محمد الدولتلي - يا دنيا يا غرامي

الصورة اليومية التي لا تتغير لشوارع المدينة في وقت الذروة صباحا ، نفس مشهد الزحام واللون الرمادي الذي يغطيه ، رائحة العوادم التي تلفظها رئات من سكان المشهد لتستنشقها رئات أخري بالتبادل فتزيد من عصبيتهم وضيق صدورهم وهم يهرولون مربوطون من أعناقهم بسلاسل الوقت الذي تدور عجلاته داهسة من يفكر في التوقف لإلتقاط الأنفاس .
وكأنه ساقط من زمن آخر ، دخل إلي تلك الصورة التي لا ينتمي إليها فأصبح بقعة شاذة عنها ، بملابسه البسيطة ودراجته العتيقة التي يبذل معها مجهودا أكثر من السيرعلي قدميه ليقوم بالتبديل علي تروسها مستحثا إياها لمواصلة السير ، كأن العشرة هي ما تمنعه عن الإستغناء عنها ، فتسير به الهوينا كأنه يتحرك بين مروج خضراء وليس غابة تحرقها سرعة الوتيرة .
حاول جاهدا أن يوقف الدراجة بالفرامل التي لم تسعفه قبل أن يصطدم بأحد المارة المسرعين ، فإضطر للميل ليتفاداه حتي سقط وسقطت الدراجة العتيقة فوقه ، مال عليه المار الذي إفتداه بالسقوط قائلا : هل أنت بخير يا حاج ؟
مرة أخري أوجد عنصرا جديدا شاذا في الصورة عندما إرتفع صوت ضحكته مغطية علي جزء يسير من صوت الزحام وجسده يهتز لضحكته وهو جالس علي الأرض قائلا : سمع الله منك وأذهب للحج .
إعتدل المار نادما علي اللحظات التي ضيعها في السؤال عنه وإنخرط مسرعا في دوره في الصورة قبل أن تدهسه عقارب الساعة .
قام ببساطة ينفض عن ملابسه آثار السقوط ، ورفع الدراجة رفيقته لتعتدل وتكمل ما لم تعد تقوي عليه ، ونظر نظرة علي سكان الصورة كأنه يشاهدهم من مكان عال تملأ عينيه نظرة تجمع ما بين السخرية منهم والشفقة عليهم .
رفع قدمه معتليا الدراجة ، وأكمل تبديله علي تروسها غير عابئ بما تفرضه الصورة علي سكانها ، مرددا بلحن يملؤه نغمات الفرحة تلك الأغنية القديمة : يا دنيا يا غرامي ، يا دمعي يا إبتسامي .

محمد الدولتلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى