هوشنك أوسي - عن الأدب المسرطن أتحدث

هل يمكن لكاتب او كاتبة محققين مشهورين، اقتراف الاختلاس الأدبي؟
ببساطة، نعم يمكنهما ذلك. والأمثلة في الشعر، الرواية،الموسيقى، التشكيل، السينما، كثيرة، لدرجة ان دراسة الاختلاس الأدبي دخل ضمن مناهج النقد.
وهل يدين النقد الاختلاس الأدبي؟ على حد علمي؛ نعم، أو يفترض به ذلك. وإلا، لماذا قوانين حماية الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع وما شابه ذلك؟ ولماذا تسحب الجوائز من أعمال إذا تأكد انها مختلسة!
مع ذلك، هناك جمهرة من النقاد، أحيانا "تأخذهم العزة بالإثم"؛ فيحاولون بأية طريقة كانت، ممارسة التحايل وإلباس الاختلاس لبوس الإبداع، او أقله، التماس الاعذار والمبررات للاختلاس والمختلس. شأنهم في ذلك شأن المحامي الذي يدافع عن مجرم مختلس، أذا فشل في تبرئته، يطالب بالاسباب المخففة للحكم على موكله.
قياسا على الحال تلك، طبيعي ان ينتعش الاختلاس ضمن الكتاب المبتدئين والمحققين. الفئة الأولى، ضعيفة، عودها طري، عضدها رخو، لا تقف على ارضية صلبة من شبكة علاقات عامة، تخوض المعركة بالوكالة عنها. بينما فئة الكتاب المحققين المشهورين، دائما ما يعولون على شهرتهم، ويبرزونها في وجه من يتهمهم بالاختلاس الأدبي؛ على أنهم ليسوا بحاجة إلى اقتراف ذلك، فشهرتهم ومجدهم يكفيانهم شر الاختلاس ويزيد. هذا المبرر المتهافت، ولانه عاطفي، سرعان ما يتلقفه جمهور الكاتب المشهور المختلس، على أنه سيد الادلة والبراهين، من دون إشغال أنفسهم في تفنيد ادلة الاتهام بالاختلاس، ومن نفس مصاردها.
هكذا، تبدأ معارك الدفاع عن الكاتب المشهور تشتد أوارها وسيعرها وسعارها، على أنها معركة دفاع عن الإبداع والمبدعين، يشنها الكارهون والباغضون الحاسدون...الخ! معارك يمكن أن ينزل فيها المدافعون عن الاختلاس إلى حضيض أشد خساسة من جرم الاختلاس الأدبي نفسه.
نعم سيدي وسيدتي، الكاتب الكبير، يمكن أن يقترف الاختلاس، بدم بارد، لانه مطمئن وواثق ان شهرته ربما تعمي بعض مريديه، و تلهي بعض النقاد او ترهبهم ايضا. ويمكن أن يبقى الكاتب الكبير المختلس متواريا. وإذا تمادى في الإنكار، بغير سند ودليل وبرهان يخرس الاتهام المدجج بالادلة الموجه إليه، وضيق الحال ومأزق الحجة اوصلاه الى البلطجة والعنف المعنوي واللفظي، وقتذاك، من حق ظلال الشك والشبهة ان تتسع أكثر، لتحوم حول مجمل منجز الكاتب، والمطالبة بفحص مداميك شهرته ومجده المزعوم، على أنها حصيلة اختلاسات، مغطاة بشبكة اخطبوطية من العلاقات العامة.
أتحدث هنا، عن ظاهرة تتفشى كالكوليرا والطاعون في الثقافة والفنون، إلى درجة يمكن وصف الأدب المشوب بالاختلاس بالأدب المسرطن، الذي يصار إلى نمذجته وتصديره للناس على أنه تحفة وفلتة زمانه، وحالة لا تتكرر إلا كل مئة عام.
ما أردت قوله: مساء الخير والورد



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى