فهد المضحكي - الشاعر الفقيد -سعيد العويناتي- كان محباً للوطن والحبيبة

عندما يرتبط الشعر بمشكلات الانسان وهموم الوطن .. تتألق الكلمات على ضفاف النهار .. يستقر الامل في القلوب ... يملأ الفرح الحارات الحبلى بالجوع ... يداعب البحر الوجوه المفجوعة ... تتعرى الصور المؤطرة ببراويز الانا .. يتراقص ضوء القمر في الليالى المظلمة .وفي ظل هذا التلازم العميق والرائع شكل نصوصه الشعرية ... توهجت شعلته وهو يؤدى لحق العاشق للوطن والحبيبة ... قاوم الريح العاتية والاستبداد والسقوط ... احتضن المرأة والطفولة والحقيقة ..من هنا كانت لوحاته الانسانية التي تحاور علاقة الانسان بالعالم الخارجى تلامس جوهر الحياة .. كانت حافلة وهى تفتح واجهة الصراع بين الذات والواقع الصعب .. وازاء هذا المشهد المفعم بالتناقضات كان ديوانه " اليك " ايها الوطن اليك ايتها الحبيبة " صرخة مدوية تجوب شوارع المدن المحتدمه بالمعاناة والفوضى وقتل الحلم ... كانت صوره شعريه تتجافع نحو الواقع لتكشف عن ثقل الليل وعن عذابات الانسان ... كانت ايقاعاته الموسيقية تصدح لاجل الوطن ولاجل الفجر المتسلل من وراء الافق .وعلى اثر هذه الانغام التى تناولت الهم الانسانى لنا وقفة مع بعض نماذجه ... لما استراحة مع لوحاته الثرية بالدلالة والايحاء ومن تلك اللوحات " الى زويا " وفي الوقت الذى رسم ... العويناتى .. هذه اللوحة لتعبر على الاحتجاج والاستنكار ضد مصادرة الحريات فى المجتمع فانه لم يتردد فى اعلان موقفه من ظاهرة الاعتقال اذ نجد الفاظه تقدم صورة انسانية وفنية بغرض اماطة اللثام عن هذه الاشكالية التى تدفن كل الحقوق وما تلعبه من دور سلبى يتنافى وحضارة الانسان التى ينبغى لها الاستمرار نحو الصعود .واذ كان نص " الى زويا " رسالة ترسخ حقوق الانسان فان مقومات الرمز تدور حول التعاطف والتضامن مع القابعين وراء القضبان ومع كل الرؤى التى تنشد التغير نحو الافضل .وعلى هذا المستوى كان التجسيد انعكاسا دقيقا عن هذه المعضله .. كان فضاء ينشر الامل فى النفوس ومن اجل هذه الحالة قال وهو يخاطب ابنه احد الرجال الذين ابتلعتهم الزنازن :انت يازهرة حب الوالد المغبون هاتى شفتيك وارقصى حتى الصباح فانا منزرع كالنخيل فى الارض ولن اغدو اله ..قلبينى حلمي الازرق كالبحر يناديم هلمنى ياشعاع الشمس هاتى مقلتيك لنغني ساعه الصحو ونسترجع ايام اليفه حينما كان ابوك فى تراب الحقل يعمل ويغنى وبذور الشمس فى كفيه تخضر كاوراق الربيع وعلى هذا المنوال يتحرك قطار قصائده على سكة مفعمة بالصدق والحرارة اذ نجده يفتح الباب الموصد على مصراعيه وبلغه شاعرية تتألق فيها الوصرة والتخيل والمضموم يضع القلق الانسانى تحت المجهر ، ففى قصيدة " التفتيش : التى لا تختلف عن " الى زوايا " من حيث المضمون وانما جاءت لتضيف تفصيلا صاخبا عن مسأله المطارده البوليسية فى زمن الانحسار الذى غلب عليه الطابع الماساوى والذى كان سببا فى اضطراب الحياة وتهميشا ... نجد ما كان يعنيه شاعرنا فى هذا النصر يعد تدعيما للنص السابق وامتدادا له حيث كانت عدسته تلتقط الصور المباشرة والحية التى تتضمن التفتيش وعند هذه الزاوية يقول :فى تمام العاشرة دخل الجند الحديقة ...فتشوا عن بقعة الضوءوقفت متحده وقفت كا ازاهير الحديقة وقفت كل العاصفير الصغيرة وقف الماء ونور القمر الطالع وحشيا وقالوا .....................وفي الفضاء المتد الذى يتوحد فيه الوطن الحبيبة تفيض الصور فى قصيدة " اليك ايها لوطن اليك ايتها الحبيبة " اذ نجد الاحساس العميق بدفء الوطن والخوف على الحبيبة يرتفع الى اعلى درجاته ليصبح صوتا ينبىء عن انبلاج الفجر وعن اشراقة الحياة .. وفي هذا النهر المتلالىء يغوص شاعرنا فى اعماقة ويقول :حين رايتك مربوطة من يديك وصدرك ايقونة تسبح فيها النبال نبال الذين رموك بعقم الولادة حينا شددت اليك برأسي وتهت اليك بلادى ...وتهت اليك وذبت اغرد فيك بلادى التى عانقت من دماها دماء الزهور دم يرتدى ثوب ثار قديم سينبت حقلا من الورد للشعب للطفلة الواعدة .اذا هكذا كانت لوحاته مسكونه بالحرية وتقدم الاوطان .. وهكذا كانت صرخاته ترتفع لاجل الوطن والتقدم .. وعبر بوابة الحب الذي تميزت به شرفته الغنية كانت بوصلته لم تضل الطريق .. كان واحدا من الذين رحلوا في سبيل الحياة ولم يرحل ... لذلك كم تمنينا ان تشهد على نضارة عصر كان وقوده كثيرا وفادحاً .. وكم تمنينا ان تسمع ذاكرة الوطن تردد ... الطريق المؤدى الى المهرجان .
أعلى