حوار مع الأديب والشاعر السوري مصطفى الحاج حسين.. أجرته: الدكتورة هيام

** هو ابن سوريا ، يغلب على قصائده طابع محبته
لأرضه التي غاب عنها، في قصائده مشاعرٌ جميلة، ووصف دقيق، هو الشاعر الأستاذ (مصطفى الحاج حسين ) لنا معه هذا الحوار .
-----------------------------------------------------
** بدايةً نرحِّب بك أستاذ مصطفى في لقائنا معك
.. فأهلاً وسهلاً بكم ولكم الشكر والترحيب بقبولكم لهذا اللقاء .
// مساء الخير دكتورة هيام علامة المبدعة الراقية..
ولي عظيم الشرف في لقائي معكم اليوم .
** س١ :
_نأخذ الحوار معك من البدايات الى الآن ؛ حدِّثنا عن طفولتك ونشأتك ودراستك ؟.
// ج١ :
طفولتي ليست طفولةَ أديبٍ أو شاعرٍ على الإطلاق .. ومن يعرف طفولتي يستغرب ويُدْهَش وربَّما يحتجُّ.. لأنَّه سيعرف أنِّي كم كنتُ قاسياً وشقيَّاً وشرساً وعنيفاً ومشاكساً، فقد كنتُ رئيساً لعصابةِ أشرارٍ، نعتدي على الأولاد والفتيات والنساء، وعلى الرجال الكبار في الأزقَّة المجاورة لزقاقنا، ولعلَّ معظم رفاق طفولتي قد دخلوا السجن حين كبروا؛ بسبب المخالفات والجرائم التي قاموا بارتكابها، ولولا انتقال عائلتي من بلدتي مدينة الباب إلى حلب، لكانت نهايتي أبشعَ من نهايات رفاق طفولتي .
وفي حلب بدأت أعيش سن المراهقة، فانطلقت إلى السينما أولاً، ثم لقراءة المجلات، وبعدها لمطالعة الكتب، وكان لتأثير نزار قباني أول أثرٍ في التغيير بشخصيتي وطبعي،ثم صقلتني قراءاتي لنجيب محفوظ، فبدأت أدرك أن غيري مثلي يفرح وبتألم ويجوع ويشبع ويحب ويكره، فسابقاً كنت أظن أنَّ غيري مصنوع من مطاط لذلك كنت لا أشفق عليه .
أحببت الشعر والقصة والرواية، وقرَّرت أن أكون كاتباً رغم فظاعة ظروفي وعملي في مهنة البناء الشاقة، فأخذت أعمل في النهار وأقرأ الكتب والدواوين في الليل، ومما هو جديرٌ ذكرُه أنَّ الحبَّ المبكر الذي عشته بلا أملٍ يُرتجى من تتويجه بالزواج كان قد فجَّر عندي موهبة الكتابة، وهكذا بدأت أكتب الشعر، وأتلقى التشجيع ممن هم حولي؛ وبخاصةٍ من أخي الذي يكبرني بسنتين ونصف .
لكن سرعان ما سرقتني السياسة، ولو لا أخي لدخلت المعتقل كما حدث مع رفاقي.
** س٢ :
لكلِّ شاعر مفكرتُه الشخصيَّةُ الخاصة به، ما هي معالِمُ مفكرتِك الشعريَّة؟ وأين يقع الإنسان فيها؟.
// ج٢ :
معالم مفكرتي الشعرية غنيَّةٌ ومتزاحمة .. الشعر التراثي، والشعر المعاصر، والشعر المترجَم، وكذلك القصةُ، والروايةُ، والمسرح، والنقد، والمذكرات، والسير الذاتية، فأنا أدرس باهتمامٍ حياة العباقرة والمشاهير .. والإنسان دائما
محور الأدب والفن والفكر،فما قيمة ما ننجز بدون الإنسان ؟ .
** س٣ :
ماذا لو أن القصيدة استعصت عليك وأنت في موقفٍ لا تُحسَد عليه؟.
// ج٣ :
في هذه المواقف أنا أبدع،أحب التحدي ، أحب المواقف الحرجة،بل أتمناها وأبحث عنها،أنا شخصٌ غيور، فحين ينجح شخصٌ حولي، أسارع لمنافسته، والتفوق عليه ، ولكن منافستي له تبقى ضمن المنافسة الشريفة، أبارك له نجاحه، وأعمل على نجاح لي أكبر، حين يكتب أحدٌ من أصدقائي قصيدةً جميلةً فإنَّه يفجِّرني شعراً، فأجدني أكتب أكثر من عشر قصائد مقابل قصيدته.ولهذا فأنا غزير الكتابة مادام أصدقائي جداً مبدعين .
** س٤ :
بين الأدباء و النقاد صراعات عميقة لا يمكن أن تندمل جراحها فما موقف النقد من الأدب ؟.
// ج٤ :
النقد تابع للأدب.. يمشي خلفه ولا يستطيع تجاوزه
..ولاأعتقد أنَّ هناك نقد حيادي لأن الناقد غالباً ماينحاز حسب عاطفته نحو المبدع، أو بحسب مصالحه،لكن النقد الذي ينطلق بدافع مصلحة يبقى نقداً هزيلاً لا قيمة له،ويسقط مع مرور الوقت. هناك نقاد يمارسون الكتابة الإبداعية، فلا يمكنهم أن ينقدوا بموضوعية،إذ ينحازون إلى تجربتهم أو تجارب تشبه تجربتهم،وهناك نقاد تصفية حسابات
أعرف بعضهم،فإن كنتَ من شلتِه أنت في الأعلى
وإن كنت من شلة معارضة فأنت في الأسفل،لذلك أرى أن النقد الصادق والموضوعي والجاد والقيم،قد يأتي بعد أجيال ثلاتة،حيث تكون الضغائن والمصالح قد مرّ عليها الزمن،أما أنا فأراهن على ذوق القارئ العادي المتذوق .
** س٥ :
وما رأيك بالناقد الذي انتقد بعض من قصائدك؟؟.
// ج٥ :
هناك نقاد كتبوا عني من منطلق محبتهم الشخصية لي،ثم بالتالي هم يحبون كتاباتي،وهناك نقاد كتبوا عني من منطلق بغضهم الشخصي لي وغيرتهم من كتاباتي،فهناك من يريدني أن أبرز وأجلس في الضوء، وهناك من يريد خنقي ورمي وسط الظلام،إبراهيم محمد كسار كتب عني أجمل دراسة أدبية،ولكن حبه لي كان واضحاً،وهناك من كتب عني- ولا أريد ذكر إسمه- كتب عني واتهمني بسرقة قصصي منه،مع أنه لا يرقى لأن يكتب سطراً مثل كتاباتي لو كرس عمره لهذا الحلم،فهاجمني واتهمني بسرقة أفكاره،لأن بيني وبينه خلاف حول نقود .
ولعل أكثر من أنصف أدبي هم نقادٌ كبار كانوا من أقطار عربية غير بلدي، فدائماً - بنت الدار عوراء - حتى يأتي ولايطلب يدها إلا شابٌ من حارةٍ أخرى .
** س٦ :
النص الأدبي أفقٌ واسعٌ يحمل أبعاداً إنسانيةً و فنيةً،ما شروط خلود النص الأدبي ؟؟ و كــيف للأديب أن يوقع بقلمه في سجـل الـخـالديــن ؟؟؟.
// ج٦ :
الأسلوب الجميل والجديد وغير المسبوق والحرارة والصدق والإلتزام تلك هي شروط النص الخالد،أنا لا أكتب تاريخ كتابة قصيدتي، لأني مؤمنٌ بأنها باقية
ٌولن تصنَّف ضمن تاريخ كتابتها،وإن قصائد المناسبات لن تبقى،وستنسى،فالشعر لغة وعلى الشاعر أن يبتكر لغته،وإنَّ كلَّ مُقلِّدٍ ومكرِّرٍ فكتاباته إلى مزبلة الأدب حتماً .
** س٧ :
الشعر هو الفنُّ المدلَّل الذي رَبا عمُرُه على خمسةِ آلاف عامٍ،هل يتحوَّل إلى حمَلٍ صغيرٍ، لا يأبَهُ له
القطيعُ في الأيام القادمة ؟؟؟.
// ج٧ :
الشعر لغةٌ،بل لغةٌ عالية، راقية، مكثفة، متجددة، ونحن منذ زمنٍ طويلٍ لا نستخدمُ اللغة الأم،اللغة الفصحى، وبالتالي فنحن متوقفون عن التحضُّر والفكر والنبوغ والإبداع، وإن خريجاً جامعيَّاً،ذا إختصاصٍ علميٍّ لا يكاد يفهم قصَّةً أو روايةً، فما بالك بقصيدةٍ ؟!..وسأسرد لك تجربةً مرّةً وقاسية ًلي
مع قريبٍ كان صديقَ طفولتي وهو اليوم مهندسٌ مدنيٌّ. أرسلت له نسخةً من أوَّل مجموعةٍ قصصيَّةٍ طبعتها بعد أن فازت بجائزةٍ عربيَّة،فأبى أن يأخذَ المجموعة، ضاحكَاً وهو يقول: ماذا أفعل بها؟هل ألفُّ بها صندويشةً...؟ لم يأخذها لأنه سوف لن يقرأ،أو بالأحرى هو لايستطيع أن يقرأ،ولا يفهم ماذا يقرأ،وهو مهندس !! .. لم يدفعْه فضوله لأن يقرأ ما كتَب قريبُه ونال جائزةً على المستوى العربي، اكتفي بالسخرية من هموم الناس ولعب الورق، فكيف يكون القطيع..؟!! لكن لكل زمن مبدعوه ومحبوه ولا خوف على الشعر والإبداع، رغم صعوبة المعيشة وضيق الحال والوقت .
// الشعر لا علاقة له بالبحور ولا بالوزن ولا بالتفعيلة ولا بالنثر.. الشعر إبداع جمال ذوق عذوبة .. يمكن أن يأتي عبر الصمت .
// الشعر موجود بالهمسة بالنظرة باللمسة بالصرخة بالدمعة بالضحكة بالوردة بقطرة الندى .
** س٨ :
هل تكونت لدى العرب نظريةٌ في الشعر و النقد على مرِّ العصور ؟؟ ومَن برأيك من النقاد يستحقُّ
الإعتزاز و التقدير ؟؟؟؟.
// ج٨ :
الذائقة الأدبية والفنية والجمالية ما زالت تحكمنا حتى اليوم، وأنا لست ضد الذائقة، لأنها عفوية فطرية نقية صافية غير مشوهة أو خبيثة،لأن بعض النظريات جاءت لتشوِّه الذوق العام ، وتشتتنا وتضيّعنا، وتخلط الأمور،وأنا أحب نظريات توفيق الحكيم، والناقد محي الدين صبحي، الذي أبدع بكتابته عن نزار قباني، طبعاً وهناك كثر من النقاد .
** س٩ :
من أين اقتبستَ روايةَ (ملح السراب) .
// ج٩ :
اقتبستُ أحداثَ روايةِ ملح السراب من تجربتي، من عائلتي، من أبي وأمي،من أخي وابن عمي ، من جيراننا، من حارتي، من بلدتي الصغيرة المغلقة، من الجهل، من الفقر،من الظلم والإستبداد.. من معلمي المدارس، من المشايخ، من الدجالين، من المنحرفين، من الشاذين جنسياً ، من عمال البناء ، من دمعي وقهري وحرماني من الحب والتعليم .

حاوره : الدكتورة هيام علامة
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى