إبراهيم محمود - نساء الرواية: قراءة في سردية رواية: زهرة الصخور، لإيلاريا توتي

سؤال طبعاً
من هُنَّ نساء الرواية؟ من المؤكد أنهن لسن اللواتي يمكن التفكير فيهن باعتبارهن نساء على " ذمة الذكور "، أو ما يجعلهن ناطقات في ظله، وهو المألوف كثيراً. ولسن اللواتي الممكن توصيفهن على أنهن الجاري توصيفهن، بمقاييس الرجال عموماً، مهما أوتوا دقة في الكتابة عنهن، فثمة مساحة " جندرية " تخص البنية الحيوية والنفسية للمرأة تتكلمها، ولا تترجم بلغة المذقّن" ذي الذقن ". بناء عليه، نساء الرواية هن اللواتي يكنّ كاتباتها من جهة، وأن الذين يعرَّف بهم شخصيات من صنْع الخيال الأدبي، من نسَب المرأة لا الرجل، وما في ذلك من قلب موازين التمثيل، والمفاهيم المعتمدة لنسج عوالمها المتداخلة .
في الجانب الآخر، ما الذي يميّز أن تكون المرأة بجانب الرجل، وأن يكون الرجل بجانبها، إذا كانت العلاقة خالية من التفاعل والتثاقف والتحاور؟ كيف يمكن لنساء الرواية أن يؤكدن أن لهن عالمهن الذي يتكلمهن، ويتقدم به، ويخرجن من ماض ٍ، كان الرجل يمضي عليه، ويوجّهه بعلامات فارقة من لونه، طعمه، شكله، نكهته، حياته وموته، إلى حاضر، وعلى ذاك الرجل لا أن يسمع فقط، وإنما أن يصغي بعمق، لأن الإصغاء تأكيد احترام الذات في النظر إلى الآخر، والآخر معتبَر هنا يمثل المرأة، وليكون لكل منهما إيقاعه في الحركة والسكون، النوم واليقظة، الحلم والرؤية، وثمة ما يفعّلهما معاً: حياة وموتاً.
وإذا كان هناك من حديث عن " نساء الرواية " وكيف يولدن ويعشن ويمتن في " مجتمع الرواية " تحديداً، فلا بد من لفت النظر إلى كاتب الرواية، ومن باب الدقة: كاتبة الرواية، وكيف أمكنها أن تدشّن هذا المجتمع تخيلاً وواقعاً، وتبعاً لأي أسلوب في السرد أمكنها ذلك، وما يشغله السرد من زمان ومكان، يكشفان عن موقع لها فيها .
ذلك ما يشدّد على الرواية حين تكون أقرب إلى السيرة الذاتية، وكيف تتكلمها، وهي وراء حجاب رقيق، حجاب فنية بامتياز، وتلك الظلال التي تتراءى بين مد وجزر، بين وضوح وغموض، والقارىء يكون بينها وبين روايتها ؟
وفي السيرة الذاتية، ثمة التقابل والتناظر، إلى جانب التجاذب بين ما يكون إشعاراً بسيرورة حياة وصيرورتها، وما يكون وصلاً بذات لها قوامها اللحمي والعظمي والروحي والاسمي، والتجنيسي كذلك. إنها امتحان غاية في الحساسية والتقاط الإشارات وإرسالها تبعاً لفنية المرسَل، أي لكائن ما، يشدنا إليه، ونحن نقتفي أثره، وكيف اقتفى هو نفسه أثره، وما شدَّد عليه، وما استبقاه طي مجهوله الذاتي، لأمر ما .
أكثر من ذلك، أن عبارة السيرة الذاتية، في محتواها، وإن كانت تشير إلى ماض ما محكوم ببداية ما ونهاية ما، سوى أن محرّكها الحاضر، وأنها تُكتَب، أو يجري سردها بلسان المستقبل، وإن كان خطاب المتكلم ماض . وهنا يكون التحدي الأكبر جهة وجوه الزمن، وكيف تكون الذاكرة المعنية مستدعاة، وتبعاً لأي تقدير نفسي .
وما ينوّه إلى خطورة الكتابة، جهة المودَع فيها سردياً، هو أن التي تتولى هذه المهمة المؤثرة امرأة، وما لهذه المرأة من مكاشفة لمَا كان طيَّ الغفل الكشف عنه، أو في حكم المحظور، أو المراقَب، كونها موصولة بالآخر: الرجل، في الثقافة السائدة كثيرة.
وما أكثر ما قيل حول هذه النقطة المركَّبة، وجرى السجال باسمها أو حولها، ولعل رواية الإيطالية إيلاريا توتي: زهرة الصخور " 1 "، تفصح عن هذه المقدرة على طرح نفسها بلائحة تصورات مختلفة، ومن خلال المكوّن الجنساني فيها، ولعبة النساء في متنها، وما يخرج عن المتن تنامي دلالات، وهن يواجهن الموت بالحياة، في مناخ الحرب، وكذبتها الفنية الجاذبة، وفعل الحرب في الحياة وكائناتها وليس البشر وحدهم، وفعل البشر في الحرب وتبعاتها الرهيبة.
لنكون إزاء رهان الكاتبة نفسها، وما اعتمدتْه من استراتيجية رؤية فنية في نسْج سردها وأفق المقروء فيه.

المرأة كاتبة، وكاتبة سيرة
المرأة الكاتبة اكتشاف حديث في تاريخ الكتابة، حيث كان التاريخ في كل ما يعرَف به، والأدب ضمناً ناطقاً بلسان الرجل، ويُحرَّر باسمه بداية ونهاية. والمرأة تكون في عهدته. حيث الصوات تال على صوته، ومقيَّم من جهته، أما الكتابة، فهي نشأة ونمواً وتحولاً، فهي تشهد على خاصية مؤمّمة لها، وهي أنها تنسَب إلى الرجل، وبقيت كذلك طويلاً .
من الحديث عن الجنس، إلى توصيفه المعرفي، إلى الحكم عليه، إلى الارتقاء إلى ما هو ميتافيزيقي، وفي متابعة التأريخ المديد للجنس البشري بالذات، ثمة وجه ملتح ٍ أو له ذقن، ثمة يد خشنة تظلل هذا التاريخ إجمالاً.
فـ(في القرن التاسع عشر ، هل كان هناك مكانة للكاتبة النسائية ، ناهيك عن المؤلفة أو الكاتبة ، من الواضح أنها مصطلحات عفا عليها الزمن في وقت كان فيه الكثير منهن يستخدمن أسماء مستعارة للذكور من أجل التعريف بأنفسهن والاعتراف بهن؟ من جورج ساند إلى أندريه ليو ، من ثلاثينيات القرن التاسع عشر إلى بيلّ إيبوك Belle Époque ( تعني حقبة جميلة. المترجم )، هل يختلف موقع امرأة الأدب في المجتمع اختلافًا جذريًا عن وضع نظيرها من الجنس الآخر؟ عند قراءة جريدة غونكور أو الكثير من الخطابات اللاذعة المنتشرة في كل مكان ، فإن الإجابة واضحة. المنافس غير المخلص للبعض ، الجوارب الزرقاء للآخرين ، المرأة التي تنوي العيش، بقلمها تثير ردود فعل مميزة من الرفض أو الرفض الكبير.) " 2 "
ذلك ما يمكن سبْر مراحله بطياتها، وكيف شهد هذا التاريخ المركًّب، والمثقل بالصراعات والمآسي، هذا الارتفاع المتواتر في ارتفاع موج الأحداث، ومؤثراته الاجتماعية، وتلك الصراعات التي تكون المرأة وجهاً بارزاً فيها، وما كان سبباً لأن تتصدع التربة الصخرية والقاسية بمعْلمها الذكوري عن تلك الضغوط التي تحمل بصمة المرأة،والهزات التي شهدها في القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين خصوصاً، جهة ملِكية الكلام، وإدارته، الكتابة وتمثيلاتها.
وهو التاريخ العام، ومنه الأدبي خصوصاً، وجنس الرواية، بشكل أخص، الذي لم يسلم من تنامي هذه الهزات في عقر دار الرجل الذي كان يجد نفسه" رب البيت: الآمر الناهي "، والحاكم، والمفتي، والقاضي، والمسئول، والمتنفذ الأول في البلاد، ومصدر الفتاوى وسواها من التعليمات ذات الصلة بما هو سياسي، واجتماعي، وتربوي ونفسي .
تاريخ المرأة أكثر من تاريخ الرجل مكتوب بالدم والصراخ المكتوم، والتعتيم القسري، والتصفية الصامتة.
ذلك ما يمكن النظر فيه من جهة كريستيفا، ومن المنظور الأخلاقي بالذات:
فـ(في التغيير الأنثروبولوجي المتسارع في بداية الألفية الثالثة ، أصبحت النساء على حد سواء قوة ناشئة ، على المستوى نفسه مع تقلبات القيم والهويات ، والآخر غير القابل للاختزال ، وموضوع الرغبة والخوف والحسد. القهر والاستغلال أو الإساءة والاستبعاد.
لقد قلتُ "مخاطرة" لأن المؤنث ، مثل "بوزون اللاوعي" (كما يوجد بوزون هيغز في فيزياء الجسيمات) ، هو مكون جذري بقدر ما لا يمكن تعريفه من هوياتنا النفسية الجنسية.
ومنذ ألفين وخمسمائة عام من وجود الأخلاق ، تم رفض المؤنث (المؤنث) من مجال الأخلاق: إنها ليست ذاتًا ، إنها موضوع على الأكثر (وحتى ذلك الحين!).
لقد كسر التحليل النفسي هذا الإقصاء للأنوثة بنوع من الأخلاق التي "تضع بين قوسين" ، أي إنه يوقف الحكم والأخلاق والعالم ، من أجل التشكيك فيها بشكل أفضل ، من خلال إعطاء التوجيه: "أين؟ كانت ، يجب أن أصبح "؛ ومبدأان متعارضان: مبدأ اللذة ومبدأ الواقع.
وقد كتبت سيمون دي بوفوار "نحن لم نولد امرأة ، بل أصبحناهاكتبت سيمون دي بوفوار "نحن لم نولد امرأة ، بل أصبحناها On ne naît pas femme, on le devient ". أفضل أن أقول: "نحن (بيولوجيًا) ولدنا إناثًا ، لكن" أنا "(الوعي النفسي الجنسي - اللاوعي) أصبحت (أو لا) أنثوية (FEMININE). » ". أفضل أن أقول: "نحن (بيولوجيًا) ولدنا إناثًا ، لكن" أنا "(الوعي النفسي الجنسي - اللاوعي) أصبحت (أو لا) أنثوية (FEMININE). ».) " 3 "
المرأة يُنظَر إليها من الخلف، لهذا تكون متصوَّرة في حلكة التاريخ، وفي الفناء الخلفي له، وفي سياق اللاوعي السياسي للحرب وأهوالها، وفي الجوار الملاصق للنخر المجتمعي، ووهم الرجل عن نفسه..إلخ،
كانت المرأة في تاريخها الطويل وكاتبه وشاهده وراويته وحافظه وقيّمه: الرجل،في ربقة فعل الماضي المتصرَّف به ذكورياً، ليتوقف الفعل المضارع وما يليه مستقبلاً، ضمن مستشرفات الرجل باعتباره المهيمن على حقل الحياة والموت بالمفهوم الجنساني، وكل ما يخص المرأة صوتاً وكتابة، يحوَّل إلى ترجمة مباشرة بتصرف .
والحرب تظل شاهدة التاريخ والحياة الكبرى، وقابلته السيئة الصيت، على أنها ملحوظة وجه الرجل، لسانه، ذاكرته، يده ورجْله بجلاء: القرار بشنها، الإقرار بحقيقتها، إعلان وقف عملها المعتاد، النظر في بنيتها، وموقعها هنا وهناك.
لتصبح الحرب هذه لاحقاً محرَّرة نسبياً من كل ما يجعلها محكومة به، وتبعاً لتنامي نفوذ المرأة كلاماً وكتابة.
ذلك ما يمكن تبيّنه في مثال حي وهو المتعلق ب" مي سنكلير "فـ(في معظم كتاباتها في زمن الحرب ، ترسم سنكلير العديد من أوجه الشبه بين تضحيات الجنود ، المرسلة إلى فرنسا أو بلجيكا ، ونضال النساء البريطانيات من أجل المساواة ، حيث يتم تمثيل كل مجموعة على أنها "دوامة" ، زوبعة لا يمكن السيطرة عليها تركز على القوى الحية لـ المجتمع في ذلك الوقت.) " 4 "
ذلك ما يمنحنا قوة دفْع في اتجاهات مختلفة، لمكاشفة ما تأريخي بخصوص المرأة هذه، وكيف أن تنامي مفهوم الجنسانية كمفهوم معرفي وفكري، أسهم كثيراً في تحرير صوتها وقدرتها مما حجَّر عليهما، وكان لها هذا الحضور المنافس للرجل، لا بل ومحاولة مساءلته عما صنعته فيها: يداه، لسانه، وذاكرته الجمعية الموجهة، وعلمه الجانبي، وما يوسّع قاعدة العلاقة بالحياة عينها: حق الحياة وحق الموت، وربطهما بخيارات ثقافية وسياسية واجتماعية .
إن ما تتطرق إليه " كاريم ميشيا " في مقالها المعمَّق: قصص النساء ، قصص الحرب: نوع إشكالي، يغذّي هذه الفكرة الصاعدة في التاريخ، ومبرر صعودها بالطريقة هذه، ومن كان الحائل دون تجلّيها، بقولها:
(تبحث هذه المقالة ، من الناحية النظرية والعملية ، في العلاقة المعقدة بين روايات السيرة الذاتية للمرأة والسياق الاجتماعي والتاريخي الذي تحدث فيه. هذا السؤال مهم بشكل خاص عندما يرغب المرء في استخدام مثل هذه المصادر لفحص السؤال الأقل إشكالية للآثار التحررية المزعومة على النساء في أوقات الحرب. من وجهة النظر هذه ، تقدم الحرب العالمية الثانية في بريطانيا العظمى دراسة حالة ممتازة لتوضيح النقطة التي سنقوم بتطويرها هنا.)
وما يثري الفكري ويضفي عمقاً تاريخياً، يستفاد منه هنا وهناك:
( في 9 تموز 2005 ، افتتحت جلالة الملكة في لندن ، بجوار النصب التذكاري الشهير للحرب في وايتهول ، نصبًا تذكاريًا جديدًا: النصب التذكاري لنساء الحرب العالمية الثانية. كان هذا الاعتراف الرسمي المتأخر بالدور الأساسي الذي لعبته ملايين النساء البريطانيات خلال الحرب العالمية الثانية ، اللواتي ظلت أنشطتهن حتى الآن في الظل ، هو إعادة هؤلاء النساء ، على المستوى الرمزي على الأقل ، إلى المكانة اللائقة التي احتللنها بشكل بارز. في السرد الوطني لهذا الصراع. يعكس نص العرض التقديمي هذا الطموح جيدًا: "تمت إعادة كتابة التاريخ بعد ستين عامًا) " 5"
هذا الاضطراد في الوعي الجنساني، وتحرّي الحقيقة المغيَّبة تحت ركام التاريخ المعزَّز ذكورياً، يرينا كيف أن زاوية التاريخ الحادة جداً، كلما اقتربنا صعداً صوب تاريخ الراهن، تأخذ فسحة زاوية منفرجة وأكثر.
ولعل الذي تتضمنه هذه الاقتباسات تكون شاهدة على مثل هذا التحول النوعي في منعطف مفهوم الكتابة عينها.

الرواية ورواية السيرة الذاتية وكتابة المرأة
في غمرة النقاشات التي تتمحور حول الجنسانية، ومتغيراتها وفي زمن العولمة، وفي سياق الحديث عمّا بعد الكولونيالية، وتلك المأثرة السردية التي تظهر مطعَّمة بالطغيان المابعد الكولونيالي، حيث يتفعل العنف بعيداً عن المشاهدة المباشرة، إنما يكون ميكروسكوبياً، كما هو تنوع الإرهاب العلني والخفي، ورؤية ضحاياه في العالم المعولم وأبعد، ثمة الحديث المتشعب عما يمكن للمرأة أن تمثله في التعبير عما يخص الجندر، وموقعها في نطاق الكتابة وكيفية تفعيل أثرها، وما يكونه السرد حين يعهَد به إلى اسم علَم يتمثل في المرأة، وتفهم الرجل لذلك .
إن ما تعرضت له " ألكسندرا جالاكوف" في مقالها المهم: كتابة المؤنث / المذكر: هل للأدب جنس؟ يستجيب لمثل هذا المطمح المعرفي وفضوله العلمي بامتياز. ثمة أكثر من محاولة لنزع السحر عن العالم الذي يحيط بالمرأة.
تشير بداية إلى (جوليا كافانا ، وهي مؤلفة الأدب الأيرلندي في القرن التاسع عشر ، مؤلفة مختارات نقدية عن الكاتبات الإنجليزيات: اسكتشات للسيرة الذاتية (1882) ، وقد أثارت بالفعل في أحد تعليقاتها على الكاتبة البريطانية في القرن الثامن عشر شارلوت سميث ، أهمية "النساء" أي الشخصيات النسائية التي تم إنشاؤها وتصويرها من قبل الكاتبات. وأكدت بالتالي أن نظرة الرجل إلى المرأة كانت محدودة وتنقل صورة منحازة وسطحية ومشوهة للمرأة ، لا سيما عن طريق اختزال المرأة في أشياء من رغبة الرجل أو تجسيدًا للجمال الجسدي والعاطفة. قالت إن الرجال نادراً ما يميزون الغموض الداخلي للإناث. )
لتطرح سؤالاً فيما بعد " هل يستطيع المؤلف أن "يتحرر" من هويته لكي يكتب؟ "
والجواب يكون من خلال الإشارة إلى الكاتب أوليفييه آدم على ينزلق في جلد امرأة في القلب العادي ولم ينجح في جعلي أنسى صوته. ليشير إلى ما تقوله كافانا عنه:
يعهد آدم أيضًا ، على الرغم من كل شيء ، بتحليل مثير للغاية وجميل جدًا لعمل الخلق و (إعادة) تكوين الكاتب المرتبط بهذا الحلم / مثال "التعالي" أو "الشمولية". لديه الذكاء ليس للادعاء بالوصول إلى هذا الشكل الخارجي المنصف ولكن مع ذلك يفتح الباب أمام شكل من أشكال القدرة على الكتابة ليس خارج نفسه ، ولكن من داخل نفسه. فارق بسيط يمس العقل الباطن ، ويركز خبراتنا ، في جوهرها ، مما يتيح الوصول إلى طبقات أخرى ، وأبواب أخرى لهوية الفرد ، مما يسمح للفرد "بتجاوزه" على السطح ، لتحرير نفسه منه مؤقتًا - و إلى حد ما ، لأنني لا أؤمن مطلقًا بالتحرر الكامل - لا سيما العمر أو الجنس أو الحالة الاجتماعية. ... أن ما يشرح في مقابلة ، مع ذلك يحتوي على جرثومة فكرة "الحياد الذاتي" التي يبدو لي أنها تحتوي على دقة معينة في ازدواجيتها ، وأنا أصر على الازدواجية:
(...) المكان الذي نكتب منه داخليًا هو مكان متحرر من الوجود الاجتماعي ، أو من طبقات مختلفة من الكائنات الاجتماعية التي نحن عليها. عندما أكتب فأنا لست الابن ، ولست الأب ، ولست الحبيب ، ولست العميل ، ولست المريض ، ولست الموظف. أعتقد أنه مكان أكثر وحشية ، والكثير من الأشياء التي لم يمسها ، وأكثر سرية ، وهو مكان لا يطمح للتواصل مع أي شخص آخر غير الكتاب ، لأنه لا يمكن الدفاع عنه ، حتى أنه غير مقبول للآخرين. هناك هذه المساحة حيث تتوفر لدينا جميع أعمار حياتنا في الوقت نفسه، والتي بالنسبة لي سيحكمها نوع من المراهقة الدائمة. أعتقد أن الكتابة أو الإبداع بطريقة أو بأخرى ، أو القراءة ، أو مشاهدة الأفلام ، أو مشاهدة الأعمال ، يرفعنا عن أنفسنا. (...) لأن الحياة تقيدنا ، تقيدنا. مساحة التعبير الملموسة لدينا محدودة أكثر بكثير من المساحة الذهنية التي نسكنها ونعبئها لكتاب كتاب. .. ) " 6 "
ذلك ما يُعتبر بمثابة عودة الوعي المغيَّب إلى ممارسة عمله كما كان، في سياق العلاقة السليمة بين الرجل والمرأة، وأن الذي يفصح عنه الرجل باعتباره حقاً مهضوماً للمرأة في تاريخه الطويل، ليس أكثر من سعي إلى الدفع بالمجتمع لأن يكون مجتمعاً سوياً، وتكون الجنسانية ناظرة إلى المستقبل، بمعيار أخلاقي مغاير لما كان.
ولأننا نتحدث عن السيرة والسيرة الذاتية، ومدى إمكانية المرأة لأن تكون مؤهلة لأن تكون كاتبة معبّرة عما يخص عالمها الذي تعيش فيه، وبتصور مختلف، يوسّع حدود الرؤية إلى العالم من خلال ما تعيشه بقدراتها النفسية، والتحرر من تلك الثنائية المصطنعة وطابعها العلموي، أو الإيديولوجي.
ولكي نصل إلى النقطة التي تسهم في إنارة النص الروائي للكاتبة الإيطالية، وما في أسلوبها من حضور إبداعي يشهد لها بهذا التجلي القاعدي الذي ينبني فيه عالم الروائي أكثر من كونه عالمها وحدها، ومن خلال المعرَّف به سيرياً ذاتياً، وما يجعل من هذه السيرة شاهدة عيان على مدى دقتها في اختيار ما يفيد في نسج عالمها هذا، ثمة البحث الأثير بمحتواه في هذا المقام للكاتبة" نيكولاس بويلو":نوع منفصل: السيرة الذاتية والنقد الجنسي، وهي تتطرق إلى جملة النطاق الشديدة الأهمية والمضيئة لجوانب شتى للموضوع .
ما تأتي على ذكره في في النهاية، وقد نوَّهت إلى مقاصد هذا التقسيم بين الرجل والمرأة، ومفهوم " الأدب النسوي " وخلافه في السياق، تقول ما يفصح عن الجرح الجسدي المعلوم بدمغته الجنسانية( يبدو لي أن استنتاجات النقاد النسويين تتعلق بالطريقة التي يمكن للمرء من خلالها استيعاب الذات الأنثوية، وإلى حد كبير ، العملية التي سمحت لها بأخذ نفسها كشيء ، من خلال الإشارة إلى المشكلات المتعلقة لخصوصية علاقة الذات بالذات.) .
وما يدعو إلى وجول التمييز بين حقيقتين، لكل منهما ما تبقيها على مبعدة من الأخرى:
( الغريب أن النساء والسيرة الذاتية لا تختلطان. أقول بفضول لأنه من الشائع أن نقرأ العكس ، أي إن كتابة المرأة تتميز على وجه التحديد بطابعها الحميم والسيرة الذاتية. يتذكر دومنا س. ستانتون أن هذه الحجة كانت في البداية ثمرة إيديولوجية أبوية. ووفقًا لها ، فإن تأهيل النص كسيرة ذاتية يجعل من الممكن التقليل من قيمة عمل المؤلفين من خلال التأكيد على افتقارهم للإبداع. ولا تتوافق السير الذاتية مع النساء بشكل جيد لأن السير الذاتية للنساء ظلت حبراً على ورق لفترة طويلة ، وهي نصوص لم تجد أي متلقٍ لها ولم تحظَ بأي اهتمام. وقد حصر نوع السيرة الذاتية بكل تنوعاته (مراسلات ، مذكرات... إلخ) النساء داخل المجال الخاص ، وأصبح أداة للسيطرة الذكورية على المشهد الأدبي وعلامة على عدم تكيف المرأة مع أي شيء لا ينتمي إلى الحميمية.) .
هوذا البعد الخفي، إن لم يكن ظاهراً للمثار من جهة الرجل: الذكر، وما يشكل تقييداً لجسد المرأة داخلاً وخارجاً، وما ينبغي أخذ الحذر من كل تعبير يحيل هذا الجسد إلى معطى متصور من قبل هذا الرجل، وما يخص السيرة الذاتية:
( تعتبر السيرة الذاتية ، حسب لوغون ، "سرد نثر بأثر رجعي يصنعه شخص حقيقي عن وجوده ، عندما يؤكد حياته الفردية ، ولا سيما تاريخ شخصيته". تُظهر المصطلحات الثلاثة الأولى من التعريف بوضوح ما يرغب الأكاديمي الفرنسي في تسليط الضوء عليه في بحثه عن هذا النوع الذي ينتقده النقاد الأدبيون.)
وما يضفي على ذلك من مأثرة ما بعد حداثية، جرّاء ضروب مقاومات المرأة بالذات:
( في حين أن السيرة الذاتية هي المصطلح الأكثر استخدامًا والأكثر فهمًا لسرد الحياة ، إلا أنه أيضًا المصطلح الذي تم تحديه بشدة في أعقاب انتقادات ما بعد الحداثة وما بعد الاستعمار لموضوع التنوير. تتميز "السيرة الذاتية" بأنها الإنجاز النهائي لنمط من السرد الحياتي ، فهي تحتفل بالفرد المستقل وقصة الحياة العالمية.
إن ما يجب التساؤل عنه هو هذا الاستنتاج: إذا تم إبعاد النساء عن الأدب ، وإذا كان وصولهن إلى إنتاج الأعمال وتوزيعها قد قادهن إلى الكتابة الشخصية بدلاً من الكتابة الخيالية ، فيجب أن تكون كتاباتهن بالضرورة مختلفة ، أخرى ، لأنهم يجب أن يندمجوا في نموذج لغوي لم يشاركوا فيه. على العكس من ذلك ، كانت وولف بالفعل حذرة من الاضطرار إلى العثور على سمة من سمات الكتابة خاصة بالأنثوية. تعتبر السيرة الذاتية نوعًا منفصلاً لأنها تسعى إلى التماثل مع الموقف المرجعي ؛ الاعتراف الذي تحتويه في كثير من الأحيان ، وشخصية الشهادة في حقبة تأخذه القصة في بعض الأحيان ، والارتباك الذي يحدث بين النص داخل النص والنص الإضافي يؤدي في كثير من الأحيان إلى التأثير المزعوم للنص. ومع ذلك ، يجب أن تكون تحقيقات ناقد السيرة الذاتية على مستوى شرح هذه الآثار وتترك للنقاد الثقافيين أو المؤرخين تفسير تمثيل التجربة التي يشير إليها النص.) " 7 "
ولا شك أن وراء هذا المثار طي كل من السيرة والسيرة الذاتية، ومن قِبل المرأة، وما يبقي المرأة في واجهة المكاشفة والمساءلة عما كانت عليه من مواصفات، يُنتقَص باسمها من قيمة المرأة، أو يجعلها دونية مكانة واعتباراً، وفي الوقت نفسه، يضاعف من الحق التاريخي والحيوي للرجل، وفي الكتابة بالذات، وعلى وجه التحديد، حين يتعلم الموضوع بالسيرة الذاتية، وكيف أن المرأة لها جسدها المغاير بيولوجياً وحيوياً ضمناً، لجسد الرجل، وهي أنها ليست كما ردَّد باسمها غبناً وتحويراً،غير قادرة أن تكون كاتبة وتستعين بقدراتها النفسية الماضية، وباعتماد ذاكرة نشطة، وما فيها من صور حسية وتعابير مجرد، وأفق رؤية، تستطيع لفت الأنظار إلى ما تبنيه فنياً وجمالياً، ليكون السرد المنتقى بأسلوبه وملعوبه ناطقاً باسمها، ومحمولاً بمشاعرها وأفكارها وهواجسها وإرهاصاتها بحرَفية.


زهرة الصخور، وتفتُّح الإبداع الناطق باسم المرأة
سأتحدث عن رواية" زهرة الصخور " كما وردت في ترجمة الكتاب بالعربية، حيث المقال يتمحور حولها . باعتبارها نصاً سردياً مركَّباً، حيث يتداخل صوتان: صوت السارد والذي يقرّبه من السيرة الذاتية، وهو ما سأركز عليه، وصوت المؤلفة من خلال الصوت الأول. فالصوت الأول ميت، مختلق، لا وجود له إطلاقاً، ولكنه منبعَث بصيغ شتى، من خلال صوت المؤلفة: الكاتبة، إنه صوتها الرئيس، ولكنه محوَّل، وهذا التحويل هو الذي يضع الكاتبة نفسها في مواجهة نفسها: من تكونه كأمرأة، وما تكونه كمهمة كتابية مسنَدة إليها وبذاتها، وما يراد منها، وكيف يتحرك السرد في الجهتين، في هذا النسْج التركيبي المحرَّر من الصوت الحي الحاضر الملموس السهل التعرف عليه: الكاتبة، ومن الصوت المعتبَر غير موجود، ولكنه مركَّب، للدفع به، ليتكلم روائياً، عمّا كان في سياق زماني- مكاني، وما ينير زمن الحدث، ويغذّي المستقبل نفسه بفكرته، والتعلم منه تباعاً .
وحين أشدد على أن هذه الرواية هي سيرة ذاتية، فكونها مُحالة على صوت امرأة هي التي تتولى " قيادة " مختلف العمليات الخاصة بالرواية، من البداية إلى النهاية، وليس هناك صوت إلا ويأخذ وضعية معينة: شدة، أو ضعفاً، حضوراً أو غياباً، من جهة السارد الرئيس، صوت من أسنِد إليها الكلام برمته:آغاتا بريموس، التي عاشت أحداثاً مروّعة، في الحرب العالمية الأولى، في منطقة إيطالية: كارنيا الجبلية، والحرب بين إيطاليا والنمسا، ودور النساء في الحرب تلك. المغري في الموضوع، ليس ما تقوم به هؤلاء النساء المتطوعات في الحرب، جهة إمداد المقاتلين الإيطاليين، بالمواد الطبية، والغذائية،بدور لافت للقس، إنما ما يجعلهن في الواجهة، ليس لأنهن مقاتلات، أو يشاركن الجنود الألبينيين " نسبة إلى جبال الألب" القتال في الحرب المستعرة هذه، وإنما كونهن يشكل شهود عيان على الجاري، باعتبارهن نساء، كل ما يصل الحياة بالواقع، والحرب وفاعلها، والمنشود بعد ذلك، وهذه علامة فارقة للرواية، سرداً عالي المستوى، يكون الرجل مأخوذاً بتصوراتهن، وهو المقاتل هناك خاصة، وبذلك تتوارى المؤلفة وراء الصوت الفردي والسارد لبقية الأصوات إجمالاً، وما يترتب على ذلك من تصور جمالي، نقدي، قيمي للعالم، والحرب، والحياة، في تلك الآونة، من جهة الكاتبة بالذات، وبدعتها في هذا المضمار.
من تكون هذه الكاتبة، وهي بعمرها الصغير نسبياً، وهول الحرب المصورة وفظاعتها؟
إيلاريا توتي ، المولودة عام 1976 ، تعيش في جيمونا ديل فريولي ، في جبال مقاطعة أوديني ، في شمال شرق إيطاليا. الأكثر مبيعًا منذ صدوره في إيطاليا ، أكسبه مسلسله البوليسي من بطولة المفوضة تيريزا باتاغليا ، الجزء الأول منه بعنوان على سطح الجحيم On the Roof of Hell ، لقب "المؤنث دوناتو كاريسي DonatoCarrisi" من قبل الصحافة الإيطالية.
من رواياتها على سطح الجحيم: Sur le toit de l'enfer، فتاة الرماد Fille de cendre،في ضوء الليل: À la lumière de la nuit،حورية النوم La nympheendormie،العذراء السوداء La virgennegra / The Black Virgin...إلخ.
وتاريخ صدور الرواية بالإيطالية هو سنة " 2020 "، أي كان عمرها حينها " 44 عاماً " ولعل الذي دفع بها لأن تكون رواية كهذه، هو جانب المسئولية التي استشعرتها، وموقعها كامرأة وسط " جيش جرّار " من الرجال الحاضرين والغائبين الذين يضعون خططاً مروعة للحرب، ويقرّرون مصائر الناس، وما يمكن قوله في المسكوت عنه، والجاري تغييبه، أو النهي عن تسميته، تحت طائلة المسئولية، كما يمكن القول. وهي التي تفصح عن دور المشاعر وطابعها النفسي، ومرآتها الذهنية التي تعكس الأحداث والمتصوَّر منها بطريقتها، حيث تقول في مقابلة معها، محددة مهمة الكاتبة(الكاتب ليس لديه ما يقوله ، بل لديه مشاعر يعطيها ) " 8 " .
وهذا التركيز على رواية، لها ميزة السيرة الذاتية باقتدار، ومسنِدة مهمة السرد وحبكتها، وتعددية أصواتها إلى امرأة علّمتها الحياة ما تقوم به، وهي متعلمة، وما عليه الظهور من خلاله في قرار مخيف: الحرب، بوظيفة خدمية خطرة، تعزيزاً لشخصية المرأة، وليكون أي صوت صادر عن الرجل، المقاتل، بالتواتر، عبْرها يكون، كما لو أن المرأة هي النقيض المباشر له، في تمثيلها للسلْم، وفي تفعيل أثرها كامرأة فاعلة حياة، مخصبة حياة، ومعززة حياة كذلك. أي السرد المحتفى به حياة شاملة، بسوية المستقبل المنشود .
لقد تم التركيز على هذه الرواية كثيراً، لنوعيتها، فهي" إيلاريا " كاتبة أعمال بوليسية، وما لهذه من دقة في رؤية العالم الخفي، وكيفية زرع " الألغام " في الحقل الروائي، وإظهار الخفي، وإضاءة بنيته الداخلية، والمرأة فاعلة فيها.
ثمة الكثير يعزز غواية القراءة لروايتها هذه، بالفرنسية، جهة المدوَّن على الغلاف الخارجي

2.jpg


حيث إن الغلاف، كما هو واضح هو نفسه غلاف الرواية في طبعتها الإيطالية الأصلية.

3.jpg

وما في ذلك من قابلية تفسير للظاهر، إذ إن المنطقة الجبلية " ساحة الحرب " والرعدة التي تحدِثها في الجسم، تظهِر دبابة حربية وسبطانها موجهة إلى الجهة التي تصعد فيها امرأة الجبل، ومن مستوى أدنى، ومعها عصاها فقط، تجنباً للانغراز في الثلج. امرأة في مواجهة دبابة، ولو أن السبطانة محرّفة قليلاً، ولكن التحدي واضح .

4.jpg

وفي الوقت الذي تكون لوحة الغلاف للطبعة العربية مختلفة تماماً بدلالتها حيث تتضمن امرأة بثوب أحمر اللون، فوقه قميص أبيض، وشعر مضفور خلفاً، إزاء سلسلة جبلية، أعتقد أنها غريبة إلى أبعد الحدود عن عالم الرواية، هذه التي تدور حول الحرب، وهذه" في طبعتها العربية " جامدة، وبتركيب لا يخفي تطفله على محتوى الرواية،والفصل القائم بين كل من المرأة المصورة: المرسومة وإقحامها في اللوحة، إزاء سلسلة جبلية كما لو أنها طبيعية، كمنظر، والسؤال الذي تطرحه اللوحة؟ هذه: كيف زُجَّ بها لتكون لوحة لرواية لا تتقبلها إطلاقاً.
إن نقل بعض مما يخص هذه الرواية، مفيد جهة التعريف بها، أو ما وضع على غلافها الخارجي.
ومما ورد في طبعتها الإيطالية:
الكتاب الحائز على جائزة الأدب الوطني للكاتبات 2021 وجائزة الأدب الدولية طبعة مدينة كومو الثامنة - تحرير قسم السرد
ثم:
«أولئك الذين يترددون هناك ، بين القمم ، ليسوا رعدًا. كما يهز هدير القنابل النمساوية أولئك الذين بقوا في القرى على عمق ألف متر. نحن النساء فقط باقيا ، والأمر بالنسبة لنا هو أن تطلب القيادة العسكرية الإيطالية المساعدة: على ظهورنا وأرجلنا ، على حد علمنا بتلك القمم وأسرار تسلقها. علينا أن نذهب ، وإلا فإن هؤلاء الأطفال الفقراء سوف يموتون جوعاً. لقد سلبت هذه الحرب كل شيء مني ، ولم يتبق لي سوى الخوف. واستغرق الأمر وقتًا لرعاية والدي المريض ، وقتًا لقراءة الكتب التي تملأ منزلي. لقد أخذ مستقبلي ، ويخنقني في حاضر الفقر والرعب. ولكن هناك في الأعلى يحتاجون إليّ ، إلينا ، ونقوم بالرد على المكالمة. لا يزال بعضهم أطفالًا ، والبعض الآخر كبار السن بالفعل ، لكننا نركض معًا كل صباح إلى المستودعات العسكرية في اتجاه مجرى النهر. نملأ سلالنا بالطعام والأدوية والذخيرة وننطلق على طول مسارات زراعة القش القديمة. صعدنا لساعات ، في جليد يصل عمقه إلى ركبتنا ، لنصل إلى المقدمة. العدو ، بقناصيه - الشياطين البيض كما يسمونهم - يبقوننا تحت تهديد السلاح. لكننا نغني ونصلي ، بينما نتسلق بأقدامنا. نحن نتشبث بالنتوءات بكل قوتنا ، تمامًا مثل إديلويس ، "زهور الصخور". لقد رأيت شجاعة قائد مجبر على اتخاذ أصعب القرارات. لقد عرفت بطولة الطبيب الذي ،يفعل ما في وسعه لإنقاذ الأرواح، وبلا تردد. لقد أطلق علينا الجنود اسمًا ، كما لو كنا هيئة عسكرية حقيقية: نحن ناقلات ، لكن ما نحمله ليس مجرد حياة. من جحيم جبهة جبال الألب ، ننزلق مع سلال فارغة وأيدي تمسك بالنقالات التي تؤوي الجرحى المراد علاجهم ، أو الموتى الذين سنضطر نحن أنفسنا إلى دفنها. لكني التقيت اليوم بالعدو. لأول مرة رأيت الحرب بعيون شيطان أبيض. وأنا أعلم الآن أنه لا يوجد شيء يمكن أن يكون على حاله مرة أخرى ".
وهناك أكثر من تقديم في الطبعة الفرنسية للرواية:
" القنابل التي ألقاها النمساويون صافرة على قمم كارني ، في فريولي الإيطالية. على عمق ألف متر ، تسمعها النساء ويصلين من أجل إنقاذ رجالهن. أغاتا تصلي أيضاً. هي التي تخلت عن دراستها لتعتني بوالدها المريض ، ولديها منزل مليء بالكتب التي لم يعد لديها وقت لقراءتها منذ الحرب العظمى جعلتها "ناقلة".
في كل صباح ، عند الفجر ، تجري أغاتا نحو المستودعات العسكرية في الوادي ، وتملأ سلالتها بعشرين ، وثلاثين ، وأحيانًا أربعين كيلوغرامًا من الطعام والذخيرة وتشن هجومًا على الجبل. تمشي لساعات في الجليد لتصل إلى الخطوط الأمامية حيث يتحصن الجنود الذين يحاولون صد الهجمات النمساوية. رحلة مرهقة وخطيرة تقوم بها مع أصدقائها من القرية."
وفي مكان آخر
" نحن في عام 1915 ، في فريولي الإيطالية على الحدود الإيطالية النمساوية. احتدم القتال في الجبال الثلجية وكُلفت النساء من الوادي بانتظام بتزويد الطعام والذخيرة للجنود في الجبهة.
آنا شابة متعلمة تعتني بوالدها المحتضر لكنها تقبل المهمة التي طلبها الجيش لتكون محاوراً للكابتن كولمان ، الشخص المسئول عن الجبهة.
ولكن في إحدى الأمسيات عند عودتها تعرضت للتهديد من قبل "قناص" عدو سيشكك في التزامها ...
إنها مستوحاة من حلقة غير معروفة من الحرب العالمية الأولى ، يخبرنا المؤلف قصة "الناقلين" الذين لعبوا دورًا مهمًا خلال الصراع ، مخاطرين بحياتهم.
الكتابة المحفورة ، خاصة في أوصاف الجبال ، والشخصيات المتعاطفة والقصة القوية والمؤثرة تجعل هذه الرواية نجاحًا كبيرًا! "
وفي مكان ثالث:
" لمدة عامين ونصف ، حوّلت نساء القرية الشمالية أنفسهن إلى "حاملات". محم!لات بسلال ثقيلة مليئة بالطعام أو الكتان أو الذخيرة ، تسلقن، في جميع الفصول ، الممرات الجبلية شديدة الانحدار لدعم الرجال المنتشرين على الجبهة الإيطالية النمساوية. التي كانت قادرة فقط على الوقوف في وجه العدو بفضل الدعم المادي والمعنوي لهؤلاء النساء - وانتهى بهن الأمر أيضًا إلى اعتبارهن جنديات في حد ذاتها. بالنسبة لتوتي ، فإن تحويل الحياة اليومية البطولية لنساء القرية إلى شيء أدبي هو وسيلة لإدخالهن في التاريخ وتحقيق العدالة لهن. "ليس صحيحًا أن النساء لم يسبق لهن الذهاب إلى ساحة المعركة ،" وتلاحظ الراوي. ببساطة ، أن الرجل نسيهن. "
لقد كتبت زهرة الصخر بضمير المتكلم ، متبعةًا لأفكار ونظرات أغاتا بريموس ، وهي قروية شابة أكثر تعليماً من الآخرين ولكنها فقيرة مثل معظم الناس ، تجعل هذا الالتزام القرباني مغامرة ابتدائية تصوغها تدريجياً: "هذه الأرض ملكي أجدادي دفنوا هناك. (...) وأنا ، أخيرًا ، أعرف ما أستطيع فعله. "
وأخيراً وليس آخراً:
" مع هذه الرواية ، تستحضر إيلاريا توتي ، التي ميزت نفسها حتى الآن في سجل المباحث ، حلقة غير معروفة من الحرب العالمية الأولى. وفي هذه الأوقات التي تتسم بعدم اليقين مثل تلك التي ترددت صداها في الأخبار ، يجد هذا الجزء من التاريخ الإيطالي صدى غريبًا. ماذا يعني أن تقاتل من أجل بلدك؟ الدفاع عن الوطن؟ شجاع آلاف المخاطر؟ هل يدرك الجندي عبثية أي كفاح مسلح عندما يتم إرساله ، إلى جانب زملائه الجنود ، إلى الجبهة مؤكدًا عدم عودته؟ لأن الحرب العظمى ، التي أرادت أن تكون "آخر الحروب الأخيرة" ، لسوء الحظ ، تعرضت لحرب أخرى بعدها. هنا وفي أي مكان آخر. حتى أكثر فتكًا وعقيمة.
على عكس صديقاتها ، أغاتا متعلمة: توجد مكتبة جيدة التجهيز حتى في غرفة معيشتها ، إنه الكنز الذي نقلته إليها والدتها ، المعلمة التي توفيت مبكرًا. بالإضافة إلى ذلك ، تجري بطلتنا محادثة ، وهي صفة لن تشتكي منها بعض الشخصيات الثانوية ، مثل الكابتن كولمان ، أو القس دون نيريو أو حتى الطبيب العسكري جانيس. ربما ، بفضل هذه التعليمات ، في هذه اللوحة التي تجمد لحظة من التاريخ ، يمكن لأغاتا أن تشكك في ضميرها. إنها تتأمل في الواقع في معنى هذا التاريخ ، عندما يكون لقاء حاسم بقدر ما هو مرتجل مع قناص نمساوي يُدعى إسمار ، سيضع كل شيء موضع تساؤل. "

وهو ما يذكرنا بأعمالها الأخرى جهة التقنية العالية في الوصل بين المفارقات.
كأن نقرأ مثلاً في التعريف بروايتها " فتاة الرماد "

Fille de cendre, Babelio - Découvrez des livres, critiques, extraits, résumés
( العثور على شخصية تيريزا باتاغليا هو موعد لن يفوتني لأي شيء في العالم. هذه المرأة شديدة التعقيد معها نعيش لحظات مأساوية ولكن أيضًا لحظات نعمة. إنها تتشبث بالماضي المضطرب خلفها ، ونبدأ بفهم ما يدور حوله التحقيقات وعلاقتها بفريقها. لذا ، حتى لو كانت الحبكة عاطفياً هي بالتأكيد الأكثر إيلامًا لتريزا ، فإنها لم تبعدني تمامًا. كانت القفزات الزمنية بين الحاضر وماضي تيريزا موضع ترحيب ، لكن الصوت السردي من القرن الرابع تركني في حيرة من أمري حتى النهاية. لقد أقدر حقًا عمل المؤلف في الارتباط الذي تمكنت من خلقه بين القارئ وشخصيتها الرئيسية. بهذه الرواية ندخل ماضي تيريزا. بأسلوب إيقاعي وقمعي ، تصبح علاقة الجلاد والضحية موضوعًا في حد ذاته ، حيث يطلب جياكومو ميناردي ، القاتل المتسلسل ، المسجون منذ سبعة وعشرين عامًا ، التحدث إليه. ما هي الصلة بالقضية؟ كانت تيريزا هي التي أوقفته في ذلك الوقت ، وكانت تبدأ حياتها المهنية. ) .

أو بروايتها " على سطح الجحيم "
Sur le toit de l’enfer – Ilaria Tuti,3octobre 2018

( في جبال فريولي البرية بإيطاليا ، تم استدعاء المفوضة تيريزا باتاغليا ، وهي في الستينيات من عمرها ، ولسانها حاد وقلبها رقيق ، إلى مسرح جريمة فريدة إلى حد ما: تم العثور على رجل ميتًا وعيناه مقطعتان. بجانبه فزاعة مصنوعة من النحاس والحبال والفروع ... وثيابه الملطخة بالدماء.
بالنسبة إلى تيريزا ، أخصّائية التنميط ، ليس هناك شك في أن القاتل سيضرب مرة أخرى. سيتعين عليها جمع كل طاقتها والاعتماد على تجربتها لتعقب هذا الوحش البشري الذي يجول في الغابة. إذا كانت ذاكرتها لا تبدأ في خذلانها ...
...
أنت تعلم أن هناك فرصة جيدة جدًا أن يعجبك الكتاب عندما تبدأه وأنك لن تتمكن من وضعه جانباً بعد قراءة ثلاث صفحات. عادة لا أستطيع أن أفهم كيف أدخلني المؤلف إلى حبكة ما بهذه السرعة ، لكن هنا ، فهمت على الفور ما الذي جعلني أغوص حرفيًا في أعماق هذا الكتاب. نجحت إيلاريا توتي ، في بضعة أسطر ، بضع صفحات فقط ، في إعداد المشهد بطريقة تخلق نوعًا من "الهالة" لمخططه ، حيث تلعب البيئة دورًا مهمًا ، وبالتالي خلق فقاعة في الذي يجد القارئ نفسه محبوسًا دون إمكانية الخروج منه. الجو قاتم وغير صحي ، كنت سأقول ثقيلًا لكنه بخس لطيف مقارنة بما شعرت به أثناء قراءتي. إنه ليس كتاب رعب ، ومع ذلك شعرت بالسوء في بعض الأحيان لأن الشعور بالقلق كان موجودًا في داخلي.).
إنه الرباط شبه المقدس الذي عزمت توتي على تفعيله والحفاظ على نمائه مفهوماً ومعطى فنياً متجدداً، ولكنه الرباط المسنود إللا داخله، وقواه الذاتية الدفع، بعناصره الفنية.
ذلك ما يقدّم صورة أكثر إثارة ووضوحاً للقراءة، والتعرف على منبع هذا الصوت السردي الذي تتولى امرأة إدارته، بمقدار ما تكون هذه الإدارة متحولة، ومتنوعة ومتعددة في أبعادها وتطعيمها بالمزيد من الإبداع !
وفي سياق السيرة الذاتية، رغم الفاصل الزمني بين حياة الساردة المتخيلة والمتشكلة من قراءات الكاتبة وحذقها في صنعة المتخيل، وما تلعبه السيرة الذاتية، من دور كبير في بناء التاريخ نفسه، رغم أدبية النص، وانفتاحه على العالم.
ماالذي يعرَف عن السيرة الذاتية وحراكها الرمزي- الدلالي؟
( تُعرَّف السيرة الذاتية ، من حيث المبدأ ، بوحدة الموضوع: المؤلف والراوي والشخصية واحد. ومع ذلك ، فإن الوحدة اللغوية لخطاب ضمير المتكلم تغطي ثلاث حالات تختلف وظيفتها (الكتابة ، السرد ، التمثيل) في كل حالة. من يتكلم إذن في السيرة الذاتية؟ لا يوجد أحد يستطيع أن يتكلم ، في النص المكتوب ، إلا في هذه الحالة التي تسمى الراوي. لكن المثال السردي متخيل بطبيعته ، لأن خصوصية السرد هي جعل الصوت مسموعًا غائب أصله ، مثل الصوتيات. تُجبر السيرة الذاتية بهذا المعنى على استعارة صوت وهمي لجعل التجربة الحية الحقيقية للكاتب مسموعة ، وتطوير بنى نصية معقدة من أجل ربط هذا الصوت بجسد المؤلف. سيكون هدفي اليوم هو اقتراح أن نص السيرة الذاتية - الذي أود سرد عشرة جوانب رسمية منه على وجه الخصوص - يعمل على ربط الصوت السردي بالعالم الحقيقي ، بطريقة تجعل هناك سببًا وجيهًا للتحدث عنصوت السيرة الذاتية حقاً ، حتى لو كان صوتًا خالٍ من الجسد ورائع وشبحي.
ثم: إن سمة خطاب السيرة الذاتية هي مخاطبة قارئ حقيقي ، من خلال التحدث معه عن النص الذي يقرأه: صوت السيرة الذاتية يتحدث إلينا عن الكتابة. لذلك فهو خطاب مرجعي ذاتي للمفارقة ، موضوعه ليس فقط الماضي الذي يروي السرد ، ولكن أيضًا حاضر الكتابة: أن أرسم ، كما يقول أوغسطين ، ليس ما كنت عليه ، ولكن * ما أنا عليه ، في الوقت نفسه عندما أكتب.
و:إن صوت السيرة الذاتية يجعل خطابًا تاريخيًا مسموعًا (جئت إلى اليوم ، جلبت سوء الحظ) ، راسخًا في الماضي من خلال استخدام المنظر، والتواريخ ، وأسماء الأماكن ، إلى الوقت الحاضر بواسطة "أنا" التي ، بعد أن حرصت على ترك آثار لوجودها غير المستقر ، يتم التعبير عنها في الحاضر والقارئ.
وإن عمل السيرة الذاتية هو ما ينتج الكتاب الذي نضعه نحن ، القراء ، أمام أعيننا ، كأثر لهذا الجسد الغائب ؛ بفتح الكتاب ، وتقليب الصفحات، واتباع خطوط الحبر الأسود للجمل ، كأننا نسمع صوتًا - أي صوت؟ ومن من؟ إنه صوت بلا جسد ، أخرس ، ليس أكثر من صدى بعيد لآثار الكتابة ؛ شبحيًا ، ليس لكل ذلك وهميًا تمامًا. إنه ، بالطبع ، اختلاق ، وتجريد بدون مادية ملموسة.) " 9 "
ولدى توتي الكثير مما تفيدنا به، جهة الذائقة الجمالية، وقابلية السرد الذي يوزع مهامه على شخصياته باقتصاد حي.

هذه الرواية، هذا المجتمع، هذا التاريخ
قراءة رواية " زهرة الصخور " تجمع بين البيئة الطبيعة وموقع الكائن الحي فيها: الإنسان أولاً، والحيوان " حضور الذئب ليس ببسيط، والشجر، والجبل...إلخ "
سوف أتوقف عند هذا الثالوث من العلاقات الثرية والتي تخاطبنا وتعنينا كثيراً: علاقة الإنسان بنفسه وغيره، علاقته بوسطه، علاقته بتاريخه .
إن ما يلفت النظر في قراءة الكتاب، الدور الكبير للطبيعة بمناظرها المختلفة، في منح المقروء أبعاده الشديدة التباين والحيوية، والشعور بما يعتمل في الداخل من مشاعر وأحاسيس وتهيئوات ومخاوف. الطبيعة صوت مديد، انفجاري، استعرائي لكائنها" الإنسان في الواجهة " صوت مرئي في الذي ينبسط أمام مرأى النظر، ومن البداية، حيث التاريخ " مايو 1976 "، وهو التاريخ الدال على سنة ولادة الكاتبة:
( غرست تجاعيد يدها في تجاعيد تلك الأرض، بإيماءة تنطوي على حنين العودة إلى الوطن، تبحث عن الجذور في ذلك العمق الرطب، عقدت حولها أصابعها، واجتثت ما تبقى منها، في بقعة من العالم نحتتها بيدها من وديانها إلى جبالها. ص 7 ).
إنها مسكونة برعب ما كان، وهي بعيدة عن بلدها، وتستعيد تلك القمم الجبلية التي أمضت عليها زمناً صعباً:
( رفعت المرأةبصرها نحو القمم وكأنها تستأنف عادة لم تقلع يوماً عنها، كما لو أنها تُرسم من جديد من تلك الأخاديد المترامية المهجورة منذ زمن بعيد. ص 7 ) .
إنها المرأة التي سنتعرف عليها لاحقاً، حيث النهاية لتلك المرأة في عمرها الطويل، هي البداية للرواية، وذلك التوحد الصوفي بينها وبين الطبيعة التي تمثّل جغرافية طبيعية لبلدها، في توصيف العلاقة.
وهذه البداية بمفهومها الفني - الجمالي، تشكل تحدياً كبيراً لأي كاتب، من ناحية الرهان عليها، وما إذا كانت في مستوى المأمول منها، كما لو أنها تختزن في " ذاكرتها " المتخيلة ما أمكن النظر فيه، وما يمكن النظر فيه تالياً ( فالبداية تمنحنا الفرصة للقيام بعمل يعوض لنا عن الفوضى المتهاوية للواقع الفظ الذي يرفض أن يستقر ) " 10 "
لنعش البداية وعنف المردود الدلالي في المسرود، في " جونيو 1915، الحرب ":
( كنتُ طفلة صغيرة عندما رأيت قطيعاً من الذئاب على تلك الجيال. أشار إليه أبي بإصبعه من بين الأغصان المثقلة بالثلوج وراء الرابية التي كانت تحمينا . ص 9 ) .
كان هناك جوع يتراءى في أجسامها الهويلة..( بعيون برّاقة تعلو أنوفاً شحذها الجوع، مثل أنوفنا، ففي ذاك الشتاء كاد الصقيع يقضي على جميع مخلوقات الله. ص 9 )
وما يصل بين الاثنين: الإنسان والذئب، وربما ما يجعل جوع الذئب عائداً بأسبابه إلى الإنسان وحربه، وعنفه:
( لم نكن سوى ذئاب منهكة وجرَاء جامئعة . ص 11 ) .
بضرب من ضروب الخيال الذي يحرر الواقع من الكثير من عوالقه، تنسج الكاتبة خيوط روايتها، وتطرحها للقارىء، بمقدار ما تنتظر منه ذلك التفاعل مع نصها. إن كتابة رواية ما، هي إحداث زلزلة في عالم القارىء الراكد، أوما يكون في عداد الركود والتبلد، وحتى الإمعية. نحن هنا إزاء مفهوم " صُوري" بوقي " للأدب!
يحتّم علينا النص في تقسيماته المتداخلة، ومن خلال ما أتيَ عليه، وبغية تسهيل عملية المتابعة، وضعه في التالي:

المرأة التي تسرد، السرد الذي يقول
مدهشة هذه المرأة الـ آغاتا بريموس، وهي من الصفحة الأولى تضعنا في صورة الاستثنائي على صعيد تلقي الأثر.
في النضج الفني للسرد المنتقى، هناك أكثر من عالم ينبض بحيوات متباينة. هناك إقرار بالموت، وإشعار بالحياة.
لبحرب تأتي على كل شيء، لكن إرادة الحياة لا يُستهان بها، بغية الاستمرار:
( وددت أن أقول الشيء ذاته عن حياتي " جهة السعادة ". لم تستقبل حظيرتي أي حيوان آخر منذ الشتاء الماضي، كان فراغها ينمُّ عن فداحة بؤسها. لكن ها هي الماعز موجودة، أقنعت نفسي، وقد أنجبت، فالسعادة، بمعناها العميق، هي أيضاً قناعة فكرية راسخة. ص 17 ) .
دون ذلك ثم خسران مبين للمأمول، للآتي، والآتي ليس الحرب دائماً، وللأجيال التي تنتظرنا، ونحن بوصلتها.
إن هذه المرأة ومعها النساء اللواتي يتطوعن لخدمة الجنود المقاتلين تعبيراً عن إيمانهن بوجوب المشاركة، ولمعايشة الجاري في الصميم، وإيصال أصواتهن إلى المعنيين بالحرب، ورهانهن على النقيض( للمرة الأولى في تاريخ شعبنا، تلك السلال التي استخدمت على مدى قرون لحمل أطفالنا، وتجهيزات العرائس، والطعام الذي هو قوتنا، والحطب الذي يدفىء أجسادنا وقلوبنا، احتتضنت الآن آلات الموت: قنابل وذخيرة وسلاح. ص 24 ) .
ليست المتكلمة هنا امرأة غريبة عن تاريخ إيطاليا أو قارتها أوربا بالذات، إنما تعيش أحداث الحدث الكوني ، أي الحرب، وما تفصح عنه بصياغة تجمع بين النثر والشعر، في وصف مشهد دال على رعب الدال.
آغاتا بريموس، ماذا تقول عن عملها؟ ( تم تعييننا في الفرع ألتو بوت، سوف نعمل إلى ما وراء خطوط الجبهة، سوف نغطي ، في مجموعات، خنادق قمة جبل كوليانس جنباً إلى جنب مع جبل كروتشي...)، وقد ( امتدت قمم الجبال على طول ستة عشر كيلومتراً، كما قالوا...لن تكون ساحة الحرب المترامية هي من سيقصم ظهورنا، بل بُعدها عن السماء. تعلمتُ من الجنود أن أسمّي العدو الأشد بأساً باسمه: إنه العلو الشاهق. ألف ومئتا متر من تسلق المرتفعات الحادة المطلة على الوديان. نصف يوم من الإنهاك ، ومثاه عند النزول منها..ص26 ) .
كل ما هو موصوف يمثّل تقريراً حياً عن واقع الحال. ويتكلم بما يخصه في وطأته على الجاري.
ثم رتل من ثلاثين امرأة، حيث المشهد الجبلي يضفي هيبته( عندما بدأت الأرض تزداد انحداراً، انقسم رتل الثلاثين امرأة وسط تحيات ومباركات..ص27) .
آغاتا تقدر ما يتردد حولهن، وهنا متطوعات، وهي تشير إلى فساد الحكْم، وسوء التفكير، نظراً لاستثنائية الموقف بمفهومه الإنساني، حيث لا أحد كان يتوقع عودتهن" النساء " ( ها نحن هنا، وليس من أجل المال. يمكن لحفنة من المال أن تشتري خائناً، وليس تضحية كبيرة تُعلق بين لوحي الكتف. ص 58) .
الحرب تخيف، ولا تبعث على الطمأنينة، فهي عرابة الموت والدمار، وما يكون خلاف ذلك، يصبح في عداد المجهول أو ما لا يمكن النظر في اسمه، كما هو منظر الجبل ومن يقاتلون على قمته وسفحه( إنهم بحاجة إلى الرب هنا على هذه القمم. ص 87).
وفي نطاق ما تحس به، وتراه، وتتلمسه، أي باعتماد قدراتها النفسية والحسية، تحيط بالطبيعة وما فيها ومن عليها، وترى أن للعقل الواعي دوره في التقاط ما لا يُلتقَط في الحالات العادية( تعلمتُ من الكتب أن الحقيقة هي خلاصة تفسيرنا الشخصي للحقائق. فنحن على الدوام نغطّي الأشخاص والأشياء بقطعة من النسيج، نعدّل ثناياها وفق أحكامنا، أو نصنعها حسب شكوكنا..ص122 ) .
ولأن الواقع أقوى بمكوناته، في ظل الحرب المميتة، تكون حكمة المستخلص( التاريخ ليس سوى حكاية تُكتب بالدم. ص 128) .
وهناك ما يشكل مأساة تثير الضحك والسخرية تجاه ما يُسمى عن ضعف وسوء إدراك للجاري( عندما نخسر كل شيء يبقى الشرف ورقة المقاومة الوحيدة بيد الإنسان التي تثبت إنسلنيته، وليس وحشيته. ص 133) .
وما يشكل، من زاوية أخرى مفارقة في ضوء هذا التصور الجانبي والخاطىء للحرب( كيف يمكن للمرء أن يتغنى بالحرب، وهو يعيش مآسيها، ورفاقه يسقطون من حوله ؟ . ص 164) .
وهو ما يحفز على كيفية التحرر من أهوال ما كان، حباً بالآتي والسلام المنشود(لم أعد قادرة على أن أتغذى على الماضي وحده، فأنا أتوق للمستقب، المستقبل كلمة تبدو لعنة في زمن الحرب، وقد تبدو ريحاً مجنونة، ما دامت تقودنا بعيداً عن مجرد البقاء علىقيد الحياة. أنا مجنونة، أنا حيّة أُرزق. ص188) .
من حق الساردة أن تتفوه بالطريقة هذه، في ظل هذا التوحش المعمول والمنفّذ في كل مكان . وما يصل المرء بالحياة، وهي تضيق عليه الخناق جرّاء وطأة الموت، من خلال الحرب المدمرة، وما يجعل من الجسد الموئل بكل قواه(أحياناً قد تكون رمشة العين أكثر أهمية من دقات القلب، فهي توحي بأن عضواً على الأقل من الجسد، مهما كان متناهياً في الصغر، مازال ينبض بالحياة. ص 194).
وما يدفع بالمرء لأن يتواسى بمقابله، جهة التعبير عن الحب رفضاً للموت الزؤام، كما في العلاقات الدائرة والحادثة في الجبهة بين المقاتلين والنساء، وإن كانت هذه الرواية بخاصيتها السيرية تنتفي فيها تلك الصورة الجامعة بين جسدين داخلين في وصال أو قبلة لها معنى لافت، وهي حيلة ماهرة من الروائي في اصطناع عالم كهذا، كما لو أن وضعاً كهذا، في عنفه، لا يتطلب القيام بأي حركة كهذه، وأن النساء هن أنفسهن من يعلِمن بذلك، ويقرّرنه( تساءلت عن جوهر المشاعر الإنسانية، هذا المزيج بين دفء وحاجة وسكينة وعطف، يقرّب روحين من بعضهما.. تساءلت هل يمكن أن يكون هذا الإحساس وليد الحرب، زهرة بيضاء على ساق سوداء. ص 275) ؟
أسئلة تشكل أجوبة عن رحى الحرب الدائرة وشراستها وطغيانها على مختلف مطاهر الحياة، في خضم هذا الصراع، وإرادة التحدي للعالم الجليدي، وصعود الجبل، واكاشافه رغم المخاوف، ثم النزول الدوري، وفي كل ذهاب وإياب امتلاء بالمرارة ونقيضها .
ولعل الحديث عن تحرر المرأة تعبير صارخ عما يفعل الرجل ويرتكبه من حماقات يدمّر فيه نفسه، وعائلته ومجتمعه، وما يصله بالحياة كذلك، وحيث المرأة حريصة على الحيل أكثر، بذلك يعني " تحرير المرأة " ( أن تصبح النساء أكثر استقلالية، وأن يمتلكن القدرة على القيام بأشياء لم يفعلنها من قبل ...) ثم( نحن دائماً نقوم بأعمال الرجال، منذ أن هاجروا حتى ساعة إلحاقهم بالجبهات . ص 277 ) .
ذلك تأكيد على الوعي بالذات، وتبصرة المستقبل في ضوء الحرية التي تعني وعي الحياة عينها ، وأن لا شيء يصبح قبْض اليد، دون دفع الثمن، تبعاً للمأمول.

سرد المنظر الطبيعي
ليس من طبيعة جامدة في رواية توتي، ثمة إدراك لدورها المركَّب، حيث كل وصف إيقاع لمعنى مخفي، وإطلاق سراح مكبوت، وتوجه نحن أثره، وفعله في الحياة، وما يعزز توازن الحياة الاجتماعي والثقافي والنفسي.
لقد ذكرت بعضاً مما يواجهنا بهذه الحقيقة التي تغفَل عن الاسم أو التعبير عن المحتوى العميق في الجاري تصويره.
وفي الإمكان إيراد بعض من الأمثلة ذات العلاقة:
( سبّب منظر الخنادق التي يعيش فيها الشبان الإيطاليون ويحاربون ويقاومون لي الغثيان. أعتقد أن هذا الطين والتراب والأوساخ لا يليق سوى بالفئران. بعض الجنود الذين كانوا يأخذون قسطاً من الراحة، كانوا يفتشون في شعر بعضهم. فقد انتشر القمل بلا هوادة . ص 43 ).
مشهد طبيعي وغير طبيعي مركَّب، يكون شاهداً على فداحة الجاري.
وما في هذا الوصف الجبلي الطابع:
( كان للجبال صمت وقور كالقبور، واختلطت أنفاسنا المنهكة بأنفاس الرياح. اليوم تلونت السماء بلون البندقية المتأهبة على أكتاف الجنود، تلك المكّنسة الان، تمنّيت أن يبقى كلاهما صامتاً، وألّا ينفجر أي منهما برقاً ورشقات نارية. ص 57 ) .
كذلك مع المشهد الغابي:
( تزجُّ الغابة بطلائع من حيواناتها القادرة على أن تستمد قوتها من تربة فقيرة، وتمهد الطريق أمام الآخرين، وهنا الإنسان- هذا الإنسان ينحت الجحيم التي أجبر على البقاء فيها ليجعل منها مكاناً صالحاً للعيش..ص84 ) .
يمكن القول أن كل الطرق- الدروب تؤدي إلى الطاحونة الخربة، وفي الجهات عامة ثمة العويل، وثمة التهديد بالموت، حيث إن " كلام " الجبل ، الغابة، وما عداهما يرفع من السوية الاعتبارية للمأساة المستفحلة .
وما يعصف بين الجبل والغابة وفي أمكنة أخرى( اخترقت العاصفة الأخاديد، وهي تصفر مثل سيمفونية عنيفة. استطاع أن يميّز جميع أدواتها الموسيقية المتناغمة مع الطبيعة بوضوح: فالأوتار صنعتها الأغصان، مع لكمنجات الأولى والثانية،...في لحظات من الهدوء السائد، تعالت نايات اعترضتها تيارات تصعد على الأخاديد..ص113).
وما يخص الانهيار الجليدي:
( لقد انشق الجبل الجليدي، وجزء صغير من الجبل كان ينزلق باتجاه الأسفل، على طول المجرى الذي تشقه المياه السطحية في الربيع، ويتحول إلى شلال عندما تكون الأمطار غزيرة، إنما كان ينهار فوقنا..ص206 ) .
هذه الإحاطة بخاصيات الطبيعة ومعايشتها، تنوّع في حركية السرد، وتظهر مدى قابليته للتوسع والإثراء كذلك.

ما يدخل في نطاق التاريخ والثقافة
ثمة نواح روحي للساردة على ماض مدمر، ويبقي الذاكرة منجرحة ومدماة. وسط كم لافت من الأحياء، وبعيون النساء قبل كل شيء. فالساردة المتحدة بلسان الروائية، تشير إلى الساردة الرئيسة بداية ( لم تبصر أرضها منذ عشرات السنين. لقد عبرت المحيطات " ذهابها إلى أميركا. الكاتب " كي تعود إلى حيث بدأ كل شيء، وحيث يبدو أن كل شيء قد انتهى..ص 7) .
شخصيات توتي معذبة بواقعها، بتاريخها، بحاضرها، من آغاتا، كاترينا فيولا ولوتشيا، من فرانشيسكو ، النقيب كولمان، الطبيب جينز، القس، دون نيريو، وإسمار..إلخ، كل منهم منجرح في كامل جسده روحياً ويكابد بسببه، والسلطة العسكرية بفظاعتها، تعدم أياً كان عند الاعتراض على أي أمر من أوامرها. وما يجعل الحوار مستحيلاً( أحياناً يكون من الصعب فعل الصواب، ومخيف جداً أن تشعر بأن الصواب فعل غير طبيعي..ص170) .
هذا الضغط الكارثي هو الذي يدفع بالمرء إلى الصراخ، والنظر في تاريخ كان، تاريخ وباء، أو عدوى الحروب التي تدمر الحياة والمجتمعات ( لو كنت أجد لي صوتاً لألقيت لعنتي على هذا العالم، لأنه لا يمكنه أن يستمر وهو تحت الأرض، اللعنة على الحرب وعلى ترانيم الثورة. اكسروا البنادق، وعودوا إلى دياركم..ص260) .
هذا الرفض للحرب، ومحاولة إدارة الظهر لعالمها يريها ما هو متَّبَع( قريباً سوف يكتب أحدهم ورقة إدانتي والحكم علي بالموت، وسيأمر شاباً من سنّي بأن يطلق النار على قلبي بإحدى الرصاصات التي حملتها على ظهري على مدى أشهر. ص 285) .
تلك أقسى درجات القسوة والمفارقة الحياتية وسخف المعمول به معيارياً.
ويظهر أن العالم لا يخلو من المآسي، وقد انتقلت إلى ماوراء البحار " أميركا " كما نقرأ بلسان الساردة مجدداً في " مايو 1976" لقد ( رأيت اندلاع حرب أخرى أكثر دموية من سابقتها، وقدة نجوت منها...ولدت حدود جديدة...رأيت جدراناً تشيد لتفصل الشرق عن الغرب، البيضر عن السود، وأنا على قناعة بأنها سوف تسقط قريباً . ص 287 ) .
لعل ذلك يشدد على عامل التفاؤل في النفس، على أن الآتي سيكون أفضل، تخلصاً من كوابيس النهار.
ربما يكون إسمار الخصم، تعبيراً عن المختلف، جهة الود والميل إليه، وما في ذلك من مفارقة، حيث ( إن الإنسان مخلوق مثير للجدل حقاً، يحب ويدمّر، يعيد بناء، وينقذ حياة . الحب حياة، والحياة ريح لا تعيقها حواجز الأسلاك الشائكة، ولا الخنادق العميقة عمق البحار، فطبيعتها شاسعة واسعة.
شدت يد إسمار على يدي بقوة مثل ذلك اليوم من سنين عديدة. كان ينتظر أن يعرف الكلمة التي اخت، مخزن أشياء،ارها، لم أبذل كثيراً من الجهد كي أجدها: إنها هي من وجدتني . ( الإنسانية) . ص 290 ) .
تنتهي الرواية، ويستمر مفعول السرد، ولا بد أن يستمر. فالسرد يقول دائماً أكثر مما يُسمعنا صوته، وينقل إلينا لغته، والسرد من طبعه، يشدنا إلى ماض، كي نتأمله، ونثبت في الحاضر، لنمارس وثبة محل ثقة إلى الآتي.
وربما كان المختتم به في الرواية ما يضعنا طي بارقة العنوان: الزهرة مولود الحياة، فوحها، لونها، انتشار الرائحة الدالة عليها، وهي تنبت في الصخرة" الصخور " تعظيماً لإرادة موثّقة وتكريما للرغبة الواعية في الحياة، وليس من قدرة قادرة على تطويع صلابة الصخرة أكثر من إرادة الإنسان حين يمتلىء بقوة الحياة التي تعني الجميع وتسميهم.
وما أودِع هذا القول هو ما نوَّه إلى جماع القول نفسه من البداية المفترضة، عندما يؤكد على ذلك الإيطالي الكبير باسمه الأدبي كالفينو، متحدثاً عن المفهوم المركَّب لما يحمله الإنسان داخله ( كل حياة هي موسوعة، مكتبة، سلسلة من الأساليب، ويمكن أن يستبدل كل شيء باستمرار، ويعاد تنظيمه بكل طريقة يمكن تصورها ) " 11 "
أن تعيش هو أن تكون مؤهلاً لأن تتألم، وأن تمتلىء بالحياة، هو أن تلوّح بجسدك بكامله مثقلاً بالألم، إنما مضاء من الداخل. لا بد أن توتي اشتعلت كثيراً لتقدّم هذه الماسة الفنية!









مصادر وإشارات
1-إيلاريا توتي: زهرة الصخور، ترجمة: فداء البوز، دار المحيط للنشر، الفجيرة، دولة الإمارات العربية المتحدة، ط1، 2023، في290 صفحة من القطع الوسط، وقد ورد العنوان في ترجمته بالفرنسية، بصيغة المفرد، أي: زهرة الصخر Fleur de roche، وربما كان أكثر تجاوباً مع محتوى الرواية بالذات . لاحقاً، كل الإحالات المرجعية للكتاب تخص هذه الطبعة .
2-Jean-Yves Mollier: Les femmes auteurs et leurséditeurs au XIXesiècle : un long combat pour la reconnaissance de leursdroitsd’écrivains
جان إيف مولييه: الكاتبات والناشرون في القرن التاسع عشر: نضال طويل من أجل الاعتراف بحقوقهن ككاتبات
3-Julia Kristeva :prélude à uneéthique du féminin
جوليا كريستيفا: مقدمة لأخلاق الأنثى
4-Leslie de Bont:Les femmes et la 1ère guerre mondiale : May Sinclair, journaliste, emini, volontaire
ليزلي دي بونت: النساء والحرب العالمية الأولى: مي سنكلير ، صحفية وناشطة ومتطوعة
5-Karen Meschia: Récits de femmes, récits de guerre : un genre problématique
كاريم ميشيا: قصص النساء ، قصص الحرب: نوع إشكالي
6-Alexandra Galakof: Ecriture eminine/masculine : la littérature a-t-elle un sexe ?
ألكسندرا جالاكوف: كتابة المؤنث / المذكر: هل للأدب جنس؟
7-Nicolas Boileau:Un genre à part : l’autobiographie et la gynocritique
نيكولاس بويلو:نوع منفصل: السيرة الذاتية والنقد الجنسي
8-Ilaria Tuti : “L’écrivainn’a pas des choses à dire, mais des émotions à donner” DAVID MEDIONI 23 NOVEMBRE 2018,Ernest Mag : actualité littéraire, critiques, box littéraire, choix du libraire
إيلاريا توتي: "الكاتب ليس لديه ما يقوله ، بل لديه مشاعر يعطيها" ديفيد ميديوني 23 تشرين الثاني 2018 ، Ernest Mag : actualité littéraire, critiques, box littéraire, choix du libraire
9-Susan Marson: La voixautobiographique
سوزان مارسون: صوت السيرة الذاتية
10-إدوارد سعيد: التمنّع، التجنب، النعرّف، تأملات حول البداية، منشورات بدايات، دبلة، سورية، 2008، ص 112.
11-إيتالو كالفينو: ست وصايا للألفية القادمة " محاضرات في الإبداع "، ترجمة وتقديم: محمد الأسعد، مراجعة: د. زبيدة أشكناني، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ديسمبر، 1999، ص 118 .
======




1.jpg
IlariaTuti

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى