منقول - الأدب المقارن "التمشي التاريخي"

يُعدُّ مصطلح «الأدب المقارن» comparative literature مصطلحاً خلافياً لأنه ضعيف الدلالة على المقصود منه. وقد نقده كثير من الباحثين ولكنهم في النهاية آثروا الاستمرار في استعماله نظراً لشيوعه. فمثلاً عدّه بول فان تييغم Paul Van Tieghem[ر] مصطلحاً غير دقيق, واقترح مصطلحات أخرى أقرب دلالة إِلى موضوعه مثل: «تاريخ الأدب المقارن», و «التاريخ الأدبي المقارن», و «تاريخ المقارنة». واقترح ماريوس فرانسوا غويار M.F.Guyard مصطلحاً بديلاً هو «تاريخ العلاقات الأدبية الدولية». والملاحظ أن كلمة «تاريخ» هي المضافة في مختلف الاقتراحات البديلة, ذلك أن الأدب المقارن هو في الأصل تاريخ للعلاقات المتبادلة بين الآداب وللصلات والمشابهات المتجاوزة للحدود اللغوية والجغرافية, وفيما بعد أضيفت الحدود المعرفية.
وعلى أية حال يبدو أن افتقار المصطلح إِلى الدقة كان له بعض فضل في الإِبقاء على وحدة هذا النسق المعرفي وفي مقدرته على استيعاب مناطق معرفية جديدة, أخذت تدخل نطاقه بعد منتصف القرن العشرين.
وترجع نشأة الأدب المقارن إِلى العقد الثالث من القرن التاسع عشر, وربما إِلى سنة 1827 حين بدأ الفرنسي أبل فييمانAbel Villemain يلقي محاضرات في السوربون بباريس حول علاقات الأدب الفرنسي[ر] بالآداب الأوربية الأخرى. والجدير بالذكر أنه استعمل فيها مصطلح «الأدب المقارن» وإِليه يعود الفضل في وضع الأسس الأولى لمنطقه ومنطقته, في وقت بدأ يشهد تصاعد اهتمام العلوم الإِنسانية في أوربة بالبعد المقارني في المعرفة, إِذ نشأ «القانون المقارن» و«فقه اللغة المقارن» و«علم الاجتماع المقارن» وغيرها. وتعدُّ فرنسة المهد الأول للأدب المقارن, إِذ استمرت تطوراته بعد فييمان, وكان لذلك عوامل لغوية وسياسية واجتماعية وثقافية متداخلة أدّت إِلى أن يكون الفرنسيون أول من تنبّه إِلى قيمة التراث المشترك بينهم وبين المناطق الأوربية الأخرى, مما خلق الأساس الأول للتفكير المقارني.
وفي البدء كان التطور بطيئاً, فبعد فييمان ظهر جان جاك أمبير Ampére وألقى في مرسيلية سنة 1830 محاضرات في الأدب المقارن لفتت إِليه الأنظار وأتاحت له أن ينتقل بعد ذلك بسنتين إِلى باريس ليلقي محاضرات حول علاقات الأدب الفرنسي بالآداب الأجنبية. وفي سنة 1835 ظهرت مقالات فيلاريت شال Chales على صفحات مجلة باريس مؤكدة العلاقات المتينة بين الآداب الأوربية.
وعند نهاية القرن التاسع عشر أخذت تتلاحق التطورات وظهر جوزيف تكست ,,,,e في ليون (1896) وحاضر في الأدب الأوربي, وخلفه على منبر ليون فرنان بالدنسبرجيهF.Baldensperger الذي ألف كتابه «غوتة في فرنسة» سنة 1904, ثم سُمي أستاذاً في السوربون حينما أحدث فيها كرسي للأدب المقارن سنة 1910 وظهرت بعد ذلك مجلات وفهارس, وعرف الأدب المقارن طريقه إِلى التطور النسقي منذ مطلع القرن العشرين. وإِلى جانب فرنسة سجلت بعض البلدان الأوربية إِسهاماً نسبياً في نشأة الأدب المقارن, وكانت إِسهاماتها تتزايد مع تزايد نزعة «العالمية» في المعرفة ومع تزايد قوة الاتصالات والمواصلات في العالم. وقد ظهر أول كتاب في بريطانية عن الأدب في أوربة بين عامي 1837-1839, لهنري هالام H.Hallam, غير أن التطورات بعده كانت شديدة البطء. وفي ألمانية تأخر ظهور الأدب المقارن حتى ثمانينات القرن التاسع عشر, واشتُهر من مؤسيسه ك مورهوف K.D.Morhof وشميدت SchmidtكارييهM.Carriére, ولم يدخل الأدب المقارن نطاق الدراسة المنظمة إِلا بعد سنة 1887 بفضل ماكس كوخ Max Koch الذي أصدر مجلة «الأدب المقارن». ولكن دخول الأدب المقارن إِلى مناهج الجامعة لقي معارضة شديدة وتأخر حتى مطلع القرن العشرين.
وتعرقل ظهور الأدب المقارن في إِيطالية بسبب حدة النزعة القومية. وفي عام 1861 أمكن إِنشاء كرسي له في جامعة نابولي. ولكن كروتشه B.Croce[ر] تصدى للأدب المقارن وشنّ على أنصاره حملة قوية وحاول تسفيه منطقه, وبذلك كان له أثر في تاريخ تطور الدراسة المقارنة في إِيطالية بسبب ما كان يتمتع به من نفوذ فكري.
وإِذا كانت نهاية القرن التاسع عشر قد شهدت تطور الأبحاث التطبيقية في الأدب المقارن وبدء الاعتراف به في الجامعات فإِن بداءة القرن العشرين شهدت تأسيس الوعي النظري لمنهج الأدب المقارن. وقد تابعت فرنسة تطورها السباق فنشأت فيها كراسٍ جديدة للأدب المقارن في الجامعات. ومنذ سنة 1911 أخذ فان تيغم ينشر مقالات نظرية في المنهج المقارني. وفي عقد واحد تبلورت نظرته إِلى الأدب المقارن في مقالاته في مجلة «الأدب المقارن» ورصيفتها مجلة «مكتبة الأدب المقارن».
وفي عام 1931 أصدر فان تييغم أول كتاب نظري عرفه العالم بعنوان «الأدب المقارن», وظل هذا الكتاب مرجعاً أساسياً في بابه حتى اليوم, وترجم إِلى عدد كبير من اللغات, ومنها اللغة العربية في منتصف القرن العشرين. وتتابعت بعد ذلك المؤلفات الفرنسية في الأدب المقارن نظرية وتطبيقاً, ومن أشهرها كتاب غويار «الأدب المقارن» عام 1951 وترجم كذلك إِلى العربية عام 1956. وبدءاً من هذا التاريخ أخذت تظهر في فرنسة تحديات لما يمكن تسميته بالنظرية الفرنسية التقليدية في الأدب المقارن, وكان أبرزها الهجوم الحاد الذي شنّه رنيه إِيتيامبل R.Etiemble على فان تييغم وغويار, وظهر بعد ذلك في كتابه «الأزمة في الأدب المقارن».
وقد تعثر الأدب المقارن في الدول الأوربية الأخرى ولم يصب تطوراً في بريطانية ربما حتى تسعينات القرن العشرين وكذلك كان شأن ألمانية وإِيطالية والاتحاد السوفييتي. وإِن كان ملاحظاً أنه ابتداء من الستينات انتعش الأدب المقارن في القارة الأوربية والعالم كله, وذلك مع ازدياد نشاط الرابطة الدولية للأدب المقارن AILC. وزاد من قوة هذا التطور النشاط الأمريكي المتسارع في مجال البحث المقارني وفي المؤتمرات الدولية, والحق أنه في سنوات معدودات حقق المقارنون الأمريكيون حضوراً مرموقاً في مختلف أوجه البحث المقارني مع أن الولايات المتحدة دخلت متأخرة نسبياً في حقل الأدب المقارن. ومن أجل استكمال الخريطة العامة لنشأة الأدب المقارن تحسن الإِشارة إِلى التواريخ الرئيسية التالية:
1889 تولى تشارلز جيلي C.M.Geyley تقديم مادة النقد الأدبي المقارن في جامعة ميشيغن, ثم انتقل إِلى جامعة كاليفورنية وأنشأ عام 1902 قسماً للأدب المقارن. 1890-1891 أنشأت جامعة هارفرد أول كرسي للأدب المقارن في أمريكة, تحول عام 1904 إِلى قسم كامل. وفي سنة 1946 تولى رئاسته هاري ليفينHarry Levin وأعاد النظر في برامجه, وخلفه ولتر كايزر W.Kaiser.
1902 جرى إِحياء كرسي قديم للأدب العام يعود إِلى سنة 1886 في جامعة كورنلCornell على يد كوبر الذي أصبح فيما بعد رئيساً لقسم كامل للأدب المقارن فيها من 1927-1943.
على أن دراسة الأدب المقارن في أمريكة ظلت حتى العشرينات مختلطة بـ «الأدب العام» و«أدب العالم» و«الروائع» و«الإِنسانيات». وفي الأربعينات بدأ يظهر تميزه في الجامعات وصاحب ذلك ظهور مجلات للأدب المقارن في عدة جامعات مثل أوريغون Oregon عام 1949. ومن أهم التطورات في هذا المجال صدور المجلد الأول من «الكتاب السنوي للأدب العام والمقارن Yearbook of General and Comparative Literature» وذلك عن جامعة (نورث كارولينة) عام 1952.




منقول - · بين المنهج الفرنسي والمنهج الأمريكي في المقارنة

· الـمـنـهـج الـفـرنـسـي:
· تعريف الأدب المقارن للجيل الأول منهم : " الأدب المقارن هو دراسة علاقات التأثر بين الأدب الفرنسي والآداب الأوروبية الأخرى، ودراسة الصلات بين الآداب القومية المختلفة دراسة تاريخية مؤيدة بالوثائق والمصادر".
· تعريف جيل الرواد: " الأدب المقارن فنّ تقريب الأدب إلى مجالات التعبير أو المعرفة الأخرى بطريقة منهجية عن طريق البحث عن روابط التشابه والقرابة والتأثير، أو تقريب الأحداث والنصوص الأدبية فيما بينها، سواء كانت متباعدة أم متقاربة في الزمان والمكان، على أن تنتمي إلى لغات متعددة أو ثقافات متعددة، وإن كانت هذة، تكون جزءاً من تراث واحد بهدف وصفها وفهمها وتذوقها بطريقة أفضل".
ومن الملاحظ على التعريفين السابقين أن هناك اتجاه داخل الخط الفرنسي قد أدرك مدى الأزمة التي يحدثها المنهج الفرنسي التقليدي أو التاريخي، فقدم مثل هذا التعريف كنوع من حل يسعى إلى تقليص الفجوة بين الأمم، مقارنياً.
ومع أن جيل الرواد قد تصدّر التنظير للمنهج الفرنسي، وحدّ من تنظير الجيل التقليدي الأول، إلا أن تأثير الأخير لا يزال هو الفاعل على صعيد الساحة الفرنسية إلى يومنا هذاولذلك أقدم ملامح المنهج الفرنسي في المقارنة كما هو في التعريف التقليدي، والمآخذ عليه، التي ركز عليها الأمريكيون.
· خلاصة المنهج تتمثل فيما يأتي:
- دراسة أثر الأدب الفرنسي في الآداب الأوروبية الأخرى.
- دراسة الصلات بين الآداب القومية الأخرى، بشرطين:
1. اختلاف اللغة.
2. وجود صلات تاريخية تدعم التأثير والتأثر، مباشراً كان أم غير مباشر.
· المآخذ على المنهج:
- عدم تحديد واضح لموضوع الأدب المقارن ومناهجه.
- عدم التركيز على الأدبفي الدراسة، والاكتفاء بالخارج والولع بتفسير الظواهر الأدبية على أساس حقائق الواقع.
- التركيز على العامل القومي والخضوع للنزعة التاريخية.
- اشتراط اختلاف اللغة ووجود صلات تاريخية لإثبات التأثر والتأثير.
· رواد المنهج:
- الجيل الأول:
1. بالانسبرجية: صاحب مقدمة (الكلمة والشيء) 1921م.
2. فان تيجم: صاحب كتاب (الأدب المقارن) 1931م.
3. جويار: صاحب كتاب (الأدب المقارن).
- جيل الرواد:
1. روني إيتامبل: انتقد المنهج التاريخي، وأخذ عليه نزعة "المركزية الأوروبية".
2. كلودبيشوا
3. أندريه روسو
- رفضا حصر البحث المقارن في دراسة العلاقات الخارجية للأدب.
- ركزا على العلاقات الداخلية للنصوص، وهو ما يعرف بـ(أدبية الأدب).
الـمـنـهـج الأمـريـكـي:
· خلاصة المنهج:
- تفادي المآخذ التي أخذت على المنهج الفرنسي، كما تجلت في مقال (رينيه ويلك): "أزمة الأدب المقارن"
- توسيع مجال الأدب المقارن بتقديم مفهوم أوسع للعلاقات الأدبية، ومدّ آفاق المقارنة لتشمل العلاقة بين الأدب وأنماط التعبير الإنساني الأخرى، كما تبدو في تعريف (ريماك) للأدب المقارن
- ملاحقة العلاقات المتشابهة بين الآداب المختلفة، وفقاً لمفهوم "التوازي" أو " التشابه" أو "القرابة". وهو مصطلح أمريكي يقابل المصطلح الفرنسي " التأثر والتأثير".
· رواد المنهج:
1. رينيه ويلك.
2. هنري ريماك.
3. هاري ليفين.
4. جون فليتشر.
5. أولريش فيسشتاين.
· واقـع الـدراسـات الـمـقـارنـة فـي ظـل الأزمـة:
أمام تلك الأزمة، جاءت الدراسات المقارنة فيما بعد لتكون عالة على المنهجين: الفرنسي والأمريكي. وحتى ما عرف باسم (المنهج السلافي) الذي ظهر في أوروبا الشرقية، كان يحاول أن يتموضع بين التاريخية الفرنسية والنقدية الأمريكية. ولا ينفي هذا أن السلافية قد حققت بداية المشروع الكبير الذي يجمع بين معالجتي المنهجين السابقين دون أن تتخلى عن نقد أوجه الضعف فيهما
هذا وقد "لاقت مآخذ (ويلك) على المنهج الفرنسي، التاريخي خاصةً، تجاوباً كبيراً من المقارنين الأمريكيين ممن تبنوا دعوته وشكلوا "المنهج الأمريكي" وواصلوا السير على خطاه. في حين أنه هو نفسه لم يواصل العمل على تطوير المنهج الذي نثر بذوره وأسس قواعده؛ لأنه كان ناقداً ولم يكن الأدب المقارن ليشغله كثيراً.
وقد راج المفهوم الأمريكي في أمريكا وخارجها، واتسع به نطاق الدراسات المقارنة، وبخاصة في العقود الأخيرة من القرن العشرين؛ لأنه استمد شرعيته وأسباب وجوده من كونه فكرة إصلاحية لمفهوم تأخر به الزمن وأضحى أساسه الفكري جزءاً من الماضي.
ولا يعني هذا أبداً أن المنهج الفرنسي قد اندثر مفهومه. فلا زالت الطريقة الفرنسية تُسلك من قبل مقارنين أمريكيين في دراساتهم المقارنة في كثير من الجامعات الأمريكية نفسها. بالإضافة إلى أن المنهج الفرنسي لا يزال مسيطراً على منهج الدارسين العرب، وهو المتبع أكثر من غيره
· الـخـلاصـة:
كانت أزمةالأدب المقارن وليدة اليوم الأول الذي ولد فيه الأدب المقارن. ولعل انحراف الأدب المقارن عن خطه الأساس الذي يهدف إلى عالمية الأدب وإنسانيته، كان نتيجة التعصب القومي والتدخل السياسي، الذي استغل الأدب المقارن لإظهار تميز أمة على أمة أخرى. وكانت الأزمة تتمثل في ثلاثة محاور: الحدود- المنهج- الهدف.
وإن كانت فكرة الأدب المقارن قد تم تداولها بين الفرنسيين والأمريكين وكذلك الروس، فإنه يتضح من خلال محاولات هؤلاء حل الأزمة أن توجههم كان نحو توسيع دائرة الأدب المقارن، أكثر فأكثر. وبمقدار ما كانت دائرته متسعة كلما ازداد أتباع هذا المنهج على حساب آخر.
وبما أن العامل السياسي كان ذا تأثير كبير في ظهور الأزمة، فإنني أرى أن مستقبلها لن يغير من حقيقة وجودها، وإن تنوعت طرق معالجتها؛ ذلك أن الصراع السياسي أمر حتمي ودائم، مهما اعتراه من حالات فتور بين حين وحين.
وأما عن دور العرب في التأثير في مسار الأدب المقارن، فهذا سؤال نأمل أن نرى إجابته واقعاً ملموساً في القريب العاجل، لعلنا نسترد شيئاً من تاريخنا المشرق في النهضة الأدبية العالمية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى