إبراهيم محمود - هل نحتاج إلى الحكاية في عالم اليوم؟ حول "حكايات جليلة وفتنة" لعبدالواحد العلواني

ماذا لو تكلمت الحكاية جهة الذي يؤلفها ، ويخرجها من إطارها الزماني والمكاني، لا بل ويضفي عليها طابعاً من السرد ليس من صلة بينه وبين " فاعله ": الإنسان ؟ أكثر من ذلك، أليست الحكاية في أصلها ترتد إلى الحكي، والحكي هو ما يفتقر إلى نسَب قولي يؤهله لأن يكون معتمَداً زمانياً ومكانياً؟ بالطريقة هذه، لأنها لا تخضع لشرطيّ الزمان والمكان، وتعيش تحويراً، إذ تحرَّر من لغة قائلها وكاتبها أصلاً، يجد كل قارىء لها، ومصغ ٍ إليها، كما لو أنه هو المأخوذ بها؟ ألا تصبح الحكاية ولية نعمة السارد، والمنتقلة به إلى الأبعد من اليومي فيه ؟

363324388_7191628814186394_6680462284781597932_n.jpg

الحديث عن الحكاية يحيلنا إلى الحديث عن اللغة التي تفتقر إلى التجنيس، كما لو أن الحكاية هي بدء لا يؤطَّر لمَا يعنينا، كبشر، جهة الانتماء إلى منظومة حيوية في الطبيعة، وسعينا إلى معرفة ذلك تخيلياً، ونحن بذلك نريد أن نعرف كما نريد أن نعرف غالباً وليس كما يجب أن نعرف، وما في الحالة الأخيرة من توسيع لدائرة الرؤية، ومقاربة ما يتجاوز معرفتنا الضيقة لأنفسنا، ولمَا يخص كائنات أخرى، باعتبارها معلومة بحقائق عائدة إليها، وليس كما ندرسها بمفاهيمنا الذاتية.
ولعلَّنا في تأكيد ولعِنا بما هو حكائي، نترجم ذلك الطفل المقيم بين جنبينا، ونحن نحيل ما نتكلمه بأسلوب يشده إلينا، وهو ذاته ممثلنا الضمني، من جهة، بمقدار ما نتستر عما يترجمنا في الصميم تعبيراً عن ضعف بنيوي فينا، من جهة أخرى، وللحكاية أن تقول شهادتها الجميلة فينا.

363942458_7191634177519191_5028987061310306591_n.jpg

نعم، ثمة الطفولة التي كانتنا والطفولة التي تكوننا، وتلك التي تتقدمنا لنعيش لاتناهياً أكثر تخيلياً!
وأن نكون حكّائين، أن نكون متداولي الحكاية، وأن نعيش متعة سردها، أن نكون باحثين فيها وعنها، ومنها وإليها يكون تحركنا، فلأن نداء الأقاصي وفي الأعماق هو ما يجلو سريرتنا.
وما هذا الانشغال بالحكاية، وفي عالم اليوم، إلا رغبة ضمنية، وهي ظاهرة، لأن نقول فينا ما ينقصنا، وما يعترينا من مشاعر وأحاسيس ومخاوف عما نحن عليه، ونحن محاطون بأصناف شتى من التقنيات الحديثة. إن تباهينا بقدرتنا الفائقة وتجاوزنا لقدرة من كانوا قبلنا، في امتلاكنا لوسائل تقانة حديثة، الكترونية وأبعد، من نوع " الموبايل " وسرعة التحادث مع من نريد، عملياً، هو ترجمان حرفي عن أننا في طوع هذا الجهاز وغيره: برياً وجوياً وبحرياً، أننا مع كل منجز آلي، نزداد ضعفاً، أو نتبدى في حالة ضعف بازدياد، ونوهم أننا أصبحنا أقوياء، وتأكيد ذلك هو هذا العنف الرهيب الذي ظهر في العصر الحديث، كما يُسمى، وأسلحة الدمار الشامل، الأكثر تعبيراً عن هذا الضعف الذي من خلاله نمارس ارتكاب أفظع المجازر في بعضنا بعضاً .
إنها ثغورنا، التي تتقاسمنا وتمظهر جوانب ضعفنا، حيث الحكاية لها بصمة في تغطيتها.
فتأتي الحكاية لا لتردم ما كان، لتصل ما هو كائن بما كان، إنما لتعبّر عن نسيان كامن فينا، وما يسببه من إحراج لنا في مواجهة ما نحن عليه، ومن قلق لما نؤول إليه في وضعنا المعيشي.
لكأن الحكاية فيما تقوم به، مرتجاة لنا، وعزاء، لكي نعبّر عن احتجاج ضمني، منا وفينا، عمّا نعيش، وما فينا من غفلة ، ليكون للحكاية صنيع المؤاساة وإيقاظ قوى فينا لنكون أكثر وعياً.
وفي التمثيل الحيواني، يكون للحكاية السهم الأوفر. تصوروا ما نكون عليه، في المكاشفة الثقافية لتاريخ طويل لم يتخل عنا الحيوان، وليس العكس، وفينا ما فينا وبنا، من ضروب الإساءة البالغة الأثر إليه، حيث نرسمه، كما نريد، وننسب إليه تصرفات كما نريد، وليس كما هو.
بالطريقة هذه يؤكد الحيواني فينا، ما نكابده من أوجه ضعف وتناسي أمره، وليس ما نريد التعبير عنه جهة الحيوانيّ، ونحن في وضع سيادي، وتمثيلي له، وفي عالم اليوم خاصة.
وما هذا التاريخ الطويل من العلاقات بين ما يكتبه الإنسان عن نفسه، وما يعبّر به عن نفسه، باللجوء إلى صنعة الحكاية، وحتى في النصوص الكبرى، اعتماداً على الحيوان: أسطورية، دينية، وفلسفية..إلخ، إلا التعزيز اللافت لوجود الحيواني فينا، وليس لوجود الإنساني في الحيواني طبعاً، وأننا في تسمية الحيوان وفق ما نرغب، وتحريكه كما نريد، إنما نكرر ما نتفقر إليه، وربما ما يجعلنا نهب أخطاء، وضحايا ما تصنعه أفكارنا شديدة التمركز عن أنفسنا، ونحن ننظر إلى الحيوان، في مرتبة دونية، وبذلك لا نتعلم شيئاً، وإنما نتصور أن في ذلك استمتاعاً لنا من خلاله، والكِلف الباهظة جرّاء ذلك، ونحن نحيل إليه ما يعنينا، في صنوف سلوكياتنا، ونحن نضعه في خانة ما يسمى قواعدياً بـ " لغير العاقل : نقول ما هذا الحيوان، وليس مَن هذا الحيوان ، لأننا نعتبر " مَن " اقتصار علينا، وفي الوقت الذي لا ندخر جهداً باللوذ فيه فيما ينسَب إليه من حركات لها معنى، وإسقاط أفكار، تعمينا عن الكثير مما يخصنا، وتبقي الحيوان خدمياً.
وما أكثر ما ترددَ عما هو حيواني في برّيه وجوّيه، ولمائيّه حضور، في منطقتنا، أقل من ذينك الحضورين السابقين، ورغم ذلك فثمة حضور، كما في القرآن في ثلاثيه: البري، الجوي، والمائي، كما في حال: الهدهد، جوياً، أو هوائياً، والبقرة، والحمار، والكلب..برّياً، والحوت مائياً، وهي الحالات الثلاث التي تتكامل في إطار منظومة كونية حيوية لها مغزاها العميق، ولتاداخل مع النباتي، وللحيواني مأثرة الحضور والتوسط بيننا وبينه بامتياز.
وما لجأ إليه الباحث والمؤلف للعديد من الكتب التربوية والفكرية المهمَّة،وكاتب مئات قصص الأطفال وناشرها، عبدالواحد العلواني، في " حكايات جليلة وفتنة "إنما هو تعبير حي ونابِه عما يقرّبنا من أنفسنا، لرؤية نوعية ضعفنا ومغذياته بالمقابل، ونحن نستجدي الحيواني فينا، وهو خارجنا ومفارِقنا، ويعيش طرائق عيشه الخاصة به، وليس ما نقوّله ونجوّله ونحوّله برغبتنا هنا وهناك، أي حيث نمارس فيما نقول تمثيلاً حكائياً، ما يحيله إلينا، فنثعلبه، ونحميره، ونبوّمه، ونثورنه، ونبغلنه، ونحوّته، ونفيّله، ونعقربه، ونثعبنه، وننأذبه،وننمرنه...، بمقاييسنا الخاصة .

حكايات " جليلة وفتنة "" 1 "
ماالذي دفع بكاتبنا، ذي التجربة الثرية في هذا المضمار، لأن يقدّم لنا خمساً وعشرين حكاية،وهي منسوجة تنسيباً إلى هو حيواني؟ إنها حكاياتنا نحن، حيواناتنا التي " تسمّينا " بشرياً، وليست حيواناتنا التي نسمّيها كما هي، وما في لعبة المجاز من تمثيل توجيهي للمعنى.
من أين جيء بـ" حكايات جليلة وفتنة "؟
ثمة اقتباس وسرد له طابعه الحداثي والدال على وضع مختلفة إزاء نوعية الحكايات المعروضة.
وأقرب مثال، وأوضحه، ما يخص " كليلة ودمنة "
وتنويراً للفكرة، ثمة مقاربة جميلة أفصح عنها الباحث المغربي وهو ينظر في أمرها، ومن خلال سؤال، هو عنوان لمقاله " كيف نقرأ كليلة ودمنة "، ليستهل بالتالي( تعمل الحيلة حين تعوز القوة: هذا ما يعلّمنا إياه كتاب كلية ودمنة، فضلاً عن مجموع الخرافات التي تعلمناها في المدرسة... تفترض الحيلة خطاباً مزدوجاً، لذا نصادف حتماً في كليلة ودمة إحالات إلى الحية، الحيوان ذي اللسان المشطور..يهدف الخطاب، في كليلة ودمنة، إلى إثبات صواب وجهة نظر أو قضية، أو الإقناع بسداد فعل، لكن يلزم أن يكون المخاطَب راغباً في الإصغاء..).
وما هو أهم ولافت مما تقدم، عبر سؤال" لكن من يسرد؟ "( يمكن تصوّر حالتين. في الحالة الأولى يكون الخصمان متكافئين ابنا آوى مثلاً، يرويان بالتعاقب حكايات. والذي سيكون له أوفر حظ هو الذي يورد الحكاية الأكثر إقناعاً. في الحالة الثانية، يكون المتخاطبان في وضع تراتبي، أسد وابن آوى مثلاً. من سيحس آنئذ بالحاجة لأن يحكي؟ بالتأكيد ذاك الذي يحس بأنه الأدنى. قد يحدث للأسد أن يستمع لحكايات، غير أ،ه لا يروي حكايات. ما حاجته إلى السرد، والبحث عن الإقناع، في حين أن يمقدوره بخبطة من كفه إهلاك مخاطبه؟ السرد سلاح الأعزل، كما تُعلّمنا إياه ألف ليلة وليلة حيث لا يروي خليفة بتاتاً حكاية، إلا أن يكون خليفة مخلوعاً ..) " 2 " .
هو ما يصلنا بما يمكننا البدء به، أو الانطلاقة منه: المؤرخ يسرد تاريخاً، لأنه لا يقاس في قوته بمن يكون نافذ القوة" الحاكم: بتنوع ألقابه ومراتبه "، قوته هي التي تمنح السرد سرَيان فعله، ويكون الكاتب، المؤرخ هو الموجَّه، فاعلَ السرد، والذي يتميَّز به، يترجم أساليبه الحياتية، وما فيها من تخيلات، إضاءة لعجز ما ، فيه، وحديثاً، واستمراراً لسرد شهرزاد، التي يكال فيها المديح، ربما كانت فيما تفوَّهت به، ومن خلال المنسوب إليها، الساردة الأكبر في التاريخ، لتكون الشاهدة الذاتية الأبلغ على ضعفها فيما جاءت به من حكايات، وإشهار ضعفها للملأ لاحقاً. حديثاً، حيث يشار هنا وهناك، وبصدد المرأة ككاتبة، على أنها تمثّل السرد، والسرد يحال إليها، إنما لا تكون في موقع القوة، بمقدار ما تريد إثبات أنها ليست ضعيفة، وهي تسرد ما يجب على قارئها، أو المهتم بكتابتها، وجوب الاعتراف بها. وما ينطوي عليه السرد، في ضوء ذلك من دلالات.
وهو ما يعنينا كبشر، فنحن تمثيل للكائن الأوحد الذي يقوم بالسرد في عالمنا،من خلال اللغة، وهي الدالة على ضعفنا، إذ نتكلم من خلال اللغة، ونزعم أننا نمتلكها، وهي التي تمتلكنا وتشهّر فينا عجزنا، ولـ" برج بابل " حيث انفجار السرد وتشظّيه، شهادة حية على ذلك، واللغة فاعلنا السردي تعرية حية وديمومية لعجزنا، وليس ما يخص الحيوان خارجاً، لأنه يعيش عالمه فلا حاجة له إلى السرد، بمقدار ما يكون انسكانه بما هو طبيعي تعبيراً عن لاحاجته إلى السرد.
في " حكايات جليلة وفتنة " ما يحثنا على مكاشفة حيثية العنوان، وكيفية حوارنا معه كذلك، ثمة الأسم وله دلالته " جليلة " إنه اسم مؤنث. هل كان في سريرة الكاتب حضور لهذا الاسم جهة الدلالة، على مستوى السرد، ومن خلالها، يجاز للسرد أن يمارس دوره، ليس لأنها الأكثر قدرة على السرد، إنما اعترافاً بذلك، وما يبقي الرجل في وضعية المصغي، كما لو أن هناك شعوراً بأن مجرد وضع اسم مذكَّر، يفقد الحكاية نكهتها ومخيالها المرغوب فيه،ويقلل من جاذبية القراءة. إن إصغاءنا إلى المرأة، من منظور جنساني، تراتبي طبعاً، ليس لأننا نعجَب بها، ونستمد منها الحكمة، وإنما، لأننا نرى فيها ما يصوغ ضعفاً، وما في الضعف من مكر، نزعم، ذكورياً، أن ذلك يعنيها طبيعةً، وما يرافَق بالإصغاء بالمتعة المتمثلة في كونها امرأة، وربما هي حيلة الكاتب نفسه، في أن يكون الاسم وفي مقامه الجليل " جليلة " بتجلّي فحواه،فاعل أثر، وللفتنة بدورها، ما ينعطف عليها، حيث ينعدم وجود اسم بشري كهذا تحديداً" هناك فاتن، وليس فتنة " نظراً للصيت السيء لمفهوم " الفتنة " وما يجعل من العلاقة معزّزة للمنشود من الحكايات، ثمة الجليل، وثمة الباعث على الفاتنة، وفي الفتنة ثمة ما يفيد وما يكشف عن الرائع، وفيها ما يخص الضار.
تطرح حكايات " العلواني " وليس أياً كان، نفسها في مهب عواصف العولمة، وانغماس الإنسان في عالم اليوم، بما يفتنه ويقصيه كثيراً عن نفسه، وهو كثيراً ما يكون " عبداً " لما ينجزه تقنياً، ويقصيه عن حقيقته، وبالتالي، تكون الحكايات ذات مسار انعطافي آخر في تمويل المراد بالمستزاد معنى مضافاً ومتعة اكتشاف لذات عتّم على حقيقتها كثيراً .
ولعل مسحاً لهذه الحكايات، يرينا جانب الحضور الأكبر لما هو برّي من سواه، هكذا:
البرّي: جهدُ العصفور-الديك الفريد-عندما غضب الديك-قرون الأيائل –الصياد التائب-الصرصور والحذاء- الذئب الأليف-الدب والنحل-بلاغة الذئب-الثور الكسلان-صراع الأكباش-الحرية-حكمة خروف-القط المحاصر-العراك الأحمق-التيس الفتي-القرود-
الجوي" الهوائي ":الببغاء لا يغنّي-النسور في الأعلى- وهم الطيور-نصيحة البومة-الطاووس.
المائي:
برمائي: بيت السلحفاة- الضفدع المبلَّل-
برهوائي : الماء للجميع .
إن حضور البرّي الطاغي، لافت، وطبيعي من ناحية أخرى، في نطاق حكايات الكاتب، لأن البرّي يشدنا إليه، ونحن كيانات برّية، وثمة حيوانات ندجّنها، أو نجعلها داخل محميات، أو في سيركات، وهذا يجعل دوام التواصل معها دائماً، والكتابة عنها أكثر من سواها. وللهواء الدرجة الثانية، رغم أننا نتعايش مع الهوائي كذلك، ولكن عالمه مغاير لعالم الحيوان البري، والمائي يكاد ينعدم، كما في المثالين السالفي الذكر، لأن عالم الماء مقصي عنا، أو يصعب التفاعل معه بيسر.
عبْر هذه الحكايات يكون السارد الكاتب نفسه، وليس لأنه المعني الأوحد بها، وفي الوقت الذي يمكن التأكيد على حقيقة وهي أننا في الكتابة، نحاول لفت النظر إلى ما هو مغفَل عنه، أي ما يجعلنا في موقع الضعف الإنسي. الكاتب يكتب ليس لأنه قوي، وإنما ما يبعد عنه الضعف، ولكي يلفت نظر من يرى نفسه قوياً، أن هناك ضعفاً فيه، وهو غافل عنه، وما يقال هنا ينيره تلك هي سياسة الكتابة، حتى على أعلى مستوى. الفيلسوف يكتب تمثيلاً لضعف فيه، يتجاوزه، من خلاله يضيء عالم القوة وجبروتها ورعبها، في الذين يمثّلونها، والكاتب في عموم فنون الكتابة، يعبّر عن شعوره بضعف قائم، ضعف تاريخي، وهو إذ يُسمّيه ويطرحه خارجاً، وكيف يكون هناك نوع من التقاضي بين ما يكون ضعفاً وما يكون قوة، لإعلام من لا يعلم، ممن يتباهون بقوتهم، أنهم فانون، أي ضعفاء. ليكون الضعف قاسماً مشتركاً بين البشر جميعاً، وللحيوان أكثر من كونه وسيط، دور في ذلك.
فنحن نتعلم مما نسمّيه حيوانياً، ولا نعلّم الحيوان ما يجعله مغايراً لطبيعته.
ولهذا قيل (غالبًا ما يُنظر إلى الحيوانات الخيالية أو الحقيقية على أنها انعكاس للأفكار البشرية عن نفسها. ) " 3 "
ومن هذا المنطلق، نتلمس هذا التركيز على الحيوان، لنزداد اقتراباً من أنفسنا.حيث (الدراسات على الحيوانات هي مجال بحث تتم فيه دراسة الحيوانات في نهج متعدد التخصصات. قد يأتي الباحثون الذين يدرسون الحيوانات من مجموعة متنوعة من المجالات بما في ذلك الجغرافيا وتاريخ الفن والأنثروبولوجيا وعلم الأحياء والأفلام والجغرافيا والتاريخ وعلم النفس والدراسات الأدبية ، علم المتاحف والفلسفة والاتصال وعلم الاجتماع. يمكنهم مواجهة أسئلة حول حيوانات معينة أو حول مفاهيم "الحياة" أو "الوحشية" ، بالاعتماد على مجموعة متنوعة من وجهات النظر النظرية ، بما في ذلك النسوية والنظرية الماركسية ونظرية الكوير. من خلال هذه المنظورات ، يسعى أولئك الذين يجرون دراسات على الحيوانات إلى فهم العلاقات بين الإنسان والحيوان ، في الحاضر والماضي ، وفهم الحيوانات ككائنات في حد ذاتها ، متميزة عن معرفتنا بها. . نظرًا لأن هذا المجال لا يزال قيد التطوير ، يقوم الباحثون حاليًا بتحديد معايير الأسئلة التي من المحتمل أن تنظمه.) " 4 "
وما لجأ إليه الكاتب هو حصاد مقاربات بحثية وثقافية متنوعة، وليس مجرد انشغال بحثي أكاديمي مطلوب منه، إنه وعيه المنفتح على الخارج، ومكاشفة ما هو مختل، وكيفية اعتماد أسلوب له عراقته في محتواه، حكائياً، وطرافته المستحدثة، حيوانياً .
بالطريقة هذه (يظهر الحيوان كخلْق للإنسان création de l’Homme ، الخلق ضروري لفئة الإنسان. الإنسان ليس مسندًا واضحًا ، ولكنه بناء تاريخي وثقافي وفكري ، وتوقف الإنسان عن اختراع نفسه من العلاقة بالحيوان. والحيوان ليس واضحًا أيضاً، فالكلمة لا تؤهل مجموعة من الكائنات الحية المعينة فقط.) " 5 "
وما يُقرَأ في متن كل حكاية، هو ما يخرجها عن إطارها الحكائي، ويضفي عليها قيمة رمزية، لا أعتقد أن المعنيين بعالم الحكاية، وكونها في عالم اليوم خاصة، مكتوبة للتسلية، إنما كدرس آخر في حبْك فكرته، وطرحه لمن يعيش أن هناك ما ينقصه، وما يجب عليه تداركه بالمقابل.
بالصيغة هذه، تكون الحكايات جليلة ولها فتنتها، ولذائقة القارىء دورها في الإقرار بحقيقة كهذه.

أدوار الحكايات
لا تسمّي الحكايات نفسها، إنما تفيض على المعتبَر متناً لها، والحكاية أساساً منزوعة المتن، إنها نوع من السرد المؤمم من كل كل تأميم فيما يعزى إليها دلالياً، وفيما تتوخاه قيمياً .
في حكاية " جهد العصفور " وهي الأولى، يجري التركيز على أن لكل منا ما يمكنه القيام به، رغم أن الحكاية لها عراقتها، ولكنها هنا مكتوبة بصيغة أخرى:
( مر رجل بعصفور يرفع ساقيه نحو السماء. قال له: ماذا تفعل؟ العصفور: سمعت أن السماء ستنطبق على الأرض! الرجل: أتظن أنك ستمنعها بساقيك الدقيقتين؟ العصفور: إنما أبذل أقصى ما لدي من جهد ! ص 5) " 6 "
ليس للعصفور إلا أن يقوم بحركة معينة، ولا يخبِر عما يعمل، إنما ما يعمل مقروء من الخارج، وهو المتوخى مما تقدَّم، وأن يكون الإنسان هو السائل، فهو المعني بالجواب تحديداً، وما في هذا المستخرَج من طابع توجيه، وحتى إشارة إلى الخلل القائم فينا هنا وهناك. لأن أياً منا حين يقوم بما يستطيعه، سوف تبقى السماء" كرمز " كما هي، وستستمر الحياة كما هي أيضاً .
وهذا ما يمكن تبينه وهو (كل حيوان [...] هو في جوهره خيالي ، وهمي ، رائع ، خرافي، من أسطورة تتحدث إلينا عن أنفسنا ، حتى عندما يكون حيوان رائعاً ، أي حيوان يتحدث ، يتحدث عن نفسه ليقول "أنا" - ويقول "أنا" من حكاية مسرودة) " 7 "
وما يخص جانب الوهم الذي يحيل أحدنا إلى مغرور بنفسه، وغير منتبه إلى وسطه، وما يكون من صفات في غيره، وليس فيه وحده، وفي عالم اليوم بصورة مضطردة.
كما في حكاية" عندما غضب الديك " الذي ظن أنه الوحيد فيما يركّز عليه:
( الديك الغضبان الذي يظن أن الشمس لن تشرق بدون صياحه، ينسى أن المزارع والقرى تعجُّ بالكثير من الديكة السعيدة .ص8).
أترانا بعيدين عما هو " ديَكي " فينا، عن خاصية الديك وما ينسَب إليه من حركات " ديك المزبلة " مثلاً، وغير ذلك من العلاقات بينه وبين وسطه؟ إنه حيوان يمارس ديكيته، وليس ما يجعله " قبلة النظارة " أو المسـتأثر بكل شيء. ذلك فعل إنساني، والديك هنا يعلّم ولا يتعلَّم بما يعلّم بحركاته، لأنه يعيش حيوانيته، وما يتم تعلمه هو ما يجعله في موقع للتعليم، أي حين يرى أحدنا أنه فريد عصره، أو من لا نظير له فيما يقوم به، أو يحيل كل شيء إليه.
المركزية تكون القاتلة، وهنا تكون العبرة. من ينبذ المركزية عن نفسه يكون سعيداً، والمأهول بالكونية، هو الأكثر تعبيراً عن تعاسة، تقوم على وعي الكوني فيه، وانشغاله به بالمقابل .
ثمة ما يصل بين حكايات ثلاث جهة الصراعات التي تستهلك أهليها وتجعلهم في موقع ضعف، وتربص بها من قبل الأعداء: قرون الأيائل " ص 13" وصراع الأكباش " ص 35 " والعراك الأحمق " ص 47 " مع ما للعنوان الأخير من دلالة مضاعفة، رغم أن العراك كاف ليعبّر عن وجه السلبي فيه، وليس من سمة إيجابية فيه طبعاً .
نلاحظ، كمثال في حكاية " قرون الأيائل " وهي في بساطتها، شأن مجمل حكايات المجموعة، تعبّر عما ليس بسيطاً ( على الرغم من أن الأيائل تتفاخر بقرونها المخيفة، وتتباهى بها، وتشعر بأهميتها في مواجهة الأعداء.. فإنها تستخدمها دائماً في النزاعات الصغيرة في ما بينها .ص 13).
ذلك مؤكد بالفعل،في الوقت الذي يشار فيه إلى أن ذكور الظباء هي الأكثر تميزاً بهذه النزاعات ليكون للفائز جانب التسييد بين القطيع وفي الاستئثار بالأنثى. ألا نجد ما يشبه هذه الحالة " عفواً، أليس الذي نشهده في حالات كثيرة، وما في ذلك من هول المشاهدة، جهة النزاع بين شخص وآخر، حول فتاة ما، والرغبة في وصالها أو الزواج منها، أو ما يخص النزاع عموماً، ومآله الضعف، والخراب، والموت والمعاناة..إلخ، لا يقارَن بأي نزاع يمكن ربطه بما هو حيواني؟
إنما، وكما رأينا، ما تقوم به الحكاية، له دور المهمة وعمق المبتغى: النظر في المسرود، ومحاولة تمثيل المنشود، أي كيفية التخلي عن نزاعات كهذه، لأنها تضر بالأطراف جميعاً .
أين يقف الكاتب مما يكتبه؟ طبعاً، هو داخل هذه المعمعة، إن لم يكن منازعاً، فهو منازَع، وهو في الحالتين يعاني مرارة الدائر في وسطه، وبالصيغة هذه يتم اللعب بالسرد، وإن كان الذي يكشف عنه السرد، هو إضاءة الصدع النفسي، الثقافي، والقيمي في المجتمع، حيث إنه في كل ما يتمرس به، ويثرى من خلاله، هو كيفية استشراف عوالم الضعف والتصدع أو التشظي في عالم يزعم الإنسان أنه يستأثر به، وهو يعيش مهدَّدا، وفي عالم اليوم، بما هو كارثي.
في حكاية " الصياد التائب " ثمة ما يستوقفنا في لعبة السرد( الظباء التي أبت أن تفر من الصياد وتقدمت نحوه بشجاعة ، أدخلت الرعب إلى قلبه، فباع بندقيته، وأنكر أنه كان يمتلكها ذات يوم..ص 20) .
الظباء لا تتكلم، والظباء لا تبعث رسائل إلى الآخرين، إنما ما يجعل مما تقوم به في مقام الرسالة، في مقام التنبيه إلى ما يجب القيام به بصورة أخرى: إن التكاتف والتوحد والتشارك في عمل معين، يشكّل قوة صادمة، كما هو سلوك الظباء، وما يؤدي إلى تغيير في ساوك ما كان يظن نفسه على أن يفعل ما يريد، وما جرى دفع به لأن يتحول إلى إنسان مغاير لما كان عليه.
إنه دور مسجَّل باسم الشعب الذي يتوحد بقواه، ويواجه المستبد به، أو عدوه في الخارج، وكل ما يتهدده بالمقابل، وما يبقيه في موقع القوة والسيادة وتمثيل نفسه باقتدار.
هوذا المستقرأ في الحيواني، أو في الحيوان، حيث إن (كل حيوان [...] هو في جوهره خيالي ، وهمي ، رائع ، خرافي، من أسطورة تتحدث إلينا عن أنفسنا ، حتى عندما يكون حيوان رائعاً ، أي حيوان يتحدث ، يتحدث عن نفسه ليقول "أنا" - ويقول "أنا" من حكاية مسرودة) "8"
أليس هذا ما لجأ إليه جاك دريدا في كتابه اللافت " الحيوان الذي أنا عليه L’animal que donc je suis)، وما في ركاب العنوان من تسلسل معان ورموز ودلالات توسّع نطاق القائم فينا نفسياً، وما يرفع من شأننا من خلال ما هو حيواني بالذات " 8 "
أن يكون المرء في المأهول به حيوانياً، أصبح مفهوماً مدروساً ومطروحاً للنقاش الفلسفي، وعلى صعيد التمثبلات الفكرية، والسرديات الروائية والقصصية وسواها " 9 "
والعلواني لا تنقصه الفطنة فيما اعتمده في حكاياته، وسعى إلى نوع من التوازن بين حكاياته في الأكثر قابلية للنظر فيها، والأكثر مشاهدة في الحياة اليومية .
في حكاية " بلاغة الذئب " ما يعزّز هذه اللقطة وبدعة المستودَع فيها ( لا شيء يبدو متنافراً وضحلاً أكثر من بلاغة ذئب.. حين يتحدث عن حبّه للأغنام .ص 28 ) .
للقارىء أن يترجم هذا الذئب والغنم إلى الواقع، ماذا يرى؟ من يلقي خطاباً تعبوياً على أناس، ليس حباً فيهم، وإنما لتحويلهم إلى بيادق شطرنج، حيث البلاغة هنا تصبح قنبلة موقوتة، تعبيراً عن عدوانية المتكلم، وغائيته العنفية، والغنم، مستهدَفه لتحصيل ما يريد، والتمكن مما يريد.
للقارىء أن يتبين المسافة الفاصلة بين الذئب في بلاغته ومكرها والغنم ومحاولة تجريده من كل قوة، وما للسياسة حين تمارس أساليب الدجل للتستر على حقيقتها ومن يمثّلها.
ورما كان في حكاية " الحكمة " وهي ذات مغزى آخر ما يستوجب النظر( قال الطاووس: الحكمة مترعة بالحزن، أرغب أن أبقى سعيداً. قالت البومة: الحزن قدَرُ من يستطيع الرؤية في الظلام. ص 53).
وهي الحكاية الأخيرة في المجموعة. أتراها وضِعت هكذا عتباطاً، أم لأن فيها ما فيها، من تجاذبات المعاني وانكشاف المأثور القيمي في المجتمع بالذات؟
الطائران: نهاري" الطاووس " وليلي " البومة " بينهما حوار، ثمة تكامل بينهما من ناحية، لأن الحكمة تكون دائماً مأهولة بالحزن، فهي حصيلة معاناة، ولن تكون السعادة قائمة في ضوئها، كما لو أن الطاووس في مظهره، لا يعيش الحكمة، ولو عاشها لما تكلم هكذا، بينما البومة، تشير إلى مأثرة المرئي والمشاهدة الضمنية: جهة ربط الحزن بالرؤية في الظلام، ومخاوف المرئي، وثمة تمايز بينهما، من ناحية ثانية، كما هو مقتضى قانون الطبيعة وروعة المقسوم فيها.
إننا ، سواء في الليل أو في النهار، نعيش الحزن جرّاء ما نكابد ونعاني ونكتشف .
فينا الليل وفينا النهار، كما لو أن السرد " شغال " بنا وفينا على مدار الساعة، وفي كل ما نتحسسه في وسطنا البيئي والاجتماعي والنفسي، إنه حال الأبيض والأسود وتمثيلهما للألوان.
السرد يعلّم، ويتعلَّم حين يزداد ثراء، وهو ما يجعلنا أكثر شعوراً بما يجب القيام به في أنفسنا وفيما بيننا،وتجاه السرد الذي يكون شاهداً علينا بمقدار ما نكون شهود عيانه.
في الوقت الذي نسرد، يكون السرد قد أدلى بشهادته بما أفصحنا عنه، وارتقينا به، وهو ما يبقي السرد فاعل إثبات على متعة نعيشها، أو مأساة تثقِل علينا، نعجز عن سردها، وهو ما يعرضنا لما لا نتمناه، أو لا نتوخاه في حدوثه. السرد إيقاظ دائم لما دائم النوم فينا. من هنا تكون حاجتنا إليه!
ولهذا، تكون لـ"حكايات جليلة وفتنة " متعة الحضور، وسيرورة الجليل فيها !

وللرسم حكاياته
أمّا وقد تحدثنا في بعض من جوانب " حكايات جليلة وفتنة " ماذا عن رسومها؟ ماذا عما صنعه يدا الفنانة سناء قولي، وما للرسم من حيلة فنية في الالتفاف على العرَضي وتأبيد لحظته؟
للسرد سرديته البصرية. تلك حقيقة ينبغي إقرارها، ومن هذا المدخل، يتوجب علي هنا أن أشير إلى أن السرد المتمثل في الكلام، والكتابة، ثمة ما يعادلة بصرياً في الرسم، لا بل يمكن القول، وفي الصيغة التي ظهر بها الكتاب وهو في حجمه الكبير والعريض، تعطى مساحة أكبر للرسم، وللعبة الألوان في التمثيل الرمزي للكتابة الحكائية .
سرد الكلام والكتابة الذي يعلّم، يستدعي سرد الرسم واللون الذي يعلّم، وربما يستأثر بما هو بصري ومن قبل أي كان. ثمة متعة في المعايشة اللونية وتباينات الرسم ومكوناته .
الرسم له عراقته، فيما يعلّمنا به تاريخه، استعانة بأرشيف الذاكرة البصرية .
وتحتاج رسوم الفنانة قولي إلى مقال آخر، وبتوسع، في سياق التعبير عما هو كتابي، أي عن علاقة المرئي بالمقروء: الرسم بالكلمة، إنها رسوم لا تخفي جمالية التوزيع في الشكل والتقسيماللوني والإيحاء اللوني، وما في ذلك من تداخل بين الشكل الملحوظ بنكهة التمثيل للمقصود، ناحية الحيوان الداخل في الحكاية، وما يوسّع حدود الرسم في الجوار، أفقاً للرؤية والتأمل أيضاً.
صحيح أن في مقدور أي كان أن يتفرج على الرسوم، ولكن الفرجة هنا لا تتوقف على مجرد سلوك بصري، إنما على فعل بصيرة، ذات مرجعية ثقافية. إن الفسحة المحدَّدة للنص الحكائي ، متموضع في مساحة كبيرة تستغرق صفحتين، حتى من ناحية مساحة النص الذي جاء ممتزجاً ببياض محاط بألوان أخرى. لا حيادية في الرسم الذي يشغل الكتاب من أوله إلى آخره.
بالنسبة إلى أي حكاية، يأتي الرسم أكثر من كونه تابعاً، ولو أنه يتحرك في ضوء المكتوب، سوى أن المرسوم وإن ارتبط بالمسطور، يؤكد فاعليته، ويحدث تفاعل بين الحالتين، كما لو أن الحكاية تُقرأ باللون وليس بالكلمة، أو أن الكلمة تترجَم لونياً وبأشكال تعبيرية مبسّطة ولها حيويتها.
على سبيل المثال، في حكاية " النسور في الأعلى " لا نجد نسراً مرسوماً، إنما تأتي صورته فنياً، وفي هيئتين، وفي فضاء متخم بالحركة، وتوزيع لأشكال حية رفعاً من شأن النصين.
همذا يمكن النظر في المحيط لونياً بحكاية " الدب والنحل "، حيث إن المساحة المخصصة للرسم لا تقتصر على الدب حصراً، إنما ما يوسّع دائرة الرؤية، وما يشارك الدب في تعميق الأثر، من إشارات ورموز، حيث تكون العلاقة أكثر حراكاً وتأهيلاً بما هو تخيلي.
وكذلك الحال في حكاية " القط المحاصر " وهي مؤلفة من جملتين تقريباً ( حاصر ِ القطَّ الأليف في زاوية، سيتحول إلى نمر يرغب في تمزيقك . ص 43 )، فلا نكون إزاء حكاية، إنما تصور مشهد حكائي، لا بد أن تصور القائم يظهِر المترتَّب عليه حكائياً، وحكمة القول هنا: لحظة شعور أي كائن بأن هناك ما يتهدد حياته، لن يدخر جهداً في إبراز كل قواه لدفع الخطر عنه، ربما هو الإنسان الكائن الوحيد الذي يستسلم أحياناً، ودون أن يبذل أدنى مقاومة لدفع الشر، أو الخطر عنه هنا وهناك، بعكس أصغر حيوان، نتلمس فيه ضراوة المقاومة للإفلات من أي حصار يتهدده، وما في ذلك من توجيه النظر إلى الإنسان الذي يتلبسه الخنوع والعبودية الطوعية، وما يجب عليه من استنهاض الهمة في التعبير عن نفسه، ورد العدوان، كما هو الجاري هنا وهناك، وللرسم الذي يترجم النص هنا، ما يعزّز الفكرة، وفي النقطة المهمة وهي في أنياب القط ومخالبه، تأكيداً على مواقع القوة القائمة في القط، وهو ما يمكن معاينته في مختلف الرسوم التي يشغل فيها المحوري في الحيوان، ليكون محل نظر ومكاشفة، كما هو اليد واللسان والعين للإنسان .
نكون هناك إزاء سرد يتوازى مع سرد: مقروء ومنظور، ولتعزيز المتعة مضاعفة، فلا تعود الحكايات متمحورة حول نصوصها، إنما مأخوذة برسومها شريكة استيلاد السرد وبدعته.

مصادر وإشارات
1-عبدالواحد العلواني: حكايات جليلة وفتنة، دار المحيط، الفجيرة، دولة الإمارات العربية المتحدة، ط1، 2022. والإحالات المرجعية تخص هذه الطبعة في المتن. وأنوّه إلى أنني أورد نص كل حكاية، وأتوقف عنده، مكثفاً، وليس كما هو جار ترتيبه في الكتاب.
2-عبدالفتاح كيليطو، من شرفة ابن رشد، ضمن: الأعمال، الجزء الرابع، حمّالو الحكاية، دار توبقال، الدار البيضاء،ط1، 2015، ص 246.
3-Kohler, Florent : Sociabilités nimals, journals.openedition.org
فلوران كوهلر: التجمعات الحيوانية
4-Études animalistes, fr.wikipedia.org
الدراسات الحيوانية
5- Derrida, philosophie animale
جان فيليب كيزر: دريدا ، فلسفة الحيوان
6-كما قلت، جهة عراقة هذه الحكاية، فقد سمعتها من " ملا " في قرية تسًمى بـ " البجارية " جنوب القامشلي، على مبعدة " 15 كم " وفي أواسط سبعينيات القرن الماضي، وكنت معلّماً فيها، وهو يسردها من كتاب قديم كان معه، عن عصفور تصرّف بالطريقة المذكورة، وكان السائل هو طائر أقوى " نسر "" من نوعه " مستغرباً عما يفعل، فكان جوابه: إنني أقوم بواجبي .
7-Florent Kohler:Les « désadaptés » : genèse d'un mythe non darwinien, www.cairn.info
فلوران كوهلر:"غير الأسوياء": نشأة أسطورة غير داروينية
8-L’animal en question dans l’œuvre de Jacques Derrida, Mémoire Jean-François Perrier Maîtrise en philosophie, Québec, Canada © Jean-François Perrier, 2016
الحيوان المعني في عمل جاك دريدا، أطروحة جان فرانسوا بيرييه ماجستير في الفلسفة.
أليس هذا ما لجأ إليه جاك دريدا في كتابه اللافت " الحيوان الذي أنا عليه L’animal que donc je suis)، وما في ركاب العنوان من تسلسل معان ورموز ودلالات توسّع نطاق القائم فينا نفسياً، وما يرفع من شأننا من خلال ما هو حيواني بالذات ، وما كان من اهتمام به، كما في هذا الكتاب، وما لجأتُ إليه في كتاب جاك دريدا: الحيوان الذي أنا عليه، نقلها عن الفرنسية وقدَّم لها: إبراهيم محمود، دار تموز، دمشق،ط1، 2020 .
9-ربما من هذا المنطلق، كانت مجموعتي القصصية: الحيوانات تسعيد ذاكرتها، مركز كلاويج، السليمانية، إقليم كردستان، 2013.
=====



363954788_7191623080853634_5625919910210493244_n.jpg
عبدالواحد العلواني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى