوي عندهم،ويستخرج الدراهم من عدة مستخدمين، وأعيان يخافون من هجائه، ويتصنع السيد محمد بن الحاج إبراهيم دائماً باستظهاره غاية الاحترام للحكومة الفرنسوية،وها يصلك طيه، ورقة في ارشاداته[ عن استعلامات تتعلق به].
*من قصيدة هم وأنا:ديوان شاعر الحمراء/ أحمد شوقي بنبين/ ص/ص17 / 18
1 - التلميح إلى ممدوحه الحاج التهامي الأكلاوي.2 - يتعلق الأمر بقصيدته" الدمعة الخالدة" التي ذاع صيتها في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي،إذ يقول في مطلعها:
أسال من الأجفان عن صدره نهرا
ليطفئ ما بالقلب مشتعلاً جمرا
إلى أن يقول فيها:
فما نكد مثل الرعاة تراهمُ
غدا نهبهم نهباً وأمرهمُ أمرا!
وذا الأرعن المشدود بالحبل نصفه
منى ساس غير الضأن جاز به وعرا!
يسوس بـ فاس من بنيه كرامهم
فيقلبهم بطناً ويجلدهم ظهرا
القصيدة نجده في "ديوان بن ابراهيم المراكشي"لـ أحمد شوقي بنبين، ص: 193، كما ذكرها أحمد الشرقاوي- إقبال فيكتابه: " شاعر الحمراء في الغربال" تحت عنوان: " في السياسة والتاريخ والاجتماع"ص 112.



محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 2627 - 2009 / 4 / 25 - 04:45
أعلى