محمد هنقلا - شاى بالنعناع

المكان اسمه باب الارزاق ، وبهذا الاسم اشتهر شعبياً وتحت اسم يافتاح ياعليم تفترش كل امرأة عرق جبينها تحت ظل شجرة من اشجار المكان وتنشط حركة كؤس الشاى بالحليب واللقيمات خاصة عند الصباح لان غالبية اهل البلد يتناولون هذه الوجبة فى أثناء طريقهم الى العمل وفى طريقهم الى الركلسة، سحنات تأتى واخرى تغادر البرش او البنبر تاركة ورأها قفشات الصباح.

فى الايام الأولى لم اتجاوز مساحة المجاملة ، ابتسامة عريضة وكلمات طرية منقوعة على بخار الشاى بالنعناع ثم ينصرف كل منا الى ذاته فهى تلتهى باغراء مطالب الزبائن وانا التهى بالمارة، وتجنب الغبار حتى لا يختلط بكاس الشاى ، وعيونى تغادر رأسى مرفرفة فوق هامات الغلابة وتهبط محملة بغبار من الهموم وتعاود الكرة بعد ان تفرغ شحنتها، هذه هى المساحة وظلها حتى اغادر المكان.

فى احدى صباحات حرب الحدود تدلا الكلام بيننا مع هدوء عاصفة الزبائن وتعمق الخلاف لترتفع درجة حرارة الحروف ما فوق درجة الغليان، وتدفقت مادة الكلام من القالب، مشكلة مفاهيم واسماء غريبة لم اسمع بها من قبل ، ونتيجة لغرابة اللغة ظننت ان لتاى تتحدث من وحى الزار وفكرت فى قرار نفسى احضار ديك احمر، من بائع الجداد وسمسار الخمور المهربة ودى عدى قرات، حتى اكسر جنون هذه الهلوسة، وبينما انا استمع الى صوتى الداخلى وتقفى اثر رقصة الكودا فى الكلام ، هب النسيم مغازلاً اطراف خيمة الحديث، فان مشكلة لتاى اختفاء الطاف من السوق وسيطرة الذرة على الدوكا خلافاً لمشكة ستل التى ينهشهاالشتاء السياسى ويعريها كل صباح من اوراقها ، لتفوح الشوارع والحقول زفرت محنتها ، وبسبب الطاف غدت لتاى تنعت اللحظة بالزمن المشؤوم.

ورغم صعوبة الحوار من حيث الاولويات، حاولت ان ادغدغ حواسها من خلال عرض ما تبقى من اصداء الاستعمار التى تلاحق الاجساد المتعبة، اجساد فى السابق زرعت الوطن احلام، واليوم يلسعها الوطن بنياشين من السياط، وتحول بذلك ربيع الحلم الى يقظة مزعجة، وقبل ان اكمل تمديد انابيب حديثى يتخثر الكلام فى فمها ويتحول الى بكاء اخرس وعاصفة من الشهقات المليئة بنتوات الحياة، وايضاً ارى الدخان واللهب يسيل من كل جنبات الجسد ذلك الجسد المتعب بمطالب الزمن، فمأسات لتاى واسعة بمساحة الوطن وذلك ماثل فى شاشة عيونها المتقيحة ، فابنها اصفها تزوجته حرب الحدود زواجاً عرفياً، وزوجها تسفالدت استشهد فى معارك حرب التحرير ، واليوم هى وابنائها الثلاثة شهداء معركة المعيشة، مقاربة هذه الصورة صدمتها بصعقاتها الكهربائية ليصبح ماكان مجرد ثرثرة مقاهى ، الى كلام ذو بعد دلالى ، يكشف خدوشات الاسلاك الشائكة على الجسم ، جسم سيزيف وتعود لتاى الى وعيها وتسألنا عن كيفية غسيل الظلم والفقر ؟ وكانت الاجابة عن طريق صابون الاومو وهى تبتسم ابتسامة ساخرة من الاجابة وقعت نظرات، الى اللقاء، وتأبطت من المكان اسئلة الطاف والانسان وحرارة الحوار.





* سيزيف كان محكوم عليه بدفع الصخرة الى قمة الجبل فاذا بلغت القمة تدحرجت الى اسفل ثم يعاود الكرة ” من اساطر اليونان”
* الطاف نوع من انواع الحبوب وهو غذاء مفضل عند الاحباش
* الكودأ هى رقصة شعبية ارترية عند قومية التجرنية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى