علجية عيش - هكذا تشيّعت مدينة وهران غرب الجزائر أو ما تعرف بالدولة "البكداشية"

محمد بكداش تاسع داي يحكم الجزائر من الأتراك، وسادس داي يتم اغتياله

كانت مدينة وهران غرب الجزائر تعرف بالدولة البكداشية وجذور الشيعة فيها عميقة ومتجذرة عبر التاريخ، وربما من لا يصدق أن جذور الفكر"الشيعي" انطلق من مدينة وهران قبل أن يتوسع ويصل إلى تبسه ومدينة سيدي خالد ببسكرة ويحط رحاله في مدينة العلامة عبد الحميد ابن باديس، وأن ما جاء به المؤرخون والمختصون في الفكر الشيعي لم يأت من الخيال، وهذا ما تؤكده المخطوطات التي تعد أكبر دليل على ذلك ومنه مخطوط المؤرخ الصوفي محمد بن ميمون الزواوي الجزائري الذي أرخ للدولة البكداشية وظروف تأسيس مدينة وهران وتحريرها من الاحتلال الإسباني

يرى علماء المسلمين أن تأسيس مدينة وهران جاء في القرن الثالث الهجري على أيدي المسلمين وأن مؤسسها هو عبد الرحمن بن عبد الرحمن الداخل الأموي الذي ولى الخلافة بعد وفاة أخيه المنذر بن محمد سنة 912 م، وكانت مدينة وهران تسمى بعدة أسماء فمن كويزا، إلى كويزا كسينيتانا، ثم اسم كيدا quida، ثم تحول اسمها إلى " إيفري " على يد قبائل البربر بعد ذهاب الرومان وإيفري تعني الكهوف، وعند المؤرخين الإفرنج تعني كلمة وهران المكان الصعب المنال وهي لفظة عربية، ويقال أن لفظ وهران مأخوذة من لفظة "هوارة" وهي في اللغة العربية تعني الرجل الخائف، كما يقال أن تأسيسها كان على يد رجال مغراوة في لغة زناته عندما كانوا في حروب بينهم وبين بني يفرن وعمال "الشيعة" من صنهاجة وأزديجية وعجيسة، وكانت قبائل مغراوة حليفة بالمغرب الأوسط وعلى ولاء كبير لبني أمية، واستعان بهم بنو أمية على تأسيس المدينة لكي تكون لهم بمثابة حجر عثرة في طريق من عداهم من أمراء "الشيعة" بإفريقيا والأدارسة بالمغرب الأقصى.

وعرفت مدينة وهران حصارا كبيرا من قبائل "الشيعة" وتمكنت دعوة الشيعة من بعض قبائل البربر فأوعز إليهم دواس بن صولات اللهيصي عامل تاهرت، ولكن النصر كان لقبائل الشيعة الذين دخلوا وهران سنة911 م ، ثم أعيد بناؤها تحت إمارة دواس الذي أمّر عليهم محمد بن أبي العون الأندلسي المتشيّع، وتكون وهران مدينة شيعية ودولة للشيعة أو العبيديّة كما يسميهم البعض من الدول التي حكمت وهران بعد الأمويين ومنها المرابطين، الموحدين، الزناتيين، المرينيين ثم الزناتيين للمرة الثانية، والإسبان والأتراك، كان الأعراب في مدينة وهران خلال الاحتلال الإسباني حسب المؤرخين ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: ( الدواوير النبيلة ويعرفون باسم فرسان المملكة، الدواوير المستضعفة، والدواوير المختلطة) وكان أعراب وهران يدفعون للسلطة الإسبانية الجزية كل سنة تسمى " الرومية" وهي كمية من القمح مقابل الأمان، ومن القبائل المعروفة في وهران ابان الاحتلال الإسباني (أولاد عبد الله، قلطة، العزي، الغروزي، وأولاد جسلي) وهي غالبا قبائل مسالمة، أما قبائل الشقراوة والسقراطة وبني عرزاوية والعربي وابن صرف فهم يتقنون آداب المجالس، في حين نجد قبائل الطراوة، أولاد زعير وبني حميان فكانوا محسوبين من جماعة الخونة، وجماعة سويد كانوا من أنصار الإسبان، وجماعة زفينة الهبرة والحضرة كانتا من القبائل الموثوق فيها، وجماعة بني راشد تحب القتال وتستجيب للنداء للجهاد ضد النصارى.

اغتيال الداي محمد بكداش بعد فتحه مدينة وهران

وقد عاش سكان وهران مآسي ومحن كبيرة مع الإسبان وحاضوا معهم معارك كبيرة، منذ دخولهم وهران بتواطؤ من أحد اليهود وهو زاوي بن كبيسة المعروف باسم زهوة مقابل تسليم له برج المرسى، وأصبح منذ ذلك الحين يسمى برج اليهودي، وظلت مدينة وهران في أيدي الإسبان أكثر من قرن أي منذ سنة 1509 إلى 1686 إلى أن قرر الباي شعبان الزناقي تحريرها منهم، وكان النصر للمسلمين ثم عاودوا المعركة من جديد إلى أن وصلوا إلى قبة برج العيون لكن الباي شعبان استشهد وباستشهاده فشل المسلمون، وبقيت وهران على هذا الوضع إلى حين تنصيب محمد بكداش دايا عليها، وهو ما ذكره المؤرخ والفقيه الصوفي محمد بن ميمون الزواوي الجزائري، باعتباره من الذين عاصروا الداي محمد بكداش، وكلمة بكداش تركية الأصل ومعناها الحجر الصلب، وقد سماه الشيخ قاسم بن الساسي البوني لما جاء إلى الشمال الإفريقي والتحق بـ: بونة محمد، أبوه نور الدين أبو الحسن علي بن محمد القرشي النسب العربي الإقليم النكداني نسبة إلى نكدا NEGDA وهي مدينة تقع بين أنقرا واسطنبول، وكان من المرابطين الصوفيين وقد خرج الداي محمد بكداش قاصدا محروسة الجزائر عام 1675، وواجه عام 1700 الطاغون الداي الحاج مصطفى أمجي للقضاء الفساد، وبسبب الاضطرابات التي كانت بين تونس والجزائر عندما امتنعت تونس عن دفع ما عليها من ضرائب، وخسرت فيها الجزائر 700 من جنودها، وانتخب حسين خوجة دايا على الجزائر وكان هذا الأخير أيضا يعاني اضطرابا وقلقا في صفوف الإنكشارية من جراء تعطيل أجورهم فقام يعزل من رجال الوجاق كل من يخالف رأيه وبصدر أمرا بنفيه ومنهم محمد بكداش، الذي تم نفيه.

لم يعد محمد بكداش من منفاه إلا في سنة 1707، وفيها تولى منصب داي عليها، بعدما تمت تنحية الداي حسين خوجة الشريف مون منصبه، وزار الغوث الفريد محمد ابن سيدي السعيد في "المنشية" وتمت مبايعة محمد بكداش بالخلافة ولقب بأبي الفتوح، كما نقش في ختمه الذي يوقع به العبارة التالية: (الواثق بالله العلي محمد بكداش بن علي)، وقد تزوج الداي محمد بكداش ورزق ببنت وزوجها لوزيره حسين أوزر، الذي صار يده اليمنى وصندوق سره الخاص، ولم يهدأ له بال حتى بنى وجدد مدينة وهران التي فتحها عام 1708، وحرر حصونها ومنها (حصن العيون أو برج لونيسي، حصن الجبل أو برج مرجاج المعروف باسم "سنتا قروز"، برج الأحمر، الحديد وبرج المرسى الكبير) وقد ذكر المؤرخ توفيق المدني هذه الحصون في كتابه بعنوان: ( حرب الـ: 300 سنة بين الجزائر والإسبان) في الفترة بين 1492 و1792 عن دار البصائر الطبعة الأولى 2007، لكن بعد وفاته عادت المعارك من جديد بين الجزائريين والإسبان في عهد الداي محمد بوشلاغم، وكان زلزال وهران بعد وفاة هذا الأخير (محمد بوشلاغم ) الذي وقع في الليلة ما بين 8 و9 أكتوبر 1790 ساهم في نصرة المسلمين وقهر الإسبان واستمرت الهزات الأرضية بين 1779 و1780 فكان على الإسبان إلا أن يطلبوا الصلح.

محمد بن ميمون يؤرخ للداي محمد بكداش

ويعتبر الداي محمد بكداش تاسع داي يحكم الجزائر من الأتراك، وسادس داي يتم اغتياله، وقد أرخ له محمد بن ميمون الزواوي الجزائري في مخطوط خاص سماه " التحفة المرضية في الدولة البكداشية" في بلاد الجزائر المحمية، قدمه وحقق فيه الدكتور محمد بن عبد الكريم، ويعود نسب الفقيه الصوفي محمد بن ميمون الزواوي الجزائري إلى الزواوي النجار حفيد أبي العباس أحمد بن عبد الله الزواوي، وقد غلب على عصر الداي محمد بكداش طابع التصوف الذي تحول إلى دروشة من خلال انتشار الأضرحة والقبور وإيمانهم ببعض الخرافات مثل انتظار خروج الدجال من المشرق، وظهور الدابة، وخير دليل ما أخبره أبو سالم العياشي حسب ما جاء في الرحلة العياشية لعبد الله العياشي، والشيخ الحسين الورتلاني، ويذكر محمد بن ميمون الزواوي ما جاء على لسان العياشي، حيث قال: وكان دخولنا لمدينة ورقلا واسمها الأصلي بني وارجلان عشية الخميس وأقمنا يوم الجمعة ودعا الخطيب في خطبة للإمام المهدي، ولما سألنا عن المهدي أهو المنتظر؟ وكان جوابه بأنه يظنه النبي.

وذكر محمد بن ميمون الزواوي الجزائري في مخطوطه المذكور آنفا، 16 مقامةً، صنف فيها سيرة الداي محمد بكداش أخلاقه وتصوفه وجهاده كذلك، ومن عاشروه وذكروا خصاله ومما أشار به عليه بعض السادات الصوفية ومنهم سيدي أحمد البدويّ المتصوف الشهير الذي جهل مصر أيام الملك الظاهر (بيبرس) وزار سوريا والعراق وانتسب إلى طريقته خلق كثير، واحتفالا بفتح وهران أرسل الداي محمد بكداش هدية ثمينة إلى الباب العالي تمثلت في مفاتيح ذهبية المعدن وطلب من السلطان ان يتكرم عليه بقفطان يلبسه صهره أوزن كشعار لترقيته إلى رتبة باشا ولكن السلطان لم يستحب لطلبه، وبسبب تأجيل تأدية الأجور ثارت الإنكشارية على الداي ومحمد بكداش واغتالته في شهر مارس سنة 1710 على يد دالي إبراهيم، وقد ألبسه السلطان قبطان الداي السابق محمد بكداش وهو ملطخ بالدم، ولم يهدأ للداي دالي إبراهيم البال حتى قتل حسين أوزن.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى