مصطفى نصر - ثروت أباظة بين نجيب محفوظ وسليمان فياض

تخرج ثروت أباظة في كلية الحقوق، ولم يسع والده إبراهيم الدسوقي أباظة لأن يعينه في وظيفة ما، فهو ابنه الكبير الذي يود أن يخلفه في رئاسة حزب الأحرار الدستوريين، لكن جمال عبد الناصر أطاح بأحلام ثروت أباظة فقام بثورته ليلة 23 يوليو 52، ومن سوء حظ ثروت أباظة أن الثورة نجحت وشقت طريقها بسهولة عجيبة، لم تجد مقاومة تذكر، لم تتحرك قوات الشرطة لمقاومتها، وأسرع الملك بالتنازل عن العرش لابنه، ثم نجح الثوار في الإطاحة بالملكية وإعلان الجمهورية في 26 يوليو من نفس العام.
فبقى ثروت أباظة بلا عمل طوال حكم عبد الناصر، كان في قرارة نفسه شديد الكره لعبد الناصر - الذي أطاح بكل أحلامه- ولسوء حظه، فقد نجح عبد الناصر وعلى نجمه، وصار زعيما ليس في مصر وحدها، وإنما زعيما عربيا وقدوة في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية.
اختار الله ثروت أباظة ليكون روائيا، فاستخدم هذه الهبة الربانية لتحقيق غرضه للنيل من عبد الناصر، ولأنه لم يكن يستطيع مواجهته، ولا كان الوضع الأمني يسمح بهذا، فقد لجأ إلى التورية، وبدأ هذا بكتابة رواية عن ابن عمار - وهو شاب جاء من قاع المجتمع، صادق الحاكم المعتمد بن عباد، وصار وزيره والمقرب منه، ووصلت الصداقة بينهما أنهما كانا ينامان على سرير واحد، ويضعا رأسيهما على وسادة واحدة، لكن ابن عمار خان المعتمد بن عباد، وكان أحد أسباب ضياع دولته - وظلت هذه الفكرة تطارد ثروت أباظة، فيلمح إليها في الكثير من رواياته. ثم مات جمال عبد الناصر، وموته غير أشياء كثيرة في العالم كله، فتنفس ثروت أباظة الصعداء.
عمل ثروت أباظة رئيسا لتحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، وكانت تشغل شقة تابعة لوزارة الثقافة تصدر منها ثلات مجلات - الجديد والكاتب والإذاعة والتلفزيون- وحدث ما سعى إليه ثروت أباظة وتمناه، فقد أعطى السادات – الذي حكم بعد موت عبد الناصر – الضوء الأخضر للهجوم على عبد الناصر وعصره، وثروت أباظة ليس في حاجة لدعوة، فعبد الناصر غريمة وعدوه الأول، ففتح على الآخر. وقال السادات في خطبة من خطبه إنه سيفصل أي كاتب يهاجم عبد الناصر من عمله، وصديق لنا اجرى حوارا مع أباظة، وسأله في هذا، فقال أباظة له:
- سأفصل من رئاسة مجلة الإذاعة والتلفزيون، لأرأس القسم الأدبي في مؤسسة الأهرام العريقة.
وهذا ما حدث. وكتب عدة روايات كان يهاجم عبد الناصر فيها في قسوة غير مبررة فنيا، ففي روايته خيوط السماء، التي نشرها مسلسلة في جريدة الأهرام، تحدث عن طفل أمه غازية اسمها نجية، فوضع ثروت أباظة فيه كل عيوب الدنيا، لدرجة أنك تتعاطف مع هذا الطفل الذي أوقعه حظه السيء في يد ثرت أباظة، وكبر هذا الطفل وصار مسئولا كبيرا في الدولة، وكانت الاجتماعات الرسمية تبدأ بآيات من الميثاق، بدلا من آيات الذكر الحكيم، ووقعت مباني الجامعة التي يرأسها على من فيها – إشارة منه على ما حدث في حرب 67.
وصار ابن نجية هذا مثالا بيننا – نحن كتاب الإسكندرية – على الخسة والإنتهازية، وكتب زميل لنا مقالة عن موظف يعمل في الثقافة الجماهيرية بالإسكندرية بعنوان ابن نجية في الثقافة الجماهيرية. نشرها بمجلة ثقافية كانت تصدر في الإسكندرية.
ثروت أباظة ونجيب محفوظ
يبدأ نجيب محفوظ حديثه عن شخصية جاد أبو العلا – في روايته، المرايا – بقوله: هو موجود وهو غير موجود. كان قد أصدر خمس روايات وربما أكثر، وكانت الإعلانات عن رواياته تلفت النظر لكبر المساحة التي تشغلها في الصفحات الأولى في الصحف.
ويقول أيضا عنه: صمم على أن يكون أديبا وأن يكمل ما ينقصه من موهبة بماله.
كان يكتب تجاربه ثم يعرضها على المقربين من الأدباء والنقاد، ويجري تعديلات جوهرية مستوحاة من ارشاداتهم، بل يقبل أن يكتب بعضهم فصولا كاملة، ثم يدفع بالعمل إلى أهل الثقة منهم في اللغة لتهذيب الأسلوب وتصحيحه، غامرا كل صاحب فضل بالهدايا والنقود تبعا للظروف والأحوال، ويطبع الرواية على حسابه طبعة أنيقة فتخرج من المطبعة – على حد قولهم – كالعروس.
يتحدث نجيب محفوظ عن عبده البسيوني الذي يقول عن جاد أبو العلا:
- إن أغلب مسلسلاته الإذاعية والتلفزيونية بقلمي.
بعض النقاد- الذين حللوا رواية المرايا- الصادرة عام 1971 رأوا أن شخصية جاد ابو العلا في هذه الرواية ترمز إلى ثروت أباظة
لكن هذا الإدعاء يتعارض مع ما ذكرته أم كلثوم ( هدى ) ابنة نجيب محفوظ عن علاقة ثروت أباظة بوالدها، فتقول:
إن والدها لم يكن يحب ان يلتقي اصدقائه في منزله، لأنه كان يرى أن المنزل مخصص للعمل لا لمقابلة الاصدقاء، وأن الوحيد الذي كان مسموحا له، بالتردد على المنزل للزيارة هو" ثروت أباظة" الذي كان والدها يقدره ويحبه كثيرا وكان هو- ثروت اباظه- يبادله التقدير والحب، بدليل أنهما كان يتصلان ببعضهما هاتفيا يوميا في الساعة الرابعة تماما ويتحدثان في شتى الشئون.
ويقول سعيد محمود أيضا:
وظلال الشك التي يلقيها حديث إبنة نجيب محفوظ على توقعات النقاد بشأن الشخصية التي ترمز إليها شخصية جاد ابو العلا ترجع إلى أنه يصعب تصديق أن يتعمد محفوظ حتى ولو بشكل رمزي الإساءة إلى رجل تجمعه به صداقة وطيدة بدأت عام 1946 واستمرت حتى آخر لحظة في حياته - حياة ثروت اباظة؛ كما أنه ليس من المعقول أيضا أن يعرف ثروت اباظة أن محفوظ يقصده بشخصية جاد ابو العلا في المرايا ثم تستمر صداقته ووده معه على المستوى الشخصي والعائلي إلى أن يتوفاه الله.
ثروت أباظة وسليمان فياض
نشر سليمان فياض مقالات كثيرة في مجلة الدوحة وقت أن كان رجاء النقاش رئيسا لتحريرها، بدأها في الحديث عن شخصيات أدبية قليلة يقدرها ويحبها، ومعظم مقالاته عن شخصيات سلبية، كشف فيها عن فضائح كانت تروي في التجمعات الأدبية، ومن الصعب إظهارها علنا ونشرها. ثم أصدر هذه المقالات في كتاب، وأعاد طبعه مرة أخرى ضمن سلسلة دار سعاد الصباح، بعض أن حذف شخصية منشورة في الطبعة الأولى، يهاجم فيها كاتب ضمن هيئة مستشاري السلسلة، ليسمحوا بنشر الكتاب.
هناك تشابه بين ما ذكره نجيب محفوظ عن جاد أبو العلا وما ذكره سليمان فياض عن بطل حكايته. فقد استدعى كاتب حاذق، وأطعمه ما لذ وطاب، وقال له:
تعرف يا ابن الناس ازدحام وقتي وانشغالي بأمور الأهل والخدم والحياة العامة التي فرضت علي، وضيق وقتي عن كتابة المزيد من القصص، وما أريده منك بالتحديد أن تكون كابن لي، احكي لك القصة، فلن تتعب في الحصول عى موضوعها، وعليك أن تصبها في أسلوبك الجميل، ولست أريد عائدها في النشر بمجلة أو صحيفة، فهو حق خالص لك، هي قصتي وعليها اسمي، ولك عن تعبك الثمن.
لكن الكاتب الحاذق اعتذر لضيق الوقت. خاصة أن رؤيته تختلف عن رؤية محدثه.
فغضب وصاح:
- رؤية؟! أنت تتكلم عن الرؤية، فأنت إذن من هؤلاء الحمر المستترين.
ثم نادى أحد النوبيين قائلا له:
- أره طريق الباب.
أعلى