علياء مصطفى مرعي - خوف متوطن.. قصة قصيرة

كُنْتُ مُتكئةً على صدرِه، يُحاوطني بذراعِه بدورِه، مُمرِّرًا أناملَه على خُصلاتِ شعري الناعمة، نُشاهِد فيلمًا اخترناه سَوِيًّا، حينما قطع صوتُه الموسيقى التصويرية: "عزيزتي، أودُّ أن أعترفَ لكِ بشيء."

تعجبْتُ مما سمعت؛ تُرى ما ذلك الأمرُ الذي لا يُمكنه الانتظار؟

لم أتفوَّه بحرفٍ، فاستنبط موافقتي، بادر: "إنك عظيمةٌ بحق، أنتِ زوجةٌ مثالية، وحبيبة رائعة، لا تُقصرين في حقِّي البتة، ولا تتوقفين عن التميُّزِ في كُل ما تفعلين، أُحبُّكِ كثيرًا."

شعرْتُ بغُصة، وكأن تلك الكلمات تسبق العاصفة، فوجدته يسرد: "لا أدري كيف، لكني لا أشعرُ بالارتياح، وتعتليني رغبةٌ في الانفصال."

لم أصدِّقْ ما طرأ على سمعي لحظتها، وكأنه استوعب ما برأسي، فأكمل: "أَعْلَمُ أن زواجنَا كان قائمًا على حُبٍّ شديد، كما أَعْلَمُ أني جاهدْتُ كثيرًا لأظفرَ بكِ، حتى أني أشعرُ بعض الأحيانِ أنكِ تستحقين من هو أفضلُ كثيرًا مني، فما يزيدُني هذا التفكير إلا عزمًا على أن أكونَ صَالِحًا، دائمًا ما أتمنى أن أمنعَ عنكِ كُل ما يتسببُ في حُزنكِ، حتى أنني أبغضُ المسلسلات الدرامية التي تجعلُك تذرفين دموعًا تضامنًا مع أبطالِها، أوتعلمين شيئًا؟ أنتِ تجسيدٌ للمثالية."

كانت دموعي قد حضرت آنذاك، تقرعُ أبوابَ عيني كي أسمحَ لها بالفرار، وعزة نَفسي تأبى بكل ما أوتيت من قوة.

"أومنُ أني بتلك الكلمات أتسببُ في جرحٍ بقلبِكِ لن يزولَ ندبه أبدًا، وأوقنُ أن مئات، بل آلافًا من الاستفساراتِ قد خطرت ببالِكِ الآن تتساءلين عن سببِ ما أقول، لكن شيئًا واحدًا عليكِ تصديقه، أني حقًّا أحبك."

ازدادت دهشتي من كلماتِه، أحبَّني حُبًّا عميقًا وتزوجنا قبل أقل من سنة، كيف يُعقَلُ ما يقول! أعقله مُختل؟ أم يودُّ أن أُجن؟ شئٌ بداخلِي كان دائمًا ما يُعكِّرُ صفوي كُلَّما ازداد رصيدُ حُبِّه بقلبِي، مُذكِّرًا إيَّاي بخيانتِه التي غفرتها قُبيل زفافنا بشهرين، مُنبهني أنه سيُكرِّرها بعدما يملُّ مني، هل ضجر بهذه السرعة؟ هل خانني مُجدَّدًا؟ أمريضٌ هو؟ إن كُنْتُ مثاليةً كما يدعي لِمَ يتركني الآن؟

في تلك اللحظة بالذات كانت عيناي قد أفرجت عن أنهارِ دموعي التي حبستها طويلًا، كان بُكائي نحيبًا، وحالت الناضجةُ بداخلي طفلةً يعلو صوتُ صُراخِها علَّ أحدَهم يُشفقُ عليها ويضمُّها بين أحضانِه، حينما سمعت زوجي يضمُّني بقوةٍ إلى صدرِه ويقول بصوتِه العذب: "حبيبتي، هل أنتِ بخير؟ ماذا بكِ؟ تعلمين أن ما هذا إلا تأثيراتُ الماكيير، وما إلى ذلك، لم يمتْ البطل حقًّا كما تظنين."

هدأت قليلاً بعدما استعدْتُ تركيزي، لم يَكُنْ ذلك سوى خيالي المريض الذي يُصوِّرُ لي الخيانةَ كُلَّما سنحت له الفُرصة، حمدًا للهِ أن أحداثَ الفيلم تضامنت مع موقفي، ابتسمْتُ وأنا أتطلَّعُ بعينيه، عازمةً على الذهابِ لطبيبٍ نفسيٍ لمساعدتي فيما أمرُّ به؛ عساه يلتقطني من بحرِ الخوفِ الذي يسحبُني، وأنا التي لا أعرفُ السباحة فأغرق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى