علجية عيش - ندوة أكتوبر كانت لحلّ القضيّة الجزائريّة عبر المُفَاوَضَات

ندوة أكتوبر كانت لحلّ القضيّة الجزائريّة عبر المُفَاوَضَات
سِرُّ المباحثات التي دارت بين الجنرال ديغول و الحبيب بورقيبة بخصوص القضية الجزائرية
(اختطاف القادة الجزائريين الخمس كان لإفشال ندوة تونس)
-----------------------------


لم تترك فرنسا الفرصة لإجهاض أي مخطط يخدم القضية الجزائرية و مساعي الدول في الإعتراف بها، فراحت تنشر الإشاعات لتأخير مناقشة القضية الجزائرية في الأمم المتحدة و القائلة بوجود مفاوضات سرية بين الجزائر و الولايات المتحدة، في الوقت الذي تحاول فيه إخفاء ممارساتها القمعية من تعذيب و تقتيل ضد السكان، و يذكر بعض الباحثين مساعي فرنسا في إنشاء حلف البحر الأبيض المتوسط و لكن المشروع قوبل بالرفض، خاصة بالنسبة للحكومة التونسية بقيادة الحبيب بورقيبة التي وقفت إلى جانب الجزائر، و قدمت لفرنسا تنازلات من أجل استقلالها

ارتبطت الجزائر بجيرانها من الشمال الإفريقي، فمنذ عهد نجم شمال افريقيا و حتى اندلاع الثورة الجزائرية ، أعطت حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية بعدا مغاربيا لكفاحها السياسي إيمانا منها بوحدة نضال الشمال الإفريقي، و تحقيق وحدة شمال إفريقيا في إطارها الطبيعي العربي الإسلامي، و كان موقف جبهة التحرير الوطني أن الحركات في الجزائر و تونس و مراكش ماهي إلا تعبيرا عن وطنية إفريقية الشمالية، و ستحاول الثورة الجزائرية الوصول إلى وحدة الكفاح ضد سياسة فرنسا في الشمال الإفريقي، الرامية إلى التفاوض مع تونس طمعا في إخضاع ثورة الجزائر، كان اجتماعا قد عقدته الكتابة العامة للمغرب الكبير في 15 أكتوبر 1958 بالرباط، حضرها ممثل عن المغرب و تونس، أما الجزائر فقد مثل جبهة التحرير الوطني كل من أحمد بومنجل و أحمد فرنسيس، و كانت أهم نقطة أدرجت في جدول أعمال الندوة تطور القضية الجزائرية بعد إعلان الحكومة المؤقتة و مضاعفة التعاون بين شعوب و حكومات المغرب العربي، كان مؤتمر طنجة الذي انعقد في أفريل 1958 قد رسم مضمون واضح لوحدة المغرب العربي بإنشاء وحدة فدرالية بين الأقطار الثلاثة، لكن المشروع واجهته عدة عراقيل و لم يعرف سبيلا إلى التطبيق، خاصة بعد مجيئ ديغول بسياسته التقسيمية.

و ليس من السهل أن يتنكر أحد للجهود التي بذلتها دول المغرب العربي و بخاصة تونس أيام الرئيس لحبيب بورقيبة ، و ما قدمته من تنازلات من أجل القضية الجزائرية ، و في مقدمتها التنازل على مدينة بنزرت السياحية لفائدة فرنسا، رغم أنها تحتل موقعا استراتيجيا، مقابل الاعتراف بحق الشعب الجزائري بتقرير مصيره و وضع حدا للحرب الجزائرية، لم تقبل فرنسا بالعرض الذي تقدم به بورقيبة، فاضطر هذا الأخير إلى تدويل القضية الجزائرية و التوصل إلى مفاوضات بين الحكومتين الفرنسية و الجزائرية بقيادة فرحات عباس و كريم بلقاسم، كما عقد اجتماع بين فرحات عباس و الرئيس بورقيبة بحضور لخضر بن طوبال و عبد الحميد مهري، و خرج المجتمعون بمشروع إنشاء وحدة تونسية جزائرية، و ذلك في إطار التنسيق التونسي الجزائري.

و بالنظر إلى ما قامت به الحكومة التونسية من دعم للثورة الجزائرية بقيادة الحبيب بورقيبة، إلا أن هناك رأي آخر مناقض للرأي الأول، إذ يرى أن الموقف السياسي للحكومة التونسية لم يرق إلى مستوى أهداف و مبادئ الثورة الجزائرية، نظرا لإختلاف التوجهات السياسية و تباين طبيعة القضية الجزائرية من طبيعة القضية التونسية، و قال بعض الباحثين أن المشكل الجزائري في نظر الحبيب بورقيبة ينم عن تجاهل لحقيقة الثورة الجزائرية، إذ لم يكن بورقيبة يسلم بأن الجزائريين أدرى بخلافاتهم و أعرف بحلول قضيتهم، خاصة و أن بورقيبة أنه حاول تسوية المشكلة الجزائرية في إطار الجامعة الفرنسية-الشمال افريقية، التي تمخضت عنها ندوة تونس، كان بورقيبة و محمد الخامس ياملان في عقد لقاء ثلاثي، لكن كانت النتيجة القرصنة الجوية للطائرة المقلة للزعماء الجزائريين الخمسة و هي في طريقها إلى تونس، و فيها تم اعتقال أحمد بن بلة و رفاقه، و على إثرها قامت احتجاجات شعبية عارمة في تونس، و لجأت الحكومة التونسية إلى استدعاء سفيرها في باريس.

لم يقف الجنرال شارل ديغول موقف المتفرج و هو يتابع تحركات الدبلوماسية التونسية لنصرة القضية الجزائرية، خاصة بعد البرقيات التي كان الحبيب بورقيبة يرسلها للأمين العام للأمم للمتحدة و رؤساء الدول بالتركيز على الولايات المتحدة لشرح تطورات القضية للجزائرية، فقد قام بدعوة بورقيبة لزيارة فرنسا، و التقى الطرفان، و دارت بينهما مباحثات و مشاورات، و في رده على بورقيبة عندما طالبه هذا الأخير بالتخلي عن الغرور و الكبرياء و الدخول في مفاوضات مع الحكومة الجزائرية و الإفراج عن أعضاء الحكومة الجزائرية المؤقتة الخمسة الذين قدموا للمشاركة في ندوة تونس، و غلق المحتشدات قال ديغول: إذا لم يتسن التعايش بين العرب و الفرنسيين بعد التحرير فإنه مستبعد إجلاء الأوروبيين و الفرنسيين، و مما لا شك فيه أن اختطاف القادة الجزائريين الخمسة كان بهدف إفشال ندوة تونس التي انعقدت في قصر السعادة بالمرسى في شهر أكتوبر كما تم ذكره آنفا، و القضاء على الثورة الجزائرية، رغم أن الندوة كانت بموافقة فرنسا، و قد نددت جبهة التحرير الوطني بقوة ضد إيقاف القادة و طالبت برد فعل إيجابي و حاسم و إقرار السلم و الأمن في الشمال الإفريقي، و هو ما أكده أحمد فرنسيس في تصريح له بأن الجزائر جزء من شمال إفريقيا و إفريقيا وحدة لا تتجزأ، و قد أعرب عن أمل الجزائر في إنشاء اتحاد فدرالي لدول شمال إفريقيا، علما أن الندوة تمخضت على نتائج ذات أهمية لربط المصير المشترك بين الجزائر وتونس و المغرب و توثيق روابط الدين و الثقافة و التاريخ و المصير المشترك.

لقد أعطت ندوة تونس القضية الجديدة دفعا جديدا، المشار هنا أن فرنسا ارتكبت جرائم بشعة في حق الشعب الجزائري من قتل و تعذيب و لم تكتف بذلك بل قامت بهدم سكناتهم، و اغتصاب أراضيهم، و تهجيرهم ، و الحقيقة أن مأساة اللاجئين بدأت منذ 1955 بعد إنشاء المناطق المحرمة، و ما تزال قضية اللاجئين مطروحة و لا تنزع منها الضبابية إلى اليوم ، تشير الأرقام أن عدد اللاجئين الجزائريين يتراوح بمئات الآلاف موزعين بين تونس و المغرب، و قد عانوا آلام التشتت و الضياع بسبب الإجراءات القمعية التي تعرضوا لها من قبل الفرنسيين، بيوم واحد بعد مجزرة 17 أكتوبر 1961 عندما خرج الجزائريون في مظاهرات سلمية تنديدا بقرار فرنسا المتضمن حظر التجول على الجزائريين في باريس عام 1961 ، كانت لرئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس لقاءات مع رؤساء الدول و منهم ليوبولد سنغور رئيس السينغال، و كان هذا الأخير قد قام بزيارة إلى تونس بحضور سعد دحلب و أمحمد يزيد تناول الطرفان المفاوضات الفرنسية الجزائرية، و الملاحظ أن تدخل تونس يدخل في إطار وحدة شمال افريقيا، و التي تضم تونس، المغرب و الجزائر.

قراءة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى