عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ - التواصل الشعبي بين مصر والمغرب. -1- أولياء مصر الصالحون المغاربة

مدخل:
حظيت في الموسم الماضي، بسماع المحاضرة القيمة التي ألقاها في المركز الثقافي المصري بالرباط، الأستاذ الزميل " السيد محمد العربي الخطابي"، عن (مصر والمغرب: خواطر وذكريات) وقد شاءت له أريحيته الأصيلة أن ينظر إلى الموضوع من وجهة تأثر الأهل المغاربة بمصر، وحبهم لها وتقديرهم لعطائها علما وفكرا وأدبا، ولو قد قال إننا أهل مصر نذكر للمغرب جميل ما أسدي إلى الإسلام وأمته، دينا ولغة وعلما وحضارة، لصدق ولصدق. أما وقد تحثم من قولها، يتقى مظنة المن علينا بذلك، فمن الحق علي أن أصل الحديث بما أعلم من عطاء المغرب لمصر، ولتاريخ الإسلام وعلومه بوجه عام. وهو موضوع رحب المجال متشعب الجوانب سخي المادة، أمضيت في خدمته ثماني سنين دأبا، وما استوعبته. ويجوز عليه أن أبتره في بحث موجز لا يتسع لغير ملتقطات منه مخطوفة، وذلك ما لا يهون علي ولا أحاوله، فليكن حديثي عن التواصل بين مصر والمغرب، مدخلا إلى الموضوع الكبير الذي أرجو أن أفرغ لإنجازه إذا يسر الله تعالى وأعان.
حين أرتو إلى ما بين مصر والمغرب من تواصل جميم، لا أتعلق فيه أخذ وعطاء، أو تأثر وتأثير، على نحو ما يجرى على النمط المألوف لتناول مثل هذا الموضوع، فالذي بيننا أكبر من أن تحصره حدود وتعريفات ومصطلحات، وإنه ليبدو للرؤية الصافية موغلا في صميم وجودنا الشعبي، غير خاضع لمثل ما تخضع له العلاقات بين الدول والحكومات، أو المنظمات والأحزاب، بعضها وبعض، من إتفاقيات مكتوبة ومعاهدات مسجلة وبنود محددة، عرضة للتغيير والتبديل والإلغاء والنسخ، تبعا لضغط النوازل وخضوعا لحكم الضرورات وتغير النظم والمواقف، وتقلب الرياح والتيارات ... من ظواهر التواصل بين مصر والمغرب، ما يبدو للرؤية القريبة من تشابه بين المجتمع التقليدي الأصيل والبيئات الشعبية، هنا وهناك في الأزياء: الجلاب المغربي والجلابية البلدي، والطاقية والشال والعمامة، والسلهام والعباءة، وفي الحلي التقليدية للمغربيات وبنات البلد المصريات، وفي الأثاث والمتاع: المكاحل والمرايا، والكنب البلدي والصندوق، والطست والإبريق والقفف والطواجن والأوعية الفخارية، والفوانيس ومواقد التدفئة... ونحو ذلك مما لا أتجاسر على بسط القول فيه، ولست من أهل الخبرة به.
وظواهر أخرى أدق ملحظا، في أنماط متشابهة من السلوك والأعراف والتقاليد والعادات، وفي أمثال وأغان شعبية متماثلة أو متقاربة، معبرة بلا ريب عن تقارب في سجيه الشعبين ومنطقهما الفطري، وموروث التجارب وأصيل القيم...
وذلك أيضا ما أتركه لذوي الاختصاص والدراية باللهجات المحلية والأمثال والفنون الشعبية أي البلدين أثر، وأيهما تأثر؟
أي بلدينا أعطى، وأيهما أخذ؟
لا يشغلني من ذلك ما يشغل أصحاب الدراسات الاجتماعية الحديثة، بنظرياتها وأجهزتها ومراجعها، ومنطق تفسيرها لنفسيات الشعوب وسلوك الجماعات، فالتواصل في رؤيتي لواقعنا وتاريخنا ليس معادلة من تبادل التأثر والتأثير، ولا مقاصة بين أخذ وعطاء، بل أخذ مساره في نفسية الشعب وضميره العام، استجابة تلقائية لعوامل معنوية ومؤثرات روحية ووجدانية، قد يغضب منها أصحاب النظريات المحدثة، المنتمون إلى مدارس ومذاهب غربية.
وتركيزا للنظر، إلتفت في التواصل الاجتماعي إلى أوليائنا الصالحين وقرائنا الشيوخ وعلمائنا الفقهاء، لما لهم في شعوبنا من نفوذ اجتماعي واتصال مباشر وثيق بالجماهير، دون أن يغيب عن بالي ما لغيرهم من أثر في حياتنا يعرفه الخاصة من الدارسين ويدركه المثقفون والمعلمون، قدر من هذا التواصل، مشترك بين الشعوب الإسلامية بوجه عام، بحكم ما يجمعها من وحدة الدين شرعة ومنهاجا، ووحدة التاريخ وجودا ومصيرا.
مع هذا القدر المشترك، تواصل حميم وفريد بين مصر والمغرب، على بعد الديار، لا أعرف له مثيلا بين أحد البلدين وأقرب جيرانه، باستثناء السودان.
فلنتجاوز الرؤية السريعة القريبة للعوامل الجغرافية والنظريات الجاهزة في فهم نغسيات الشعوب والجماعات، إلى ما هو أعمق غورا وأقرب إلى واقع التاريخ ومنطق الفطرة.
* * *
ودون إيغال في ماضي تاريخنا قبل الإسلام، نذكر أنه من القرن الهجري الأول، تواصلت الأجيال من المغاربة بأهل مصر، في الرحلات السنوية إلى الديار المقدسة كلما أهل موسم الحج الجامع للمسلمين كافة على تباعد أوطانهم وتفاوت أجناسهم وألوانهم وطبقاتهم، في هذا اللقاء السنوي الجامع كانت مصر مدخل الإسلام إلى إفريقية والمغرب كله، ومنطلق كتائب الفتوح الكبرى التي حملت اللواء الأغر إلى أقصى المغرب. وفي تلك الكتائب كان أمراء من الصحابة، رضي الله عنهم، نزلوا بمصر، وجند ممن نزلها من التابعين ومن مسلمة الفتح أهل مصر.
من الجبهة المغربية، كان الاحتشاد والتعبئة لفتح الأندلس بقيادة " طارق بن زياد البربري" وفي جند الفتح عشرة آلاف من البربر، مع بضعة آلف من الجند المشارقة.
في ذلك اللقاء الكبير تحت راية الإسلام، اتصل المغاربة بأهل مصر عصر الفتح في القرن الأول للهجرة، وما أعقبه من وفادات مستمرة إلى المغرب، من القادة والأمراء والقضاة والقراء والفقهاء، مرورا بمصر.
ثم كانت مصر، دون سأئر أقطار المشرق الإسلامي، هي بالضرورة مجاز الحاج المغربي إلى الحجاز ذهابا وأوبة. وإنها بمزاياها الطبيعية – أيام كانت على ما وصفها به عمرو بن العاص في كتابه إلى أمير المومنين عمر، رضي الله عنهما (1) – بحيث تغرى الحاج المغربي بإطالة المقام فيها، وبخاصة في طريق الإياب بعد قضاء مناسك الحج. وفيهم طلاب علم يحرصون على لقاء علماء الإسلام والعربية بحواضر المشرق، فربما شدوا الرحال من الحجاز إلى الشام والعراق وخراسان وما وراء التهر، وربما حالت موانع دون مد الرحلة، ووجدوا لدى أهل نصر ما سبقوا إلى حمله من علماء الحواضر الإسلامية بالمشرق، وهي إلى مصر أقرب، على ما يستفاد من أسانيد السلف من علماء المغرب إلى الكتب الأصول الأمهات، أخذوا الكثير منها من طريق حملتها الثقات الأثبات من أهل مصر.
من تم كان التعارف بين المغاربة والمصريين، متاحا لهم على سعة من الوقت، ومتصلا لم ينقطع، مما يسر لمن شاء من المغاربة أن يقيم حيث شاء بالديار المصرية، فيجد أينما حل أهلا ودارا، ويحمل النسب المشترك إلى وطنه الأول، وإلى منزله بمصر.
* * *
من القرن الرابع للهجرة، كان المغرب الكبير قد صار دار قرآن وحديث وسيرة وفقه وعربية، وانتهت إلى علمائه الإمامة في القراءات وعلوم الحديث والعربية مما يقتضي أن تكون الرحلة إليهم من أقطار المشرق. لكن الإعصار الجائح الذي هز قواعد الدولة افسلامية بالأندلس، من مستهل القرن الخامس، ومزقها طوائف قددا، ثم ما أعقبه من تصدع قلاع الأندلس وتساقط حصونه واجتياح ثغوره، ألقى على المغرب الأقصى تكاليف الجهاد لحماية الإسلام في جبهته المغربية، دينا ودولة وعلما وحضارة وتراثا وتعطلت الحواضر العلمية بالأندلس وأطفئت مناراتها، واتجه النازحون إلى مهاجرهم بالعدوة، وإلى تونس ومنها إلى مصر، حيث استقر بهم المقام على الرحب والسعة، وشاركوا في جهاد الضليبيين والتتار بالجبهة المصرية وما وليها شرقا، حين كان أهل المغرب الأقصى يجاهدون الصليبيين الروم في الجبهة المغربية، من النازحين إلى مصر، كثرة لا أحصيهم عدا، من أولياء الله الصالحين والقراء الشيوخ والعلماء العاملين والحفاظ النبلاء، يصعب في الواقع توزيعهم في دوائر منفصلة: أولياء وقراء ومفسرين وفقهاء وحفاظا وعلماء عربية ... إذ كان لأكثرهم مشاركة في أكثر من مجال، وإنما أبدا بأقطاب بركة، أنزلتهم مصر أكرم منزل، فكانت لهم بالشعب صلة فذة: مربين قدوة، وهذاة للسالكين.
ودون تنسيق موجه أو تخطيط مرسوم، انبثوا في أرجاء الكنانة من أطراف الدلتا شمالا إلى الصعيد الأعلى، ومن مشارقها غربا إلى الصحراء الشرقية وساحل البحر الأحمر، فكانت منازلهم وزواياهم وربطهم المتواضعة، مقامات علية ومدارس شعبية عامرة المريدين، ومجالس ذكر وتر ومجاهدة.
وبوركت الكنانة بمثواهم في ثراها الذي طاب بمثوى من نزل فيها من آل البيت والصحابة، رضي الله عنهم من زمن الفتح فما بعده.
من أشهد أوليائنا قاطبة " سيدي أحمد البدوي": مقامه في طنطا عاصمة وسط الدلتا. مولده بفاس سنة 596 هـ وبها نشأ وحفظ القرآن الكريم وشيئا من الفقه المالكي، وفي صباه، حج أبوه " السيد علي بن محمد بن أبي بكر، الشريف الفاسي" سنة 627، ومعه إبنه سيدي أحمد، فوجهته رؤاه إلى العراق حيث لقي العارفين " الكيلاني والرفاعي" ثم رحل إلى مصر واستقر بطنطا من سنة 637 إلى وفاته بها، رضي الله عنه، في سنة 675هـ.
وحلت بالبلاد بركاته واشتهرت كراماته (2) مقامه مزار نشهور، وذكراه أعياد لنا ومواسم حتى اليوم، وجامعه هو المسجد الجامع لعاصمة وسط الدلتا، وباسمه أسس " المعهد الأحمري" بطنطا، من أكبر وأعرق المعاهد الدينية للأزهر الشريف.
بصحراء مصر الشرقية، في " عيذاب" قرب ساحل البحر الأحمر، تجاه جدة، متوى " سيدي أبي الحسن الشاذلي، الشريف الحسني تقي الدين علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي" شيخ الطريقة الشاذلية، منشأوه بالمغرب الأقصى حين أخذ الطريقة عن شيخه العارف بالله سيدي أبي عبد الله محمد بن حرزهم، عن القطب الغوث أبي مدين، بسنده، كما أخذها عن سيدي أبي محمد عبد السلام بن مشيش، بسنده المشهور عند أهل الطريقة، وفي " شاذلة" كان مبدأ ظهور أبي الحسن، وخرج منها فساح في ديار الإسلام ثم استقر في تغر الإسكندرية، وأخذ عنه الطريقة من لا يحصون من أهل مصر، وكان يحضر مجلسه بالثغر، أئمة كبار كسلطان العلماء العز إبن عبد السلام (578-660هـ) والحافظ الزكي المنذري (581-656هـ).
توفي القطب أبو الحسن الشاذلي في طريقه إلى الحج، بعيذاب، ومثواه. هناك مزار متبرك به، أرخ الذهبي وفاته في أوائل ذي القعدة من سنة 6565هـ(3).
* * *
وثغر الإسكندرية عامر بمنازل الشيوخ المغاربة، وأصحابهم ومريديهم... منهم كثرة مذكورون في أئمة القراء والفقهاء، تقدم أعلاما منهم في المبحثين الثاني والثالث.
وغلب على عدد منهم، الزهد والتصوف والمجاهدة، أكرمت الإسكندرية منزلهم ومثواهم، وحفظت على مر الزمان مناقبهم وذكراهم.
في حي الطرطوشي، من أكبر أحياء الثغر، مقام الفقيه المالكي الإمام، العارف القدوة " أبي بكر الطرطوشي محمد بن الوليد الفهري الأندلسي نزيل الإسكندرية، قرأ بالأندلس وأخذ عن أبي الوليد الباجي، ورحل فحج وطاف بحواضر العلم في المشرق، ثم أقام بالإسكندرية فكان إمامها العالم الصدر، القدوة في ورعة وتقواه، وفي زهده وعزوفه عن جاه الدنيا وأهلها. رحل إليه طلاب العلم من مصر والمغرب، وعاش سبعين سنة وتوفي سنة (520هـ) بالإسكندرية، وخلف فيها صفوة من تلاميذه وصحبه (4).
وفي حي الشاطبي، حيث تقوم اليوم جامعة الإسكندرية، كان منزل " الشاطبي الزاهد"، أبي عبد الله محمد بن سليمان بن محمد المعافري نزيل الإسكندرية، قرأ بشاطبة على مقرئها الإمام أبي عبد الله إبن سعادة الشاطبي محمد بن عبد العزيز، وقدم الإسكندرية فسمع من الحافظ أبي طاهر السلفي، وأقرأ بها، قرأ عليه السبع " عبد الكريم بن الشيخ عبد الباري الصعيدي الأسكندري" واشتهر بالعبادة والتأله، وقصده الناس للتبرك والمعرفة، ولبسوا منه فرقة التصوف، عاش بضعا وثمانين سنة، وأرخ الذهبي وفاته بالإسكندرية سنة (672هـ) وقال ابن الجزري المتوفى سنة 833هـ، " وقبره بها ظاهر يزار، وذريته باقون إلى اليوم" (5).
في ثغر الإسكندرية أيضا، مقام " سيدي أبي العباس المرسي الإسكندري، أحمد بن عمر الأنصاري المالكي" من أجل أصحاب القطب أبي الحسن الشاذلي، أخذ عنه الطريقة ولازمة في الظعن والإقامة، وخلفه من بعده.. وكان له مجلس عظيم حافل بالمعارف والحقائق، مع نهوضه بتدريس عدد من أمهات كتب المالكية : (المدونة، ورسالة إبن أبي زيد القيرواني، وتهذيب المدونة للبرادعي) ومنها: كتاب الإرشاد، في الأصول، لأبي المعالي الجويني إمام الحرمين، والمصابيح لمحيي السنة أبي محمد البغوي، والمحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز لابن عطية، وإحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي. (6)
توفى أبي الحسن المرسي بالاسكندرية سنة 683هـ. وباسمه أسس جامعها الكبير.
ومن مريديه الأعلاء الأولياء: الشيخ ياقوت العرس، والتاج أبو العباس ابن عطاء الله الاسكندري المالكي الشاذلي، له في التصوف: " (الحكم، والتنوير في إسقاط التدبير، والمرقى إلى المقدس الأبقى) وله في الفقه المالكي: (مختصر تهذيب المدونة للبرادعي) توفي بالمدرسة المنصورية بالقاهرة سنة 709هـ، ودفن بالقرافة (7).
* * *
بقرافة مصر أيضا مثوى كثير من العلماء المغاربة، العارفين العاملين النبلاء:
مقام أبي القاسم الشاطبي المقرئ الإمام يأتي في القراء، و"الشيخ الأغماتي، أبي محمد عبد الله بن إسماعيل بن أبي بكر الكناني المغربي، نزيل مصر" الفقيه المالكي الولي الصالح، توفى غريقا في النيل، سنة 596هـ وحمل إلى منزله بمصر، فجهز ودفن بالقرافة، في سفح المقطم(8).
والشيخة الصالحة "أم عبد الكريم فاطمة بنت الشيخ الأجل الفاضل أبي الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري البلنسي" أصحبها أبوها في رحلته الواسعة بالمشرق وأسمعها كبار المسندين وأجاز لها شيوخ من البغداديين والأصبهانيين والخراسانيين، وبالغ والدها رحمه الله في إفادتها، وتجردت للعلم والعبادة " وبلغه الله تعالى فيها قصده، ونشرت علما كثيرا" قاله الحافظ الزكي المنذري، وله منها إجازة، وأرخ وفاتها بمصر سنة 600، ودفنت بالقرافة بسفح المقطم (9).
وممن دفن بها، من أوليائنا المغاربة:
" الشيخ أبو العباس البصير، أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الأندلسي" قرأ على شيوخ بلده واشتغل بالعلوم الشرعية، وصحب بالمغرب العارف العالم أبا أحمد جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيد بونه الخزاعي، من كبار أصحاب الغوث أبي مدين، شعيب بن الحسين، شيخ أهل المغرب البعيد الصيت في النسك والعبادة – 590هـ - ثم ساح الشيخ أبو العباس على قدم التجريد فدخل الصعيد، وأقام بالقاهرة زاهدا متعبدا، يقرئ بالسبع، فيقال إنه أجاز بها سبعة آلاف مقرئ من أهل مصر. حكاه السيوطي، وتوفى بها سنة 622 هـ عن ثلاث وستين سنة، ودفن بالقرافة (10).
و "إبن النعمان التلمساني ثم المرسى، أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان" المالكي الفقيه الزاهد القدوة، قدم الاسكندرية شابا فقرا على شيخ مقرئيها أبي القاسم الصفراوي، " وكان عارفا بمذهب مالك، راسخ القدم في العبادة والزهد. توفى في شهر رمضان سنة 683 ودفن بالقرافة، وشيعه أمم" (11).
و " أبو محمد ابن أبي حمزة المرسى المالكي" الناسك العابد القدوة. من بيت علم وجلالة بالأندلس، خرج من بلده إلى تونس سائحا ينشر العزلة، ومنها إلى مصر حيث عرف فضله ونبله وتعففه، وانقباضه عن أهل الدنيا وشدته في الحق لا يخشى في الله لومة لائم. توفى بمصر سنة 695 ومقامه بالقرافة معروف. وفي جواره دفن تلميذه الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس اليعمري الاشبيلي، المصري مولدا ودارا ووفاة، شيخ المدرسة الظاهرية بالقاهرة (734هـ).
* * *
صعيد مصر عامر بمشاهد أوليائه الأبرار المغاربة، طيب الله تراهم.
من أشهرهم:
" سيدي عبد الرحيم القنائي: الشريف الحسني عبد الرحيم بن أحمد بن حجون السبتي المالكي" . قطب الوقت، شيخ شيوخ الإسلام وإمام العارفين الأعلام. صحب بالمغرب شيخه القطب أبا يعزى (12) ثم رحل إلى مكة المكرمة فجاور بها سبع سنين، ارتحل بعدها إلى مصر ونزل ببلدة قنا، من الصعيد الأعلى. وفيها عرفت مناقبه وظهرت كراماته وذاعت شهرته، قال الحافظ الزكي المنذوري في ترجمته: " أحد الزهاد المشهورين والعباد المذكورين، ظهرت بركاته على جماعة من صحبة وتخرج به جماعة من أعيان الصالحين بصالح أنفاسه، وكان مالكي المذهب"(13).
زاد الكمال جعفر الأدفوي، مؤرخ الصعيد : " وكانت إقامته من رحمة الله بالصعيد وأهله، اغترفوا من بحر علمه وفضله وانتفعوا ببركاته وأشرقت أنوار قلوبهم لما أدخلوا في خلواته. اتفق أهل زمانه على أنه القطب المشار إليه والمعول في الطريق عليه. لم يختلف فيه اثنان، ولا جرى فيه قولان" قال : " وكرامات سيدي عبد الرحيم مستغنية عن التعريف تكثر عن أن يسعها تأليف أو يقوم بها تصنيف، ذكر الناس منها ما يشفى الغليل ويبرئ العليل، فاكتفيت منها بالقليل:
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
" أخبرني أقضى القضاة شمس الدين إبن القماج، قال: قال لي الشيخ العلامة الضياء جعفر بن محمد بن سيدي عبد الرحيم، أن الشيخ القؤشي (14) وصل إلى قنا لزيارة الشيخ عبد الرحيم، فجلس عل الباب يوما وثاني يوم ولم يؤذن له، وغيره يدخل، فذكر أنه فكر في ذلك فقام في خاطره أنه إنما منع بسبب أنه جاء على أنه شيخ يزور شيخا. قال، قلت: لو جئت على أني مريد يزور شيخا لأذن لي. فنويت ذلك والخادم خرج وقال: بسم الله، ادخل".
قال الأدفوي، وللشيخ مقالات في التوحيد منقولة عنه ومسائل في علوم القوم تلقيت منه، وكلمات لا تستفاد من كلمات الأعراب وأحوال هي في غاية الإغراب. وكان مالكي المذهب، كتابه (المعونة، وشرح الرسالة، للقاضي عبد الوهاب) – أبى محمد بن علي بن نصر المالكي: 422 هـ وقبره بقنا مزار، لا يكاد يخلو من زائر، قاصد وعابر. وأهل بلاده متفقون على تجربة الدعاء عند قبره يوم الأربعاء – حيث تقام المحيا – وقد زرته مرات كثيرة ولله الحمد والمنة..." (15).
وإنه لكذلك حتى اليوم، مزار يتبرك به وتقام فيه المحيا، ولا يكاد يخلو من زائر، قاصد وعابر.
وحفظه الله تعالى في ذريته الصالحة، إبنه " الحسن بن عبد الرحيم الشريف السبتي المحتد، أبي محمد القنائي" من الصوفية الفقهاء المالكية الفضلاء " كان من أرباب الأحوال والكرامات مع عدم دعوى، عديم السؤال مع شدة الفاقة والضرورة. حكى الافودي في ترجمته أنه بلغه أن شخصا تقل عنه كلاما للشيخ أبي الحسن إبن الصباغ تلميذ والده الإمام وصاحبه، فكتب إليه بهذين البيتين:
طهرتم فطهرنا بفضل طهوركم وطبتم، فمن أنفاس طيبكم طبنا
ورثنا من الآباء حسن ولائكم ونحن إذا متنـا نورثه الأبنـا
قال الأفودي : ونقلت من خط الحافظ الرشيد إبن الحافظ عبد العظيم المنذري، قال : " اجتمعت بالشيخ عبد الرحيم بمدينة البهنا – من الصعيد الأوسط – بجامعها، وسألته الدعاء وجلست معه وذاكرته وسمعت منه أشياء، وكان رجلا صالحا. وأنشدني لنفسه:
ولما رأيت الدهر قطب وجهه = وقد كان طلقا، قلت للنفس شمري
لعلى أرى دارا أقيم بربعها = على خفض عين لا أرى وجه منكر
وما القصد إلا حفظ دين وخاطر = تكنفـه التـــوين من كـل مجبر
وله أيضا:
عرصفنا أنفسا عزت علينا = لـديكم، فـاستحق لهــا الهـوان
ولو أنا متعنــاهـا لعزت = ولكن كــل معروص يهـــان
قال: وسألته عن مولده فقال: توفى والدي – رضي الله عنه، وأنا ابن أربع عشرة أو خمس عشرة سنة (16) وتوفى في سنة 655هـ.
وحفيدا سيدي عبد الرحيم:
" محمد بن الحسن بن عبد الرحيم القنائي، السيد الشريف الفقيه" جمع بين العلم والعبادة والورع والزهد، وكان من فقهاء المالكية ويقرئ المذهب الشافعي، نحويا فرضيا انتفع به خلق – توفى سنة 692 هـ (17).
والضياء جعفر بن محمد بن عبد الرحيم، أبو الفضل السبتي الأصل القنائي نخبة العصر ذو النسب الطاهر والشرف الظاهر. فقيه شافعي أصولي أديب شاعر ناثر كريم السجايا. تفقه بالبهاء القفطي والمجد القشيري، وسمع من أصحاب السلفي والرشيد العطار. وأقام يفتى نحوا من خمسين سنة، وولى القضاء بقوص، ووكالة بيت المال بالقاهرة ودرس، بالمشهد الحسيني. وحدث، سمع منه القطب الحلبي وأثير الدين أبو حيان، وتخرج عليه جماعة من الأعيان، وكان يقال عنه إنه يصلح للخلافة لكماله فضلا ونبلا (18).
وبارك الله تعالى لسيدي عبد الرحيم، في صحبه ومريديه، وأجلهم " الشيخ أبو الحسن ابن الصباغ القوصي، على بن حميد بن إسماعيل" سر الشيخ وخليفته وزوج ابنته الشريفة عائشة. قال المنذري: " إجتمعت به في قنا من سنة ست وستمائة، وظهرت بركاته على الذين صحبوه، وهدى الله به خلقا ... وكان حسن التربية للمريدين بنظر في مصالحهم الدينية وتكثيرها والثبات عليها. صحبه جماعة من العلماء منهم الشيخ الفقيه مجد الذين ابن دقيق العيد، والد التقي فتح الدين " (19).
وقال الكمال جعفر: شيخ الدهر بلا منازع وواحد العصر بغير مدافع، صاحب المعارف والعوارف واللطائف، والمناقب المأثورة والكرامات المشهورة، ذو علم وعمل، وطريق لا خبل فيه ولا خلل ... والاتفاق على أنه قطب الوقت. دارت عليه الحقائق وانتفعت به الخلائق (20) عليه، لم يختلف فيه اثنان ولا جرى فيه قولان".
قال: وكرامات سيدي عبد الرحيم مستغنية عن التعريف، تكثر عن أن يسعها تأليف أو يقوم بها تصنيف، وقد ذكر الناس منها ما يشفي الغليل ويبرئ العليل، فاكتفيت منها بالقليل:
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
" أخبرني أقضى القضاة شمس الدين ابن القماح – الشافعي – قال: قال لي الشيخ العلامة الضياء جعفر بن محمد بن سيدي عبد الرحيم، أن "الشيخ القرشي" وصل إلى قنا لزيارة الشيخ عبد الرحيم، فجلس على الباب يوما وثاني يوم ولم يؤذن له، وغيره يدخل، فذكر أنه فكر في ذلك فقام في خاطره أنه إنما منع بسبب أنه جاء على أنه شيخ يزور شيخا، قال، قلت: لو جئت على أني مريد أزور شيخا لأذن لي، فنويت ذلك والخادم خرج وقال: بسم الله أدخل" (21).
قال الادفوي: " وللشيخ مقالات في التوحيد منقولة عنه".
توفى الشيخ أبو الحسن ابن الصباغ في شعبان سنة 612هـ، ودفن برباطه في قنا، (22) مزار معروف. وخلفه أجل أصحابه " أبو يحيى بن شافع القنائي: شيخ العصر الذي كان فيه، والذي ينطق الإنسان بمدحه بملء فيه، صحب الشيخ أبا الحسن ابن الصباغ وتزوج بنته، وتميز في حياته، ولما مات الشيخ قام الفقراء فأخذوا بيد ولده زين الدين وقالوا: تجلس مكان الشيخ فقال منكرا: أكذب على الله ؟ ثم أخذ بيد الشيخ أبي يحيى وأجله، وصحبه وتخرج عليه. وللشيخ كرامات استفاضت وأحوال اشتهرت ومعارف بهرت، وتخرج عليه أعيان الأصحاب وانتفع به يوسف بن محمد بن علي بن أحمد الهاشمي،قدم من المغرب فأقام بقنا وصحب الشيخ أبا الحسن ابن الصباغ، وعمر طويلا واشتهر بالكرامة والولاية، وتوفى سنة 619 وفيها توفي شيخه (24).
و"ابن ابي الدنيا، سيدي ابراهيم بن علي بن عبد الغفار الأندلسي الأندي المولد والنشأة، القنائي الدار والوفاة" كان من المشهورين بالكرامات المكاشفات، نقلوا في ترجمته ان الشيخ عبد الرحيم كان يذكره قبل قدومه الى مصر وينتظره،ويقول:" يأتي بعدي رجل من المغرب له شأن"، قالوا: فقدم الشيخ ابن ابي الدنيا بعده، ونزل في جواره بقنا إلى وفاته سنة 656ه وقبره مزار متبرك به (25).
وغير بعيد من قنا، في مدينة الأقصر بالصعيد الأعلى، مقام سيدي" أبي الحجاج الأقصري، يوسف بن عبد الرحيم القرشي " الولي الزاهد شيخ الزمان وواحد الأوان، صاحب المعارف المأثورة والكرامات المشهورة واالمكاشفات المذكورة، والمعارف الربانية واللطائف القدسية والإشراقات والتجليات انتفع الناس ببركاته وصالح دعواته"طالما استنقذ من أسر الجهل من كان موتوقا في حباله، وأنجد من ضل عن طريق الهدى فهداه بعد ضلاله، ووحد عاثر المعاصي فأخذ بيده وأقاله، ووضع في يد التقوى عقاله:
فقل لفتى قد رام في العصر مثله يمينا برب الناس لست بواجد
ومن ذا الذي يضاهي حسن يوسف في الورى ويؤتى الذي قد ناله من محامد
ونقل الأدفوي في ترجمته الموسعة له، أنه كان مشارف الديوان ثم تجرد وصحب الشيخ عبد الرزاق وسيدي عبد الرحيم والشيخ حبيب العجمي، من تلاميذ الغوث أبي مدين، وجد في السلوك حتى تقدم في الفضل على أقرانه وظهرت بركاته على الجم الغفير من أصحابه فانتشروا في الأقطار والآفاق. قال: وكراماته يضعف عن وصفها اللسان وقد صنف فيها غير واحد من عارفيه، " لكن جهال أتباعه غالوا وأسرفوا، وله من المناقب ما يكفيه ومن المآثر ما ينطق المرء فيه بملء فيه، توفى رحمه الله تعالى ونفع ببركته، في شهر رجب سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وله قبر مشهور بالأقصر يزار وإن بعد على الزائر المزار، ويرجى أن تحط عنه الأوزار، زرته غير مرة نفع الله تعالى به"(26).
قلت: وما يزال حتى اليوم من معالم الأقصر المشهورة ومزارات الصعيد المباركة، وربما عرج عليه السائحون الفرنجة عند زيارتهم لمعبد الكرنك ووادي الملوك الأقصر، فشاهدوا عجبا من إكبار جماهير الشعب لأولياء الله الصالحين، وحسن المعتقد فيهم، والاحتشاد لإحياء ذكراهم.
* * *
وكأن " سيدي عبد الرحيم السبتي القنائي" حين قال: " يأتي بعدي رجل من المغرب له شأن" رنا بوجدانه الصافي وبصيرته النيرة إلى المغرب كما عرفه، منبتا للتصوف النقي ومخرجا لعلماء عارفين عاملين.
وذلك ما عرفته الكنانة أيضا في واقع وجودها الروحي العامر بهؤلاء المغاربة الأقطاب القدوة البركة، لم يكن فيهم دجال مرتزق ولا داعي محترف ولا محتال مهرج.
وفي أرجائها طولا وعرضا، خلفهم كبار أصحابهم ونبلاء مريديهم، يحيون الطريقة ويرعون العهد ويواصلون السير بالسالكين، فعمرت الديار بمقاماتهم المباركة، مزارا لجماهير الشعب ومواسم دورية للمحيا والذكر، في الريف والحضر.
وقد يختلف الرأي بيننا، نحن المحدثين، في هؤلاء الأقطاب ومناقبهم، تبعا لاختلاف نشأتنا وتفاوت ميراثنا ومدارسنا وأنماط شخصياتنا، لكن لا ينبغي بحال ما، الغض من مكانتهم عند الشعب ونفوذهم على الجماعة، وصدق الدلالة الاجتماعية لمعتقدات الشعوب في أوليائها العاملين القدوة، وإنهم لأهل سنة وقبس هدي ومربون شيوخ، شهادة معاصريهم من أئمة حفاظنا وثقات مؤرخينا، كالزكي المنذري والرشيد العطار وسلطان العلماء العز ابن عبد السلام، والعلم البرزالي، وقاضي القضاء الفقيه المالكي الأصولي ناصر الدين ابن المنير الأسكندري، وشيخ الإسلام التقي ابن دقيق العيد، والحفاظ الذهبي والسبكي وابن حجر والسيوطي، والفقيه المالكي " الشيخ خليل" صاحب المختصر المشهور.
ولقد جمع ناصر الدين ابن المنير، مناقب شيخه أبي القاسم بن منصور القباري، في منصف مفرد. ذكره له أبو عبد الله الذهبي (27)، كما أفرد ترجمة لشيخه في الفقه والسلوك " أبي الحسن الأبياري المالكي الفقيه العالم العارف" وصنف الشيخ خليل، كتابا في سيرة شيخه الفقيه المالكي القدوة. ابن علي المتوفي".
وفي ترجمة سيدي عبد الرحيم السبتي القنائي، قال الكمال جعفر الأدفوي: " وله ولأمثاله من العارفين أحوال تتلقى بالقبول والتسليم، وفوق كل ذي علم عليم، وفيما نظمته وقد جرى بيني وبين شخص محاورة في ذلك:
ألا إن أرباب المعارف سادة = سرائرهم لله في طيها نشر
هم القوم حازوا ما يعز وجوده = وجازوا بحارا دونها وقف الفكر
أطاعوا إله العرش سرا وجهرة = فمكنهم حتى غـــدا لهم الأمر
فهم في الثرى عيث الورى معدن القرى = وهم في سماء المجد أنجمها الزهر
فطف بجمالهم واسع بين خيامهم = ولا تستمع ما قال زيد ولا عمرو
* * *
مالي سوى قرعى لبابك حيلة = فلئن رددت فأي باب أقرع
وهنا في ربوع المغرب، أصفي اليوم إلى ما تشدو به المحافل والمسامر من قصيدتي البردة والهمزية، لشاعرنا شرف الدين هبة الله البوصيري المغربي الأصل المصري المولد والدار والوفاة، سنة 599هـ، فيرجعني الشدو إلى صباي ويجدد عهدي بالمحيا والذكر والطريق، ويشجيني رجع الصدى عبر الأبعاد المتنائية والآماد المتطاولة.
وتتداعى الذكريات، فيحضرني موقف لشاعرنا البوصيري هبة الله: دخل يوما على أحد الأمراء الولاة، وعنده ضيف مغربي أديب شاعر ينشده، وقد بالغ الوالي في الحفاوة به والطرب لإنشاده، حتى كاد ينزله منزلة "فوز" من حبيبها الشاعر " العباس بن الأحنف" فما ملك البوصيري إلا أن أنشد مرتجلا:
قل لولى الدولة المرتجى = والمتقى، في الجود والباس
فزت بأهل الفضل حتى حكوا = عندك "فوزا" عند "عباس"
لا سيما هذا الأديب الذي = أتى من النظم بــأجناس
النابه المفلق في مدحه = وهجوه، والجارح الآسى
لم أر قبل وقوفي على = ما قال، نشابا بقرطاس
وعلى مر السنين، تجدد الجماهير من أهل مصر، عهد أئمتها القدوة، وتحيى من سيرتهم العطرة بالنسك والورع ومواقف نبلهم ومجاهدتهم، ما يكسر عنفوان المادية ويخص من زهو جاهها.
وفي مقاماتهم وزواياهم المنبثة في أرجاء الكنانة كانت تتم التعبئة المعنوية والروحية لجهاد الغزاة والقراصنة، وفي رحابهم الطاهرة كان دعاء الأفراد والجماعات في المحن والكروب، مرجو الاستجابة من الله عز وجل.
ومن حيث ندري ولا ندري، تواصل ما بين سبتة ومراكش وفاس ومرسيه وشاطبة وبلنسيه، وديار مصر، دلتاها والصعيد.
في مسمعي من ذكريات صباي، ما رجعته مجالس الذكر في ليالي المحيا بدورنا ومساجدنا وزوايانا، من عينية الإمام أبى زيد السهيلي، دفين مراكش من سنة 581 للهجرة.
يا من يرى ما في الضمير ويسمع = أنت المعد لكل ما نتوقع
يا من يرجى للشدائد كلهــا = يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن ملكه في قول: كن = امنن، فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقري إليك وسيلة = فبالافتقار إليك فقري أدفع
فقل لنا من ذا الأديب الذي = زاد به حبي ووسواسي
إن كان مثلي مغربيا فما = في صحبة الأجناس من باس
وبين دارينا كالذي بيننا = وأين مراكش من فاس
* * *
الحديث عن الأولياء المغاربة بمصر، موصول بالحديث عن أئمة من القراء وعلماء القراءات، يصلون ما بيننا طبقة بعد طبقة إلى ما شاء الله. ولهم ما تعلم جميعا من مكانة في الأمة وموضع عند شعوبها، وهم حملة كتاب الله تعالى فينا، يزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة.
مجال القول فيه ذو سعة، وفي العزم أن أفرد له المقال التالي من هذا البحث، بمشيئة الله تعالى وعونه.

-------------------------------------
1) نص الكتاب في: فتوح مصر لابن عبد الحكم، والجزء الأول من النجوم الزاهرة، ومن حسن المحاضرة.
2) بتفصيل، في (حسن المحاضرة للجلال السيوطي): من كان بمصر من الأولياء الصالحين، مع طبقات الشعراني.
3) الذهبي في العبر: 5/232 والسيوطي في (حسن المحاضرة: أولياء مصر الصالحون).
4) الديباج لابن فرحون، والعبر للذهبي وفيات سنة 520هـ، وحسن المحاضرة للسيوطي: فقهاء نصر المالكية.
5) العبر 5/300، وطبقات القراء ج 2 (ت 3044).
6) السيوطي (حسن المحاضرة): من كان بمصر من الأولياء.
7) السيوطي (حسن المحاضرة): من كان بمصر من الأولياء.
8) المنذري: التكملة لوفيات النقلة. ج 1 (ت 563).
9) المنذري: التكملة ج 2 (ت 773) والعبر والنجوم الزاهرة، وفيات سنة 600هـ وتوفى والدها سعد الخير، سنة 541هـ.
10) السيوطي (حسن المحاضرة): من كان بمصر من الأولياء.
11) الذهبي: العبر 5/346.
12) القطب أبو يعزى بن عبد الرحمن بن ميمون المغربي، انتهت إليه تربية المريدين بالمغرب وتخرج بصحبته جماعة من أكادير المشايخ وأعلام الزهاد (طبقات الشعراني 1/160).
13) المنذري: التكملة لوفيات النقلة. ج 1 (ت 326).
14) محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الهاشمي الأندلسي الصوفي، نزيل بيت المقدس، وشيخ السالكين به وأصحاب الكرامات والأحوال، توفى سنة 599 وقبره مقصود بالزيارة.
(الذهبي: العبر 4/309، وطبقات الشعراني: 1/186، ونفح الطيب 1/355.
15) الكمال جعفر الأدفوي: (الطالع السعيد، الجامع أسماء نجباه الصعيد) 203 (ت 128).
وانظر معه ومع تكملة المنذري: حسن المحاضرة للسيوطي، أولياء مصر. وطبقات الشعراني 1/182.
16) الطالع السعيد: 203/128 وقابل على حسن المحاضرة 1/237.
17) الوافي للصفدي 2/371، الطالع السعيد 507/405 وحسن المحاضرة.
18) الطالع السعيد 182/116، وطبقات التاج البكي 5/53 وحسن المحاضرة 1/191.
19) التكملة للمنذري ج 2 (ت 1417) والطالع السعيد 383/299.
20) التكملة للمنذري ج 2 (ت 1417) والطالع السعيد 383/299.
21) الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، للكمال جعفر الادفوي: ص 297 ت 230.
والشيخ القرشي، هو محمد بن أحمد بن إبراهيم الهاشمي الأندلسي الصوفي نزيل بيت المقدس – رد الله تعالى عزبته – وشيخ السالكين وأحد العبر 4/309، وطبقات الشعراني 1/186، نضح الطيب 1/353.
22) التكملة، والطالع السعيد. ودول الإسلان 2/87 والعبر 5/42 – وتصحف في مطبوعة الكويت بأبى الحسن ابن الصبوع، والنجوم 6/215 وحسن المحاضرة1/237.
23) الطالع السعيد 743/594 وفي حسن المحاضرة أنه توفي سنة سبع وأربعين (1/238).
24) الطالع السعيد: 726/577. وحسن المحاضرة: 1/237 وفيه: أبو الحجاج المغاوري.
25) الطالع السعيد: 59/15
26) الطالع السعيد: 722/574. وحسن المحاضرة: 1/238، وطبقات الأولياء للشعراني: 1/184.
27) العبر، في ترجمة القباري الاسكندري. وكان صالحا قانتا مخلصا منقطع القرين في الورع. توفي في سادس شعبان، سنة 262هـ (5/271) وحسن القباري، من أشهر الأحياء الشعبية بالإسكندرية.



عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ

دعوة الجق العدد 244 جمادى 1 1405- يناير 1985





أعلى