محمد الرياني - قطةٌ بيضاء

في ليلٍ مظلمٍ شعرتُ بملمسٍ كالحريرِ على قدمي، كنتُ منشغلًا بالظلمة؛ النجومُ البعيدة، السماءُ التي يحفُّها السواد، عاد إلى قدمي ملمسُ الحرير، حركتُ قدمي، انطلقَ مواءٌ ناعمٌ لم أسمع مثله، ظهرتْ قطةٌ بيضاءُ وكأنها النورُ في ليلٍ شديدِ السواد ، ظلّتْ تكررُ مواءَها وكأنها تعزفُ لحنًا يناسبُ الليل، لم أكن أحبُّ القططَ ولا أطيقها؛ أذكر أن قطًّا بُنيَّ اللونِ غافلَني مرةً عند الغروبِ وأنا صغيرٌ وخطفَ مني قطعةَ سمكٍ هي الوحيدةُ التي أتلذذُ بها مع حباتِ الأرز، لم أجدْ غيرَ الملعقةِ للنيلِ منه على ذيله ، أصدرَ صوتًا غاضبًا وكأنَّ الحقَّ له، أوشكَ أن يقفزَ على يدي ويضعَ فيها مخالَبه، ولكنَّه آثرَ الهربَ مع حلولِ الظلام، تركني أتحسرُ وأدعو على جميعِ القطط ! صوتُ القطةِ البيضاءِ أشعرَني بالألم ، تمنيتُ أنَّ البحرَ قريبٌ لأصطادَ وأُطعمَ كلَّ القططِ في الظلامِ لأُكفرَ عن خطأِ البراءة، أصدرتُ صوتًا أنادي به القطةَ البيضاء، أقبلتْ بعينيها البراقتين تشعَّان زرقةً ونورًا في الظلام، لم تكن جائعةً على مايبدو ولكنَّ هدوءَ الليلِ وسكونَه جعلاها تخرج لترى الحياةَ بلا منغصات، أشعرتُها بالأمانِ واختارتً زاويةً في المكانِ لتستقرَّ بها، لم تكن تعلم أنني قد عاقبتُ أحدَ أسلافها، لم يكن عقابًا بمعنى العقاب؛ كانتْ براءةُ الصغارِ لردِّ الاعتداء، ظلَّتْ تنظرُ مثلي في الظلامِ نحوَ أي شيء، قلتُ في نفسي لو كانت النجومُ قريبةً لسلبتُ منها ضوءًا ينيرُ وحدتنا، فجأةً اخترقَ الهدوءَ قطٌّ رماديٌّ ضخم ، أصدرتِ البيضاءُ صوتَ استغاثة، لم يكن حولي ملعقةٌ قديمةٌ أو بقايا أرزٍ أو قطعةُ سمكٍ لأُشغلَه ، نهرتُه بلطفٍ حتى ابتعدَ عن المكان، اقتربتْ مني القطةُ البيضاء، مسحتْ بذيلها على قدمي ثم حدقتْ بعينيها اللامعتين في وجهي وكأنها تشكرني، لم تبرح المكانَ الذي أردتُ أن أنام فيه، تألقَ الليلُ بسوادِه ونجومِه البيضاء، أغمضتُ عينيَّ وأنا أفكرُ في نجومِ السماءِ ونجمتين ساطعتين في عينيْ قطةٍ صغيرة، صحوتُ في الصباحِ ولاتزالُ القطةُ عند قائمِ السرير، غابتِ النجومُ في السماءِ واختفى بريقُ عينيِ القطة، وضعتُ يدي على ظهرِها برفقٍ لأُشعرَها بأن الشمسَ قد أزاحتِ الليل؛ قلتُ لها : احتفظي ببريقِ عينيكِ حتى يأتي ليلٌ آخر، لم أدرِ هل فهمتْ لغتي؟ أم أنها ستعود لتنيرَ ظُلمتي من جديد؟!
قطةٌ بيضاء

محمد الرياني

في ليلٍ مظلمٍ شعرتُ بملمسٍ كالحريرِ على قدمي، كنتُ منشغلًا بالظلمة؛ النجومُ البعيدة، السماءُ التي يحفُّها السواد، عاد إلى قدمي ملمسُ الحرير، حركتُ قدمي، انطلقَ مواءٌ ناعمٌ لم أسمع مثله، ظهرتْ قطةٌ بيضاءُ وكأنها النورُ في ليلٍ شديدِ السواد ، ظلّتْ تكررُ مواءَها وكأنها تعزفُ لحنًا يناسبُ الليل، لم أكن أحبُّ القططَ ولا أطيقها؛ أذكر أن قطًّا بُنيَّ اللونِ غافلَني مرةً عند الغروبِ وأنا صغيرٌ وخطفَ مني قطعةَ سمكٍ هي الوحيدةُ التي أتلذذُ بها مع حباتِ الأرز، لم أجدْ غيرَ الملعقةِ للنيلِ منه على ذيله ، أصدرَ صوتًا غاضبًا وكأنَّ الحقَّ له، أوشكَ أن يقفزَ على يدي ويضعَ فيها مخالَبه، ولكنَّه آثرَ الهربَ مع حلولِ الظلام، تركني أتحسرُ وأدعو على جميعِ القطط ! صوتُ القطةِ البيضاءِ أشعرَني بالألم ، تمنيتُ أنَّ البحرَ قريبٌ لأصطادَ وأُطعمَ كلَّ القططِ في الظلامِ لأُكفرَ عن خطأِ البراءة، أصدرتُ صوتًا أنادي به القطةَ البيضاء، أقبلتْ بعينيها البراقتين تشعَّان زرقةً ونورًا في الظلام، لم تكن جائعةً على مايبدو ولكنَّ هدوءَ الليلِ وسكونَه جعلاها تخرج لترى الحياةَ بلا منغصات، أشعرتُها بالأمانِ واختارتً زاويةً في المكانِ لتستقرَّ بها، لم تكن تعلم أنني قد عاقبتُ أحدَ أسلافها، لم يكن عقابًا بمعنى العقاب؛ كانتْ براءةُ الصغارِ لردِّ الاعتداء، ظلَّتْ تنظرُ مثلي في الظلامِ نحوَ أي شيء، قلتُ في نفسي لو كانت النجومُ قريبةً لسلبتُ منها ضوءًا ينيرُ وحدتنا، فجأةً اخترقَ الهدوءَ قطٌّ رماديٌّ ضخم ، أصدرتِ البيضاءُ صوتَ استغاثة، لم يكن حولي ملعقةٌ قديمةٌ أو بقايا أرزٍ أو قطعةُ سمكٍ لأُشغلَه ، نهرتُه بلطفٍ حتى ابتعدَ عن المكان، اقتربتْ مني القطةُ البيضاء، مسحتْ بذيلها على قدمي ثم حدقتْ بعينيها اللامعتين في وجهي وكأنها تشكرني، لم تبرح المكانَ الذي أردتُ أن أنام فيه، تألقَ الليلُ بسوادِه ونجومِه البيضاء، أغمضتُ عينيَّ وأنا أفكرُ في نجومِ السماءِ ونجمتين ساطعتين في عينيْ قطةٍ صغيرة، صحوتُ في الصباحِ ولاتزالُ القطةُ عند قائمِ السرير، غابتِ النجومُ في السماءِ واختفى بريقُ عينيِ القطة، وضعتُ يدي على ظهرِها برفقٍ لأُشعرَها بأن الشمسَ قد أزاحتِ الليل؛ قلتُ لها : احتفظي ببريقِ عينيكِ حتى يأتي ليلٌ آخر، لم أدرِ هل فهمتْ لغتي؟ أم أنها ستعود لتنيرَ ظُلمتي من جديد؟!

محمد الرياني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى