سامي العامري - نيتشه باستضافتنا أنا وصديقي

في كازينو محاذية لنُهيرٍ برليني ومن خلال النافذة الزجاجية الواسعة التي تفصل بيننا وبين رقائق الثلج وهي تتساقط الهوينا أو تنساب على الزجاج متهادية متهاذية كنا ننظر بأسى وربما بحنين أنا وصديق قديم عزيز .

سألني هذا الصديق بعد تأمل حميمي بينما نحن نتناول القهوة التي لا يشبه طعمُها طعماً في تلك اللحظات :

لو أُعطيَتْ لك الحياة مرة أخرى فهل سترضى بها ؟

سألتهُ : تُعطى لي دون أي تغيير ؟

قال : نعم

قلتُ : أتريد الحقيقة ؟

قال : نعم

قلتُ : لا ، لن أرضى بها .

فعقَّب باستغراب : ولكن الوجود خيرٌ من العدم .

قلتُ له : نعم بشرط ألا يكون الوجود مقروناً بمأساة .

قال باستغراب أشد : مأساة !؟ وها أنت كثير التبسم وإطلاق النكتة .

قلتُ له : ضحكي وتبسُّمي مَرَدُّهما إلى كوني مدركاً إدراكاً غامضاً أنَّ ثمة أمراً مهماً جداً في الكون أو الحياة لا يستقيم من غير أن أتألم .

سأل بعد أن عدَّل من جلسته وتناول رشفة قهوةو سحب نفَساً من سيجارته فتلاحمَ البخارُ بالدخان : حسناً ما رأيك بنظرية العَود الأبدي لفريدريك نيتشه ؟

قلتُ : الكثيرون أساءوا فهم نظريته تلك فهم يعتقدون أن هذا الفيلسوف الفنان يعني أن جميع البشر والحيوانات وبقية الأشياء ستعود أبداً كما كانت عليه أول مرة بلا تبدُّل أو تحوُّل وفي هذا المللُ القاتل عينه غير أن هذا الفيلسوف يعني بالعَود الأبدي أن التأريخ يسير بخطٍّ دائريٍّ ويستمر في دورانه حتى يعود إلى نفس النقطة التي بدأ منها وما أن يصل إلى هذا النقطة حتى تتم القفزة إلى الأعلى وهكذا يستمر دوران الكون وطفراته إلى الأبد أو إلى غاية مجهولة ، غاية أكيدة ولكنها غير معروفة وهو يُشبِّهُ هذا السيرَ الحتميَّ للتأريخ بحركة اللولب فهو يدور حول نفسه ولكنه مستمرٌّ في العلو والتصاعد في نفس الوقت .

قال وهو يبتسم : إذن فأنت كائنٌ ميتافيزيقي !

قلتُ ضاحكاً : أبداً فهي تبقى نظرية من بين نظريات رغم أنها تزرع الأمل وتبثُّ الحماس في الروح فتأتلق ويأتلق معها الجسد وينتعش الذهن ثم لا تنسَ أن تفكيري بها أحياناً أو تحسُّسي لها نابعٌ من أنَّ صاحبها شاعرٌ أيضاً خلافاً لبقية المُنَظِّرين ، وأنا وأنت كما يبدو ننتمي بصدقٍ لسماء الشعر وجموح كواكبها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى