إبراهيم محمود - السلْم أداة استثناء بالحرب "شذرات"

أتحدث عن الحرب، لأنها في كل مكان بشكليها الصامت والصائت. ثمة سلْم يلح علي بذلك. إنه يختبئ خلفي. ها هي الحرب تتربص بي ساخرة.
***
بالكاد أتذكر السلْم، لأن الحرب خارج الذاكرة. لأنها لم تُنس ليجري تذكرها. هكذا يقول سجلّها!
***
سمّيت اللغات في حالات حرب، وهي تطلق أسماءها على الطبيعة وموجوداتها.لتعرف كيف تصل إليها، وتنال منها. ليس من لغة بريئة، جديرة بنوْل براءة ذمة باسم سلْم ما.
***
الآلهة التي قرّرت بأسمائها البشرية، تعيش في الأعالي. إنها تنتشي على رائحة الدماء المسفوكة للبشر الذين زعمت أنها وراء خلقهم. وهي لا يدخرون جهداً في عبادتها ، والتفاني من أجلها.
***
من فجر التكوين( أي حيث كانت الحرب قائمة ) أشيرَ إلى " الحرب العادلة ". يا لها من فكرة سخيفة. كل الحروب خاسرة. اسألوا أباطرتها، منظّريها، فقهاءها، دعاتها والمسبّحين باسمها، يأتكم الجواب.
***
كان السلم، ولا يزال كائن الوجود الأخرس، يعيش على الهامش. أعطيَ لساناً لتسخّره الحرب.
***

السلم ليس مفهوماً. الحرب هي المفهوم، بل إنها مفهوم المفاهيم، جرثومتها.وما يخص التشريعات، الدساتير، الاتفاقيات، المعاهدات، البروتوكولات السياسية، والقوانين، فهي لا تعدو أ، تكون تحت رعايتها، حيث القوة العرابة لكل ذلك .
***

الحرب التي ينظَّر فيها. الحرب التي يجري تصويرها. الحرب التي تتم فلسفتها. الحرب التي يتم وصفها...إلخ بدعوى تقريها من الأذهان. لكنها في أصلها متجذرة في الأذهان. وكل تعبير تأطير لها، ومحاولة تأكيد حداثة ما لها. إنها الطبيعة التي تقول ذلك. وهل نحن نتنفس خارجها ؟
***
أمام عينيّ الإله، كانت الحرب الأولى، حيث قتل قابيل هابيلاً. آدم لم يعترض. لأن قانون الحرب ساري المفعول. حوّاء، خارج لوحة التكوين العيانية. هوذا قابيل الذي ننسَب إليه. مدشن لحظة الحرب الأول بشرياً . آدم يندب ذرّيه. وحواء تلطم روحها لا حول لها ولا قوة .
***
بمجرد أن تقول: أنا مسالم، حتى تنكشف المفارقة، وهي أنك تعيش رعب الحرب من الداخل. أنك في أي لحظة تستحيل جندي حرب، أو ضحيتها .
***
الحروب هي التي تسمّينا. أما السلْم فسجلّ نفوس خانق .
***
المقهور، ذاك الذي تجرّحه الحرب، ويعجز عن إدانتها مباشرة. المهدور، يقيم في رحى الحرب. المضطهَد ملاحَق بالحرب حيث يكون.
***
يتحدثون عن " الجندي المجهول " أي عن الحرب التي لا تفارق الذاكرة الجماعية للبشر.
***
الحرب، في بنيتها، اسم ممنوع من الصرف. إنها أوتوقراطية اللغة التي تستبد بالبقية وما أكثرها.
***
فتّش عن السلم. أنت في هيئة محارب. أما الحرب، فلا يفتَّش عنها. لأنها موجودة أنّى تلفت.
***
وجِدت الملاحم البشرية وهي تمجّد الحروب الداخلية والخارجية. كل ملحمة تقوم على فكرة أن " العدو " هنا، وترسم أبطالها. وتعظّم قيمها، وكلها تستنزف دماء .
***
مفهوم " الثقافة " جميل في واجهته، ما أن تباشر بطرق بابه، حتى تُسمَع أصوات المعارك، وصراخ الداخلين فيها، وعويل الطبيعة الصامت .
***
الحب! يا للوهم الكبير. داعية الحب، هو أكثر من يعلَم بخلفية ما يعنيه. أي التضحية من أجل آخر مجهول. لكنه من لحم ودم.
***
وجِدت السياسة، ليس لفتح طرُق في الحياة، وإنما لتبرير إعاقة السير فيها .
***
أقول " أنا " وتقول " أنا " لا بد أن يكون " أنت " منذوراً ليكون ضحية حرب ما .
***
الأرشيف المتعلق بالأديان، يتضمن أكثر من غيره، كل ما هو مروّع، جرّاء حالات القتل، التصفية، الاستعباد، دفاعاً عن أحقية ليس كل دين في احتواء سواه، إنما من يدعي تمثيله ضد قريبه المباشر، بدعوى أنه الأكثر معرفة به . كما تقول مذاهبه، والتاريخ شاهد على ذلك.
***
أنا مفلس لأن حرباً قائمة جرّدتني من كل ما يسمّيني، أو خضتها لأجرّد سواي من كل ما يسمّيه.
***
السياسة في خدمة الحرب! الحرب لا تفصلها عنها، خدَمية، إنها لسانها السليط، ويدها الضاربة. إنها ذاكرتها التي تجعل التاريخ في أغلبه رهينتها .
***
يقيم السلم دائماً على الهامش" الحافة " ولهذا يتعرض لانزلاقات دائمة.
***
السلم مخصص بالوجبات السريعة، أما المآدب الكبرى، فهي محجوزة دائماً للحرب .
***
يتحدثون دائماً عن تجار الحروب.فتّش عن أسواق السلْم تجدهم بكثرة.
***
كل المناسبات المعتبَرة قومية أو وطنية، لا تعدو أن تكون تذكيراً بحروب سابقة، وإمكان تجددها لاحقاً، ليكون المعنيون على أتم استعداد لخوضها باسم المعتبَر " وطناً ".
***
من السباقات الرياضية، إلى المهرجانات الثقافية وسواها، والمنافسات الاجتماعية، هناك دائماً ما يشير إلى الحرب. إنها معقودة، ومحتفى بها،في محاولة تجنب الحرب.
***
وجدت القلاع، الحصون، ومن ثم المدن الكبرى، لتحيل الخارج إلى ساحات نزال، ساحات حروب لها، وتعزل نفسها عن الخارج .
***
فكرة " الحدود " في جوهرها، من مبتدعات الحرب. فعلى الجانبين تقوم الخنادق المستعدة لإطلاق نارها أو تبادل النيران في أي لحظة .
***
السلْم دائماً، مجهول الإقامة. بينما الحرب، فليس من داع لأن تسأل عنها. فكل الأمكنة معلومة بها.
***
يتحدث البشر وهم يرفعون أصواتهم، وهم يزعقون، وهم يصيحون، وهم يحرّكون أيديهم وأرجلهم. يا للحروب الطاحنة لحزة النظر في مؤثراتها الداخلية .
***
فكرة العرس غبية جداً، لأنها، كما يقول التاريخ أكثر من غيره، تقوم على كيفية تحويل العروسين إلى منجبي مواليد والدفع بهم إلى حرب منتظرة، ومن يرقص هو السلّم .
***
الفلاسفة والمفكرون الذين يعرَفون في التاريخ، كان دأبهم، كما تقول كتاباتهم، يسعون إلى كيفية إحلال السلام. ولكن الحرب كانت ملهمتهم. في أي حال عصبية، كانوا يسطّرون أفكارهم، يا تُرى؟
***
السلام: السلْم العالمي! هل رأيتهم عبارة أكبر سخفاً من هذه؟ لقد وسّعت ساحتها، وأطلقت بمفهومها الضال والمضلّل، للتمويه على قائمة الحروب التي شهدتها وتشهدها البشرية. ربما كان الحديث عن السلام: السلْم المحلي، أكثر حسّية. ما هو في المطلق مشرّح حرب مروّعة .
***
ننام في بيوت لها أبواب موصودة، لأن تفكيرنا في الخارج الواسع حيث يكون الخطر، خطر الحرب، أي حرب قائماً في أي لحظة .
***
الحديث عن الضواري، وسباع الطير، أكبر منصة أخلاق اصطنعتها البشر لإطلاق الأكاذيب التي تكيل المديح للإنسان " الأعزل " " البريء" غير" الوحشي " وللستر على فظائعه. فالفاتك الأكبر بالطبيعة وموجوداتها، كائنات نباتية وحيوانية هنا هو الإنسان نفسه .
***
لا أدري كيف أسمّي المرأة؟ بوصفها ضحية حرب الرجال، أم خدعة تاريخية كبرى،وهي المقرَّرة ضعيفة، هشة، لتُنسَب إليها أشكال شتى من الأوصاف ذات الصلة بحرب الرجال؟
***
أتحدث عن الحرب دائماً، أبحث دون جدوى عن فرصة لالتقاط الأنفاس، والحديث ولو وقوفاً عن السلْم. أنا مشغول بالحرب إلى درجة، أنني ما أن أفكر في السلم، حتى تستدرجني الحرب إليها.
***
الإنسان " حيوان " موهوب في فنون مختلفة. لكنه مدفوع إلى ساحة التنافس مع غيره. بمقدار ما يستثمر موهبته في التفوق على غيره، يثبت جدارته ليحصّل المكافأة. يا للحرب المدمّرة!
***
المتباهون بأنفسهم، وما أكثرهم، طالبو المديح من غيرهم، وما أكثرهم، المتغطرسون، وما أكثرهم، استعراضيو القوة، وما أكثرهم.. إنهم هم هؤلاء الذين يسوسون المجتمعات، ولو بتفاوت، ويبقون الحرب دائرة !
***
يمكن الحديث عن البورصة. كل الحروب القذارة تدار من هناك. يمكن الحديث بالمقابل عن بورصة القيم في المجتمع، عن بورصة الكتابة، عن بورصة الثقافة بأمكنتها وأعلامها. أرأيت إلى أي مدى وكيف تخصَب الحرب، ويجري التنويع فيها؟
***

وللحرية حمراء باب بكل يد مضرجة يُدق. الحرية شجرة تُروى بالدماء. لا أفظع من عبارات تشجّع على تبرير العنف الدموي، والتهيئة المستمرة للحرب. أي معنى للحرية التي تصطبغ بالدماء هنا؟
***
تأكيد أن الإنسان مشغول بالحرب، ومفتون بها، بما لا يقاس، من خلال هذه الأدوات، الوسائل، التقنيات الرهيبة التي أوجدها أباطرة المال للحروب، والتهديد والقتل، جهة الأسلحة ونوعياتها.
عالم اليوم شاهد على أن إنسان اليوم، ربما يبز سلفه بالأمس، مقارنة بما يزعمه أنه قدَّم إنجازات كثيرة ووسائل ترفيه ومتع غير مسبوقة ..
***
السلْم مذ كان، وإلى الآن يعيش في ذمة الحرب. لكم جرى تشويه هذا البائس الذي اسمه" السلم "!
***
أن تكون الحرب هي القاعدة، والسلم هو الاستثناء، لستُ القائل بذلك. إنما المعيش اليومي.
***
أعدُك يا نظيري الإنسان، أنني سأبذل قصارى جهدي في أن أتمالك نفسي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وألا أسيء إلى أحد، أن يكون السلم نصب عيني. أم عن مدى الالتزام فهذا شيء آخر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى