إبراهيم محمود - سردية الظلام: قراءة في كتاب شاشي ثارور "عصر الظلام: الإمبراطورية البريطانية في الهند"

سردية الظلام
في الليل يمكن أن نصطدم بأي شيء، موجع، مؤذ ٍ، ومميت، لأننا لا نعرف أين نتجه، ماالذي يوجد في المحيط الذي نتحرك أو نقيم فيه على وجه الدقة. في النهار، لا نقول عن أننا نرى كل شيء، إنما ، على الأقل، نرى ما يحيط بنا، على أرض مستوية، إلى مسافات بعيدة، وكلنا استعداد لمجابهة المرئي على مد النظر إلى حد معين، وما للتهيئة النفسية من قابلية مواجهة وصِلات.
في الليل ثمة المجال المفتوح لأن تنشغل كلٌّ من الذاكرة النفسية، بعلاماتها الكبرى، جهة ما يمكن توقعُه دون تحديد، أشباح ، كائنات غريبة، في ضوء المخاوف المحتملة أو المركَّبة، وما في ذلك من تداعيات توسّع جغرافية العلاقات بما يستحيل الإحاطة به، تعبيراً عن وجودنا في عالم معتِم، وما يولّده المعتِم هذا من استثارات، هواجس، تنشيط الإدرنالين بما يتناسب ودرجة الخوف، أو التحسب لما هو صادم وباعث على الرهبة، ومفارقات الحالة، حيث ينشغل زمن آخر.
نكون إزاء سرد من نوع غريب، مائز، متدفق، متقطع، جامع بين صور وتداعيات. في الداخل، لا أحد سوانا في الحالة هذه تعبيراً عن رهبة الموقف. نكون المسرحَ الجامع لها، لا نعرف متى يكون طلوع الفجر، كما لو أن هناك شهرزاداً أخرى في سرد حكاياتها التي يكون الظلام ملهمها، لئلا ينذر شهريارها، كما هو مقدَّر، بالموت بمجرد حركة بسيطة، من إصبع معروفة، أو إشارة ما، أو حتى كلمة أو صوت، لوضع حد لنهاية حياتها، ولعلنا على وعي ما، بنوع الخوف الداخلي الذي يأخذ مداه الكبير داخلَها، وهي تحيله حكايات، حكاية تلو أخرى.حتى مطلع الفجر، وبذلك يكون السرد وليد الليل، وليد الشعور بالحصار، وما يجعل العالم متراكماً ومضغوطاً عليه في عمق الذات، والشعور بأن شيئاً ما يحدث لا قبل لنا به، جرّاء قوة قاهرة هنا، كونية، إمبريالية.
مجدداً، بالصورة هذه، يظهر أن السرد، ومجدداً، أقول، كان حصيلة شعور بانطباق العالم، بانهيار فيه، بانسداد أفق بالكاد يرى ما هو أبعد منه، حيث الذاكرة المكانية تتشظى، والصوت الصارخ يكون شبه مكتوم، نسيج كلمات ترسم خطوط اتصالها الساخنة تحت وطأة ما تقدم.
هو ذا الظلام الذي يتكفّل وحده دون غيره، وفي كم وافر من مقوماته الطبيعية والمصطنعة، في أن يطلق العنان لألوان من سروده، أو سردياته، بما يتناسب والضخ الهائل لعنفه المتنامي. ودون أن نعرف تحديداً، متى، وأين، بالضبط، شهد نشأته الأولى كونياً، سوى أنه يثيرنا لمعرفة ذلك.
إنها المأساة " التراجيديا " بمفهومها الوجودي الغابر قِدَماً، تلك التي كتبت أمضتْ على شهادة ميلاد السرد، تصلما بأصولنا الميثولوجيا الأولى، وتجيز للمخيال الفردي والجماعي في أن يعيش حيوية هذا الحدث الدائم الحضور والمتنوع، وهو ببصمته الدالة على قهر قائم، إجلاء لقوة طاغية، أو عارمة، أو متجرة هنا وهنا: حيث إنها تتكلم ما تفعّله، بينما القهر، فما يفعَل فيه .
في كتاب الباحث والمفكر الهندي شاشي ثارور: عصر الظلام: الإمبراطورية البريطانية في الهند، هناك هذا النوع الملحمي والشديد السخونة لهذه السردية على مستوى شعب وأبعد، لا تقتصر سرديته على بلاده: الهند، أو أمَّته، أو ثقافته، وإنما ما يصلنا بها إنسانياً، لهذا كانت هذه القراءة، وهي بمقدار ما تنطلق من الكتاب، تتحرك على حدودها، وتتعداها، تبعاً لمؤثرات القراء’

2.jpg

سردية المؤلف، أي سردية تكون؟
مَن هذا السارد الذي لم يهدأ له بال على امتداد مئات الصفحات من كتابه " الظلماتي " "1"
وراءه مكتبة ضخمة من القراءة التي تترجمه شخصيةَ بحث وتفكير وانشغال بما هو جوهري في الحياة، وما يخص الهند مكاناً وموقعاً داخلاً وخارجاً، وما للثقافة من تأثير في تاريخها العريق، وأمامه ثمة آفاق واسعة، تترجم، بدورها، تلكَ الرؤية الميكروسكوبية للعالم من حوله، ومن خلال التدقيق والتمحيص في التفاصيل ذات الدور الفاعل في مؤثرات السياسة والاجتماع والاقتصاد، دون أن يخفي موقعه البحثي والفكري، دون أن يعزل نفسه عن محيطه الإقليمي والعالمي، ويقصيها عن تلك الأخطاء التي يمكن أن يقع أي منا فيها، ودون ذلك لما كان مفكّراً بهذا العمْق.
مفكّر محلّي، إقليمي، عالمي، رحّالة، وهو في مكانه، ومن خلال المتيسَّر بين يدايه من وسائل التواصل الاجتماعي التي يسخّرها في خدمة ما ينير عالَمه الهندي والجوار والعالَم خارجاً، وفي كتابه هذا، ما يؤكد هذا البُعد الحيوي الاستراتيجي من البصيرة التاريخية، حيث يكون يكون ولا يكون، في الوقت الذي ما أن يفكّر، حتى يسبر غور فكرته، ويوسّع فيها، ويحفّز لدى قارئه ما يوازي المطروح فكرياً، أي حين لا تعود الخصوصية خصوصية ضيقة وفي عالم اليوم بالذات" العولمة " وتفاعلاتها الكوكبية، فلا يعود العنوان هنديَّ المعنى، من هنا تتفعل فكرته خارجاً.
ولو أنه يتخذ من الهند قاعدة انطلاق،ورؤية لما يجري حوله، وفي الهند علمياً حسرته التاريخية!
أشير بداية إلى إهدائه كتابَه لابنيه" إيشان وكانيشك "، وهما من زوجته الأولى ( اللذين يضاهي حبهما التاريخ، وتتجاوز معرفتهما به حبّي ومعرفتي )، إهداء ليس وجدانياً فقط، وإنما ينسجم مع فكرة الكتاب أساساً، فالكتاب سردية تاريخية عمرها أكثر من مائتي عام، وهو يكتب هذه السردية، كما سنرى، من خلال قراءات معينة، ومن الذاكرة، إذ إنه من مواليد " 1956 " وعانى كثيراً مما تبيَّن له في قراءاته المتنوعة من أهوال عاشتها هند:ه، طوال وجود الإمبراطورية البريطانية في الهند،وهذه الأهوال لا تزال تبعاتها قائمة، كما لو أنه يهيب بابنيه في أن يكونا شاهدين على مرحلة جديدة، وأن يكون باحثين في هذا التاريخ، بسمات أخرى، فليس كالتاريخ ما يفيد، ويؤكد أهميته باضطراد مع كل عملية قراءة، وبمزيد من التروّي وتحمّل الصعاب.
وفي الوجه الآخر من الصفحة" 6 " ثمة أربعة اقتباسات، لا تخفي صفة الظلام في كل منها، وفي توجه مختلف لكل منها،الأربعة ينتمون إلى إطار الثقافة الإنكليزية وهويتها، ما عدا جوزيف كونراد، فهو بولونيُّ الأصل، وإنكليزي الجنسية، وهي اقتباسات تترجم الكثير مما يفكر فيه الكاتب على خلفية من الظلام ذي المرجعية التاريخية مجازياً، وما للظلام من دلالات، بدءاً بما تفوه به المسرحي شكسبير، والشاعر الكساندر بوب تالياً، ومن كونراد الآنف الذكر، وهو الروائي الشهير، والروائي والقاص ي. م . فوستر..إلخ، إنهم أصوات تستبق أصوات الكتاب هنا.
وإن إيراد كرونولوجيا الأحداث الرئيسة المذكورة في الكتاب، ومنذ عام " 1600 "مع تأسيس الميثاق الملكي البريطاني لشركة الهند الشرقية، بداية الإجراءت التي ستؤدي إلى إخضاع الهند تحت سيطرة الحكم البريطاني "حتى عام " 1947 " حيث نالت الهند استقلالها بتاريخ " 15 آب أي على امتداد خمس صفحات،"، وتقسيم البلاد وسط أعمال من القتل والتهجير الجماعي، أي استقلال وما ترافقَ ذلك بفرح لم يكتمل، حيث توازى هو نفسه بانشقاق باكستان واعتبارها دولة مستقلة في التاريخ نفسه تقريباً. وخروج بريطانيا من الهند " أول السلسلة دم، وآخرها دم " وما لذلك من تأثير رهيب في الذاكرة الجماعية المكانية، ومن إبراز لعنف العنوان، وكيف يمكن أن يكون " عصر الظلام "، وهو بمحتواه التاريخي، وما يمكن أن يشهده داخله من صنوف القتل والتعذيب والخراب والدمار والمخاوف والتمزقات البنيوية.أي ما يجعل السرد من نوعية خاصة، وليس في مقدور أي كان، أن يتولى مهمة قصّه، من ألفه إلى يائه.
السرد يقوم على مواجهة: ثمة من يتكلم، وثمة من يستمع، وردود الأفعال تتشكل. إنه سرد محبوك بمزيد من المهارة والدقة، ويصعب الاكتفاء بفقرة وترْك البقية من شقيقاتها الأخريات من الفقرات التي تسبقها وتلحق بها، ولكل منها موقعها، بعائدها التاريخي، وما لهذا من إحالة على ما هو سياسي، اجتماعي، اقتصادي، وثقافي عام، لهذا أنوّه إلى أن اختياري لفقرة دون أخرى، أشبه بعيّنة خاصة، لا تعني اعتبار الجسد المتشكل هنا، منظوراً إليه من الزاوية عينها، إنما للنظر فقط,
في " توطئة " يكون هذا الطرق الأول والمدوي على باب التاريخ:
( هذا الكتاب، بطريقة ، يبدأ كخطاب,
دُعيت في نهاية مايو 2015، من قبل اتحاد أكسفورد للتحدث عن اقتراح ( بريطانيا تدفع تعويضات لمستعمراتها السابقة). ..كان الحدث المُقام في مبنى الاتحاد الجذّاب المكسو بمادة الخشب والعائد تاريخه إلى عدة قرون ناجحاً، وغادرتُ راضياً تماماً، لكن دون التفكير في إعادة ذلك مرة أخرى.
لكن مع بداية يوليو، نشر الاتحاد المناظرة على الموقع الالكتروني، وبعث لي نسخة مصوَّرة من خطابي, وضعت الرابط عبر تغريدة سريعاً- وشاهدته مذهولاً ينتشر كالبرق..أذيعَ الخطابُ على طلاب المدارس والكليات، نظمت جامعة واحدة،، الجامعة المركزية في جامو، ندوة دامت يوماً كاملاً تناول فيها باحثون بارزون نقاطاً معينة أثرتُها. كُتبتْ مئات المقالات مع أو ضد ما قلتُه..كنت متفاجئاً بشكل سار، لكن مرتبكاً قليلاً.. استند تحليلي حول ظلم الاستعمار البريطاني إلى ما قرأت، ودرست منذ طفولتي... الإلحاح الأخلاقي للشرح لهنود اليوم- والبريطانيين- لماذا كان الاستعمار هو الرعب الذي اتضح أنه لا يمكن تنحيته جانباً.
و:يختلف الكتاب عن الخطاب في بعض النقاط المحورية...ص16).
ويقدم اقتراحاً جهة التعويض الذي يجب أن تدفعه بريطانيا إلى الهند جرّاء استعمارها لها، وفي صلب خطابه( أن تقبل الهند بتعويض رمزي قدره باوند واحد في السنة، تُدفع لمدة 200 عام تكفيراً عن 200 عام من الحكم الإمبراطوري. شعرتُ أن هذه الكفارة هي القصد من كل ذلك- مجرد الاعتذار أيضاً كان سيفي بالغرض- بدلاً من دفع مبالغ نقدية. ص 17) .
وما يعنيه هذا الإجراء من وجوب التفكير في تاريخ شهد انفجار حمّاما دم، ومشاهد رعب، ماض يُذكَّر به حباً بالآتي وتعبيراً عن قلق الحاضر كذلك، ربما كما هو الحال في دول مختلفة مشابهة.
( هذا الكتاب...حول التجربة الهندية تحت ظل الاستعمار..لقد أكملتُ سنواتي الخاصة في قراءة أبحاث مفصّلة في كل من نصوص الحقبة الاستعمارية، وفي الأعمال العلمية الحديثة حول البريطانيين في الهند، والتي ذكرت جميعها كما ينبغي في الملاحظات في النهاية.ص17).
ويركّز على عملية الاعتذار تكفيراً عما جرى، حيث الساسة البريطانيون غير مسئولين عما فعله أسلافهم من صنوف استبداد في الهند، لكنهم مطالَبون في أن يعتذروا عما فعله هؤلاء، كما جاء ذلك في تعليقه على زيارة رئيس حكومة بريطانيا للهند سنة 2019، بضرورة التكفير، وهو يرى أن الجاري بالعكس، على الصعيد الأعلامي، والتلفزيوني، حيث يجري تمجيد ما كان، وما يعتمَد من أساليب تعليم للتلاميذ بهذا الصدد، دون أن يتعلم هؤلاء ( كيف تحولت أحلام الإنكليز تلك إلى كوابيس لشعوبهم الخاضعة. ص 22).
وثمة مواقف مختلفة إزاء الفكرة المحورية لكتابه سلباً وإيجاباً " ص18 -23"
( هذا الكتاب لا يدّعي أنه منزّه عن الخطأ، ناهيك عن المعرفة بكل شيء...لا أستطيع أن أتحمَّل أن أكتب نيابة عن التاريخ، لكن بصفتي هندياً ، أجد أنه من الأسهل بكثير من التسامح بدلاً من النسيان..ص 24) .
وهي عبارة، كان يمكن تثبيتها حتى في النهاية، أو تكرارها، نظراً لأهميتها أخلاقياً .
لعل ما حاولت اقتباسه، والإشارة إليه، ما يشكّل بؤرة التوتر للكتاب، ما يضع القارىء أمام تاريخ شائك، ومتفجر بدلالاته ووجوهه وألسنته التي تسمّيه هنا وهناك، ما يجعل التاريخ عراء حيث تقام فيه نُصبٌ كثيرة، وللرياح العاصفة سطوتها، الأقوى هو الأمضى، ولكن الزائل لا يدرَس تماماً، والأصوات لا تختفي كلياً، إنما هناك ما يدل عليها، حيث إن السرد هو الذي يعلِمنا بذلك، فما يكتبه ثارور، كسارد، يتكلمه، ولا يتكلمه إلا إدراكاً منه أن هناك من يتابعه، ولو تخيلياً، أو تصورياً في محيطه، أو لاحقاً في لغات أخرى، حيث الترجمة تكفل بذلك. والعلامة الفارقة لهذا النوع من الكتابة، من السرد، هو عدم التحدث أو التسطير بعيداً عن أي اعتبار جانبي، فتأكيد الخطأ يعني السرد المأخوذ بتلك النسْبية التي تبقي خط الرجعة قائماً، أوحساب الثغرات معترفاً به، والنظر في الآخر حاضراً أو توقعه موجوداً، بوصفه نافذ الأثر في طبيعة الكتابة: السرد، وما هذا الذي يكتبه إلا تعبيراً عن واجب لا يعمَّم، وهو الدرس الأمثل في التاريخ قيمياً، وفي هذا السياق، يكون للتسامح صداه الوجداني المشدَّد عليه، جهة النظر في التاريخ، فوحده يُبقي أيَّ مفهوم مركَّباً، وأي مقولة متضمّنة الشيء وما يمكن أن يكون نقيضه أو منقّحه، والنسيان هو الداء الذي لا يفيد أياً كان. بناء عليه، تكون الصراحة، جامعة قيَم، إن أضيئت ساحات متبنّيها.
طبعاً ما يقوله ثارور، لا يشكل زبدة الكلام، إلا ضمن كتاب تتمحور حوله فكرته الرئيسة، ومن خلال عنوانه، وما يوضّحه ضمناً، لأن الحديث عن عصر الظلام، وكما ألمحَ إلى ذلك في البداية، وهو يتحدث عن عنف الاستعمار البريطاني، يمكن إيجاد نظير له، وأكثر مأساوية في جهات شتى من العالم، وإلى يومنا هذا، لحظة النظر في معاناة الأمم التي جزّئت بتخطيط إمبريالي، وما كان عليه الاستعمار قبل مئات السنين، وتلك النظرة الضيقة إلى الشعوب من لدن سواها، تحت يافطة القوة المتغطرسة، من نوع " البربرية" وهي صنعة" اليونان " قديماً، وتم اعتمادها إلى الآن، أو " الهمجية " أو " الوحشية " وهي التي اُتخِذت ولاتزال حجة، للغزو العسكري وخلافه، والاحتلال والسيطرة. ومفهوم" الأمجاد " المزيَّف للدول التي تتباهى بتاريخها، وهو تاريخ نهب وسلب وقتل وتهجير، وهو ما يستدعي التذكير بمفهوم الهوية، حيث ( إن البشر يُثبتون بالمعارضة أو يحددون هويتهم بالاختلاف مع المجاورين. ويحتاج الخطاب الهويّاتي في أغلب الأحيان إلى أعداء، وقد يستدعي الأمر اختراعهم أحياناً..) " 2 "
إنه الدخول في ظلام آخر، ظلام ليس واحداً، في نوعيته، ومنشأه وأدواره وطُرق إدارته، وهو ما يُستخلَص من الاقتباس المذكور، وهو ما يصله بما تفوَّه به ثارور، والذي لا بد أنه قرأ التاريخ الأميركي وخاصة ما قبل " غزو" كولومبس ، وبعده، وما يخص الاسم " أميركا " وتالياً.
ثمة سرد يتنوع، أو يتشعب، إنه المقدَّر على طريقة الدمية الروسية" دمية ضمن دمية، ضمن دمية " وهو ما يذكّرنا بحكايات شهرزاد، التي لا بد أنها كانت تخفي في واعيتها صورة كائن سياسي، مأهول بثقافة أنثروبولوجية، بثّتها حكاياتها، بأسلوب السرد، حكايات تتناسل داخلاً، وما يقوم به ثارور يشكل أصنافاً من التاريخ، وهي بتنوع سرعاتها زماناً ومكاناً، وليست على مستوى ً واحد من العلاقات أو العنف، أو المجابهة من الداخل، وما يتركز على الصدوع فيه، وما عرّض التاريخ الذي يعنيه لخلافه، أي انعطافته، حيث استقلت الهند سنة" 1947 " ولكنها ماضية بانجراحاتها إلى الآن، كما يخبرنا المؤلف، أي استمرارية الكولونيالية ومابعدها، أي حيث فَرّخَت أدواءها القابلة للتكاثر في تكوين الهند الجسدي المجتمعي، حال مجتمعات أخرى .

في عهدة نهْب الهند
الإشارة الأولى الدالة على نهب الهند استعمارياً، هي من المؤرخ ديورانت، حين عرّى التاريخ البريطاني في الهند، بقوله( كان الاحتلال البريطاني غزواً ودماراً لحضارة راقية من قبل شركة تجارية ( شركة الهند الشرقية البريطانية)، من دون أي رادع أو مبدأ على الإطلاق، مستهتراً بالفن وطامعاً بتحقيق المكاسب..ص27) .
شركة لا نظير لها في التاريخ، من جهة التسمية والفظائع التي ارتكبتها، أو اُرتكبت باسمها في تاريخ طويل، وآثارها إلى الآن باقية، مثّلت أكثر من خاصية تدمير لمجتمع له عراقته( لم تكن الهند التي احتلتّها شركة الهند الشرقية البريطانية أرضاً أولية أو عقيمة، بل كانت على العكس، المركز المتألق في عالم العصور الوسطى. ص 28) .
ثمة ما يعزز هذه المقولة، إذ ( أوضح خبير الاقتصاد البريطاني أنغوس ماديسون أن حصّة الهند من الاقتصاد العالمي مع بدايات القرن الثامن عشر بلغت 23 بالمائة، وهي ما يعادل حجم حصص أوربا مجتمعة. ص 29) .
هو ما يمكن النظر فيه، حيث إن الاستعمار، كمفهوم، يقوم على تخريب الجهة التي يدخلها، ليزرع فيها ما يعبّر عن " ثقافته " وإخضاع كل شيء هناك للخراب والدمار، وما يمكن اعتماده من آليات عنف ونهب، إذ ( خلال حكمهم كان البريطانيون، باختصار، عديمي الرحمة. توقَّفوا عن دفع ثمن المنسوجات والحرير بالجنيهات القادمة من بريطانيا، وفضَّلوا الدفع من العائدات المنتزعة من البنغال، ما جعل الأسعار تتجه نحو الانخفاض. ص 33 ) .
يتعامل ثارور مع الوقائع، ولا بد أن في حوزته أرشيفاً تمكّنه من السرد التاريخي والذي تكون حمولته ما مجموعها هذا الكم الهائل من مكابدات الهنود، ومن العنف المتعدد الأشكال، وليكون السرد حاضراً، وهو المثقَل بكل هذه المواجهات بين غريب، ضارب، وهمجي أسلوباً، ومن موقع السيطرة،وأصلاني محكوم بالقوة والنهب المتعدد الألوان، دون ذلك كيف نقرأ رقماً رياضياً كهذا( نهب البريطانيون من الهند 18000000 جنيه استرليني سنوياً ما بين عامي 1765 و1815 . ص 37 ) ؟
ولتأكيد ذلك ( يوجد العديد من الروايات عن طُرق الغش والحيلة والجشع التي استخدمتها الشركة لانتزاع الثروة من الأمراء الأصليين، ومواصلة الإطاحة بهم والاستيلاء على أراضيهم..ص43).
وربما ما يفعّل أثر هذه الواقعة، ما كتبه الروائي البنغالي بانكيم تشاجرجي واصفاً الإنجليز بأنهم( لم يتمكنوا من كبح طمعهم، واختفت كلمة الأخلاق من مفرداتهم. ص 49).
ولا بد أن يكون هناك ما يدعم وجود بريطانيا في الهند، حيث ( شهد تولّي التاج السلطةَ أيضاً ظهور صيغة جديدة للتبرير الاستعماري- التظاهر بأن بريطانيا ستحكم من أجل رفاهية الشعب الهندي. ص54).
لهذا السبب ، وحسب أحد المعنيين بما كان يجري، هو قوله ( لقد ولَّت الأيام الذهبية في الهند، إذ استنزفت نسبة كبيرة من الثروة التي امتلكتْها سابقاً، وضاقت طاقاتها من خلال نظام قذر من سوء الحكم الذي ضحّى بمصالح الملايين لصالح القلة.ص56) .
وما يدعم وجود الاستعمار الإنكليزي، وقد ( أصبح القمع والتمييز أكثر تعقيداً. " حيث " عارض البريطانيون بثبات تطوير الهند صناعة المعادن الخاصة بها، وكانت الهند، بالطبع رائدة بها.ص63) .
وثمة من ينتقد الجاري، على أن سبب التخلف داخلي، وليس استعمارياً، ليقول المؤلف ( من غير المعقول القول إن فشل الهند في التصنيع كما فعل الغرب، كان فشلاً هندياً، بسبب ضعف الإنتاج المحلي، وليس بسبب سياسة متعمدة من قبل أولئك الذين حكموا الهند، البريطانيين.
إذا انخفض الناتج المحلي الإجمالي للهند، لأنه فاتتها حافلة التصنيع، فذلك لأن البريطانيين قد ألقوا بالهنود تحت العجلات. ص 66 ) .
تلك إضاءات ومناظرات وجدالات كذلك، وهي وضعيات تتقابل وتتشابك على مسرح التاريخ!

هل أعطى البريطانيون الهندَ الوحدة السياسية؟
يشير المؤلف إلى زعم البريطانيين، أنهم برَّروا أفعالهم بتأكيد فضْلهم في الوحدة السياسة للهند، فيردُّ المؤلف( هناك فرضية واحدة مثبتة يمكن أن تدحض هذا الإدعاء: أنه طوال تاريخ شبه القارة الهندية كان هناك دافع للوحدة. تجلى ذلك في العديد من الممالك في التاريخ الهندي التي سعت لتوسيع حدودها في جميع أنحاء شبه القارة الهندية.." يأتي على ذكرها".ص69).
وثمة دائماً ما يمكن الاستناد إليه في عملية شرْعنة العنف المتعدد الغايات، حيث إن ( التوسع الاستعماري في الهند كان مدفوعاً بمزيج من الدوافع والافتراضات الكامنة- الجشع التجاري الصارخ، كما أوضحنا، والحاجة إلى تعزيز السلطة السياسية من أجل حماية الأرباح والمصالح، كذلك الفكرة العنصرية الأوربية التي تجسدت خلال الغزو الإيبيري للعالم الجديد، بأن الأمم الهندية الوثنية لم تكن جديرة بالحصول على سيادة مستقلة . ص 75) .
و( في أجزاء كبيرة من الهند خلال فترة التوسع الاستعماري البريطاني، جرت الإطاحة بحكومات محترمة إلى حد ما، مقبولة على نطاق واسع من قبل الناس، واستبدالها بحكام بريطانيين كانت دوافعهم وأساليبهم، بشكل عام، أسوأ من أولئك الذين أطاحوا بهم. ص79).
والعنصرية الشغالة بدورها( كان التمييز العنصري منتشراً في الخدمة المدنية الهندية. ص94).
إنها العنصرية الإمبريالية ، والتي ( أثَّرت في كل جانب من جوانب الإمبراطورية، وليس فقط في الخدمة المدنية فيها. كانت العنصريى طبعاً، في قلب المشروع الإمبريالي: لقد كانت منتشرة وواضحة ومهينة للغاية، وتفاقمت مع نمو القوة البريطانية..ص98).
بذلك( لم تحرم الحكومة البريطانية في الهند الشعب الهندي من حريته فحسب، بل استندت إلى استغلال الجماهير، ودمَّرت الهند اقتصادياً وسياسياً وروحياً..ص110) .
واستغلال الهنود في خدمة " التاج " لافت، حيث ( ساهمت الهند بعدد من الفرق العسكرية والكتائب في مسارح الحرب في أوربا والبحر الأبيض المتوسط وبلاد ما بين النهرين وشمال وشرق إفريقيا. تجاوزت مساهمة الهند من الرجال والحيوانات والمؤن والإمدادات والأموال لبريطانيا مساهمة أي دولة أخرى. ص 111).
مع ما قوبلت به الهند من مطالبة بالاستقلال من رفض من قبل بريطاني." ص 115).

الديمقراطية والصحافة والنظام البرلماني وسيادة القانون
في رده على زعم البريطانيين أنهم أسهموا في تطور الهند ديمقراطياً لإنشاء وحدتها السياسية، من خلال ( ثلاثة من المكونات الأساسية للديمقراطية خلال الحقبة الاستعمارية: صحافة حرّة ونظام برلماني أولي وسيادة القانون..ص119) .
ما يمضي في تأكيده، هو عكس هذا الزعم، لأن الصحافة رغم أهميتها، كانت تمثل مصالح البريطانيين، ومن في ركابهم، وإذا شهدت تطوراً لها، فبقواها الذاتية جهة ( تطوير المشاعر القومية ونموها في الهند..حتماً بدأت السلطات البريطانية تشعر بالقلق..ص123)، وقيَّدتها.
من ذلك أن الصحف الهندية- خاصة صحف اللهجة العامية التي تميل إلى أن تكون أقل تقييداً في إساءة معاملتها لأسيادها المستعمِرين- تعرضت للتغريم والقمع والإغلاق.، وكثيراً ما كان رؤساء تحريرها يُسجنون..ص125) .
لعلها حالة عامة،تمثّل القاسم المشترك الأكبر بين الدول الاستعمارية مستبدة بالشعوب المستعمَرة.
وفي مجال القضاء، نجد هذا التباين بشكل لافت، حيث ( انعكس إحجام القضاة البريطانيين في الهند عن إدانة أي رجل إنكليزي بقتل أي هندي بشكل غامض في الانخفاض المسجَّل في تهم القتل في العصر الفيكتوري في لندن.ص133) .
وتالياً يقول المؤلف( لقد حان الوقت للهند في القرن الحادي والعشرين لإخراج الحكومة من غرفة النوم، حيث لم يخجل البريطانيون من التدخل. ص 143).
طبعاً لا دخل للزمان لإقرار واقعة معينة، والتاريخ هو ما يُملى عليه كتابة، وليس ما يقرّره، فهو ليس أكثر من إصدار أمر تعبيراً عن رغبة استعمارية، سلطوية ينفذها الداخل في نطاقها.

فرّق تسد
لم يدخر البريطانيون جهداً في بث الخلافات ذات الطابع العنصري بين أبناء البلد الواحد، وهو ما يفنّد أي مزعم لهم أنهم قدِموا ليمارسوا تحديثاً للبلاد، حيث ( كان لدى البريطانيين موهبة استثنائية في تكوين الهويات الخاصة والمبالغة فيها ورسم الخطوط الإدارية على أساس العرق في جميع أنحاء مستعمراتهم.ص148)، وليسيّروها وفق تعليماتهم.
وما استحدثوه من قوانين محلية ناسب مصالح البريطانيين للتحكم بالهنود " ص 153) .
ومن ذلك ما يدخل في نطاق " دق الإسفين " بين الجماعات المختلفة في معتقداتها، والأفراد في توجهاتهم الاجتماعية، وعبر مخططات بريطانيا الاستعمارية( حددت الخرائط البريطانية المساحات الأفضل لحكمها، أصبحت الخريطة أداة للسيطرة الاستعمارية. حتى التراث البريطاني الثمين، المتحف، صُمّم سعياً لتعزيز المشروع الإمبراطوري إذ يمكن فيه تخصيص الأشياء والمصنوعات اليدوية والرموز وتسميتها، ووسمها، وتخزينها، وترتيبها، وتصنيفها، وبالتالي التحكم فيها تماماً، كما يمكن التحكم بالناس. ص 156).
ومن ذلك الانقسام بين الهندوس والمسلمين، وهو الأهم والأخطر، حيث ( أصبح الدين وسيلة مفيدة للتقسيم والحكم..ص160) .
و(يُعدّ الانقسام الشيعي – السنّي الذي رعته بريطانيا في لكناو، أحد أوضح الأمثلة على كيفية تشجيع البريطانيين على إحداث الاختلافات والفروق..ص171) .
وبرز ( المعارِض الهندي العظيم للراج البريطاني، المهاتما غاندي، عارضَ الحكم الاستعماري بطريقة استثنائية: ليس بالعنف، بل بمثابة القوة الأخلاقية. كانت حياة غاندي، بالطبع، هي من علَّمته الدرس، كان فريداً بين رجال الدولة في القرن العشرين، ليس فقط لتصميمه على عيش معتقداته، لكن على رفض أي فصل بين الإيمان والفعل. ص 173) .
ويظهر أن البريطانيين أنفسهم وراء فكرة تقسيم الهند، وإنشاء باكستان" المسلمة " ولم يستطع نهرو تهدئة العنف الذي انفجر في البلاد، وهو بأشكال مختلفة " ص 197).
وما جرى تالياً من استقلال للهند، لم يخف أوجه الرعب الحاصلة، والضحايا بمئات الألوف، وحيث ( لا توجد إدانة لفشل الحكم البريطاني في الهند أعظم من الطريقة المأساوية لنهايته. ص202) .


أسطورة الاستبداد المستنير
أكان الحكم البريطاني للهند استبدادياً أم مستنيراً؟ يقول تاريخه بما يعزز مقام الأول وليس الثاني!
من المؤكد أن وراء اعتماد سياسات مركزية تستجيب للمصالح الاستعمارية البريطانية هنا، لا بد من حدوث ما يترتب عليها، من أهوال أو ارتكاب فظائع، تحيل بلاداً بكاملها إلى مشرحة مطوّعة في خدمة تلك المصالح، بدءاً من القوانين الصادرة، وانتهاء بطبيعة التعامل القسرية، ومن ذلك ما يخص مفهوم الاستبداد وزعم أهميته لمصلحة البلاد المستعمَرة، ولهذا نقرأ كيف أنه ( مع تزايد أهمية الهند للازدهار البريطاني مات ملايين الهنود في المجاعات نتيجة لما لا يمكن تسميته إلا بالهولوكوست الاستعماري البريطاني بفضل السياسات الاقتصادية البريطانية القاسية، مات ما بين 30 و35 مليون هندي من الجوع خلال حكم الراج. ص206)، ويورد المؤلف قائمة المجاعات في الصفحة نفسها التالية عليها.
وما يعمّق أثر هذه السياسات المعتمَدة هو التباهي بأن الجاري كان في خدمة البلاد، وفق تبريرات دوغماتيكية، وما في ذلك من تعبئة إعلامية ونفسية، ولهذا يقول المؤلف أنه ( لا يمكن اتهام البريطانيين بأنهم " لم يفعلوا شيئاً " خلال المجاعة التي حدثت في 1876-1877 "، بل فعلوا الكثير لزيادة تأثيرها سوءاً. 212)، كمثال حي على ما تقدم، وإيراد أمثلة دامغة على عنف التعامل مع الفقراء والفلاحين أو عامة الشعب الهندي..
في الحالة هذه لا بد من التشديد على الديماغوجية في النظام الاستعماري خارجاً، من ذلك أنه ( على الرغم من أن التاج البريطاني خذل الهنود، فقد أصبح من المألوف في بعض أنحاء بريطانيا أن يُنظر إليهم على انهم متبرعون كرماء يقومون بإلقاء عملات معدنية متلالئة في أوعية التسول في الهند. ص216) .
وهذا يستدعي كذلك النظر في " الهجرة القسرية : النقل والعمل والسخرة . ص 221" ، ومسلك الوحشية في بنية نظام شركة الهند الشؤقية، في إطار" الراج الوحشي "، حيث ( كانت الوحشية سمة مبكّرة للحملات العسكرية لشركة الهند الشرقية. ص 225"، ومثال ذلك، كعيّنة أنه، خلال حديثه عن التمردات الهندية ضد سياسة الراج، وشركة الهند تلك في الواجهة ( خلال ثورة 1857 قُتل الآلاف من المتمردين بوسائل، كما قتِل عدد كبير من المدنيين من كلا الجنسين. ص 226) .
لنكون إزاء ما هو ثالوثي ( المجاعة والهجرة القسرية والوحشية: ثلاثة أمثلة على لماذا كان الحكم البريطاني للهند استبدادياً وليس مستنيراً . ص 234) .
ذلك ثالوث يكون حصيلة العنف المنظَّم واعتماد أجهزة دولتية استعمارية مختلفة، وتبعاً للمنشود!

القضية المتبقّية للإمبراطورية
لا تنقص الكاتبَ قوة الحجة على إبراز كل الذرائع التي كانت بريطانيا تتقدم بها اقتصادياً، اجتماعياً، وقانونياً، على أنها كانت من أجل تطوير الهند، عبر إماطة اللثام عن الخلفية الفظيعة لها بالمعاني كافة، من ذلك ( اقترنت العنصرية بالمصالح الاقتصادية البريطانية لتقويض الكفاءات. ص244)، وهذا الحال ينطبق على قطاعات مختلفة، ومن ذلك التعليم( غادر البريطانيون الهند بمعدّل محو أمّية 16 بالمائة نسبة الإناث منها 8 بالمائة- كانت واحدة فقط من بين كل اثنتي عشرة امرأة هندية تستطيع القراءة والكتابة في عام 1947.ص 247).
وهذا ما يشير إلى الجانب البراغماتيكي للتعليم، إذ ( جرى تعليم اللغة لعدد قليل من الناس ليكونوا بمثابة وسطاء بين الحكّام والمحكومين..ص250) .
وثمة من كان يكيليل المديح جزافاً للاستعمار البريطاني للهند، ( من الأمثلة المثيرة للاهتمام على الاستعمار الناجح للعقل الهندي هو المناصر لإنجلترا ذو السمعة السيئة نيراد س. تشادريّ، المثقف البنغالي ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً 1951: Autobiography of an Unknown Indian "أي: سيرة ذاتية لشخص هندي غير معروف. توضيح من إبراهيم محمود "مع إهدائه المتملق للإمبراطورية البريطانية في الهند:
لذكرى الإمبراطورية البريطانية في الهند،
التي منحتنا الرعاية،
لكنها حجبت عنّا الجنسية
مع ذلك فقد أطلق كلٌّ منا تحدياً:
" أنا بريطاني" ..ص256 .
وما يوسّع دائرة التضييق على أي إنجاز هندي، هو التالي( كانت إحدى العواقب المؤسفة للحكم البريطاتي هي الطريقة التي خنق بها الاستعماري أي احتمال لإحياء روح الهند التقليدية في البحث العلمي، سواء كان ذلك إهمالاً أو عمداً. ص 266) .
وعلى الأرض في السياسة الزراعية، ومن ذلك ما يخص منتوج الشاي وزراعته، حيث ( قطع البريطانيون غابات نيل غريس وآسام لزراعة الشاي، ودمّروا كورغ لزراعة القهوة. لم يكن الشاي الشرير الوحيد في الدمار البيئي لنيل غيريس، جلب البريطانيون أيضاً العديد من الأنواع الغريبة مثل شجرة الكينا والصنوبر لإنتاج مادة لزجة، تُرسَل إلى المملكة المتحدة لتصنيع القماش. ص 273) .
وفي إطار الرياضة، جهة لعبة الكريكيت، وكيف أن البريطانيين من خلالها حاولوا الإيحاء على أنها نوع من الرياضة لصالح الهنود، وقد ( لعبت الرياضة دوراً مهماً في الإمبريالية البريطانية، إذ جمعت ما بين الأفكار الفيكتورية المسيحية القوية، وعقيدة حيوية الشباب والجرأة البطولية في الأراضي البعيدة والمهمة الصنمية لجلب النظام والحضارة إلى الشرق المنفلت من خلال فرض القواعد المكتسبة من مدارس إيتون. ص 279) .
إن إقصاء الناس عما يسمّيهم في ماضيهم، وربطهم بما يقصيهم عنه، هو الهدف الجهنمي لجملة السياسات الاستعمارية والإمبراطورية، حيث البدائل لضبط مشاعر المستعمَرين قطيعياً هنا .

خلل في الميزانية العمومية: ختام
أشير هنا بداية، إلى ما أفصح عنه الكاتب وهو يكاشف تاريخاً طويلاً ومكثفاً لفترة الحكم البريطاني في الهند، وهو اعترافه بوجود أناس طيبين ( ترفَّعوا عن التعصب السائد في عصرهم ليعاملوا الهنود بالرحمة والحرص والاحترام، قضاة إنسانيون، ومسئولون أصحاب ضمير.. وبريطانيون أقاموا صداقات حقيقية مع الهنود.. كرَّسوا حياتهم للخدمة في الهند- لخدمة بلادهم ومؤسساتها الاستعمارية، كما يجب القول، لكن أيضاً لمساعدة الناس العاديين على عيش أفضل في ظل تلك الظروف..ص285).
لكن ذلك لا يعني غض الطرف عن مظالم الحكم البريطاني في الهند( لا يمكن للهنود أبداً أن ينسوا الحالة التي وجدنا فيها بلادنا بعد قرنين من الاستعمار. لقد رأينا كيف تحوَّل ما كان يوماً من أغنى الاقتصادات وأكثرها تصنيعاً في العالم... إلى واحد من أفقر مجتمعات العالم وأكثرها تخلفاً وأمّية ومرضاً وقت استقلالنا في عام 1947.ص 289).
بالعودة إلى الوراء ( كان الدافع الحضاري للهند عبر التاريخ متجهاً نحو العظمة، تخللته بلا شك نكسات وصراعات، لكن أي دولة كانت خالية منها؟ ص 294) .
وما يستوقفنا في النطاق الأخلاقي لحظة النظر في فترة الحكم البريطاني للهند( وصف جواهر لال نهرو الهند البريطانية ذات مرة بأنها منزل ريفي ضخم حيث كان الإنجليز هم النبلاء الذين يعيشون في الأجزاء الأفضب، مع وجود الهنود في غرفة الخدم..ص301) .
إن قصيدة كيبلينغ العنصرية( عبء الرجل الأبيض ) تعظيم للاستعمار، وقد رد عليها هنري لا بُتشر بقوة في قصيدة بعنوان ( عبء الرجل الأسمر) وهي في صفحتين ونيف، ومنها:
كومة على عبء الرجل الأسمر
كي ترضوا جشعكم،
هيّا، تخلصوا من " الزنوج "
من، سيعيق تقدمكم،
كونوا صارمين جداً، لأنه، حقاً،
لا يجدي اللطف
مع شعوب كئيبة قبض عليها حديثاً،
نصفها شيطان، ونصفها طفل..ص 307.

الفوضى ما بعد الاستعمار
يستهل هذا القسم الأخير بعبارة تشير إلى أنه لا يلقي اللوم كلياً على البريطاني إزاء الأخطاء الحاصة، أو ( تبرير بعض الإخفاقات، وأوجه العجز التي ما تزال بلا شك تعصف بالهند.ص 313).
خاصية الفوضى تشبه تعكير الماء للصيد فيه، وللتدخل السريع، وتحصيل الموسوم تالياً !
ولا بد من نظرة تاريخية حية إلى الاستعمار، إذ ( من الغرابة أن يظل " الاستعمار " عاملاً مهماً في فهم مشكلات العالم الذي نعيش فيه وأخطاره ص 314) .
ومن النقاط الساخنة هنا، يتوقف الكاتب عند الماسة الهندية الغالية الثمن، وذات الطابع الرمزي، والمسماة بـ " الكوهينور" وتعني جبل النور "، وتزن أكثر من " 100 قيراط على مر العصور" حيث تنقلت بين بلدان، وأخيراً، وفي سنة 1849 إثر ضم مناطق السيخ إلى الإمبراطورية البريطانية ( سقطت بين أيدي البريطانيين. ص 319).
الحكومة الهندية تطالب بها، لكن بريطانيا ترفض عودتها، وهي تزين الملكة الأم في برج لندن ، ( وحتى تعاد – على الأقل كإشارة رمزية للتكفير – ستظل دليلاً على النهب والاختلاس كما كان الاستعمار حقاً. ص 321 ).
هنا يكون الحديث عن الرموز، وما تكونه القيمة المقدرة فوق كل تقدير، لأنها تعين ذاكرة شعبية، ذاكرة أمة، وتربطها بأرضها، وثرواتها، وخصوصيتها بالمقابل.
ويتحدث الكاتب بعد ذلك وطي فقرة " مقاومة الاستعمار ظهور الغاندية، أن اللاعنف ليس حلاً ناجعاً لمقاومة العنف( اللاعنف لا يفلح في مواجهة خصوم عُرضة لفقدان السلطة الأخلاقية..ص322). و( الحقيقة المحزنة هي أن قوة بقاء العنف المنظّم تكون في أغلب الأحياء أكبر من قوة اللاعنف. ص 323).
هو ذا حدث مسمَّى آخر، نادر من نوعه، ويستحيل تكراره، جرّاء تغير الزمان والمكان، وفي الوقت الذي يسهل التأكيد على أن مفهوم اللاعنف ليس من السهل استيعابه، ودحر العنف به!
وثمة حديث مفصل وبكثافة، عما فعله الاستعمار في المجتمعات التي احتلها بآثاره المدمرة إلى الآن( إن التاريخ الاستعماري( المختلط) داخل الدولة الحديثة هو أيضاً مصدر خطر محتمل..ص327).
وللحدود التي وضعها الاستعمار آثار مدمرة ( يأتي على ذكر اتفاقية سايكس- بيكو. ص 326)، وما يترتب على اتفاقيات كهذه من آثار فظيعة طويلة الأمد و( مع دخولنا القرن الحادي والعشرين، من المفارقة أن فوضى الغد ربما ستعود إلى حد كبير، إلى محاولات النظم الاستعمارية أمس... يجب أن ندرك أنه في بعض الأحيان تكون أفضل بلورة سحرية هي مرآة الرؤية الخلفية .ص329).
أي ما يتمثله الدرس التشريحي، التنقيبي، البحثي والاستقصائي لمَا كان بالأمس، حيث وجِد الاستعمار، وماذا فعل في جسد هذا المجتمع أو ذاك، وهو مسيطر عليه، وأي صنافة أمراض مختلفة أودعها فيه، لتستمر في التناسل وإبقاء الجسد هذا ضعيفاً..

الدخول في حوار مع " عصر الظلام "
لقد حاولتُ إيراد ما اعتبرتُه المفاصلَ الحركية للكتاب على الأقل، تقديم صورة تشكّلها مجموعة أفكار تشمل قطاعات الحياة الواسعة، بالنسبة للكتاب، تمثّل تعريفاً بطريقة تفكير ثارور، وهو يتهيأ لوضع كتاب كهذا، أي مخطط العمل، وخريطة تستغرق التاريخ المذكور والشائن- حقاً- لشركة الهند الشرقية، وما يمكن أن يقال فيها في قبح صورتها أخلاقياً ومن الزوايا كافة.
أي إن لدينا قائمة مراجع مباشرة، توفّر لنا الكثير مما انشغل به ثارور، وقبل صدور كتابه، ويبقى للتكثيف المعلوماتي، والربط فيما بين الأمثلة في سردياتها التاريخية اكبرى، وإضاءتها أحياناً، فضيلة معرفية وبحثية وتعميق معنى للخطاب الذي استهل به كتابه، وما للوارد هنا وما ورد في كتابه من اقتباسات من خاصية تثاقفية تحفّز على المزيد من القراءة والمناقشة الجدّيتين.
ثمة ما يدعو إلى إضاءة خلفية الكتاب، وجوانب من الكتاب، ودون ذلك لا فائدة من القراءة أصلاً:
على الغلاف الخارجي للكتاب في طبعته الانكليزية Simon and Schuster, 18 oct. 2011 - 424 pages نقرأ توصيفاً له:
( في منتصف ليل الخامس عشر من آب (أغسطس) 1947 ، ولدتْ أمة جديدة. لديها سبع عشرة لغة رئيسة و 22000 لهجة مميزة. لديها أكثر من مليار فرد من كل أصل عرقي معروف للبشرية. يبلغ عدد سكانها 32 في المائة من الأميين ، ولكنها أيضًا واحدة من أكبر مجموعات العلماء والمهندسين المدربين في العالم. حضارتها الدائمة هي مسقط رأس أربع ديانات رئيسة ، وعشرات من التقاليد المختلفة للرقص الكلاسيكي ، وثلاثمائة طريقة لطهي البطاطس. الهند شاشي ثارور هي صورة رائعة لواحدة من أكثر دول العالم إثارة للاهتمام - سياستها وعقليتها وثرواتها الثقافية. حجة بليغة لأهمية الهند لمستقبل أمريكا والعالم الصناعي، يتدفق الكتاب بالطاقة والمنح الدراسية التي ميزت رواياته الحائزة على جوائز. كتاب جدير بالملاحظة في نيويورك تايمز ، هذا العمل ذو العمق اللافت للنظر والأصالة المذهلة يجمع بين عناصر البحث السياسي ، والتفكير الشخصي ، والمذكرات ، والخيال ، والجدل ، وكلها مضيئة في نثر حيّ ومقنع.).
ذلك يظهر العمق الجيوستراتيجي للهند، والتاريخ العريق لهذا البلد" القارة " المتعددة بأجناسها، شعوبها، ولغاتها، وتنوع ثقافاتها، ويشكل ذلك محفّزاً للقيام بدراسات مختلفة حولها. سوى أن الذي يلفت النظر، هنا، وبعد الذي تقدَّم، إلى أي درجة يكون وضع عنوان كهذا" عصر الظلام " دقيقاً؟ بالطريقة هذه، وكونه عصرَ الظلام، كيف أمكن لهذا الظلام أن ينقشع فجأة؟ أليس الحديث عن تاريخ طويل " ظلماتي " ودون تهدئة، إغلاقاً على التاريخ نفسه؟ أي حيث يكون قدَرياً، وهذا يخرج التاريخَ عن كونه تاريخاً، وما يشهد من تباينات، أو تصدعات مختلفة، تسمح لمن ينتمي إليه جغرافياً، إلى تمثل عنصر المقاومة، لوجود باعث على الأمل، وهذا يقلل من خاصية العصر والصفة التي تميّزه، والتي لا بد أنها جاءت أدبية، أكثر من كونها تشريحية دقيقة للتاريخ نفسه، والمؤلف نفسه، حين يرينا، تلك الفترات التي شهدت مجابهات، ولا بد أن يكون الوضع كذلك، بين الهنود والاستعمار البريطاني ومن معه، إنما يمتّن حالة عدم ثبات المقولة: العنوان.
ذلك ما يستبقي الخطاب المشار إليه بداية معروضاً للنظر، وفي نطاق هذا الخطاب، كمفهوم مركَّب، لا بد أن ندرك مدى تعرضه لعامل المكاشفة عن عدم تماسكه الداخلي، ثمة قوى ليست متناغمة مع بعضها بعضاً، وآليات التشكيل لها اتجاهات متعارضة أحياناً( إن الحيّز الخارجي لعلم ما، أكثر وأقل امتلاء مما نظن: بالتأكيد، هناك التجربة المباشرة، والقضايا الخيالية التي تحمل وتستعمل باستمرار معتقدات لا ذاكرة لها، ولكن أليس هناك، ربما، أخطاء بالمعنى الدقيق، إذ أن الخطأ لا يمكن أن يبرز وأن يتقرر كخطأ إلا ضمن ممارسة محددة..) " 3 " .
وربما كان الذي عاشه ثارور فكرياً، أملتْ عليه حالته كمفكر، ومؤرخ ينتمي إلى مجتمع ممزق، أو يتميّز بذاكرة موشومة بأشكال عنف داخلية وخارجية، أحال نسبة كبيرة مما يترجم هذا الجرح الكبير والنازف للجسد الهندي، كمسئولية على الخارج، وفي الوقت الذي لم يدخر جهداً، في الإشارة إلى الذين تعاونوا مع رموز الحكم الإنكليزي، تعبيراً عن مصالحهم، وما لذلك من دور فاعل للخافية، كخزّان معرفي خاص ولاشعوري، يضيء " شاشة الكلام " ويسائل دقته .
من ناحية أخرى، ربما كان تركيز ثارور على موضوعة الهند، ومن خلال الحكم الإنكليزي في إمبراطوريته، وما لها من شساعة جغرافية ورحابتها، وثراء تضاريسها كذلك، وجانب المعتقدات والعبادات والأديان فيها، وتنوع انتماءاتها القارية، دون غيرها، مؤثراً في محاولة الإتيان بكل ما أمكنه كمفكر ومؤرخ، لمواجهة الحدث التاريخي بما يربكه داخلياً، عدا عن ذلك ، ما يمكن التشديد عليه، وهو أن العنف المعتمد ضد الهنود، ثمة نظير له، وبصيغ أخرى، حيث كان الإنكليز، وما قيل في إمبراطوريتهم بتلك التي لا تغيب عنها الشمس، وغطرسة الافتتان بذلك.
هناك تاريخ عريق للعنف بمفهومه الكوني، الكوكبي، والديني والميثولوجي. وهذا يفيدنا في مكاشفة خطوطه الرفيعة والناقلة لأشكال القمع والظلم والقهر المرتبطة به، وما في ذلك من وجود قاسم مشترك، بين ممثلي قوى ينتمون إلى ثقافات وقارات وأزمنة مختلفة ( يبدأ تاريخ العنف منذ البداية، متأملاً القدر الذي تشكلت به الإنسانية في مراحلها الأولى، لكونها ثديية لتشابهها مع الثدييات، متقاسمة معها تاريخاً تطورياً، ونازعة مثلها نحو العنف، ومنه العنف بين أفراد الجماعة الواحدة...) .
لهذا يقول أحد مؤرخي عنف كهذا( أحاجج في هذا الكتاب على أن الإبادة كانت شائعة في عالمي البحر المتوسط والشرق الأدنى، وهي المنطقة التي نشأت فيها المجتمعات الزراعية- التجارية. ولعل جرائم الإبادة التي حدثت في عالم البحر المتوسط القديم قد أرست السوابق التاريخية التي مهدت لاحقاً لتاريخ الاستعمار الأوربي في حقبة ما بعد عام 1492.) " 4 "
هذا العنف متعدد الأوجه، مختلفٌ في أساليبه، قابل لأن يتطور في أشكاله وثقافته، وليس من جهة معينة، بمستثناة منه تبنياً وممارسة وانغواء به بالمقابل، إنما مشهود له بتحولات ومباغتات.
والبريطانيون يشكلون صورة حية، ولافتة من صور ممارسة العنف، حيثما وجدوا بوصفهم مستعمِرين، وساعين إلى السيطرة على أي مكان يرون فيه تعبيراً عن رغبة فيهم للتوسع.
والهند، كما يبدو، كانت مرشّحة لأن تكون " جوهرة " تاريخية وجغرافية، شدَّد عليها الإنكليز.
وهو ما ما تلمسناه في الصفحات المختلفة للكتاب، ويمكن ربطه بجهات أخرى جغرافية احتلوها.
وفي ضوء ذلك، يستحيل التعرف على العنف وطبيعة عمله ومهامه، دون الربط المرن بين ما هو جغرافي وما هو تاريخي، وبدا لي، من خلال قراءتي للكتاب، أن الكاتب لديه معرفة أطلسية بالهند جغرافياً، والتاريخ حاضر في ذهنه، ولكنه في طريقة الوصل بين أحداثه، وكيفية الى التاريخ في متغيرات تعاني نظرته من مسحة من رومانسية مقهورة يعدِم الأمل، والعنوان شاهد,
ومقولة التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون تعبير بائس، يستجيب لرغبات المنتصرين، ويتناسب مع حمولة اليأس القائمة في نفوس المقهورين، وليس تناسباً مع حقيقة التاريخ نفسه، كما يعلَمنا بذلك.

بين شاشي ثارور وإدوارد سعيد
من المعلوم أن اسم إدوارد سعيد " 1935-2003 " عالميٌّ، بصفته ناقداً مميَّزاً بطبيعة قراءته للنص الأدبي، وما يحرّر النص هذا من مجرد كونه أدبياً إلى المعتبَر أصله الثقافي والجغرافي كذلك، حيث الثقافة تلعب دوراً كبيراً في بناء الذاكرة الجماعية والتأثير فيها، ومفكراً ذا مهارة في صنعة التعابير الدقيقة واللافتة بمداها الفلسفي، جهة القضايا الاجتماعية والسياسية الكبرى .
سعيد الفلسطيني المتأمرك، ولديه حصاد وفير من الكتابات النقدية والثقافية وحتى السجالية الطابع في بعض منها، في إطارما يسمى ما بعد الكولونيالية.
وما أفصح عنه في كتابه الأشهر من أن يعرَّف عالمياً بالتحديج " الاستشراق " دالّ على هذا التوجه، وهو في تعريفه للاستشراق، يضيء الفكرة التي بنى ثارور عليها كتابه إلى حد ما ( الاستشراق كأسلوب غربي للسيطرة على الشرق، واستبنائه، وامتلاك السيادة عليه..) "5 "
ومن ثم ( فالاستشراق ليس أبداً بمنأى عما يسمّيه دَنِس هي فكرة أوربا، وهو مفهةم جمعي يحدد هويتنا " نحن " الأوربيين كنقيض لـ " أولئك " الذين ليسوا أوربيين ) " 6 "
وما ورد في مقدمته لكتابه يظهِر مدى المكانة التي يحتلها هذا الثنائي في ذهنه عالمياً ) فالشرق ليس لصيقاً بأوربا وحسب، بل إنه كذلك موضع أعظم مستعمرات أوربا، وأغناها، وأقدمها، ومصدر حضاراتها ولغاتها،ومنافسها الثقافي،وأحد صورها الأكثر عمقاً وتكرار حدوث ٍ للآخر.) " 7 "
وإزاء ذلك ليس اعتباطياً البدء بالقسم الأول من كتابه " التعرف على الشرق " بالتالي ( يوم الثالث عشر من حزيران ، 1910، ألقى آرثر جيمس محاضرة على مجلس العموم " البريطاني " حول المشملات التي ينبغي علينا أن نعالجها في مصر"، قال فيها أن هذه المشكلات تنتمي " إلى فصيلة تختلف اختلافاً كلياً" عن تلك المشكلات التي " تترك آثارها على جزيرة زَيْتْ أو " منطقة " وَسْت رايْدينغ في " مقاطعة " يوكشير..) " 8 "
وهو ما نتلمسه، بصورة أكثر حضوراً، بتلك الطريقة المعمَّقة من التفكير السابق ثقافياً في العلاقة بين الثقافة والإمبريالية، في كتابه " الثقافة والإمبريالية ".
إن ما يقول في مستهل الفصل الأول، وتحت عنوان فرعي" الإمبراطورية، والجغرافيا، والثقافة " ينوّه إلى الفكرة التي شدَّد عليه ثارور عن صلته بالماضي الاستعماري في الهند، ومفهوم الماضي في هذا المنحى( إن استثارة الماضي هي بين أكثر الاستخطاطيات شيوعاً في تأويلات الحاضر. وما ينفح مثل هذه الاستخطاطيات بالحياة ليس الخلاف على ما حدث في الماضي وما كانه الماضي فحسب، بل هو أيضاً اللايقين مما إذا كان الماضي ماضياً فعلاً، منتهياً ومختتماً أم كان مايزال مستمراً لكن في أشكال قد تكون مختلفة ..) " 9 "
نعم، لعلها الجغرافيا التي تخلق ممثليها، والمنافسين عليها، والمتصارعين باسمها، وتدخِل التاريخ في ركابها، وفي إهابها، تبعاً لموقعها المكاني- الزماني، والتقسيمت الجغرافية تتكلم سياساتها ذات الطابع الثقافي الانقسامي والمختلف عليه، وما لذلك من تاريخ احترابي وتنابذي كذلك.
ولعل الذي أسهم فيه سعيد، في هذا الكتاب، هو ذلك الربط بين المنتَج الأدبي: الروائي، كمنموذج حي إبداعياً، وعدم الاكتفاء بمفهوم الإبداع باعتباره سليل خيال، وأن الواقع جرى التصرف به، ليكون أكثر تجاوباً مع المأثور التخيلي للروائي، ومن ثم أكثر قبولاً، ليدخل سعيدُ الرواية، في معمعان الصراع الثقافي، والجغرافي، ويجردها من براءة ذمة تاريخية، إذ تتكلم " جغرافيتها".
وبغضّ النظر عما إذا كانت مقولات سعيد دقيقة أو غير ذلك، فإن فيها من شحنات الخيال وقوة المغايرة في التعبير عما هو خاف في قراءة النص، ما يعزّز في مكانته ثقافياً كثيراً، وفي الوقت الذي عاش فترات عمره الأكثر تميزاً في " الغرب : أميركا " وعرِف بثقافتها ولغتها أكثر.
وما يقوله عن ذلك الوصل بين الرواية الأوربية والإمبراطورية( إن الرواية الأوربية كما نعرفه اليوم ما كانت ستوجد في غياب الإمبراطورية..) "10 "
ومن هذه الزاوية، يمكن قراءة " ملذات الإمبريالية " ومن خلال رواية كيبلنغ " كيم " ( إن كيبلنغ يفترض بداهة إمبراطورية ليست، بشكل أساسي، مدار نزاع. على أحد جانبي الفالق الاستعماري كان ثمة أوربا مسيحية بيضاء سيطرت دولُها المتعددة- بريطانيا وفرنسا بصورة رئيسية، لكن أيضاً هولندا، وبلجيكا، وألمانيا، وإيطاليا، وروسيا، والبرتغال، وإسبانيا- على معظم سطح الكرة الأرضية. وعلى الجانب الآخر، كان ثمة عدد هائل التنوع من الأصقاع والأعراق التي اعتُبرت جميعاً أقل مكانة، دونية، تابعة، وخاضعة.) " 11"...إلخ..
والسؤال الذي يفرض نفسه، ليس بما إذا كان ثارور اطّلع على أعمال سعيد في هذا المضمار، وهذين الكتابين بالذات، أم تم تجاهل أهميتهما، وتأثيرهما في مخطط الكتاب فكرياً، والمهم هنا، هو أن ظل سعيد جلي هنا، وإن لم يُشَر إليه، وبمساحة رمزية أكبر، ليس لأن فكرة ثارور بدمغتها التاريخية محدودة في أهميتها، وإنما، لأنه فيما لو لفت النظر إلى ما قام به سعيد فيما تقدم ذكره، لبرز كتابه أكثر عمقاً بمداده التاريخي والثقافي، والتاريخ لم يعد مجرد حدث يتكلم، وكلاهما ينتميان إلى عالم اللغة الانكليزية، مع فارق التوجه الثقافي والأدبي والسياسي كذلك.
ومن جانب آخر، لا يخفي سعيد تأثره بأسماء لها حضورها الفكري والنقدي " ميشيل فوكو " على سبيل المثال في كتابه " الاستشراق " وأسماء مختلفة في كتابه الآخر، وهذا ما لا نتلمسه بصورة جلية لدى ثارور، إنما يجري تركيزه على الكتّاب الذين يتباينون سلباً وإيجاباً إجمالاً .

طريق العنف التاريخي
العنف معطوف دائماً على من يعتمده في الزمان والمكان. وهو لا يخرج عن التاريخ الذي يشير إليه من خلال سردياته المختلفة، وانقطاعاته في التاريخ نفسه، وهو نفسه داخل في بنية التاريخ، مثلما ن التاريخ الذي يُكتَب ، يستحيل تبرئته مما هو عنفي، ولهذا، لوكان للعنف وجه واحد، لسان واحد، لغة واحدة، لأمكن تحديده بجلاء، وهذا مستحيل في ضوء متغيرات التاريخ ومستجداته، ولأن ما هو مرئي لا يشكل حقيقة واقعه، إنما ثمة اللامرئي، مجهوله المستمر سياق التغير دائماً.
وما يمثّل عنفاً هنا، ليس كذلك في مكان آخر، وبالطريقة هذه نستوعب التضاد بين المستعمِر والمستعمَر، وبين يؤيد هذا الفريق أو ذاك، وما لكل تعبير من جمالية خاصة وبدعتها أيضاً .
ينظَر، مثلاً، ما يقوله كيبلينغ نصير الإمبراطورية البريطانية عن " الحرب في البحر " ، ومن خلال من تناوله بإعجاب(كان الكمال الخارجي للعالم أول سحر لهذا الرجل الإنجليزي المولود في الهند. انفتحت عيناه على مشهد الطبيعة حيث كل شيء روعة ووفرة ، حيث تتجاور الشوائب وتكمل بعضها بعضاً ، حيث يتألق ارتفاع أكبر الأنهار الجليدية على سهول لا تزال شاسعة ، خصبة بشكل لا ينضب ، ترويها الأنهار بالأسمدة ، وتحت السماء من النقاوة اللامتناهية التي تنعشها الليالي دون سوادها. ألم تقدم هذه الأرض لنفسها الثمر الأسمى؟ ألم يكن الامتياز الذي لا يضاهى للإنسان هو ملكه على مثل هذا المجال ، الذي لا يستطيع أن يمتلك الكثير منه؟ أليست دعوته وسعادته الأساسية أن يزيد ملء إتقانه عليها؟ أن الحيوانات تتفوق عليه في النظر ، والسمع ، والرائحة ، والقوة ، والسرعة ، وخفة الحركة ، أليس هذا اغتصابًا مهينًا ، وأسوأ ما له من دونية؟ ومن هنا جاء كتاب الأدغال ، التكوين الغامض للقوى الحيوية ، الزواج الغامض للعزلات ، المجيء الغريب للكائن ، المولود من الغابة ، الأم الحقيقية ، يتحد مع مؤهلات الإنسان تلك الخاصة بالوحوش العظيمة ، دين المادة. القوة التي ، في عريها الملبس بالضوء ، تجعلها تلعب بقوة عضلاتها وانسجام أشكالها. لكن الرجل الخارق الذي تم تصوره بهذه الطريقة له التفوق على الرجال بأنه مساوٍ للحيوانات. مع الإفراط الإبداعي في العبقرية ، احتفل كيبلينغ في خيال رمزي بفكرة عزيزة على مواطنيه. فخر تعليم اللغة الإنجليزية هو عكس تعليمنا. قبل كل شيء ، تكرم ذكائها لعدم تنمية ذكاء غير مهتم بالجسد. لديها إيمان بأنه ، بالنسبة للفرد وللعرق ، يتم الحصول على الأساسي إذا كان هذا الجسد رفيقًا قويًا ، كريمًا في العطاء وتلقي القتال ، مستعدًا للنصر ، جاهل بالخوف ، ويسعدها الاحتفاظ به خاصة من اليونانية. الاحترام الذي علمه هوميروس للبطل ، أي للشخص الذي تفوقه قوة الفرد على الرقم.) " 12 "
ذلك يندرج في سياق ما هو واقعي، كما رأينا مع الكاتب، ومع سعيد، وهنا بالمقابل، فيما يخص التوجه الفكري لكيبلينغ، وما يحفّز على النظر في اتجاه آخر، وهو الذي يراه الكاتب أكثر.

وإن ما يلجأ باحثٌ في التاريخ إلى مواجهته بصدد العنف، وما يجب النظر فيه بشكل مختلف، هو ما يعمّق أثر العنف الموسوم، في قاطرة التاريخ الإمبراطورية( على الرغم من أن التاريخ الإمبراطوري مشبع بالعنف ، إلا أنه نادرًا ما كان الموضوع الحصري للتحليل التاريخي ، حتى وقت قريب جدًا. عندما قام دنكان بيل بتوبيخ جون داروين لأنه لم يول اهتمامًا كافيًا لعنف الإمبريالية في كتاب نال إعجابًا كبيرًا ، مشروع الإمبراطورية ، كان رد فعل داروين كاشفاً: "القول بأن العنف لعب دورًا مركزيًا في تاريخ الإمبراطورية البريطانية لا يعني أن تضيف الكثير إلى مجموع معرفتنا. وفقًا لهذا المنطق ، يعتبر عنف الإمبريالية أمرًا مفروغًا منه إلى درجة أنه قد يصبح أمرًا شائعًا. ومع ذلك ، كما اعترف داروين ، من الممكن التعامل مع الموضوع بشكل أكثر إنتاجية من الناحية الفكرية ، من خلال تحليل الأشكال المحددة التي يميل العنف الإمبراطوري إلى اتخاذها ، بدلاً من مجرد الإشارة إلى وجودها. تستند الدراسات الحديثة إلى فكرة أن أي مفهوم للعنف المشروع يكون خاصًا بلحظة تاريخية محددة ومشروطًا بثقافة: بعبارة أخرى ، للعنف تاريخه الخاص ، والذي لا يزال يتعين كتابته في الغالب. في الماضي ، كان المؤرخون يميلون إلى التقليل من أهمية دور العنف في الإمبراطورية البريطانية ، بدلاً من التركيز على الفظائع الاستعمارية التي ارتكبها الألمان والبلجيكيون في إفريقيا. ومع ذلك ، فإن العمل الأخير حول العنف العنصري في الإمبراطورية البريطانية قد قوض وجهة النظر هذه للاستثناء البريطاني.) .
وهذا ما يعزز رؤية الجاري في الجسد الإمبراطورية بتأثير من العنف:
( من منظور العنف ، يمكن أيضًا الكشف عن التصدعات في الصرح الإمبراطوري. كانت المواقف البريطانية تجاه استخدام القوة بعيدة عن أن تكون موحدة ، وكان العنف نفسه في كثير من الأحيان موضوع نقاش ساخن بين الجماهير الأوربية. عكست هذه الفوارق التوترات بين المواقف الرسمية وغير الرسمية ، فضلاً عن الانقسامات الإيديولوجية داخل النخبة الحاكمة حول كيفية التعبير عن السلطة الإمبريالية. في الواقع ، يجادل كل من كوندوز وفاغنر بأن استخدام العنف لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه تعبير عن الغطرسة البريطانية ، ولكن باعتباره أحد أعراض مخاوف الإمبراطورية البريطانية.) .
طبعاً تكون الأكاديمية كمنهج معرفي موسَّع لها شأنها الواسع الأبعاد، في ضوء المستجدات:
( على الرغم من أن هذه الأعمال الأكاديمية توفر إطارًا مقنعًا لكتابة تاريخ العنف ، إلا أن العديد من الأسئلة لا تزال قائمة. كجزء من رسالة الدكتوراه الخاصة بي ، قمت بفحص كيف يمكن للحرب والدبلوماسية أن تندمجا في بداية القرن التاسع عشر في عمل المقيمين ، هؤلاء الممثلين لشركة الهند الشرقية في المحاكم الهندية. كان لإيمان السكان بفعالية القوة الغاشمة ، من الحملات العسكرية إلى استخدام السوط ، تأثير قوي على صعود النفوذ السياسي البريطاني في المحاكم الهندية المستقلة اسميًا بين عامي 1798 و 1818. ستكون هناك حاجة إلى مزيد من البحث من أجل تحديد كيف تم فهم العنف الإمبريالي واستخدامه كأسلوب للقوة وكأداة للتوسع الإمبراطوري خلال هذه الفترة. تركز الأعمال الحالية حول العنف في الإمبراطورية البريطانية في الهند بشكل كبير على نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، ذروة الراج. ومع ذلك ، من خلال تطبيق هذا النهج على السنوات التكوينية لحكم الشركة ، سيكون من الممكن إلقاء ضوء جديد على فترة شهدت ثورة عالمية وإصلاحًا وظهور بريطانيا كقوة عالمية مهيمنة.) " 13 "
إنها قراءة دقيقة، وحِرَفية تقارب التاريخ في عمق حراكه السياسي والاجتماعي والثقافي، حيث العنف هو المحرّض، والعنف هو المساعد على مكاشفة نوعه وجنسه، وآلية تمثلاته واقعاً.
وإذا سايرنا الكاتب فيما يذهب إليه في هذا المنحى، وبصدد شركة الهند الشرقية، ذات التاريخ التليد والمرعب أو بمركّبها العنفي، نقرأ ما يرينا سرداً لسلوكياتها في هذا المضمار.
بدءاً من الخطوة الأولى، وما فيها من مناورة شأنها شأن أي إجراء استعماري كهذا:
( حصلت شركة الهند الشرقية الإنجليزية ، بالإضافة إلى السلطة السياسية ، على احتكار تجارة الشاي والتجارة الصينية بشكل عام ، فضلاً عن احتكار نقل البضائع من أوربا إلى آسيا ومن آسيا إلى أوروبا. ولكن تم التنازل عن الملاحة الساحلية والملاحة بين الجزر ، وكذلك التجارة داخل الهند ، حصريًا لكبار موظفي الشركة. وكانت احتكارات الملح والأفيون والتوابل والمواد الغذائية الأخرى مناجم ثروة لا تنضب.).
وما يذكّر ببدء خطاب ثارور، وجانب الاعتراف بموقعه كرجل بحث وتأريخ:
( خلال مناظرة نُظمت في عام 2015 ، بعد 61 عامًا من رحيل البريطانيين ، طالب شاشي ثارور بأن تدفع بريطانيا العظمى تعويضًا للهند مثلها مثل المستعمرات السابقة الأخرى عن قرنين من الاضطهاد الإمبراطوري. وأشار ثارور إلى أنه عندما هبط الإنجليز هناك ، كانت الهند تمثل 23٪ من الاقتصاد العالمي ، بينما عندما غادروا ، كانت تمثل أقل من 4٪. لماذا ؟ لأن الهند كانت تحكم لصالح المملكة المتحدة ، التي تم تمويل توسعها من خلال استغلالها للهند. في حين أن مقدار الثروة المنقولة من المستعمرات إلى المراكز الإمبراطورية أمر قابل للنقاش ، فإن الحقيقة لا جدال فيها و ثارور ليس أول من قدم هذا الادعاء.) .
وما يسهم في تنمية التخلف، ووضع الأسس ذات الصلة بالاستبداد على مختلف الصعد، عبر المسمى بـنظرية الثقب Théorie de la ponction، والتي تسهّل عملية السيطرة والنفوذ:
( قدر داداباي ناوروجي ، وهو شخصية مهمة في السياسة الهندية في القرن التاسع عشر ، استنزاف الهند السنوي من قبل المملكة المتحدة بما يتراوح بين 200 و 300 مليون جنيه إسترليني . استخدم نظام الشفط هذا قنوات مختلفة ، بشكل أساسي التحويلات المالية من قبل الأوربيين الذين يعيشون في الهند ، سواء كان ذلك استثمارًا للمدخرات ، أو شراء البضائع ، أو دفع الفوائد على الديون المتكبدة في بريطانيا العظمى - بريطانيا (باستثناء قروض الدولة). بناء السكك الحديدية والديون الأخرى المتعاقد عليها في سياق إنتاجي).
وما يصل بنقطة أخرى بما تقدم( أخذ الإنجليز أكثر من ثلث الناتج القومي الإجمالي للهند بشكل أو بآخر.
بالتأكيد ، من المستحيل وضع تقدير دقيق لأهمية هذا الثقب الذي اتخذته القوة الاستعمارية البريطانية في الهند.
"في القرن الثامن عشر ، كانت الهند بلدًا زراعيًا وصناعيًا عظيمًا ، وانتشرت أقمشتها في جميع أنحاء آسيا وأوربا. من المحزن أنه في الأيام الأولى للوجود البريطاني ، قامت شركة الهند الشرقية والبرلمان البريطاني ... بإثناء المصانع الهنود لتحفيز صناعة النسيج في إنجلترا ... فقد ملايين الحرفيين الهنود مصدر دخلهم ؛ تم تجريد السكان الهنود من مصدر مهم للثروة.") .
وفي الحديث عن " السكة الحديدية " منغّصاتها ومآسيها، أي ما يقرَأ خارج المرئي:
(يكرر المدافعون عن التوسع الاستعماري البريطاني أنه على الرغم من عيوبه ، إلا أن العلوم والتكنولوجيا الغربية التي أدخلها المستعمرون هي التي أنقذت الهنود من سلاسل العصور الوسطى. تم ذكر إنشاء خطوط السكك الحديدية كأفضل مثال على هذا التحديث. بالتأكيد ، كانت شبكة السكك الحديدية بهذا الحجم غير مسبوقة في المستعمرات. وتجدر الإشارة ، مع ذلك ، إلى أن العديد من الدول في جميع أنحاء العالم ، وخاصة في أوربا ، قامت ببناء سكك حديدية دون أهوال الاستعمار. إذا ذهبنا إلى أبعد من ذلك ، فإننا ندرك أن خطوط الاتصال هذه كانت أولاً لخدمة مصالح شركة الهند الشرقية. على حد تعبير الحاكم العام اللورد هاردينج ، فإن السكك الحديدية ستفيد "التجارة والحكومة والسيطرة العسكرية على البلاد" )
وليس هناك وجه سلبي، إلا وله رابطة بنيوية بسواها، كما في" المجاعات المميتة "
( كانت المجاعات ظاهرة متكررة في الهند الاستعمارية لم تعترف بها الحكومة البريطانية أبدًا. بين عامي 1760 و 1943 دمرت المجاعات الرهيبة البلاد بانتظام. استنادًا إلى مصادر بريطانية رسمية ، يمكننا تقدير أن أكثر من 85 مليون هندي لقوا حتفهم خلال هذه المجاعات ، التي اتخذت أبعادًا إبادة جماعية.
تم تحويل الحصاد الهندي لإطعام الإنجليز. "إذا تم وضعهم من الرأس إلى أخمص القدمين ، فإن جثثهم ستغطي 85 ضعف طول إنجلترا. وحدث ذلك بينما كانت الهند تصدر ما يصل إلى 10 ملايين طن من الغذاء سنويًا." .لم يكن هذا نتيجة لسياسة التجارة الحرة ، بل كان عذرًا ليبراليًا يستخدم لتبرير ما كان جيدًا وحقيقيًا إبادة جماعية مقنَّعة في صورة مجاعة ناجمة عن الجفاف.) .
طبعاً، لا بد أن يكون الجوع مرتبطاً بخاصية الرفاه ، كعلاقة عكسية، وتستدعي الفقر والمجاعة.
وما يؤدي ذلك إلى تراكم الديون والتعويضات الاستعمارية، حيث (أدى الحكم الاستعماري في الهند إلى الاستغلال الاقتصادي والخراب لملايين الهنود ، وتدمير الصناعات المزدهرة ، والحرمان المنهجي لفرص المنافسة ، والقضاء على المؤسسات المحلية للحكومة ، وتحويل أساليب الحياة والهياكل التي كانت موجودة منذ ذلك الحين زمن سحيق وإنكار ما كان المستعمر له أكثر قيمة: هويتهم وكرامتهم.)
وفيما نوّه إليه الكاتب، وهذا التالي يؤيده:
( تتراوح مطالب التعويضات من توقع اعتذار رسمي ، وإلغاء ديون العالم الثالث غير المشروط ، والتعويضات المالية ، إلى خنق الغرائز الاستعمارية التي تطفو على السطح كما هي الآن في الشكل النيوليبرالي للقمع الشديد لغالبية سكان الكوكب - سواء داخل أو خارج الحدود الوطنية.
يطرح ويليام دالريمبل ، المؤرخ والكاتب الاسكتلندي ، مسألة تبييض المشروع الاستعماري بالطريقة التي يُدرس بها التاريخ. "الإمبراطورية البريطانية لم تذكر حتى في كتب التاريخ. يسمع تلاميذ المدارس البريطانية عن سلالة تيودور وستيوارت ، ثم أدولف هتلر. ليس من الدور الذي لعبه البريطانيون بين الاثنين.) " 14 "
وتشكّل شركة الهند الشرقية وحدها الذراع اليمنى والضاربة للبريطانيين، بتاريخها الطويل، وما لها من أرشيف مادي وثقافي رهيب، حيث إن قراءتها تاريخياً تكاد تلخّص تاريخ الإمبراطورية البريطانية والفظائع التي ارتكبتها هنا وهناك، وليس في الهند وحدها:
حيث ( بدأ الوجود البريطاني في الهند في القرن السابع عشر بتأسيس شركة تجارية في لندن ، وهي شركة الهند الشرقية (EIC). رسخت EIC نفسها بسرعة في شبه القارة وأصبحت لاعباً رئيساً في تجارة المنسوجات بين الهند وإنجلترا وآسيا.
وبدأت المغامرة البريطانية في الهند في عام 1600 ، مع تأسيس شركة تجارية في لندن ، وهي شركة تجار لندن للتجارة في جزر الهند الشرقية ، والمعروفة باسم شركة الهند الشرقية (EIC).
حصلت هذه الشركة على احتكار التجارة بين الجزر البريطانية وآسيا. ذلك يشهد على رغبة التاج الإنجليزي في المشاركة في تجارة التوابل مع الشرق والتنافس مع إسبانيا والبرتغال.
تمثل بداية القرن الثامن عشر نقطة تحول أولى في تاريخ شركة الهند الشرقية في الهند ، عندما حصلت الشركة على حرية التجارة في البنغال من إمبراطور موغال. ثم أصبحت هذه المقاطعة الغنية مركز أنشطتها. أثرت الشركة نفسها بشكل كبير من خلال شراء كميات كبيرة من الأقمشة ، التي أعادت بيعها في الجزر البريطانية ، ولكن أيضًا في جنوب شرق آسيا وعالم المحيط الهندي
في حين أن الشركة تضاعف الفتوحات في شمال وجنوب الهند ، فإن النقاشات حول طريقة حكم هذه الإمبراطورية الجديدة حية. مع فقدان المستعمرات الأمريكية ، اختفت الإمبراطورية البريطانية الأولى ، الراسية في أمريكا الشمالية ومنطقة البحر الكاريبي ، لصالح إمبراطورية ثانية ، تركزت على وجه التحديد في الهند وآسيا. أدى إثراء عملاء الشركة واتهامات الفساد الموجهة ضد أحد الحكام العامين ، وارين هاستينغز (1732-1818) ، إلى التفكير في بريطانيا العظمى في أسلوب حكم الإمبراطورية الهندية. استمرت محاكمة الرشوة في هاستينغز من 1788 إلى 1795. بالنسبة لمتهم الحاكم ، إدموند بيرك (1729-1797) ، فإن إمبريالية الشركة وإثرائها ، التي يرمز إليها هاستينغز والنابوبس ، وكلاء الشركة الذين يجنون ثروة في الهند ، هم في عملية إفساد "الفضيلة الإنجليزية القديمة". تخاطر بريطانيا العظمى بمواصلة الفتوحات في الشرق ، رمزًا للانحطاط الذي قد يؤثر على التاج.
و: ظلت الهند طوال النصف الثاني من القرن التاسع عشر بناءًا أصليًا داخل الإمبراطورية البريطانية ، لأنها ليست مستعمرة مستوطنة. لم يتجاوز عدد السكان البريطانيين ، الذي يضم العديد من الأسكتلنديين والإيرلنديين ، في نهاية القرن التاسع عشر حوالي 70 ألف نسمة.
المجتمع البريطاني في الهند مجتمع هرمي. على رأس القائمة ضباط من الجيش البريطاني في الهند ، وموظفو الخدمة المدنية الهندية ، يليهم ضباط من الجيش الهندي ، وأعضاء في هيئة الأشغال العامة في الهيئة الفنية ، ومبشرون ومعلمون. يسود فصل حقيقي بين السكان البريطانيين والسكان الأصليين.
و:خلال الحرب العالمية الأولى ، كان الوضع هادئًا وتقدم الهند جهدًا حربيًا كبيرًا. قاتل أكثر من مليون هندي منذ عام 1914 على الجبهة الغربية وفي بلاد ما بين النهرين. هذه الحرب ثقيلة العواقب. عندما يعود الجنود المسرحون ، يدمر التضخم الاقتصاد الهش بالفعل. منذ عام 1918 ، استؤنف التحريض القومي للمطالبة بالحكم الذاتي للهند. في عام 1917 ، في هذا السياق ، وعد وزير الدولة لشئون الهند ، إدوين مونتاجو (1879-1924) ، بالتطور المستقبلي للهند نحو وضع السيادة.
وفي عام 1939 ، عندما دخلت بريطانيا العظمى الحرب ضد ألمانيا ، كانت التوترات بين الكونغرس والقوة البريطانية في ذروتها. يعلن غاندي أن الهند مستعدة لدعم الحرب ضد النازية إذا أضفى البريطانيون موقفهم الرسمي بوضوح على مستقبل الهند. في عام 1940 ، أصدر غاندي قرارًا للساتياغراها المعتدلة. في الوقت نفسه ، صوتت الرابطة الإسلامية في جلسة في لاهور على قرار لإنشاء باكستان. في كانون الأول 1941 ، بينما عانى البريطانيون من هزائم خطيرة في جنوب شرق آسيا ، علق غاندي الحركة. في عام 1942 ، أطلق غاندي ونهرو حركة جديدة: اتركوا الهند. يطلبان من البريطانيين تسليم حكومة بلادهم للهنود على الفور.
بعد ثلاث سنوات من الجمود السياسي ، استؤنفت المفاوضات السياسية في عام 1945. ثم بدأت المسيرة نحو تقسيم الهند.) " 15 "
ومن خلال تسميتها، وما لها من سمعة غاية في السوء، تظهر شركة أكبر من كونها شركة، وفاعلاً تدميرياً واستغلالياً وهمجياً في التعاطي مع المستجدات، وفي كلَف الضحايا والكوارث التي كانت سبباً في حدوثها، وكيف أنها كانت تدار من قبل جهابذة السياسة والاستخبارات في بريطانيا، دون ذلك كيف أمكنها الاستمرار على مدى مئات السنين، هي تغيّر في سياساتها وطرق ابتزازها.

رؤية العالم والتعليم
بين رؤية العالم، وما يمكن اكتشافه فيه، وطبيعة متغيراته، والثقافة القائمة، لا تنفصل عن تلك التربية المعتمدة في المدارس وما يليها في المعاهد والجامعات، ولكن التعليم في المنطلق له، مع التلاميذ وثيق الصلة بكيفية بناء الأذهان الغضة، لتكون أهلاً لأن تتقبل ما يجري تلقينها إياه، جهة التمايز عن الآخرين في مجتمعات أخرى، واستناداً إلى ثقافات جانبية تستجيب للسياسة المذكورة.
لعل البريطانيين كانوا خبثاء في هذا المسلك، حيث العالم ينقسم ثنائياً، والبشر بدورهم، والثقافة بدورها أيضاً، وهو ما نطالعه في بحث مستفيض بهذا الشأن، ومن ذلك:
البدء من قصيدة كيلينغ الوارد اسمه في الكتاب، وعلام تقوم:
( تصف قصيدة روديارد كيبلينغ "خط المنفيين La Ligne des Exilés " عام 1890 ، التي تصف مجيئ وخروج رجال الطبقة الوسطى البريطانيين الذين أداروا الهند وشعبها ، إلى الرحلات المتكررة التي كان عليهم القيام بها خلال حياتهم المهنية. "الخط" ، بالنسبة لكيبلينغ ، له معنى مزدوج: لقد كانت كل من شركات الشحن مثل P. زوجة وطفلة وقافلة من المعدات ، [...] / مقيدون في عجلة الإمبراطورية ، واحدًا تلو الآخر ، / عصابات الشرق من الأب إلى الابن ، / خط المنفيين يزيل خط المنفيين / والسفن عند عودتهم إلى الوطن عند انتهاء عملهم "(كيبلينغ 1989 ، 162-163).
ومن هنا كان هذا التركيز على هذا الموضوع لأهميته ثقافياً:
( تبحث الصفحات التالية في كيفية تجربة الشباب البريطانيين للسفر والاتصالات والحياة في الإمبراطورية ، على عكس المدينة ، وما المعنى الذي أعطوه لهذه التجارب. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، كان لمجموعتين من الأطفال ، تختلف ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية اختلافًا كبيرًا ، مسارات اجتماعية إمبراطورية ، واحدة من الهند إلى بريطانيا العظمى ، والأخرى من بريطانيا العظمى إلى كندا. بالنسبة للأطفال البريطانيين المولودين لعائلات مرتبطة بالراج في الهند ، كان يُنظر إلى الإقامة في الإمبراطورية على أنها مشكلة. أسر الطبقة الوسطى التي كانت قادرة على تحمل تكاليف إعادة أولادها وبناتها إلى بريطانيا في سن مبكرة ، فعلت ذلك بشكل شبه دائم. كانت الفكرة السائدة هي أن بريطانيا عرضت على هؤلاء الأطفال مزايا أكثر بكثير من الإقامة الطويلة في الهند ، ولذا اختار الآباء إبعادهم عن آسيا مهما كانت العواقب العاطفية لمثل هذا الانفصال. على الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة ، فليس من الحكمة ، بالنظر إلى حجم الجالية البريطانية في الهند ، الإشارة إلى أن مئات الأطفال قد اقتلعوا بهذه الطريقة كل عام. ومع ذلك ، بالنسبة للأطفال الآخرين ، الذين ولدوا في بريطانيا وتعلموا هناك ، كان يُنظر إلى الإمبراطورية الخارجية على أنها وسيلة للهروب مما أصبح يسمى "الأجزاء المظلمة من إنجلترا" (أحلك إنكلترا).).
وما يقوّي صلة أي إجراء بتلك العملية الثقافية ذات الطابع الإمبريالي:
(على الرغم من أن بعض الأوربيين قد أقاموا في الهند ، إلا أنه تم تثبيط هذه الممارسة بشدة وليس من المستغرب أن يكون للإقامة دلالات اجتماعية وعرقية سلبية قوية. كان المقيمون في الهند في الغالب من البيض الفقراء الذين لا يستطيعون في كثير من الأحيان العودة إلى بريطانيا. كان معظمهم من الرجال الذين وصلوا كجنود أو بحارة وكثير منهم كانوا متزوجين أو يعيشون مع نساء هنديات ، أو مع نساء مختلطات العرق كان يطلق عليهن اسم "أوراسيا" قبل أن يبدأ مصطلح "الأنجلو-هندي" في الانتشار. في بداية القرن العشرين قرن. لذلك تعرض الأشخاص المقيمون في الهند للوصم لأنهم جاءوا من الطبقات العاملة البريطانية أو الأوروبية ولأنهم أو أطفالهم اختلطوا اجتماعيًا وعرقيًا مع المجتمع الأوراسي لدرجة أن مصطلح "موطن الأوربي" بدا في آذان كثيرة مثل تناقض في الشروط)
وكمثال حي آخر على ما تقدم في كيفية الاستئثار بالجغرافيا:
( مثل افتتاح قناة السويس في عام 1869 ، جعلت السفن البخارية الرحلات المنتظمة إلى العاصمة الفرنسية أسهل بكثير. سافرت الأجيال الأولى من المستعمرين إلى الهند عبر رأس الرجاء الصالح ، وهي رحلة استغرقت عدة أشهر ، أو سلكت الطريق البري عبر الشرق الأدنى. لم تستغرق الرحلة من لندن إلى بومباي على البواخر التي عبرت قناة السويس أكثر من ثلاثة أسابيع.
على الرغم من التكلفة ، فإن البريطانيين الأكثر ثراءً في الهند ، مثل أولئك الذين وصفهم كيبلينغ على متن "خط المنفيين" ، قاموا بالرحلة بانتظام بسبب المزايا المتعددة للبقاء على اتصال بالعاصمة. كان يُنظر إلى العودة في إجازة إلى بريطانيا على أنها ضرورية للحفاظ على صحة المجتمع الاستعماري والشعور بالانتماء الثقافي ، فضلاً عن تنشيط الطاقات التي لا يمكن استنفادها إلا في مناخ غير مضياف وفي اتصال مع هذه الأغلبية من السكان الأصليين.
تم تصوير الأطفال البريطانيين باستمرار على أنهم أكثر أعضاء المجتمع الاستعماري هشاشة لأن أجسادهم ، وكذلك عقولهم وأخلاقهم ، كانت معرضة للخطر بشكل واضح إذا بقوا في الهند بعد سن الرضاعة. كانت العائلات المستعمرة التي كانت قادرة على تحمل نفقاتها ترسل عمومًا أطفالها إلى فرنسا في سن السادسة أو الثامنة وبقوا هناك طوال فترة دراستهم. مثل الرحلة إلى بريطانيا نفسها ، كانت سنوات الدراسة بمثابة طقوس أساسية لعبور الأطفال المستعمرين. كان من الأهمية بمكان أن يؤكد تعليم الجيل القادم على مكانة أبناء وبنات أسياد الإمبراطورية ، وخاصة الأبناء: يجب أن يظهروا كبريطانيين وبيضاء وقبل كل شيء ليسوا كمقيمين ، وربما ، الأوراسيون ، ولا "فاسدين" بسبب الاتصال المطول مع السكان الأصليين.
على الرغم من أن العودة إلى بريطانيا كان يُنظر إليها على أنها ضرورة اجتماعية ، وحتى عنصرية ، للأطفال البريطانيين ، إلا أنها لم تكن بدون تكلفة كبيرة. كان على العائلات ، بالطبع ، دفع ثمن تذاكر أطفالهم ورسوم المدرسة عند وصولهم ، لكن الثمن لم يكن ماليًا فحسب: لقد كان أيضًا عاطفيًا واعتبر الكثيرون أنه كان أكثر صعوبة.).
وما يستدعي التذكير بكيبلينغ مجدداً:
( روديارد كيبلينغ ، المولود عام 1865 ، عن طفولته في بومباي وكيف انتهت عندما ترك ، في سن الخامسة ، مع أخته الصغرى ، في ولاية بريطانيا ، فيما وصفه لاحقًا بـ "بيت الخراب" "، هو فقط أشهر النصوص التي تروي هذا النوع من التعليم (كيبلينغ ، 1990 أ و 1990 ب)
حتى أن بعض المعلقين قارنوا هؤلاء الأطفال بالأيتام ، على الرغم من أن والديهم لم يموتوا ، حيث أن معظم واجبات الوالدين كان يؤديها غرباء.).
وهو الذي يضيء صفحة تلك السياسة التي تعرّف بهوية الإمبراطورية أكثر:
( داخل النخبة الإمبراطورية البريطانية في الهند ، اختار الآباء التضحية بالحياة داخل الأسرة النووية من أجل احترام الضرورة الاجتماعية للتعليم البريطاني بشكل أفضل. كان يُشار إلى الانفصال بشكل منتظم على أنه "ثمن الإمبراطورية" ، وكما قال أحد المراقبين التمثيليين للغاية في ثمانينيات القرن التاسع عشر ، فإن "إضعاف الرابطة الأسرية المقدسة" كان "أتعس نتيجة ولكن مع ذلك حتمية للحياة في الهند" .
بالنسبة لجميع أولئك الذين تشكلت مشاعرهم من خلال ثقافة الطبقة الوسطى ، التي تعتز بقيم الحياة المنزلية والعلاقة الحميمة والمودة الأسرية ، فإن الارتباط بالهند يعني بالتالي قطيعة مع المُثُل الاجتماعية المنتشرة .
وهذا يفسر إلى حد كبير سبب اعتبار كيبلينغ الهند "أرض الندم".).
وما يجعل مفهوم الطفولة مطرحاً في مزاد الإمبريالية العلني، من الزاوية الأخطر تمثيلاً لها:
حيث ( لا يمكن أن تكون تجارب هجرة الأطفال المرسلين من بريطانيا إلى كندا مختلفة أكثر عن الوضع الموصوف سابقًا. إذا تم إرسال أطفال الطبقة الوسطى إلى البر الرئيس ليحموا من مخاطر مناخ الهند وسكانها "الأصليين indigènes " ، فقد تم قبول ، على العكس من ذلك ، أنه من المحتمل حماية شباب الطبقة العاملة من هذه المدينة نفسها ، من هذا "قلب الإمبراطورية" حيث ولدوا مع ذلك. بينما ، بالنسبة للطبقة الوسطى البريطانية ، كانت المنازل الداخلية "المحترمة" ومنازل الوالدين أو الأوصياء مفضلة على الهند التي يُنظر إليها على أنها تهديد مادي وثقافي ، لم يكن مفاجئًا أن رأى المراقبون الاجتماعيون الفقر والأحياء الفقيرة للطبقة العاملة في مكان مختلف تمامًا..) " 16 "
ذلك ما يضعنا في مواجهة العنف، وكيف يتم التعامل معه، وما يستجد من ظروف المكان والزمان، وما يثير مخيال كل من الشاعر، والروائي، والفنا، والباحث والمفكر والعالم، أي كل من يوجد في النطاق الإمبراطوري، والتعامل بالثقافة التي تحاول تجذيرها في أرضها .

سردية شخصية
ثمة ضرورة لإضاءة سيرة شخصية وثقافية لشاشي ثارور، ولو بإيجاز، ليكون هناك تعرُّف أكثر على جوانب مختلفة من كتابه، ومؤلفات أخرى له، وكذلك طبيعة علاقته بمن حوله :
أستند هنا إلى مقالين عن حياته، أحدهما مقابلة معه:
( ثارور هو الحائز على جائزة ساهيتيا أكاديمي وقد قام بتأليف العديد من الأعمال الخيالية والواقعية منذ عام 1981. تركز أعماله على التاريخ والثقافة والمجتمع والسياسة والأفلام والمواضيع ذات الصلة بالهند. تعرف على حياة شاشي ثارور ومسيرته المهنية ككاتب وشخصية سياسية.
كان عمه الأب باراميشواران ثارور مؤسس مجلة ريدرز دايجست في الهند. عمل والد ثارور مع رجل الدولة وفي مناصب مختلفة في بومباي وكلكتا ودلهي ولندن. عادوا إلى الهند عندما كان عمره عامين. في عام 1962 ، التحق بمدرسة مونتفورت في يركود. ثم التحق بمدرسة كامبيون في بومباي من عام 1963 إلى عام 1986. وقضى سنوات دراسته الثانوية من 1960 إلى 1971 في مدرسة سانت كزافييه كوليجيت في كلكتا.
حصل شاشي ثارور على درجة البكالوريوس في التاريخ عام 1975 من كلية سانت ستيفن ، جامعة دلهي. أسس نادي مسابقة ستيفن Stephen's Quiz Club في الكلية. في العام نفسه ذهب إلى الولايات المتحدة للحصول على درجة الماجستير في العلاقات الدولية. حصل على درجة الماجستير من كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس في ميدفورد. كما حصل ثارور على درجة الماجستير في القانون والدبلوماسية ودكتوراه في العلاقات والشئون الدولية. وحصل على جائزة روبرت بي ستيوارت للطالب المتميز أثناء متابعته لنيل درجة الدكتوراه. كان ثارور أول محرر لمنتدى فليتشر للشئون الدولية. وكان أصغر من حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من مدرسة فليتشر ، وهو في الثانية والعشرين من عمره.
بيع عمله غير الخيالي"عصر الظلام" أكثر من 100000 نسخة ولا يزال من أكثر الكتب مبيعًا
أصبح ثارور رئيسًا لشركة Afras Ventures التي تتخذ من دبي مقراً لها ، والتي بنت شركة AABC في ثيروفانانثابورام ، كيرالا. في هذه المدينة ، فاز بثلاث انتخابات تشريعية قياسية. قبل الشروع في حياته السياسية ، عمل أيضًا في مجلس أمناء معهد آسبن ، والمجالس الاستشارية لمجلس الفن الهندي الأمريكي ، ومجلس أمناء مدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية ، ومجلة السياسة العالمية ، مؤسسة الهند الأمريكية ومنظمة حقوق الإنسان Breakthrough. كان مستشارًا دوليًا من 2008 إلى 2011 مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف.
تزوج ثارور من كريستا جايلز في عام 2007. وهي دبلوماسية كندية تعمل في الأمم المتحدة. كان زواجهما قصير العمر وبدون أطفال. في عام 2010 ، تزوج سيدة الأعمال المقيمة في دبي سناندا بوشكار. توفيت بوشكار في عام 2014 في فندق ليلا في تشاناكيابوري ، نيودلهي في ظل ظروف غامضة. وفي عام 2018 ، اتهم ثارور بموجب المادتين 306 و 498 أ من قانون العقوبات بوشكار بالقسوة الزوجية والتحريض على الانتحار من بوشكار. بعد 3 سنوات ، في عام 2021 ، أطلق سراحه من جميع التهم.) " 17 "
الثاني هو الأوسع والأكثر احتواء بالمعلومات عنه، حيث أوردت منه التالي:
(شاشي ثارور ، العضو الأكثر شعبية في البرلمان الهندي ، بعد رئيس الوزراء ، ناريندرا مودي ، يلقي الخطاب نفسه تقريبًا من كل منصة تقريبًا ، في وصف الهند "الخاصة به".
"الهند" ، جوهر العنوان يذهب ، "لم تعد قومية العرق أو اللغة أو الدين ، لأن لدينا كل العرق المعروف للبشرية ، عملياً. لدينا كل ديانة معروفة للبشرية لدينا 23 لغة رسمية معترف بها في دستورنا ... ليس لدينا حتى جغرافيا توحدنا ، لأن الجغرافيا الطبيعية لشبه القارة التي تحيط بها الجبال والبحر تم اختراقها بالتقسيم مع باكستان عام 1947. حتى اسم "الهند" يأتي من نهر ، نهر السند ، الذي يتدفق في باكستان.
"لكن بيت القصيد" ، يتابع (تأتي هذه الكلمات من حديث TEDIndia منذ بضع سنوات ماضية) ، "أن الهند هي قومية الفكرة. إنها فكرة الأرض الدائمة ، الناشئة من حضارة قديمة ، متحدًا بتاريخ مشترك ، لكنها مدعومة ، قبل كل شيء ، بالديمقراطية التعددية. هذه قصة من القرن الحادي والعشرين ، بالإضافة إلى قصة قديمة.
"وهي القومية لفكرة تقول بشكل أساسي أنه يمكنك تحمل الاختلافات في الطائفة والعقيدة واللون والثقافة والمطبخ والعادات والأزياء ...وما زلت تلتف حول إجماع. والإجماع على مبدأ بسيط للغاية ، وهو أنه في ديمقراطية تعددية متنوعة مثل الهند ، لا يتعين عليك حقًا الاتفاق على كل شيء طوال الوقت ، طالما أنك توافق على القواعد الأساسية لكيفية اختلافك ".
ثارور ، 58 عامًا ، عضو في حزب المؤتمر الوطني الهندي ، يحتل مرتبة عالية في كل قائمة أفضل وألمع في الهند. كتب 14 كتابًا باللغة الإنجليزية الأكثر مبيعًا ، بما في ذلك مجموعة من القصص القصيرة وثلاث روايات ، ولا سيما "الرواية الهندية الكبرى" (1989). كما نشر سيرة ذاتية لأول رئيس وزراء للهند ، جواهر لال نهرو ، وسبعة أعمال واقعية ، بالإضافة إلى كتابين للصور عن بلاده. حتى دخل السياسة في عام 2009 ، كتب عمودًا أسبوعيًا بعنوان: إعادة صحوة الهند "India Reawakening" تم نشره في 80 صحيفة حول العالم.
ويتابع ما لا يقل عن 2.69 مليون شخص تأملاته بشغف ، أكثر من أي سياسي رفيع المستوى في العالم. وبالمقارنة ، فإن لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري 366 ألف متابع على تويتر.
هل أنت فخور بإنجازك على تويتر؟
"الهند مكان يمكن فيه تقسيم الآراء بسهولة. لذلك عندما يكون الشخص نشطًا على وسائل التواصل الاجتماعي مثل Twitter ، يكون هناك العديد من الأشخاص الذين يكرهونني مثل عدد الأشخاص الذين يحبونني.
تصدرت الهند عناوين الأخبار مؤخرًا فيما يتعلق بحالات الاغتصاب والتحرش الجنسي بالنساء. ما هو موقفكم من هذه القضية؟
"الهند شاسعة للغاية بحيث يمكن للمرء أن يقول شيئًا معينًا عنها والعكس تمامًا ، وسيكون كلاهما صحيحًا. هذا هو الحال مع وضع المرأة في الهند. من ناحية ، كنا أول دولة تسمح للمرأة بدراسة الطب. لقد جُرحنا في كل تاريخنا مع سياسيات وقائدات عظيمات وقويات ، والعديد من النساء في الرتب العليا.
ولد شاشي ثارور في لندن لعائلة هندية. لديه أختان. والده ، من ولاية كيرالا في جنوب غرب الهند ، كان مدير الإعلانات الجماعية في صحيفة ستيتسمان الهندية. عندما كان شاشي في الثانية من عمره ، عادت العائلة إلى الهند. التحق بمدارس مختلفة في مومباي وكلكتا وأخيراً الجامعة في دلهي ، وحصل على درجة جامعية في الفن والتاريخ. في سن التاسعة عشرة ، ذهب إلى الولايات المتحدة للحصول على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة تافتس.
ثارور لديه أبناء توأمان من زوجته الأولى ؛ لقد ولدوا في الولايات المتحدة وما زالوا يعيشون هناك ، وكلاهما منخرط في الكتابة والصحافة. الزوجة الثانية لثارور ، والتي طلق منها هي أيضا دبلوماسية كندية. كانت زوجته الثالثة ، الراحلة سوناندا بوشكار ، سيدة أعمال هندية ثرية وفاعلة خير.
سياسيًا ، ثارور عضو بارز في المعسكر الليبرالي اليساري. يؤمن بالمنافسة الاقتصادية والشركات الصغيرة التي تشجعها الحكومة ، ويعتقد أن مستقبل الهند يعتمد على قدرتها على الانفتاح على العالم. إنه حريص على حرية الصحافة ومدافع قوي عن الشفافية الحكومية. كان أول ممثل منتخب في تاريخ الهند ينشر تقارير سنوية حول عمله ونفقاته ، وحث السياسيين الآخرين على أن يحذوا حذوه.
أمضى ثارور 30 عامًا مع الأمم المتحدة ، بدءًا من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنيف ، وشق طريقه في المنظمة. في عام 2001 ، تم تعيينه وكيلًا للأمين العام للاتصالات والمعلومات العامة ، حيث تعلم الكثير عن عرض الصور واستخدام وسائل مختلفة لتوصيل الرسائل - المهارات التي من شأنها تعزيز شعبيته لاحقًا.
في عام 2006 ، رشحته الحكومة الهندية لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة ، ليصبح أول هندي يتنافس على هذا المنصب. قاد هو وبان كي مون ، من كوريا الجنوبية ، جميع المرشحين الآخرين. في النهاية ، حصل ثارور على صوتين أقل من بان. هنأه ثارور ورفض عرضه للعمل نائبا له وغادر الأمم المتحدة.
لقد أعاقت الفضائح مسيرتك السياسية القصيرة.
"دخلت السياسة الهندية في ظروف غير عادية للغاية. ببساطة ، لم يسبق لأحد أن ذهب إلى الخارج معظم حياته ، وعاد سعياً للفوز بالانتخابات. عدت وكنت مجنوناً بما يكفي للمشاركة في الانتخابات والفوز بها. لقد صنعت عددًا فوريًا من المعجبين ، لأنه كان غير عادي ، وكان عددًا فوريًا من الأعداء ، الذين استاءوا مما رأوا أنه هبوطي بالمظلة في مهنتهم ، والتطفل على مساحتهم.
"في الهند ، معظم السياسيين هم سياسيون متفرغون ومستمرون طوال حياتهم ، وتسلقوا السلم تدريجيًا منذ أيام دراستهم. هذا كل ما فعلوه في حياتهم المهنية. لذا يصل شخص مثلي ، لديه حياة "أخرى" ، وبالطبع ليس من السهل على الجميع قبوله.
كلفه الجدل الأخير الذي دار حول ثارور منصب المتحدث الرسمي باسم حزبه. في تشرين الأول (أكتوبر) ، أطلق رئيس الوزراء أكبر حملة تنظيف في تاريخ الهند: شملت العملية آلاف المناطق ، وتعهد ثلاثة ملايين من موظفي الخدمة المدنية وطلاب الجامعات والمدارس الثانوية بالمساعدة في تنظيف الطرق والطرق السريعة والأماكن العامة في البلاد.

ثارور واليهود
وكتب ثارور في بداية فصله الموجز عن يهود الهند في كتابه الصادر عام 2007 بعنوان "الفيل والنمر والهاتف الخليوي: الهند ، قوة القرن الحادي والعشرين الناشئة ".
أحد أسباب اهتمامه الخاص بالمجتمع هو أن اليهود الأوائل في الهند عاشوا في منطقة كيرالا ، موطن طفولته المحبوب ، وخاصة في كوتشي (المعروفة أيضًا باسم كوتشي) ؛ ومن ثم فهم يعرفون باسم يهود كوتشيني. تمشياً مع الفرضية الأكثر شيوعًا ، فقد وضع ذلك التاريخ في 597 قبل الميلاد. بعد الاستيلاء على القدس ، والتدمير اللاحق للمعبد الأول من قبل البابليين بقيادة نبوخذ نصر.
"لقد مارس يهود كيرالا إيمانهم وعاداتهم دون عوائق ، وأقاموا أنفسهم في كوتشي ، حيث بنوا كنيسًا رائعًا لا يزال قائمًا" كما يقول ثارور وكتبه في كتابه.
في الآونة الأخيرة ، وصل اليهود إلى الهند في عهد الانتداب البريطاني. يشرح ثارور ، المعروفين باسم "يهود البغداديين" ، أنهم كانوا في الأساس متعلمين ومهنيين حضريين من دمشق والإسكندرية وبغداد ، وكانوا يسعون للحصول على الأمن الذي توفره الإمبراطورية البريطانية. لقد اندمجوا بشكل جيد وكانوا ناجحين.
ويضيف ثارور أن ناشره الأول ينتمي إلى تلك المجموعة ، كما كان مستشارًا قانونيًا سابقًا لوزارة الداخلية ، "وأيضًا أحد أبطالنا القوميين". (يشير إلى اللفتنانت جنرال جاكوب فرج رافائيل جاكوب ، الذي لعب دورًا رئيسيًا في انتصار الهند في الحرب الهندية الباكستانية عام 1971).
زار ثارور إسرائيل في عام 2012 ، وعلى حد قوله ، التقى بأشخاص رائعين - "عقول عظيمة ومبدعة تتمتع بالمبادرة والقوة والشعور بروح المبادرة." ويضيف أنه كان لديه عدد قليل من الأصدقاء الإسرائيليين في الأمم المتحدة ، وكذلك العديد من الأصدقاء اليهود.) " 18 "
إن ما اقتبسته جهة إضاءه عالم شخصيته الحياتية والبحثية والوظيفية كذلك، ربما تكون فائدة عملية عدا عن الجانب النظري فيه، بالنسبة للمهتم به أو قارئه، وفيما يخص طريقة وضعه لكتابه هذا، وكيفية تصور عالمه الاجتماعي والثقافية، وموقعه في مجتمعه، وعلاقاته بالآخرين، وما لوسائل التواصل الاجتماعي من إثراء لشخصيته وتمرين على بناء الذات في صلاتها بالعالم قريباً وبعيداً، وبتلك السوية الفكرية والتقنية الساعية إلى تأكيد أهمية هذه الوسائل، بالنسبة لمن يريد تفعيلاً لشخصيته، والدخول في العالم الثقافي والبحثي والنقدي كذلك ، وما يترتب كذلك على علاقة مركَّبة كهذه من الشعور بحياة مضاعفة، وبعمر مضاعف جرّاء ضبط السلوك اليومي.
ولا بد أن هذا الكتاب" عصر الظلام " يؤكّد حيويته وفعاليته من خلال مركز الاهتمام المكثَّف هذا، وما يعنيه من التنويه إلى إمكان إثراء الشخصية معرفياً وعلمياً، من قبل أي كان، إذا أراد ذلك، وليكون الشعور بالشخصية المنتجة،وبعيداً عن" مجرور" الاستهلاك المعْدي والمؤذي،وفي عالم اليوم الذي يشهد انجرافات ثقافية، وتشظي هويات، ليس التصدّي لها سهلاً.
وربما أمكن القول أن قراءة كتاب" عصر الظلام " غيرها بعدها، ذلك إشعارُ كتابة لها مناقبيتها!
وإذا كان هناك من فضيلة تصبُّ في خانة العلاقة بالآخر، وعلى مستوى الترجمة، ودورها الأكبر والمتنامي في عالمنا اللاحدودي كثيراً، والتميز بتلك الذائقة الجمالية لفن الترجمة، فهي تسمّي مترجمة الكتاب الدكتورة أماني علي صالح، وكما هي صلتي بالكتاب: كتاب الهندي الذي وضِع بالإنكليزية، وكتاب العربية الذي تُرجِم عن الإنكليزية . يا للروح البهيجة !


مصادر وإشارات
1-شاشي ثارور: عصر الظلام " الإمبراطورية البريطانية في الهند " ترجمة: د. أماني علي صالح، منشورات دار المحيط، الفجيرة، دولة الإمارات العربية المتحدة، ط1، 2022، في 344 صفحة من القطع الكبير نسبياً. وأرقام الصفحاتترد في المتن، ومن باب الإيجاز، ويشار في الكتاب، إلى أن الأصل الإنكليزي له صدر سنة2016.
2-كريستيان غراتالو: هل يجب التفكير في تاريخ العال بطريقة أخرى؟ ترجمة: د. التهامي التيمومي،مراجعة: يوسف ظاهر الصدّيق وفتحي ليسير، هيئة البحرين للثقافة والآثار، المنامة، البحرين، ط1، 2018، ص137.
3-ميشيل فوكو: نظام الخطاب، ترجمة: د. محمد سبيلا، دار التنوير، بيروت، ط2007، ص 25 .
4-جون دوكر: أصول العنف " الدين، والتاريخ، والإبادة "، ترجمة: علي مزهر- مراجعة : حسن ناظم، منشورات جامعة الكوفة،بيروت، ط1، 2018، ص28-29.
5-إدوارد سعيد: الاستشراق " المعرفة- السلطة- الإنشاء "، نقله إلى العربية: كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت،ط2، 1984، ص39.
6-المصدر نفسه، ص 42 .
7-المصدر نفسه، ص37.
8-المصدر نفسه، ص 63.
9-إدوارد سعيد: الثقافة والإمبريالية، نقله إلى العربية وقدَّم له: كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت، ط1،1997، ص75.
10-المصدر نفسه، ص 138.
11-المصدر نفسه، ص 198.
12- Étienne Lamy: Rudyard Kipling et la guerre sur mer
اتيان لامي: روديار كيبلينغ: الحرب في البحر
13- Callie Wilkinson: L’histoire de la violence et l’Empire britannique en Inde
كالي ويلكينسون: تاريخ العنف والإمبراطورية البريطانية في الهند
ضمن ملف : Un autre XIXe siècle : l’Inde sous domination colonial
أي: القرن التاسع عشر الآخر: الهند تحت السيطرة الاستعمارية، تاريخ: 2018 .
14-Sushovan Dhar : L’Inde et l’empire britannique, octobre 2019
سوشوفان دير:الهند والإمبراطورية البريطانية
15- Guillemette CROUZET: Les Indes : apogée et déclin d’un empire au sein de l’Empire britannique
الهند: صعود وسقوط إمبراطورية داخل الإمبراطورية البريطانية
16- Elizabeth Buettner: La famille britannique entre l'Inde et le Canada. Empire, classe sociale et voyage à la fin du XIXe siècle, Dans Annales de démographie historique 2011/2 (n° 122)
إليزابيث بوتنر: العائلة البريطانية بين الهند وكندا. الإمبراطورية والطبقة الاجتماعية والسفر في نهاية القرن التاسع عشر
17- Nandini: Shashi Tharoor | Vie | Carrière littéraire et politique
نانديني: شاشي ثارور | الحياة | العمل الأدبي والسياسي
18- Netta Ahituv: The Dark Side of Shashi Tharoor, India's Most Charismatic Politician, Jan 31, 2015.
نيتا أهيتوف: الجانب المعتم لشاشي ثارور ، السياسي الأكثر كاريزماتية في الهند








1.jpg
Shashi Tharoor

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى