غازي الذيبة - . موشحا بالإيقاع

• الى الشاعر محمد القيسي


تأخرتُ ..
قلت سويعاتٍ، ويذوبُ الضوءُ على شمعةِ طيفٍ
يرقدُ مزهواً في الصورة:
شعرٌ مُنسدِلٌ فوق الكتفين
وشيبٌ أبيضُ وَخَطَ المِفرقَ
عينا صقرٍ،
وفراشاتٍ في كُم قميصٍ تُزهرُ في ياقتهِ الأشجارُ..
قلتُ مساءُ الموت ..
ونحن نُجيلُ البصرَ بأرضِ الله على طرف التوقِ
وبأنكَ لا تدري إن كان الناسُ هنا يلتمسون هواءَ الروحِ
أم ينأون بأنفاسِ معادنهم عن معنى الروح
وتلعثمتَ
تكدرتَ وأنت تُقايضُ بالكلمات بلادا سرقتها العِنةُ
والتمس الخوفُ منازلها
فارتجتْ بالغثيان
وماتتْ..
ماتتْ حتى أغلقها الخوفُ على جثثٍ عابرةٍ في الكلمات
وبلا إسمٍ كانت ترفعُ راياتٍ خرقاءَ
يُمزقها الخوفُ ونملُ الصمت،
وتمضي في غُرفٍ سوداء إلى غرف سوداء
تتيهُ ولا يستشعرُ أحدٌ معنىً يتلوى في غيبوبتها..
قلت كلاماً، أفهمُ من مغزاه الرمز،
ومن معناه أرى إسمي بالأحمر
محفوراً في قلب النسيان
أنا .. أنتنَ ورايتُنا الريحُ
راياتُك تتصفحُ أوراقاً صفراءَ على كرسي الغابة
خضراءَ
وبعضُ الكلمات، رأيتُ، تطيرُ من الأكمام
كان قميصُك مَقدوداً من دبرٍ
كانت كلماتُك صُوّانا، يقدحها الشررُ
وكان القدرُ، جَهوراً يَفضحُ لُعبتُنا في الكلمات
ويُرسلها كالطيف ..
أنا الطيفُ ..
وأنتَ الماءُ على رِسلِ الطيفِ
تقولُ يتاماكَ المُنكَبين على جدران منازلهم
يَحتفلون بأسماءِ الله الحسنى
وبباقاتِ الإيقاعِ
وبَتْلاتِ المَدّاحينَ إلى وطنٍ يغفو في التهويم ..
كنتَ هُنا ..
من غابةٍ ملحٍ .. حتى غابةِ ملحِ ..
تَذرو رِقتَك وتُحاورُنا في الطُرقاتِ
تَشقُ علينا بابَ الخيمةِ لترى الأولادَ
بكاءَ الأولادِ
عناءَ الأولادِ
وصورتِهم ..
تلكَ المخنوقةُ بقتامة عين الآلةِ
وهي تجوبُ ملامِحَهم فرداً فرداً
وتَزجُ بهم في البُرواز
بعدَ سُويعاتٍ ..
بعدَ نهارٍ أَدْمى اللوعةَ في القلب
وكادَ نزيفُ البُعدِ يَصبُ شَواظاً
قلتُ أَمرُ على نَبْري
وأشدُ الصوتَ إلى ركنٍ يَسمعُني فيه الصوتُ
لأُنقِّلَ قافيتي نحوي
وأُفرَّغَ نَصي من زمن الأخطاء
وأعودُ إلى الساعات، كأني مولودٌ من ماءٍ صافٍ
وأُعيدُ لكل الشعراءِ المَسروقينَ غُلالةَ أرواحِهمو
وأنامُ قريرَ العين
حتى حينَ يَخُبُ الموتى في أكفانِهمو
أو يَرتجفوا عند الكلماتِ على وجه الأرضِ
أكونُ هناك
وأُوقِظُهم من موتٍ أبيضَ ممسوسٍ بالضوء
وببعضِ النبضِ الفاترِ
بعض النبض الهاذرِ
بعض الطعناتْ.
بعد اللهفة في غُرفِ القلبِ
وبعد سُويعاتٍ أنتظرُ جُنوني
أَتعلقُ بالصورة
أرسمُ وجهي مخفوقاً
أرسمُ ريحاً، أو أصمتْ
لا شيء هنا يترددُ في الميقات
وينتظرُ الساعاتِ على وجلٍ
ينتظرُ الموتى ينكسرون
ويختلفونَ مع الموت
وينامونَ على خَطَلِ عِظاتِ الفُقهاءِ الموتى
وعلى نَعْقِ خطابات السادة في أيام القحط
وعلى طرفِ الإسفلت
على نارٍ تَتَوقدُ في النعت
فتلتهمُ الأشجارَ، وتذوي ..
يذوي حطبُ النار
نَصيرُ رماداً
ونَصيرُ مزاداً
ونَصيرُ المعنى في آخر جزءٍ من فهرسِ قاموس الحمقى ..
***
يا حمقايَ تعالوا نحتفلُ ببعض الخبز
نُقطِّعهُ
نَتعمدُ في الكرم
ونمشي فوق الماء
لنُعجزَ هذا القلب عن الخفقان بِبرهَتهِ
وتعالوا نأكلُ مِلحَ أصابعنا في العزف
ونجلسُ مأخوذينَ
ببعض الداء المُتربص في أفكار المهزومين
وإلى أن تَقفوا في صفِ الموتى
سأكونُ كثيراً كالخوف
وقليلاً كالحزن
ومصاباً بتوعكِ أزهاري ..
وتماماً في القلب
سأزرعُ قافيةً من أشواقَ تُنقِِّي قمحي
وتَلمُ زَوِاني
ثم تُعطرُني بالأرض ..
أنا الأرضُ
ولا معنىً يَخفقُ في التربةِ غيري
ونباتيَ صمتي
والأرض .. أنا ..
لا قلبَ لقبرة تحمل خِفَتَها في الريح
وتمضي بجناحينِ من الخبز وخمرِ اللذةِ غيري
وأنا .. كُنت أنا
صُوري تتلفتُ حولي
تبحثُ عني في معناها
لا تجدُ سواي
ومأوايَ ظِلالي
مَلكوتي المقهورُ
نبيٌ يرتعشُ
يُخففُ من لوعته
ويحاولُ تَنضيدَ الكلمات على أسطُرِهِ
ليعود طريداً
تَسكُنهُ الحُرقةُ والأنهارُ
وخيامُ البدوِ المُنَعتقينَ من الهفوات
وتُعلنهُ الهَفواتُ قريباً منا كنبيٍ مخفورٍ
يلتمعُ بضوءِ أصابعهِ
بالشمعِ المصهورِ على قُذلتهِ
بالسكنات، وبالطعنات
يفورُ، ويأوي لِلقِدرِ
أنا أبحثُ عني في الصور
وفي الألوان ..
وفي قمصان الأخوةِ
فيما قُدَّ من القمصان
وما ظلَ على غَزلِ السيدةِ الذابلةِ هناك
وتحملُ أسماً مطحوناً بالحنطة،
يتدثرُ بالأبيض حتى ينهضَ من ساعتهِ ليرانا ..
فيما تركضُ فينا الأسماءُ
وحراسُ اللغوِ
ولصوصِ المعنى
وكلابِ الظلِ
وسياراتِ الإسعافِ
وسيقانِ الكاميراتِ التلفزيوينةِ
وبروتوكولات الليل الملعون
سأظلُ أنا وحدي في قافيتي
وتظل معي أحلامُ صغاري
أمشي للقبر وتتبعُني رؤيايَ
حياةٌ أشهدُ أني عِشتُ لذائِذَها
ومكائِدها
وتمكنتُ من الخوف
رقصت وحيداً
وتأرجحتُ ببعضي وحدي
وسرقتُ الغيمَ
عصرتُ مفاتنهُ في كلماتي
وشربتُ نبيذيَ في ليلة حبٍ صافيةٍ
ومضيتُ إلى أقصى سكناتِ الروح.
غازي الذيبة
فلسطين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى