لينا شدود - ابنة الماء..

ــ أنا ابنة الماء،
بالأحرى كنت نهرًا،
لكن إله الماء والهراوة في يده،
حكمَني بأن ضفة واحدة تكفيني.
لم أتمكن من طلب يد العون من أحد،
ولا من تقديم الأضاحي.
أفتقد ضفتي الثانية.
ــ حينما كشفت لي النار عن عنقها العاري،
تحسّسته وجلة.
كم بدتْ مغلوبة بوجهها المدمّى،
وهي تٌجسّد أمامي صغارها..
ما بقي من صغارها.
لمّا ودَع سعارها تركتها تشرب من مائي،
وبعدما ارتوت فردَتْ لي نارَها
لأقطعها آمنة.
ــ من يأخذ بيد ناري المُنهَكة،
وهي تصرخ جوعًا،
وتدقّ على الأبواب الموصَدة،
مجروحة، تائهة، تناور
كي لا تفنى.
ــ نار تنسلّ من نار،
تجمع نثارها لتصير ضياء،
ومن ثم تعود لترتجّ داخل النار،
وهي تنفخ من شواظها على
نيران أخرى كانت تكافح بلا هوادة،
وتتجمّع في الأعالي،
عيونها المخيفة مشدودة إلى نار أقوى..
من دم، وأعمدتها من نار.
ــ يا برهان النار ..
يا نار البشارة والنور
عمّديني في هيكلك،
أنا من ذريتك الخالصة،
حتى أنني صرت ألتهم حلقات نارك بحرفة نادرة،
كدرويش استبدل ذاكرته بذاكرة من نار،
فخطا على جمركِ راضيًا،
أو كإلاهة النار المقدّسة "فستا"،
وهي تبارك نيران العالم.
ــ كلّ هذه الزهور فوق التلّة وعلى المنحدر
هي قصائدي..
رسائلي البديلة إليكم.
بقع الأسى على تويجاتها غير مرئية.
سأهديها يومًا إلى المجانين والسحَرة،
والمعذبين والميتين جوعًا.
صنعتها من خميرة الكون السخيّة،
من تراب ونور وماء نهر ينعطف خجولًا أمامي،
ولا يضنّ بمائه.
زهور تحدّق في الشمس ولا تنكمش،
كمن يخترق النار ولا يحترق.
زهور متأخرة
زهور مبكرة.
قلوبها الآخذة في النضج قصائد حيّة..
تبالي بكم.
ــ كانت تهزّ رأسها متذمرة
وهي تكنس الزهور على
الأرصفة المظلّلة.
زهور أفلتت من قيودها لتموت
شيئاً فشيئاً، تموت.
هي الآن في الرّمق الأخير من التذكّر،
بأسى تعوم في صور تتهاوى،
لتصير تحت وطأة
سماء مستوحشة..
سماء محايدة؟
عن وعي أو دون وعي
تغمرني وأغمرها بنظرات الشفقة.
قدماي في الفخ،
لم أسعفها،
ولم تسعفها عبقرية الحياة التي كانت تلوّنها،
تركَتها تهوي وتموت.
كان عليّ ..
كان عليها ألّا تفعل.
ــ سيحلّ الليل هنا عمّا قريب،
وستخترقني وحدة الجبال الرهيبة
بسكونها الثلجي.
الأسوار الرهيبة تحجب عني زعفران الأفق،
وتغيّر وجه الشارع الذي أعرفه.
حشود تهبط، وحشود تصعد،
ولا شيء في ذاكرتي سوى أغنية قديمة أرددها،
وأنا أبذل جهدًا كيلا أهوي وحيدة
في قعر هذا الليل.
ــ من نوافذهم الضيقة
بإمكانك أن ترى أن النار لم تخمد في مواقدهم بعد.
كانوا نائمين ملء جفونهم،
حينما أطلقت الطيور صرخاتها الفَزعة،
وحينما شخصَت فزّاعات الحقول
إلى جهات الخوف..
إلى جشع الظلال السود وهي تطأ الأفق،
وتقلّب الأبراج ناهرةً الفجر.


لينا شدود




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى