موسى مليح - كلــــــــــبش

كان الطلق...وكانت صرخة أمي...وكنت أنا.
عندما خرجت إلى هذا العالم,أول ما شد انتباهي, وجه أمي الغريب. نظرت إلى عينيها:عين ترقص من الفرح وعين تدمع من القرح...تأملت شقتيها: شفة تنوح كئيبة وشفة تدندن سعيدة...نظرت إلى أذنيها: أذن تخرج عبر نافذة الغرفة, تعود كلها استغراب,فيكفهر وجه أمي وتسيطر الكآبة على ملامحها,والأذن الثانية,تنزلق إلى أعماق ذات أمي,تسترق السمع,فتعود وتحرك العين الراقصة والشفة المدندنة وتعلو زفرة تتقطع بصدى زغرودة مبحوحة.
وجه أمي هذا اليوم ملعب لكل المشاعر المتناقضة, فلا هي حزينة ولا سعيدة ..وأنا الوليد الصغير القادم من عالم الظلام إلى النور, أبحث عن حضن يضمني إليه, أو يد ترفعني إلى أعلى , الكل ينظر إلي نظرة شفقة .كل من نظر إلى هيئتي يغمض عينيه ويبتعد, لدرجة أن رجلا- ربما أبي- تقدم نحوي خطوة وعاد خطوتين إلى الوراء,توقف ودخلت قدماه في صراع بين الأمام والخلف تولد عن ذلك رقصة غريبة تشبه رقصة البجع, بعدها أمر أمي أن لا تخرج من الغرفة حتى يُنظرَ من أمري, أنا الزائر الثقيل.
...في اليوم السابع,اجتمع الناس من حولي.
أجمع الكل على أني عجيب وغريب,وأني مخلوق لم يُرَ مثيلٌ لي من قبل لا من بعيد ولا قريب ...
فمنهم من صنفني-أعزكم الله- من فصيلة الكلاب؛ لأنه رآني من الخلف..والرؤية من الخلف عادة حيوانية,فرأى فيما رأى ذيلا متحركا,لا يقف عند اتجاه,يرتفع إلى أعلى تارة فاتحا منفذا للريح, وينزلق تارة في حركة دائمة إلى الأسفل سترا للعورة, وأن لي برازا رصاصي الشكل متقطع, ينزلق بين ساقين متأهبتين للقفز...
ومنهم من رمقني من الأمام والرؤية من الأمام استشراف للحظة فد تأتي ولا تأتي, فأصر على أني كبش..لأن لي قرنين وعينين أملحين, وأن على وجهي خريطة تشبه بلاد ما بين المحيطين,وأن صوتي أقرب لصوت ماعز تصيح خوفا بين فجيبن...
وبعد حجاج حاد بين الكلباويين والكبشاويين, وما تخلله من توقفات ونقط نظام, اتفق الجميع على أني لست مخلوقا بسيطا, وأقروا بأنني مركب,ومن أجل رأب صدع القبيلة ووحدة القوم,اقترحوا لي اسما مركبا من الاسمين: كلـ + ـبش.
قرأت الفاتحة,وشق السكون زغرودة الاسم,تفرق الجميع..
لكن عندما رأيت نفسي في مراياكم انتابني قلق السؤال, فلم أدر :
أَخُلقتُ لأنبح ؟
أم خُلقت لأذبح؟

موسى مليح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى