علجية عيش - حديث الجمعة.. "الكيل بمكيالين"

وردت في القاموس السياسي العربي عبارة " الكيل بمكيالين" لوصف السياسات، و كانت هذه العبارة قبل أن تُعَمَّمَ و يتوسّع مفهومها استعملت في وصف السياسة الأمريكية الخارجية، و عبارة الكيل بمكيالين تعني ازدواجية المعايير، و هو مفهوم سياسي تمت صياغته عام 1912، يشير إلى مجموعة من المبادئ التي تتضمن أحكاما مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى، و قام بشرحها المفكر نعوم تشومسكي شرحا دقيقا لدى مراجعته للتنظير الثقافي الأمريكي الذي يبرر الإرهاب لحماية الديمقراطية، من باب "الغاية تبرر الوسيلة" ، إلا أن هذا المفهوم تطور و انتشر ، و أصبح كثير الاستعمال من طرف السياسيين، حيث يستعملونه في الرد على خصومهم لتبرير سياستهم الخاطئة


فمعظم السياسيين مصابون بالنزعة الشكية ، وقد جسّد (الشكُّ) في أذهانهم أصناما فكرية يعبدونها، يقول منظرون أن مثل هذه الممارسات أراد أصحابها أن يكسبوا بها تعاطف الآخر، و يجعلوا من أنفسهم "الضحية"، حتى لو ارتكبوا جرائم وحشية كان يمكن أن تحدث حربا عالمية، مثلما نراه اليوم و الصراع بين الأنظمة و ما ينسب للإسلاميين ، جعلت الكل يشك في الكل، و الكل لا يأمن للكل، و الكل يعامل الكل من منظور "الكيل بمكيالين "، و هذه الممارسات يتبناه الصيادون في المياه العكرة لتحقيق أهداف لا تخدم الصالح العام لأنهم مبرمجون على التخريب و التدمير لما له علاقة بالقيم الإنسانية و تكسير معنويات الآخر، فعندما يكون الطرف الأول يقوم بدور الحَكَمْ و الخصم في آن واحد، لا مفر من نشوء حالات انتقام يقوم بها الطرف الثاني (الضحية) دفاعا عن حق شرعي.

فالبلدان التي عاشت الحروب الأهلية قاست شعوبها كثيرا بسبب الترويج للمفاهيم الخاطئة و الأفكار الهدامة، التي تزرع الكراهية و الأحقاد، لأن طرفا ما فشل في مشروع سياسي، أو رأى خصمه انتزع منه أصواتا لأن الجماهير التفت حوله، فكان لابد من التشكيك في الاستراتيجيات و الإيديولوجيات بين مختلف التيارات سواء كانت علمانية أو إسلامية خاصة مع ظهور الحداثة و أصبح أهل التنوير يطالبون بقراءة النص الديني و تفكيكه ، ظهرت على إثرها مفاهيم و مصطلحات دخيلة و لم تكن متداولة عند العرب و المسلمين كالإسلاموية، و الإسلاموفوبيا و الإسلامقراطية وغيرها من المفاهيم، و كأن الأمة الإسلامية عادت إلى الحنبلية و الصراعات التي كانت قائمة في عصور الانحطاط ، و فتى لبن تيمية المتضمنة هدر دم كل صاحب بدعة اي كل من يخالفه الرأي، هكذا كان المشهد السياسي ، الذي رسم صورة للعنف وما الاغتيالات التي وقعت في البلاد العربية راح ضحيتها رجال سياسة و عسكر و علماء و مفكرين و مثقفين لخير دليل، على كيف كانت تسيّر الأمور بثقافة " الكيل بمكيالين".

إن هذه الجرائم و الحروب و الثورات التي وقعت في العالم الغربي والعربي جعلت الناس يشكّون في كل كبيرة و صغيرة ، و يعتقدون أن كل ما ينشر من خطابات و انتقادات موجه إليهم، يرى البعض أن السبب راجع لكوننا لا نحسن مخاطبة الآخر، و لا زال البعض لا يفرق بين "التّعْمِيمِ و التّشْخِيصِ"، فأن يناقش المرء فكرة ما مثلا عليه أن يستعمل عبارات دقيقة و يعمم و لا يشخص، لأن هناك عبارات يفهمها الآخر بالنقيض، خاصة بالنسبة للعرب، لأن اللغة العربية ثرية في مفرداتها، و الكيّس الفطن يعرف كيف يوجه انتقاده، لأنه لا يتعامل مع محيطه الإقليمي فقط بل بشكل موسع وممتد ، و هذا لأن التكنولوجية قربت الشعوب، و حولت العالم الى قرية صغيرة.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى