محمد سليمان - قراءة في كتاب مسار لعبدالفتاح كيليطو

يبدأ المفكر والاديب المغربي الرائع عبدالفتاح كيليطو كتابه مسار بقوله
"قال يوما احد السياسين الالمان واظنه كونراد اديناور فيم انا معني بما قلته بالامس لكم وددت وانا اجمع شتات حوارات يرجع بعضها الى ثلاثين سنه او اكثر ان اتبنى ايضا هذا القول .لكن هيهات"
هيهات ان تستمر على رأيك وقولك الذي قلته بالامس البعيد اوربما القريب هذه حقيقه كل مفكر حر منصف فكونك تنتمي للطبقه التي يطلق عليها منتجوا المعرفه لابد وان تتسم بالمرونه فقد يكون ما تؤمن به من افكار ومبادئ هو في الحقيقه خطأ محض وقد يكون مالا تؤمن به هو الحقيقه فالمفكر والمثقف الحر هو من يتبع الحق حتى ولو ادى ذلك للتراجع عن الافكار التي ما طالما نادى بها.
يقول العلامه علاء الدين القرشي الملقب بإبن النفيس
"ربما اوجب استقصاؤنا النظر عدولا عن المشهور والمتعارف فمن قرع سمعه خلاف ماعهده فلا يبادرنا بالانكار فذلك طيش فرب شنعٍ حق ومألوف محمود كاذب والحق حق في نفسه لا لقول الناس له ولنذكر دوما قولهم
اذا تساوت الاذهان والهمم فمتأخر كل صنعة خير بالضروره من متقدمها."
هذا عن المشهور والمتعارف فالاولى ان يقوم المفكر والمثقف بعمليه فلتره وغربله مستمره لارائه وافكاره وهى لابد وحتما ان يعتريها النقصان فالكمال لصاحب الكمال.
وبالقياس علي مقوله ابن النفيس اقول
"متأخر الافكار بالضرورة خير من متقدمها لان متأخر الافكار جاء بعد تحصيلٍ وتدبر ونضج ومتقدمها لم يُتح له كل ذلك".
وكتاب مسار هو عباره عن حاورات مع الكاتب المغربي الرائع عبدالفتاح كيليطو واثناء قرائتي لهذا الكتاب اتضح لي كم نحن بعيدون كل البعد عن محيطنا الثقافي العربي رغم وجود اقلام عربيه بصراحه لا تقل ان لم تكن تزيد في الثراء عن كتابنا المحليون وتلك ازمة كبري.
في حوار كيليطو مع حسن بحراوي يوجه كيليطو رساله الى الكتّاب العرب يخبرهم بأهمية النصوص الكلاسكيه العربيه "التراث السردي القديم" ويخبرنا بإن الروائيين الغربين لهم تكوين كلاسيكي جيد يشمل اداب القرون الوسطى والادب الاتيني والادب الغربي.
ويصدمنا كيليطو حين يخبرنا بإن الكتّاب العرب لن ينجحوا في منافسة الكتاب الغربيين الا اذا اطلعوا على النصوص الكلاسكيه .
والواضح ان كيليطو يصدمنا بتلك الحقيقه لكنه يخبرنا في ذات الوقت ان الحل يكمن بوجوب اطلاع الروائين العرب على النصوص السرديه القديمه حينها سيكون في مقدور القصاصين والروائين العرب منافسة نظرائهم من المدارس الاخرى.
ويعجب المرء من اطلاع الكتّاب والروائين الغرب على النصوص الكلاسكيه العربيه.
فألف ليله وليله تعد بالنسبه للغربيين احد النصوص المهمه في تكوينهم الروائي والثقافي.
اذن نحن بصدد مشكلة كبرى وهو ابتعاد الروائين العرب الا ما ندر عن الاطلاع علي الارث الكلاسيكي العربي العظيم مما يصعب معه مجاراة المدارس الروائيه الاخرى التي تفوقت علينا.
يخبرنا كيليطو اننا حين نتأمل الروايات التى توصف بالعالميه نلاحظ انها بلا استثناء تعقد حوارا مع النصوص الكلاسيكيه يتعين علينا ان نستخلص العبره فلربما ان بعض القصاصين والروائين العرب بإهمالهم للرصيد السردي القديم يفوتون على انفسهم فرصة الاستفاده منه.
لكن التساؤل المهم هنا هل من مجيب هل من آخذ بنصيحة كيليطو اتمنى ذلك!!
في حوار كيليطو مع الكاتبه عاليه ممدوح تثير عاليه ذاك التساؤل
"يقول بورخيس ان الثقافه الغربيه غير نقيه بمعنى انها ليست الا نصف غربيه هل تحدثنا عن نصف ثقافتك النقيه؟
في هذا السؤال تريد الكتابه ان تقول بطريق غير مباشر ان الثقافه العربيه هي الثقافه النقيه فكيليطو يمتلك الثقافتين العربيه والغربيه ويكتب باللغتين العربيه والفرنسيه.
لكن يأتي الرد من كيليطو صادما لعاليه ولعوام القراء
"لا شك انك تقصدين الثقافة العربيه الا انها بدورها ليست نقيه فلقد استوعبت على مر التاريخ عناصر مختلفه من عده ثقافات يكفي التذكير هنا بتجربه ابن المقفع والجاحظ والتوحيدي لا اعتقد ثقافه نقيه وجدت في يوم من الايام ما عدا ربما مجموعات بدائيه تعيش او عاشت في عزلة تامه عن باقي البشر"
نعم لا توجد ثقافه نقيه والتفاعل بين الثقافات شئ مثري للغايه وليس عيبا كما تتصور عاليه ممدوح الم تتأثر الحضاره الاسلاميه بحركة الترجمه النشطه عن اليونانيه
الم تتأثر الثقافه العربيه بجوارها الفارسي والرومي .
اتذكر تلك المقوله للكاتب محمد حسانين هيكل عن ان الحدود بين دول البحر المتوسط حدود سائله وهو تعبير عن مدي التأثير والتأثر السياسي الذي يحدث بين دول جنوب وشمال البحر المتوسط وفي رأي ان التأثير والتفاعل الثقافي اقوى.
فالقول بنقاء ثقافة ما قول يعتريه الفساد ويستثنى من ذلك تلك الجماعات المنعزله في بعض مناطق العالم وهي من الندره بأن لايقاس عليها فالنادر كما تعلمنا لايقاس عليه وأن الاستثناء يؤكد القاعده ولا ينفيها.
في حوار محمد لفتح مع كيليطو عندما يحاور المثقف المثقف يدور هذا الحوار الرائع
محمد لفتح:
كتب اندرى مالرو في احد نصوصه جمله جميله جدا بخصوص التاريخ على ما اعتقد حيث يقول بأن التاريخ مكون اساسا من النسيان.
كيليطو:
اجل النسيان مهم وانت تعرف بالتأكيد طرفة.......
يباغته محمد لفتح ابي نواس.
كيليطو:
تماما حين اعلن عن رغبته في ان يصير شاعرا نصحه استاذه خَلَف الاحمر بحفظ الف قصيده عن ظهر قلب ثم بعد ذلك طلب منه ان ينساها مغزى الحكايه ان الابداع لا يمكن ان يتم
الا على اساس النسيان بدونه لن يكون هناك ابداع وانما مجرد تكرار واجترار.
محمد لفتح:
نصيحه خلف الاحمر اتت اكلها اذن بما انني افترض انك تضع ابا نواس ضمن كبار الشعراء
كيليطو:
بالتأكيد لانه مارس فن النسيان.
محمد لفتح:
لكن الا يمكن ان نتساءل ماذا اذا كانت الطرفه حقيقه او ان صياغتها تمت لاحقا؟
كيليطو:
لا يهم هذه الحكايه جميله بحيث لا يمكن الا ان تكون حقيقه
كل حكاية جميله هي حقيقه.
امام هذا الحوار الشيق بين محمد لفتح وكيليطو عادت بي الذاكره الى ذلك الوقت الذي قررت فيه عدم الانسياق في عالم القراءه لمعانتي من تلك المشكله المؤرقه النسيان اقرأ كثيرا ولا اتذكر شيئا ضحكت من تلك المحاوره هل من الممكن ان يكون النسيان هو بدايات الانطلاق ربما!.
تواضع كيليطو
في حواره مع عبدالسلام الشدادي وماري رودوني كان هذا السؤال
كيف اصبحت كاتبا ولماذا؟
كان الجواب المتواضع كالاتي
اجد تحفظاً ان اعتبر نفسي كاتبا......................
كيليطو الغائص في السرد صاحب الثقافتين العربيه والغربيه من متعنا بكتابته عن الف ليله وليله وعن المقامات وابي العلاء لا يعتبر نفسه كاتبا وانصاف الكتّاب يتشدقون ليل نهار
حقا من تواضع لله رفعه

محمد سليمان
أعلى