حوار مع الناقد الأدبي الدكتور زياد العوف.. حاوره: الشاعر والناقد حسين علي الهنداوي

حوار مع ناقد أدبي


النقد الأدبي رؤية واعدة تتمثل في تحليل عناصر النص الأدبي وكشف ميزات النص الأدبي، و عناصر الإبداع فيه، إضافة إلى تحليل شخصية صاحب النص ، وكشف كل النقاط الغامضة في شخصيته، وتأصيل الظواهر الأدبية، إضافة إلى التأريخ للحركة الأدبية والنقدية في مختلف الأجناس الأدبية.
وحوارنا اليوم مع الناقد الأدبي المميز الدكتور زياد العوف


... .................................

س١_ هل لك أن تستفتح حوارنا هذا بالتعريف بشخصيتك الأدبية النقدية وبواعث التطور فيها؟
كلّ الشكر والتقدير لاستضافتكم الكريمة، راجياً لكم دوام التألّق والعطاء.
ج١- لقد كفيتموني مؤونة التعريف بشخصي المتواضع عندما نشرتم قبل أيام قليلة نُبذةً مختصرة عن سيرتي الذاتية..ولعلّي أضيف على سبيل التوضيح أنّ مسيرتي النقدية تمتدّ على مدى ثلاثة عقود ونيّف، ابتداءً من أطروحتي للدكتوراه التي دافعتُ عنها مع مطلع عام ١٩٩٢م في إطار (مركز البحوث الألسنية والسيميولوجية) في جامعة ليون الفرنسيّة.
تحت عنوان ( الأثر الأيديولوجي في النصّ الروائي، ثلاثية نجيب محفوظ) .
لقد وفّقتُ في هذه الأطروحة إلى وضع منهج نقديّ متكامل للوقوف على الخصائص الفنية الجمالية للأيديولوجيا في النصّ الأدبيّ، والروائيّ منه بخاصّة، أي تحليل النصّ الروائي من خلال الصياغة الفنية لفكر الكاتب؛ إذ تركّزً هدف البحث في تتبّعِ السّمات الفنية الروائية للأيديولوجيا بوصفها أثراً نصيّاً، أنتجه النص واحتواه.
وقد تطلّب ذلك اعتماد كلّ من النظريات والمناهج السيميائية والتداولية وعلم الاجتماع والبلاغة الاستدلالية إطاراً للبحث، وذلك من خلال مقاربتين مستقلتين بقدر ماهما متكاملتين. هذا.. وقد قمت بترجمة الأطروحة ووضعها بين يدي القارئ العربي بعنوانها الأصلي " الأثر الأيديولوجي في النص الروائي..." فصدرت عن مؤسسة النوري في دمشق عام ١٩٩٣.
ثمّ أتبعت ذلك بنشر عشرات البحوث والمقالات النقدية النظرية والتطبيقية حول نظرية الأدب ومناهج النقد الأدبي، وخصائص الفن الروائي كما تجلّت في عدد كبير من الأعمال الروائية القيّمة لأهم المبدعين الروائيين العرب.
ويمكن الإشارة هنا بصورة خاصة إلى كتابي ( في الأدب الروائي- دراسات وقراءات نقدية) الذي صدر في أواخر العام الماضي (٢٠٢٢م) بوصفه تكثيفاً لما بُذِل في هذا المجال.

س٢_ ما هو مفهومك للنقد الأدبي، وما هي أبرز عناصر النقد
ج٢- للإجابة على هذا السؤال أجدني مضطرّاً إلى التمييز بين ثلاثة مفاهيم لثلاثة مجالات معرفية متداخلة، لكنّها مختلفة في الآن ذاته، وأقصد بذلك كلّاً من ( تاريخ الأدب ) و ( نظرية الأدب ) و ( النقد الأدبيّ )؛ ذلك أنّ تاريخ الأدب يندرج في إطار التاريخ العام إلّا أنّه معنيّ بالتأريخ للعصور والمذاهب والفنون الأدبية، وكذلك لأهم الأدباء والشعراء في عصر أو عصور بعينها.
أمّا نظرية الأدب فإنّها بمثابة الإطار النظري العام الذي يؤطّر مجمل الفعّاليات التأريخية والنقدية المتعلّقة بالإبداع الأدبي.
في حين يمكن النظر إلى النقد الأدبي- وهذا هو سؤالكم المطروح- بوصفه هذا النشاط الفكري الجماليّ المستند إلى رؤية نظرية واضحة ومنهج نقديّ بيّن، وذلك بغية التمييز بين الأساليب الأدبية، من خلال وصف وتفسير وتحليل وتعليل و( تقييم) العمل الأدبي حسب منظور الناقد وتذوّقه الشخصيّ؛ إذ إنّ النقد الأدبي علمٌ وفنٌّ في الوقت عينه.
وهكذا يتّضح لنا مدى التداخل بين المجالات المعرفية السابقة؛ إذ لا بدّ لمؤرّخ الأدب من الاتكاء على النظرية الأدبية لتصنيف وتأريخ الأعمال الأدبية، كما أنّه لا يستطيع الاستغناء عن مناهج النقد الأدبي وتذوّقه الشخصي في سياق التأريخ الأدبيّ.
كما أنّ المنظّر، أو الدارس للنظرية الأدبية لا غنى له عن الاستعانة بكلّ من التاريخ والنقد الأدبيَين.
في حين لا بدَّ الناقد المنهجيّ من الاستناد المتين إلى النظرية الأدبية والتاريخ الأدبي للسير بخطى واثقة ومدروسة في عمله النقديّ.

س٣_ كثيرا ما يتصادم الأدباء والنقاد في تصوير جمالية النص الأدبي، ما سبب هذا التصادم؟
ج٣- أجد أن التصادم، أو عدم الاتفاق، بين الأديب المبدِع والناقد المقيّم للعمل الأدبيّ أمرٌ طبيعيّ ،بل بدهيّ؛ فهنالك أوّلاً هذا التفاوت الأوّلي بين مدارك البشر وأفكارهم وأذواقهم، من جهة، وهناك بعد ذلك هذا التفاوت الجوهري بين رؤية الأديب الذاتية لإبداعه الشخصي، وبين الرؤية الموضوعية النقدية للناقد المنهجيّ.
ولا ريب في أنّ المبدع هو الناقد الأول لأدبه، لكنّ ( أنا ) الأديب تقف حائلاً أمام الحكم الموضوعيّ في معظم الأحوال.

س٤_ ما هي أهم الفنون الأدبية من وجهة نظرك كناقد ادبي؟ ولم؟
ج٤- في ظنّي أنّ لكلّ نوع أو فنّ أدبي ميّزته الخاصّة؛ إذ لا يمكن، على سبيل المثال، لأيّ لون أدبيّ أنّ ينافس الفنّ الشعريّ في التعبير عن المشاعر والعواطف والأحاسيس. في حين لا يستطيع الشعر أن يتوغّل ويستطرد في سرد الوقائع والأحداث، ولا في تفسيرها وتأويلها، والخوض في أسبابها ونتائجها، فهذا ميدان الرواية، دون جدال.
وأرى أنّ هذا " التنافس الأدبيّ " القديم بين فنون الأدب وأنواعه، والذي حفلت به صفحات تاريخ أدبنا العربي القديم تحت عنوان عريض هو "المفاضلة بين الشعر والنثر" قد أصبح نسياً منسياً؛ إذ تكاد الحواجز النوعية بين فنون الأدب أن تزول، وحسبنا أن نشير في هذا السياق إلى الفن الروائي وما ينطوي عليه من "أجناس دخيلة" غدت من ملامح الرواية الحديثة ذات الرؤى والأصوات المتعدّدة "البوليفونية" .
ناهيك عن بروز ألوان أدبية مستحدثة ( فن السناريو،القصة المصوّرة..) بفعل المخترعات الحديثة، وما واكبها من تطوّر في عالم الصوت والصورة ( الإذاعة، التلفزيون، السينِما).

س٥_ هل ترى أن النقد الادبي خطوة متقدمة على فنون الأدب ، ام هي خطوة تابعة له؟
ج٥- العمل الأدبي، أي عمل، متقدّم زمنياً على العمل النقديّ، لكن العلاقة بين الأدب والنقد علاقة جدلية، من ناحية التأثّر والتأثير؛ إذ كثيراً ما استلهم الفكر النظري النقدي إبداعات بعض الأدباء الكبار للتأسيس النظري لمذهب أدبي معيّن، وذلك من خلال المقارنة والاستقراء والاستنتاج، فكان لدينا الرومانسية والرمزية والسريالية، مثلاً .
ثمّ ما يلبث الفعل النقدي والنظري التراكميّ أن يضع الأسس والمناهج المتعلقة بهذه الفنون الأدبية، فتصبح بمثابة خصائص وركائز لا يستطيع الأدباء التغافل عنها، شعورياً أو لا شعورياً، أثناء فعلهم الإبداعيّ.

س٦_ متى يكون الأديب، شخصية متميزة في عالم الأدب؟ وكيف يحقق هذا الأديب التميز في ساحة الأدب؟
ج٦- التميّز في الأدب، كما هو الشأن في جميع المجالات الإبداعية، يتأتّى من تحقّق عنصر الأصالة ؛ التي تعني توفّر العمل الأدبيّ على الجودة والتّفرّد والابتكار، وهي أمور نسبية بكلّ تأكيد، وبها تتفاوت القيمة الإبداعية للأعمال الأدبية.

س٧_ متى يكون النص الأدبي خالدا من وجهة نظر النقد الأدبي، ومسجلا في لائحة النصوص المميزة؟
ج٧- هذا السؤال يحيل، فيما أرى، على السؤال السابق؛ إذ إنّ " الخلود" النسبي في الأدب مرتبط بعاملين اثنين، هما: جوهره الإنسانيّ وأصالته الفنّية.

س٨_. ما موقفك من النقد القديم والحديث، وكيف نؤسس لنقد أدبي موضوعي؟
ج٨- يدخل النقد القديم في إطار المعرفة التاريخية للنقد؛ ذلك أنّ انشغالاته النظرية والنقدية مرتبطة بعصره.
على أنّ الناقد المعاصر ملزم بمعرفة هذا النقد للبناء عليه؛ إذ لا يأتي الجديد، في كل المجالات، من فراغ.
أما النقد الموضوعي، أو موضوعية الناقد فإنّها تستند إلى المعرفة النقدية النظرية، والنأي عن الهوى في الأحكام النقدية، قدرَ الإمكان؛ ذلك أنّ النقد ، كما أشرت سابقاً، علم وفن في الآن ذاته، لذا فإنه من غير المستطاع التّخلي عن الذوق الشخصي للناقد في إصدار الحكم النقدي، على أنّ يكون تذوّق الناقد للعمل الأدبيّ مقترناً بالتعليل والتفسير.

س٩_ما رايك بالمسابقات الأدبية المعاصرة ؟ وهل ترى فيها انحيازا غير موضوعي عن مهمة النقد؟
ج٩- تمثّل المسابقات الأدبية حافزاً للمبدعين على التنافس الشريف لتجويد وتطوير إبداعاتهم. وأراها مفيدة رغم ما يشوب الكثير منها من تجاوزات ومجاملات ، بل وأخطاء أحياناً.
مَثَلُها في ذلك مَثُلُ معظم النشاطات التحكيمية في شتّى المجالات.

س١٠_حدد لنا شروط الناقد الموضوعي، وبين لنا أهم نقاد العصر القديم والحديث.
ج١٠- بيّنتُ فيما سبق أنّ الحُكم النقدي المعلَّل المبني على التوصيف والتحليل والتفسير المستند إلى منهج نقديّ واضح هو الذي يقترب بالناقد من حدود الموضوعية البشرية الممكنة.
أمّا عن أهم النقاد في الأدب العربي القديم فحسبي الإشارة إلى كلّ من:
- ابن سلام الجمحي، وابن قتيبة، وقدامة بن جعفر، والحسن بن بشر الآمدي، وعبد القاهر الجرجاني، وابن رشيق القيرواني..وغيرهم من أئمة نقادنا القدماء.
أمّا في العصر الحديث، فلا ريب في أنّ طه حسين، وميخائيل نعيمة، ومارون عبّود، ومحمد مندور، وشكري عيّاد، وعزالدين اسماعيل، وإحسان عباس ، وحسام الخطيب، وجابر عصفور، ومحي الدين صبحي، ومحمود منقذ الهاشمي، وعبد الفتاح كيليطو، على سبيل المثال لا الحصر، هم من بين أهم النقّاد.
هذا في العالم العربي..أمّا في الغرب، حيث تعود معظم، بل كلّ نظريات النقد الأدبيّ الحديث ومناهجه إليه، فحسبي أن أشير إلى بعض الأسماء اللامعة المعروفة لدى جمهور المثقّفين لدينا، من أمثال: رولاند بارت، جيرار جينيت، تزفتان تودوروف ، ميخائيل باختين،أومبيرتو إيكو، فيليب هامون.. وغيرهم.

ختاماً.. أرجو أن أكون قد وفّقتُ في الإجابة على أسئلتكم راجياً لكم كلّ التوفيق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى