الجنس في الثقافة العربية نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار.. جمعه عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن درهم المتوفى سنة 1362هـ

بطرس النصراني

أنت تنجلي حسناً فهل نافع جدي ... إذا لم يساعدني على وصلها جدي
سلاها فؤاداً ما سلاها ولم يزل ... يهيم بها وجدا على القرب والبعد
غزالة حسن بالغزالة تزدري ... ومن عجب اشتاقها وهي في كبدي
إذا نسمات التيه لاعبن قدها ... فيا خجل الخطي ويا خجلة الملد
محجبة كم بات دون حجابها ... أخو لوعة بين الصبابة والوجد
مولعة بالفتك نادت لحاظها ... قفوا وانظروا فعل الجآذر بالأسد
وأبدت نبال الغنج في قوس حاجب ... وابيض فصالاً بأدعج مسود
في الجفن كسرى والنجاشي خالها ... نزيل على النعمان في روضة الخد
لقد غصبت مني الفؤاد وهاجرت ... أما للهوى شرع فيحكم بالرد
رأتني فقالت من أرى قلت مغرم ... أراقت دماه مقلتاك على عمد
ألا رب يوم والزمان مساعد ... ولم يك فيه من رقيب ولا ضد
أتتني بليل من ذوائب شعرها ... تجر على آثارها فاضل البرد
تميس وفي الأعطاف لين وصبوة ... وفي النشر من أردانها أرج الند
ومن ورد خديها ونور جبينها ... لقد بت أروي شرح لامية الوردي
رنت بلثام عن غدائر فرعها ... فحقاً رأيت الشمس في الحالك الجعد
تقول وقد هزت من القد أسمراً ... حذار رماح الخط من أسمر القد
ومنت وما أضنت بكأس مزاجها ... من المبسم الدري والحبب الشهد
تدير الحميا من سلافة ثغرها ... لتجمع بين الهزل في ذاك والجد
مداماً على أقداحها الزهر أشرقت ... حباباً يبث الروح في الحجر الصلد
تشابه لوناً خدها وسلافها ... ومن شبه لم أدر أيهما قصدي
فاحتسب الصهباء خدا وخدها ... سلافاً وقد أضللت بينهما رشدي
وشابه منها الثغر كأساً تديرها ... كما أشبه الدري كوكبها النهدي
نسيم الصبا إن جئت دار أحبتي ... سقاها الحيا غيث السماحة والرفد
فبثي من المشتاق نشر صبابه ... لسحار جفن عنده مثل ما عندي
يبلغني نشر الخزامى حديثه ... ويخبرني عن ثغره البارق النجدي
فابكي لذكراه ويبكي مردداً ... لذكري در الدمع في درر العقد
فكم بات مهتوك النقاد موسداً ... على عفة يهتز وجد على زندي
إلى الصبر أشكو ما لقيت من النوى ... وهيهات صبري إن شكوت له يجدي
وعاهدت قبل البين تصبرا ... ففر ولم يحفظ غداة النوى عهدي
نديمي أدر كأساً بذكرى الحادثات فإنها ... تدور مع الأيام بالحل والعقد
وباكر صبوحاً كالصباح وغنني ... بذكر الحسيني لا بنهد ولا دعد
خدين العلى عبد الجليل ومن غدا ... بآدابه الغراء كالعلم الفرد
هو البحر مداً بالعلوم ولم يكن ... بساحله جزر يطول على المد
فضائله بين الأنام كأنها ... نجوم سماء ليس تحصر بالعد
سليل كرام من مهذب ... أخي شيم قد طابقت شرف الجد
فلم تره إلا مقيماً على الثنا ... ولم تلقه إلا الموشح بالحمد
فمن أدب زاه تسامى محامداً ... ومن نسب باه تزين بالمجد
إمام بني الآداب بالنفس تشتري ... على ربح فضل ما يعيد وما يبدي
لقد أنفذ الآذان دراً تلألأت ... فرائده نظماً يجل عن النقد
كريم حليم طاهر حسن الوفا ... شريف منيف قدره صادق الود
أبحت الورى مدحي فإذا الورى ... جميعهم مثلي ولست أنا وحدي
ألا أيها الندب الذي شاع فضله ... وليس له عند البلاغة من ند
أتاني بلا وعد كتابك زائراً ... ولله محبوب يزور بلا وعد
هو التحفة الزهراء من خير ما جد ... له الفضل من قبل علي ومن بعد
به من بنات النظم هيفاء غادة ... تجاوز معناها البليغ عن الحد
فكم من زهير تحت أزهار لفظها ... وكم طرفة تزهو على طرفة العبد
فمن كل معنى ألف بيت لناظر ... ومن كل بيت ألف معنى لمستجد
فما قيس مع لبنى يقبل ثغرها ... وعبد بن عجلان يدير لمى هند
بأوفر منى لذة حين أقبلت ... تبلغ من مولى ثناء على عبد
كفاني حديث الغانيات نسيبها ... وأغنت عن الصهبا فصيرتها وردي
ولما شفى قلبي الكئيب وصالها ... غفرت لدهري ما جناه من الصد
وصيرتها في غربتي خير مؤنس ... وأنزلتها في منزل الأهل والولد
وسميتها سلوى الغريب لأنها ... ألذ من السلوى وأحلى من القند
فمنى لها أهدي إليك وليدة ... جويرية فاقبل بفضلك ما أهدي
وخذها بعفو عن قصور فإنها ... بنية نظم من مقل على جهد
سرت من بلاد الروم وهي رقيقة ... ومن عجب أن لا تمل من الوخد
فلو كنت حسان البلاغة لم تقم ... بجمع معانيك الحسان يدا جهدي
وحسبك منها إنها من موحد ... بحبك عن توحيده غير مرتد
تسير بها أشواقها ودليلها ... نوافح فضل منك لا نفح الرند
لها كل يوم في مديحك رغبة ... ولكنها عن مدح غيرك في زهد
كريمة نفس وهي بنت كرامة ... تهادي كريم الدر أكرم مستهدي
بأوصافك الحسنى تتيهُ وتنجلي ... بحسن إلى روض البلاغة ممتد
فلا زلت مأوى كل عزٍ ومدحةٍ ... تزف لك الأشعار وفداً على وفد
وتخدمك الأيام فيما تريده ... سليم المنى من حادث الزمن النكد
قرين التهاني والمسرات ظافراً ... بنيل الأماني لا بسن حلل السعدي
وقال مادحاً عبد الله البحري كاتب خزانة والي الشام:
يهيجني تذكار خل كما البدر ... فليت التنائي لم نجده ولم ندر
أحن إذا ما ناح قمري روضة ... حنينا ًبأشجان يزدن على الصبر
رعى الله أيام مضينا فلم يكن ... لنا بعدها إلا التلذذ بالذكر
أويقات إنس قد سلفن بلذة ... وعصر هني كان يحسب من عمري
أبيت ولي قلب يهيم بذكرهم ... غراماً وأشواقاً توقدن بالجمر
خليلي عوجاً بالمنازل والحمى ... وقولاً لمن أهواه صبرك بالأثر
وخد سبتنا باللحاظ فلم تدع ... لناظر جفنيها فؤاد بلا سحر
مهفهفة بيضاء نور جبينها ... إذا أظلم الديجور يغني عن البدر
كأن الثريا عقد درٌ بجيدها ... توارت حياء من ضيا المبسم الدري
إذا افتر منها الثغر أو لاح وجهها ... أرتك سهيلا قد تصور بالثغر
وفي فمها المطار كأس مدامة ... سلاف رضاب لا سلاف من الخمر
إذا هز بأن القد منها دلاها ... تميس بأعطاف ثملن بلا سكر
علق بها حباً فلما تملكت ... فؤادي وأحشائي تصدت إلى هجر
تثنت فبان البان خيفة قدها ... وماست فأزرت بالردينية السمر
رأتني فقالت من أرى قلت مغرماً ... قتيل الهوى بين القلادة والخصر
أرتنا من الأجفان سحراً كأنه ... أساطير عبد الله ذي القلم البحري
هو الجوهر المكنون دلت صفاته ... عليه كما دل السحاب على البر
به افتر ثغر للبلاغة مشرق ... كما افتر ثغر الروض عن مزنة القطر
إذا سن أقلاماً وقط رؤوسها ... يقول الردين خجلة قط لا أجري
وإن ضمن القرطاس خطاً تخاله ... جبين مليح قد تلألأ بالشعر

بدا فضله لما تعالى يراعه ... بإنشائه البالي كعقد على نحر
تقول له الحسناء حلوا بخطه ... على الورق تشبيه الوسام على صدره
فكم قلم هندي بدا في بنانه ... يفاخر هندياً صقيلاً إذا يسري
ويبدو لنا من قمه كل مطرف ... نوادر إنشاء أرق من السحر
أليس من الإعجاب أن جواهراً ... ودراً يرين في الطروس من الحبر
إذا مد قرطاس وأنشأ رسالةً ... يجر على سحبان أردية الستر
قلائد عقيان البديع كتاب ... عبارته الفصحاء تغني عن القطر
مهذب خلق في فصيح خطابه ... يشير لنا عما تضمن بالفكر
فكم وشح القرطاس برد رسالة ... مؤنقة زهراء تركية بكر
تقر لها الأتراك بالفضل إنها ... لهم تحفة جاءت تفوق على الزهر
لقد كان للكتاب ياقوت قدوة ... قديماً وأما الآن قدوة العصر
ألا أيها الكتاب عوجوا لنحوه ... تروا مورداً عذباً فموردكم يجري

وقال متغزلاً:
باح الفؤاد سر كنت أخفيه ... فكيف يخفي الهوى والشوق يبديه
ما زلت أكتم سر الحب في كبدري ... حتى أباحت دموعي بالذي فيه
وحق أيام أنس واللقاء بها ... وحق ورد جني كنت أجنيه
وحق ما فعلت تلك الجفون بنا ... وحق خمر حواه الدر في فيه
ما باح نطقي لكتمان الهوى أبداً ... لكن طرفي أبدا ما أواريه
وجد بي الوجد من عذل العذول وكم ... بدا رقيب بهذا الوجد يلحيه
فيا ليال قضيناها معانقة ... مع الحبيب قصيرات بناديه
وكم أويقات أنس بالربوع لنا ... فوق الأماني سقاه الغيث ساريه
كم موعد قد أقمنا للقاء بها ... وضمنا الربع إذا ضمت حواشيه
يا طالما ذاب قلبي في قواه وكم ... بدا لي ويلاً برشف الثغر ينشيه
عجبت من شخص قلبي مات فيه أسى ... وكيف رشف زلال الريق يحيه
فيا نسيما سرى من مهجتي سحراً ... قف بالجديد واعطف عن يمانيه
تجد نسيم غرام نافح وبه ... معطار نشر فعرج نحو هاديه
وسر بلطف إلى المحبوب متبعاً ... شذاء عرف ذكي شم من فيه
فانزل وسلم على ذاك الغزال وقل ... يقريك حبك شوقاً كاد يفنيه
واخفض جناح لديه عند رؤيته ... واشرح غرامي الذي فيه أعانيه
وقد تركت كئيبا فيكم شبحاً ... من الصبابة قد بانت خوافيه
يا صاح إن جزت ذاك الحي معتمداً ... نحو الأنيس الذي طابت أمانيه
أو جئت يا صاحبي نحو الديار فجز ... حمى العبيد وعطفاً عن شماليه
واقرأ تحية حب كالخيال فلم ... يدع له الوجد معنى من معانيه
فيا لو يلا تنا اللاتي سلفن لنا ... هل أنت بالطيف ميت الحب تأتيه
أحبابنا لم يكن لي بعد بعدكم ... صبر لا جلد مما أقاسيه
لك السلام أيا ربع الحبيب ويا ... حمى الحبيب ويا مغنى أهاليه
لك السلام يوم العناق ويا ... يوم الوداع ويوم ألاقيه

وقال متغزلاً أيضا:
أراك سخي الدمع طال بك الأمر ... أبرح فيك الحب أم نفذ الصبر
أبحت الذي كان عندي مكتماً ... وأعلنت وجداً فيك أم خفي السر
نعم أني في الحب ميت صبابة ... فأطوي غراماً ثم ينشه الفكر
يهيجني ذكر الربوع وأهلها ... وكل أخ عشق يهجيه الذكر
تذكرت أزمان الأحبة واللقا ... ليالي وأيام بوصلهم قصر
ليال قطعناها ونحن بمجلس ... تجلى على بدر السماء لنا بدر
من الخود هيفاء القوام غريرة ... تحلت بها الجوزاء وابتهج النسر
وقد ظهر المريخ في سيف لحظها ... وقابلت الأطمار فأنهم الأمر
ومن نور ثدييها النور قد اكتست ... ومن سحر جفنيها لقد علم السحر
كلفت بها حبا وشط مزارها ... وكم منع العشاق من لذة الدهر
رضعت هواها ثم صرت فطيمها ... بدأ الهوى حلو وأخره مر
ويوم على وصل المشوق تعذرت ... فلذ لنا سقم ولذ لها هجر
لقد كنت في رحب وبين غرامها ... فرحت بها مضنى وضاق بي البر
ألا رب يوم كان ل فيه موعد ... بصدق اجتمع الشمل وارتفع العذر
فجئت وقد غاب المنيران والسها ... وقد ظهرت في الأفق أنجمه الزهر
ولما توافينا وقد غابت كاشح ... ونام رقيب واطمأن من القدر
أماطت عن الوجه المنير لثامه ... فأشرق منه البدر إذا بسم الثغر
تزود عن المرجان في صحن خدها ... حياءً بأجفان لها النهي والأمر
وأزرت قضيب البان لما تمايلت ... بأعطافها الحسنا يرنحها سكر
وأعجب مما في الجبين رأيته ... ظلاما وصبحا لاح بينهما بدر
فلولا ظلام الشعر لاح لنا الضيا ... ولولا ضياء الوجه جن بنا الشعر
فباتت تعاطيني المدلم صبابة ... ومن ثغرها الألمى المدامة والخمر
تدير الحميا بالظلام على سنى ... وأضممها شوقاً فينعطف الخصر
وما راعني إلا الصباح مفاجئاً ... وقد ذهب الديجور مذ طلع الفجر
ولما اعتنقنا للتودع وانقضت ... لويلتنا رحنا وأدمعنا بحر
وقمت عليلاً بالغرام مقيداً ... وأودعتها قلباً تلظى به الجمر
وكتب مجاوباً لنصر الله بن فتح الطرابلسي الحلبي ولم يكن احدهما لقي الأخر:
ورد الكتاب مسرحاً ومسطراً ... بحديث محبوب عشقت ولم أر
وافي وكان ورده ورداً لذي ... ظمأ به الغرام وأسعرا
ففضضت منه ختامه ولطالما ... فاضت دموع قبله لن تنكرا
ولثمت محياه فأشرق ثغره ... ورشفت كأساً من لماه معطرا
وثملت لما رشفت سلافة ... صهباء حب لا سلافاً أصفرا
أهدي إلى المشتاق نشأة مغرم ... فاحت رياح الشوق منها عنبرا
فكأن أسطره ذوائب غادة ... هيفاء لاحت من ترائب قيصرا
أو أن أحرفه مراشف أعين ... تعطي الرحيق معللا ومقطرا
وقلائد العقيان خلت جمانه ... أو ثغر محبوب تبسم جوهرا
أربي على سحبان سحب فصاحة ... لو شامها الكندي عاد مؤخرا
وكذا ابن ساعدة الأيادي لو رآ ... هـ لعاد منه مخجلاً متسترا
رق النسيم للطف معناه كما ... شهد الفؤاد فصاه لما قرا
يا حسن بق من محياه بدا ... عن نصر فتح الله لاح مخبرا
نشأت بنصر الله روح صبابة ... وأبى الفؤاد لغيرها أن يذكر
فرع لفتح الله أينع مخصباً ... بحديقة الآداب شب وأثمرا
ولذا اسم قلبي حين أشبه قلبيُ ... قلناه صرف الحب لما أن طرا
فإليك يعزى الفضل يا من لاح لي ... منه الوداد ولم يراني ويصرا
قراباً لدار كنت فيها وحبذا الش ... هباءُ نصر الله فيها قد سرى
واهاً لها لما حللت ربوعها ... رغداً وآهاً من بعادك أوفرا
يا ليت لا كان البعاد ولا النوى ... ياليت لا شط المزار ولا الذرى
أواه من حر البعاد وطالما ... جار البعاد على الأحبة وافترى
خذها لقد وافت من ابن كرامة ... برسائل الأشواق تهدي الأسطرا
تنبيك عن حب سماعي الهوى ... متجاوز حد القياس لدى الورى
فأجابه نصر الله المذكور من البحر والقافية بقوله:
زند القريحة مذ علقت بكم ورى ... يا من شهدت بحبهم بين الورى
وجعلت شخهم أمامي قبلة ... هيهات أن أرضى الرجوع إلى الورى
لولا توقع ضيف طيف خيالكم ... ليزورني زوراً لما اشتقت الكرى
كلا ولولا بارق من أرضكم ... ما أرسلت عيني سحاباً ممطرا
يا من كلفت بهم ولم أرى وجههم ... إني أراه بالفؤاد مصورا
ما كنت أشتاق النسيم هبوبه ... إلا لعلمي أنه عندكم سرى
فسقى طرابلس السحاب ليهُ ... سحاً وتهتاناً يرى متفجرا
بلد كأن الدهر عاندي بها ... فاستاق أهلي قبل أن أطأ السرى
لو فاخرت كل البلاد بأن في ... ها بطرس لكفا بذلك مفخرى
الأوحد ندب الفريد الأمجد ... الندس المجيد الألمع الأنورا
أقسيم روحي بل حشاشة مهجتي ... بل تاج أرباب الكمال بلا مرا
وفي كتابك موضحاً لبلاغة ... لو ناظرت ذاك الصفا تكدرا
وثملت لما أن رأيت جماله ... فغدوت معروفا وكنت منكرا
في ضمنه عربية قد أعربت ... نظماً فما طائيهم والشنفرى
وأهاجت الأشواق مني ظاهراً ... إذ كان حبي بل ذلك مضمرا
وغدا بقلبي لوعة فكأنها ... بين الجوانح نار أسعد للقرى
وادمع من عيني حكى صوب الحيا ... بل كف أسعد حين يكن مقترا
يا نخبة الفضلاء بل يل سيد الشعراء بل مولى الكمال الأكبرا
من قال مثلك بالبلاغة كائن ... قد جاء إذاً بل جديثاً مفترى
خذها إليك عقيلة حلبية ... ولديك من خجل تروم تسترا
فاسبل عليها ذيل عفوك كونها ... إن قصرت عن شأَو تلك فتعذرا
شتان ما بين البديع وباقل ... أني يقاس يدا الثريا بالثرى
واسلم ودم بمهابة وكرامة ... يا مورداً لم أرض عنه مصدرا
ما سارت الركبان تقطع فدفداً ... من عاشق ولهان يهدي الأسطرا

قال مجاوباً له (عن كتاب نثري) :
زارت فكان بالأمر الله أسراها ... غراء قد خطرت فالكل أسراها
خليلة المجد قد هام الخليل بها ... وبات من وله بالنحو يهواها
أحيت عروض فؤاد الحب مذ بسمت ... ثغراً وقام إن بسام لمحياها
ترى شقاق خديها ممنعة ... عن ثابت وعن النعمان نعمان
أربت علىابن كثير في محاسنها ... حسناً كثيراً وعين اللطف ترعاها
بكر لمى فمها عذب مراشفه ... صافي المودة عند الب أوفاها
لو قابل العامري أسرار طلعتها ... لها في بيتها المعمور أو باهى
رشيقة اللفظ قد جادت وقد سمحت ... من البديع بما نالته كفاها
شمس تبعدها العبدي مذ بزغت ... يوماً وأغنت عن المغنى بمغناها
واستمطرت لؤلؤاً من لؤلؤ وروى ... عن النسيم غصون البان عطفاها
كأنما القطر من ترشاف ريقها ... يحيي بمبسمها صباً معناها
شهباء وافت من الشهباء ترتع في ... بين المضارب من عدنان مرباها
رقت كما رق جسمي في الهوى أسفاً ... لبعد من بلآلي نظمها فاها
البارع الفاضل الموصوف سيدها ... رب المفاخر من بالحسن أنشاها
المشعل إلى الآداب وهي له ... عرفاً ويزرع في أحكام مجاها
سباق غايات نظم فالبروق إذا ... جارته أوقفها سيراً وأعياها
في النظم تصفوا له أهل القريض وكم ... قلائد من لآلي النثر وشاها
تملك الروع مني حبه ودت ... بين الجوانح نار الشوق يصلاها
بحبه يا هواه جد بطرق كرى ... لعل بالطيف تلك الذات نلقاها
ويا نسيم الصبا إن جزت مربعه ... فخبري عن صباباتي وشجواها
وإن ظفرت بشيء من براعته ... لو لم يكن في جنان القلب مأواها
قد كاد يتلفني شوقي لطلعته ... لو لم يكن في جنان القلب مأواها
سقيت يا حلب الشهباء غيث ندى ... وجاد ربعك م الأنوار أنداها
شهباء مذ بزغت خضراء مد نثرت ... قعساء منبت زهر العز صحراها
جليلة القدر ذات الفخر معجبة ... جلا العيون من الأقذاء مرآها
فاقت على كل مصر وهي مشرقة ... ثغراً أضاء بنصر الله منشاها
يا سعد من نظرت عيناه روضتها ... ونز الطرف في فياح مغناها
حسناء غارت على الحور الحسان ضحى ... فاستخلصت من ثغور العيد لألاها
إني متيما إني المشوق لها ... إني المعنى بها إني لمضناها
يا صاحبي أطرباني وأنشد سحراً ... وعللا الصب من وجد بذكراها
عذراء مدت على كل البلاد يداً ... مخضوبة الكف وأشواقي لحناها
يا فاضلا حل في ساحاتها رغداً ... بشراك في عزها إذ فيك بشراها
وافت رسالتك الغراء تبسم عن ... در تضمن نثراً في ثناياها
أهدت كؤوساً بأسماع الورى شربت ... فعطلت كل خمر عند صهباها
تفاعست فتدانى كل مرتفع ... لما سما في القرطاس برداها
فاقت على العرب لما أعربت ورووا ... عنها البلاغة لما استنطقوا فاها
تفاخر الناظمون البارعون بها ... والكل يعجز عن إدراك معناها
مني إليك لها أهديك جارية ... مغضوضة عن قذى النقصان عيناها
من العدية قدماً غرس كرامتها ... والآن في روضة الفيحاء سكناها
فاسبل عليها ذيول الستر إذ خطرت ... ترجو القبول ورفقاً عند مسراها
هل ظالع مدرك يوماً على عجز ... شأو الضليع فعفواً عند مرماها
واسلم ودم في هناء غير منتقل ... ورتبة فوق مرقى الشهب مرقاها
ما قال حبك عن شوق وعن ولهٍ ... زارت فكان بنصر الله أسراها

فأجابه نصر الله:
زارت بلا موعد ما كان أو فاها ... فهل أرى البدر أم ذي الشمس أوفاها
غراء يروي عن الضحاك مبسمها ... وقد روت عن أبي در ثناياها
وريقها العذب يروي في تسلسله ... عن المبرد والوردي خداها
وطرفها عنه مكحول روى سندا ... كما روى ابن هلال عن محياها
بديعة الحسن في خلق وفي خلق ... بيانه والمعاني من رعاياها
تتيه عجبا بخصر غير مختصر ... وردفها ثقله لا شك أعياها
تجلو الظلام بظلم اللعس من شبم ... ويجلب الليل بعد الصبح فرعاها
غصن إذا خطرت شمس إذا ظهرت ... ريم إذا نفرت واهتز عطفاها
ممنطق بعيون خصرها نظراً ... مخصب بدما العشاق كفاها
بالفضل كاملة بالحسن وافرة ... فجل من فتنة للناس سواها
غدوت في حبها لا أرعوي أبداً ... فهل ترى ذكرت من ليس ينساها
وهل بها مثل ما بي من هوى وجوى ... ولوعة كل نار دون أدناها
وهل تسامر نجم الأفق ليلتها ... شوقاً ولم تكتحل بالغمض عيناها
وهل تفي بمواعيد لنا سلفت ... وهل تراعى عهوداً قد رعيناها
وهل تضمن على المضنى بما وعدت ... بزورة في الدياجي لا عدمناها
وهل ترق لمكلوم الحشا دنف ... ماكان يعرف ما الاشجان لولاها
نعم نعم إنها تبغي لقاي كما ... أبغي لقاها وتهواني وأهواها
لم أنس لا أنس إذ زارت مسلمة ... وحنها عاد مقرنا بحسناها
فقمت أنشد من شو ومن طرب ... يا من بزورتها أحيت لقتلاها
يا فتنة لم تراعى في رعيتها ... حق العبيد ولا حنت لأسراها
ملكت رقي وهذي العين جارية ... أسرفت في الصب جوراً اتقي الله
فمهمل الدمع لما سال أعرب عن ... ضمائر في الهوى كنا سترناها
فاستضحكت ثم قالت وهي معجبة ... لا تعدي من لك روح أنت راه
فأسقطت دررا بالفظ من درر ... وأسكرت كل صب من حمياه
وفضلها عما كلا عندما سفرت ... لأنها أخذت من فضل مولاها
السيد المدره الملسان بطرسمٍ ... قد نال من طبقات الفضل أعلاها
اليلمع المسقع اليهفوف من وخذت ... نجب القريض إليه وهو وفاها
مولى البلاغة غواص غطامتها ... رب الفصاحة طلاع ثناياها
إذا انتضى القلم المحروث في يده ... يريك من واردات العلم أسناها
وإن يولج الصبح الطرس في غسق ... المداد فاتل وفل والليل يخشاها
سحر قصائده در فلائده ... بحر محامده يعييك أحصاها
الأريحي الذي ريح الوفا خطرت ... من عنده شفى الأرواح رياها
يا ذا العلا والولا والفضل من خلبت ... ألفاظ فيه قلوباً وهو يرعاها
وأوحد الناس إلا أنت معرفة ... ومنطقاً وكمالات رويناها
شرفتنا بكتاب منك قد بزغت ... أنواره فهدينا واقتبسناها
رسالة أرسلت للقلب تحفظه ... فما له ضاع مني عند مسراها
ظننتني بعدها نومي يواصلني ... فطال في الليل إيقافي وإياها
فيالها درراً من يمكم قذفت ... سفن العلوم فبسم الله مجراها
وشطرها من بنات البدو مشعرةً ... بالحب أشهد أن لا شعر إلاها
بلفظها فتنت لبي كما فتنت ... لبني لقيس فصار القلب مأواها
وصرت ألثمها شوقاً وأنشدها ... توقاً لمن لبديع النظم وشاها
إن أسعد الله عيني ساعة ورأت ... محياكم وجلت بالنور مرآها
غفرت للدهر ما أبداه من نكد ... ونلت من واردات العلم أهناها
صبراً فللدهر أوقات معينة ... ينال فيها الأماني من تمناها
ما زلت في نعم تترى وفي همم ... لا ترتضي منزل العيوق سكناها
ما قال ذو الشوق نصر الله من طرب ... وافت بلا موعد ما كان أوفاها
ومن جيد شعر بطرس قوله يتغزل ويتشوق إلى لبنان وقد بعث به المعلم نقولا الترك:
يا نائياً وفؤاد الصب مأواه ... رفقا ًبمن أضرمت بالوجد أحشاه
وعامل الله غدا دنفاً ... قد بات يرعى حبيباً ليس يرعاه
كسى النوى بدني ثوب السقام وقد ... نفى الحبيب منامي ورد ذكراه
معذبي بالهوى عطفعاً على كبد ... أسير أيدي النوى والحب أغراه
دعاه يوم تنائينا الهوى فأتى ... طوعاً على عجل يسعى قلباه
لا أنس الله أيام الفراق فقد ... أودت بقلب فتى ذابت سويداه
حسبي الغرام الذي لا أرتضي أبداً ... إلا المنام قرى والبين ولاه
أستودع الله من بالطرف منزله ... حباً وإن سار كان القلب مسراه
إني ولو بالنوى والهجر أتلفني ... قرباً وبعداً على الحالين أهواه
سلوه أن يمنح المشتاق بعض كرى ... لعل طيف خيال منه نلقاه
لا آخذ إلا عينيه بما فعلت ... فالصبر ولى وهذا القلب يفداه
كيف السلو ولي العهد يذكرني ... من الحبيب وداداً لست أنساه
سقى معاهد لبنان الحيا غدقاً ... وجاده من سحاب الجود أوفاه
لقد سمى طوده بالأمن مفتخراً ... والبر زينه والعدل أنشاه
طابت مرابعه بالشيح واتشحت ... من الخزامى بثوب الرند صحراه
وقام غصن النقا يهتز من طرب ... لما شدت في رياض العز ورقاه
وفاح زهر الربى عرفاً شذا عطراً ... يا حبذانشره الذاكي ورياه
وغار سوسنه من عين نرجسه ... وقام ورد البها يزهو بسيماه
ولؤلؤ الطل في جيد الأقاح حكى ... ثغر الحبيب إذا افترت ثناياه
والياسمين من النسرين في وله ... يصافح البان لما اهتز عطفاه
وقال مادحاً علي بك الأسعد ويستعطفه وقد عتب عليه:
سل البان هل مرت عليه النوافح ... بوجدي وهل نمت بدمعي سوافح
وهل في ربى تلك الطلول مقيمة ... كعهدي على الأفنان ورق صوادح
سقى مدمعي الهتان فياح مربع ... تلوح به تلك الظباء السوارح
ولله مشتاق تذكر بعده ... فبات بأقداح الغرام يطارح
ومن عجب دمعي يفيض وفي الحشا ... سعير وزند الشوق وار وقادح
ولله صب حظه من أحبة ... بعاد وهجران ولاح يكافح
إذا ما دجا ليل الغرام تسهدت ... عيون لهجران الحبيب قرائح
فهل من رقاد والزمان محارب ... وقد هجر الأحباب والصبر جامح
إذا رمت كتمان الهوى باح مدمعي ... وإن الهوى العذري بالدمع بائح
يميناً بهم ما حللت عن قيد طاعة ... وهل حال عن رق عبد ومادح
فإني على عهد الوداد محافظ ... وإن وخدت بالبين عيس طلائح
ولي بين أطلال الحمى وهضابه ... فؤاد مهيم بالأجارع شاطح
أمالك رقي قل هجراً وجفوة ... إذا هجر الأحباب من ذا يصالح
رعى الله أيام التصافي وعهدها ... وأيام كنا للحبيب نصافح
وأيام عز نجتلي صفو كأسها ... هناء ولم ينجح إذا لام كاشح
بروحي دياراً قد سما برج عزها ... وطالت صحاريها وتلك الأباطح
بها خير قوم كالنجوم طوالع ... وغدران أنس بالسرور طوافح
تنوعت الأزهار في ظل دوحها ... فيا حبذا عرف من النشر فائح
وقامت بها الأغصان تهتز للصبا ... كأن غصون البان خود روادح
وفاضت عيون الجود فيها وقد زهت ... بمخضل فيحاها الربى الصحاصح
نسيم الصبا وهل نسمة من غيضها ... سحيراً وهلا من سذاها نفائح
ويا ماءها هل نهلة منك في فمي ... يداوى بها قلبي وتشفى الجوانح
ربوع ببرج المجد تسمو كما سمت ... بوصف العلي الأسعدي المدائح
أمير روت عنه المعالي فضائلاً ... وكل ثناء نحو علياه جانح
تظاهر في برج العلى نعم كوكب ... وفي بيت سعد بالسعادة لائح
إذا افتخرت الأمجاد يوماً فإنه ... على كل ذي فخر علي وراجح
غدا كفه للكف والو كف جامعاً ... فللضد أخاذ وللوفد مانح
همام تهاب الأسد صولة بأسه ... ففي العزم فتاك وفي الحزم ناجح
وفي البذل هتان وبالنصر قاطع ... وبالمجد معروف وبالرأي صالح
لقد خضع الأعدا لماضي يراعه ... فكيف إذا جاء العدا وهو رامح
إذا الخطب وافى مشكلاً أو معمياً ... فآراؤه للمشكلات شوارح
كفاني فخراً أنني من عبيده ... وقد فاخرت قبلي الرقاق الصفائح
فيعفو عن الجاني ويوسع بره ... فكنت انا الجاني ولا ذنب واضح
أمولاي إن الحاسدين تفننوا ... بذنبي ولكن أنت عن ذلك صافح
فإني وإن لم أخط جئتك تائباً ... وإن كنت ذا ذنب فأنت المسامح
ولا أبتغي إلا رضاك لأنني ... عبيد ببحر من أياديك سابح
فشأنك صفح والسماح شعاره ... وبابك باب الحلم بالعفو فاتح
إذا صح لي من الرضى بت شاكراً ... وحققت أن الدهر بالعهد فاصح
وإن حزت صفحاً مثل عهدي بحلمكم ... فما الدهر إن خصم هو أم مصالح
فلا تنكروا عبداً نشا في نعيمكم ... أتقطع إذ تجني فروع سوانح
بنو أسعد للحلم أنتم وللرضى ... وإن جنت الظلماء أنتم مصابح
وإن شحت الأنواء أنتم سحائب ... وإن دارت الهيجاء أنتم صحاصح
لعلياكم هيفاء مدح تقدمت ... وفيكم لسان الحمد بالشكر فاصح
علي الرضى خذها بحلم ومهرها ... إذا سعدت عفو وهذا المهر رابح
فلا زلت ذا فضل يلألأ فضله ... تزف بنات النظم فيه القرائح

وقال متغزلاً ويذكر بعض معاهده:
سرى النسيم بعرف من ربى الطلل ... مؤرجاً بربوع الحي والحلل
محملاً نشر أشواق تفوح لنا ... شذاء عطر شممناه على عجل
أتى فخبر عن ذات الجعود وعن ... أم الخدود وعن دنانة الحجل
جرى فذكرني يوم الوداع وما ... عهدته باعتناق الحب والقبل
يا قلب صبراً وكن منه على أمل ... من حيث قررت أن العيش في الأمل
وذات حسن عرفناها وكم ذرفت ... يوم الرحيل دميعات على المقل
نأيت عنها ودهري غير معتدل ... وسوف من بعده يأتي بمعتدل
قامت تودعني يوم البعاد ضحى ... تميس مثل اهتزاز الشارب الثمل
ثم استمرت وقالت وهي باكية ... تالله ما عشت عن حبيك لم أمل
وأشواق قلبي لذياك الحمى وإلى ... أغصانه السالبات اللب بالميل
لله صب غدا بالوجد منفرداً ... مؤرق الطرف بياتاً على العلل
وجاذبته رياح الفجر عرف أسى ... ورنحت قده الأشجان بالوجل
يا حادي الركب قف بالشط معتكفاً ... نحو الديار وعج عن أيمن الجبل
وانشد هناك عن قلبي المشوق وسل ... ناشدتك الله عن جيراننا الأول
واحبس قلوصك يا حادي وعج بحمى ... وادي الجديد ذات السح والهطل
وسائل الريح هل مرت بذي حدر ... فوق الكناس ذوات الأربع الخضل
وقف بعوجاء وادي النهر واعش إلى ... تلك الطلول ومل بالربع واشتمل
عسى تصادف من أضحى به تلفي ... ومن سباني بنبل الأعين النجل
فاشرح له حال صب ما يكابده ... من لوعة البين والتشتيت والنكل
لولاه ما بات لي جفن أريق اسى ... كلا ولا فاض لي دمع على طلل
سقاك يار بع أحبابي ومعهدهم ... دمعي صباحاً ودمع العارض الهطل
فما فؤادي سلا عن حفظ حبهم ... وعهدهم ليس لي عنهم بمبتدل
كيف السبيل إلى السلوان يا تلفي ... هذا غرامي وفيه منتهى أجلي
يا صاحبي إذا شاهدتماه غداً ... فذكراه بماضي عيشنا النفل
وبلغاه وقولا في حديثكم ... الصبر غايته أحلى من العسل

وقال متغزلاً أيضاً:
كفي فإن سحاب الجفن قد وكفا ... وأنعمي إن ما لاقيت منك كفى
ما ترحمي حال مفتون الغرام ومن ... لغير حبك يوماً قط ما ألفا
قد حن لي مضجعي عند المنام كما ... قد رق لي عاذلي عند البكا لهفا
من لي بسحارة العينين مائسة ال ... عطفين قامتها الهيفا قد حكت ألفا
لم أنس حين أتت تهتز من وله ... لدى المحب وتثني قدها كلفا
ماست بغصن علاه البدر واك ... تسبت مستشرفين من البلور فد خطفا
يا عاذليَّ دعاني فالهوى تلفي ... ولست أصغي لعذل فاتركا السرفا
وعللاني بذكراها ومعهدها ... وأطربا مغرماً في حبها دنفا
أحبابنا كيف حال العهد عندكم ... إن الفؤاد بحال الحب ما خلفا
فمن رأى لوعتي بالوجد بان له ... صدقي وجدبه عشق وقد شغفا
ولو رأى وجهك الوضاح بدر دجى ... لعاد مستتراً أو راح منخسفاً
ول رأى المزن دمعاً كنت أسكبه ... هتان من مقلتي فيضاً لما ذرفا
واستعظم الوجد صبري حين باعدني ... وسام للقلب سلواناً فما عطفا
معذبي والليالي بالهوى سلفت ... وخمر ثغر رشفناه فكان شفا
ما لذ جفني بنوم من بعدكم ... كلا وداعي الكرى بالطرف ما هدفا
لكنني والهوى قد بت ذا قلق ... أساجع الورق نوحاً كلما هتفا
هيهات ما كل ذي عشق أخي تلف ... كلا ولا كل حب بالغرام وفى

ومن غزلياته قوله:
يا مي يا ظبية وادي اللوى ... هواك لم يترك بقلبي هوى
يا هل ترى لاقيت مثل الذي ... لاقى معناك غداة النوى
أبيت أرى النجم ذا مهجة ... أضرم فيها الشوق نار الجوى
آها من البين ولوعته ... لولا النوى لم تلق صباً ثوى
واهاً لأيام مضت ذكرها ... ينشر وجداً في فؤادي انطوى
في ذمة الله حبيب إذا ... ما غاب عن عيني بقلبي ثوى
ذو قامة كالغصن مياسة ... من فوقها بدر الجمال استوى
أفديه دون الناس من شادن ... هاروت عن أجفانه قد روى
بدر إذا أسفر ريم إذا ... دنا رديني إذا ما التوى
مولع بالتيه لا يرعوي ... وخاطري عن حبه ما ارعوى
يا قمراً فارقه حبه ... ومن حميا ثغره ما ارتوى
وجؤذر يشتاق ناظري ... وإن يكن قلبي عليه احتوى
من سقم عينيك سقامي ومن ... نيران خديك فؤادي اكتوى
جد واردد النوم على مقلة ... ما سهرت قط بحب السوى
وابعث خيالاً منك يرتادني ... إذ علتي منك وأنت الدوا

وقوله:
ظبي بلبنان قد سلت لواحظه ... للعاشقين سيوف الغنج والحور
مورد الخد ساجي الطرف مبتسم ... عن الحباب وعن طلع وعن درر
في ذمة الله ذاك الريم إن له ... بين الجوانح عهداً غير مندثر
أفديه من قمر كم بن أرصده ... شوقاً له وهو في سمعي وفي بصري
لو لم يكن قمراً ضاءت محاسنه ... ما أصبحت داره تعزى إلى قمر




* منقول عن
نزهة الأبصار
بطرائف الأخبار والأشعار


جمعه
عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن درهم
المتوفى سنة 1362 هـ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى