الكاتب والفنان رياض محسن المحمداوي - الملحن العراقي الراحل محمد نوشي رائد الحداثة في الاغنية الريفية والبغدادية..

إنَ الغناءَ العراقيَ وانطلاقتهُ في أواخرِ الأربعينياتِ وظهورِ الأغنيةِ البغداديةِ التي قدمتْ للساحةِ الفنيةِ أصواتَ كبارِ الفنانينَ والفناناتِ . وكانَ لهذهِ الفترةِ دورها الكبيرَ في تطورِ الأغنيةِ العراقيةِ بشكلٍ عامٍ . كانَ وراءهُ عددٌ منْ المبدعينَ الموسيقيينَ منْ الملحنينَ الذينَ لا يمكنُ نسيانَ دورهمْ الواضحِ ولمساتهمْ الكبيرةِ أمثالَ يحيى حمدي وناظمْ نعيم ومحمدْ عبدِ المحسنْ وعلاءْ كاملٍ ورضا علي وأحمدْ الخليلِ وعباسْ جميلٍ . ومنْ هؤلاءِ الكبارِ برزَ ملحنٌ أتخذُ لونا بهيا كانَ متجددا بألحانهِ . أمهُ الفنانَ والملحنَ القديرَ محمدْ نوشي الذي تمكنَ برشاقةٍ متناهيةٍ أنْ يجمعَ بينَ الغناءِ بشكليهِ الريفيِ وغناءُ المدنيةِ المتمثلِ بالأغنيةِ البغداديةِ ليقدمَ أجملَ الألحانِ وأكثرها استقرارا في الذاكرةِ العراقيةِ .
ويعتبر الملحنُ والفنانُ الراحلُ ( محمدْ نوشي ) رائدا منْ روادِ الأغنيةِ البغداديةِ والريفيةِ العراقية . تركَ بصماتهِ على جيلٍ كبيرٍ منْ المطربينَ والمطرباتِ في فترةِ الخمسينياتِ والستينياتِ والثمانينيات ولاتزال الحانه يتغنى بها العراقيين.
ولدُ الملحنِ الفنان محمدْ نوشي في مدينةِ بغدادَ في منطقةٍ الكرادة عامَ 1935 وفي فترةِ الخمسينياتِ منْ القرنِ الماضي ساهم بعض الملحنينَ المبدعينَ في تطوير الأغنيةَ العراقيةَ بطابع مميز من خلال نقلها منْ الشكلِ القديمِ المعتمدِ على المقامِ إلى الحداثةِ اللحنيةِ التي واكبتْ تطورَ المجتمعِ العراقيِ .
وكانَ الملحنُ محمدْ نوشي منْ أبرزِ ملحني تلكَ الفترةِ . اعتمدَ نوشي على مزجِ اللحنِ الريفيِ معَ الإيقاعِ الشعبيِ البغداديِ وانتج بذلك اغنية تحاكي الشارع بلهجته الشعبية السلسة التي استطاع من خلالها ان يرسخ الحانه الوجدانية وايجاد لون شعبي فيه من الحداثة السلسة والوجدانية وقد نجح بتجربتة الثنائي مع المطرب سعدي الحلي الذي استطاع طرحه للجمهور من خلال الحانه . فخلق له قاعدة جماهيرية واسعة عشقت هذا اللون الجديد من الغناء الوجداني وانتشاله من الشعبية الريفسة الى الشعبية العامة.
أكملَ الملحنُ محمدْ نوشي دراستهُ الفنيةُ على آلةِ العودِ في معهدِ الفنونِ الجميلةِ بالإضافةِ لانشغالهِ بعملِ آخرَ خارجَ عالم الفنِ . فقد عملٌ في فترةِ الثمانينياتِ في لجنةِ فحصِ وتقييمِ الأصواتِ الغنائيةِ معَ ملحني كبارٍ في لجنةٍ شكلتْ في إذاعةِ بغدادَ وخضعتْ أصواتُ مغنينَ عرفوا فيما بعدُ كمغنينَ لاختبارِ هذهِ اللجنةِ مثلٍ رياضْ أحمدْ وحميدْ منصورْ وصلاحْ عبدَ الغفورْ وغيرهمْ منْ جيلِ مطربي الثمانينياتِ . كما عملَ في إعدادِ برامجَ إذاعيةٍ عنْ الريفِ العراقيِ وعنْ الأصواتِ الريفيةِ ، وكونَ فرقةَ مطربي الريفِ يذكرُ الملحنُ محمدْ نوشي في أحدِ لقاءاتهِ الصحفيةِ بأنَ المطربينَ الروادَ العراقيونَ في فترةِ الخمسينياتِ والستينياتِ كانوا يمتلكونَ إمكاناتٌ صوتيةٌ تمكنهمْ منْ النجاحِ والانسجامِ معَ اللحنِ ولمْ يعتمدوا على الإمكاناتِ الماديةِ . أغاني طربيهْ مشهورةً لحنها الملحنُ محمدْ نوشي لكبارِ المطربينَ والمطرباتِ : منهم المطربةُ الكبيرة الراحلة سليمة مرادْ منْ كلماتِ الشاعرِ عبدَ الكريمْ العلافْ أغنيةً " أريدُ أوصفهُ لحبي.. اما المطربة عفيفة إسكندرْ .. لحنُ لها أغني .. على مهلكٍ .. وأغنيةِ ياحبايبْ هلهولة وأغنيةُ هزي تمرُ يا نخلةٌ وأغنيةُ الروحِ روحيٌ للمطربة هيفاءْ حسينْ ..
ويصفُ الملحنُ محمدْ نوشي صوتُ هيفاءْ حسينْ .؟ كصوتٌ محدودٌ الإمكانياتِ . وقد لحن للمطربةِ مائدةً نزهتْ ..جربَ حظكَ وأغنيةُ حبي وحبكُ ما يتغيرُ وقصائدَ مغناةً لبرامجَ إذاعيةٍ .كما لحن أغنيةٌ ياحنهُ ماخليجْ للمطرب حسينْ السعدي .. كما لحن أجملَ ألاغاني للفنان الكبير المطرب سعدي الحلي والتي لاقت شهرة شعبية كبيرة في العراق ودول مجاورة اذكر منها ..أغنيةَ عشكَ أخضر وأغنيةَ ليلةٍ ويومٍ . كما لحن للمطربةِ وحيدةٍ خليلْ أغنيةَ هذا منو دكْ البابِ وأغنيةِ سبحانَ الجمعنْه بغيرِ ميعادِ واغنية بحفظكَ ربي يتيمةً.
ويصفُ صوتُ المطربةِ وحيدةً خليلْ بكونهِ صوت عميقٍ ورخيمٍ .و صوت المطربةُ لميعة توفيقُ من اجمل الاصوات التي تمتلك بحة جميلةُ في صوتها وقد أبدعَ في تلحينِه لها أغنيةِ هذا الحلوِ قاتلنني يا عمةُ والتي أخذتْ هذهِ الأغنيةِ حقها منْ الانتشارِ عربيا وإقليميا بعد سنواتٍ طويلةٍ منْ غنائها بصوتٍ لميعة توفيقُ فقدْ أدتها مكادي نحاسِ المغنيةِ الشاميةِ والمغنيةِ المصريةِ أنغام ، كما غناها الأتراكُ أيضا وأغنية أخرى للميعة توفيقُ هذا منهو دكْ البابِ .. وللحديثِ عنْ لحنِ أغنيةِ هذا الحلوِ يا عمةٌ فهوَ أولُ لحنٍ قدمهُ محمدْ نوشي في مسيرتهِ اللحنيةِ سنةَ 1954 ، وقدْ غنتهُ المغنيةُ المصريةُ أنغام في حفلٍ خليجيٍ لكونهِ أقرب إلى اللونِ الخليجيِ منْ اللونِ المصريِ فنالَ استحسانُ الجمهورِ في الخليجِ ، والأغنيةُ منْ كلماتِ الشاعرِ إسماعيلْ جودتْ وقدْ وقدْ أصبحتْ أغنيةٌ عالميةٌ ، حيثُ غناها أكثرُ منْ عشرينَ مطربا منهمْ : الأتراكُ
واللبنانيونَ ، حيثُ إنها منْ مقامِ اللاميِ الذي يمكنُ عزفهُ على جميعِ الآلاتِ الموسيقيةِ لخلوهِ منْ ربعِ التوتْ الشرقيَ .
وقد لحن للمطربِ فؤادْ سالمْ أغنيةُ.. نودع عيونُ الحبابي و للمطربِ يأسَ خضرْ أغانيَ كثيرٍ اخرها بعنوانِ.. كبرنهُ والعمرُ ضاعَ منْ أدينهُ كما لحن للمطربِ الريفي عبدَ الصاحبْ شرادْ اغنية سفرتكمْ لتطولوها واغنية تتندمَ و يأسفانهْ.. كما لحن للمطربِ فاضلْ عوادْ أغنيةً عالشاطئُ التمن .. كما قدمَ لإذاعةِ بغدادَ ثلاثَ قطعٍ موسيقيةٍ ، هنَ ( سندسٌ ) ، و ( زبونهُ ) ، و ( عيونُ النغمِ ) وهذا بعضٌ منْ أعمالهِ اللحنيةِ فالملحنُ محمدْ نوشي كانَ غزيرا الإنتاجَ وكثيرَ الإبداعِ ولمْ تقتصرْ ألحانهُ على الأصواتِ العراقيةِ بلْ تعداها إلى المطرباتِ العربياتِ .
ومن ذاكرة احد المقربين يقول :
في النصفِ الأولِ منْ القرنِ الماضي ، أواسطَ الخمسينياتِ كانَ دارنا مقابلِ دارهمْ ، وقدْ سمعتهُ في أحدِ الأيامِ وهوَ يغني وعلى العودِ بمناسبةِ زفافِ عندهمْ في البيتِ واستمرَ لساعاتٍ . كانتْ مهنةُ الملحنِ محمدْ نوشي هيَ الخياطةُ منذُ مقتبلِ شبابهِ ، وكانَ لهُ محلهِ يقعُ في شارعِ الرشيدْ بالقربِ منْ بدالةٍ السناكْ في بغداد . وكانَ في أغلبِ الأوقاتِ يمسكُ العودُ بيدهِ خلفَ طاولةِ الخياطةِ . يقو سالته في اواخر ايامه سؤالٌ وجهَ إليهِ ، أينَ أغاني اليومِ منْ أغانٍ الأمسِ ؟
أجابَ ، بالأمسِ البعيدِ كنا نأخذُ الأغنيةُ منْ المؤلفِ ونعيشُ معَ كلماتها عدةَ شهورٍ ونقومُ بتحفيظها للمطربِ علي آلةَ العودِ . فلمْ يكنْ حينها قدْ انتشرتْ بعد أجهزةِ التسجيلِ أوْ الأستوديوهاتِ المتطورةِ وكانَ نتيجةَ ذلكَ أنَ الإذاعةَ لمْ تكنْ تمتلكُ أغانيَ زهورْ حسينْ التي كنتُ قدْ لحنتها في الخمسينياتِ وقدْ حصلتْ عليها منْ زملاءَ كانوا يمتلكونَ أجهزةُ تسجيلٍ . ويذكرَ عنْ كتابِ الأغنيةِ العاطفيةِ وعلى الشعراءِ التركيزُ في مجالِ القصيدةِ المغناةِ ، للحاجةِ إلى انتشارها منْ المحليةِ إلى العربيةِ . ويأتي إلى دورِ المغني في تردي الأغنيةِ ؟ وذكرَ أنَ أغلبَ المغنينَ يفكرونَ اليومُ بتقديمِ أغاني الحفلاتِ . يطلبونَ ألحانا على وتيرةٍ واحدةٍ وايقاع واحد لأطعمَ لها ولا لون . ويطلبونَ اللحنَ السريعَ الإيقاعاتِ السريعة ، وما يعرفُ باللحنِ الخفيفِ !
وعنْ مسيرتهِ الفنيةِ وتقسيمها إلى المراحلِ التاليةِ : • ? فترةُ الخمسينياتِ تميزتْ ألحانهُ بالنكهةِ البغداديةِ الأصيلةِ ولحنَ خلالَ ستِ سنواتِ 30 لحنا . • ? اما فترةُ الستينياتِ . بدايةَ النضوجِ وألحانهِ كانتْ مستمدةً منْ الأغنيةِ الريفيةِ القديمةِ . . . وأيضا بدأتْ الأطرُ العربيةُ تأثيرها عليهِ ، ومنْ ألحانهِ في هذهِ الفترةِ ، لهيفاء حسينْ ، عبدُ الصاحبْ رشادْ وعبدْ محمدْ . • ? فترةُ السبعينياتِ ، مرحلةُ النضوجِ الكاملِ ، تلحينٌ عادوا الغيابُ ، ليلةٌ ويومٌ ، وعشكَ أخضرُ .لسعدي الحلي واغاني اخرى كثيرة • اما فترةُ الثمانينياتِ قدمَ حواليْ 170 أغنيةٍ عاطفية ووطنيةٍ في فترةِ الحربِ . اشهرها اغنية هلهلْ تفكنه .
وفاته :
رحلَ الفنانُ الملحنُ محمدْ نوشي عامُ 2004 عنْ عمرْ يناهزُ السبعونَ عامآ متاثرآ بالمرض ..بعدا أنَ أثرى التراثِ الطربي واللحنيَ العراقيِ وكانَ السببُ في شهرةٍ أغلبِ المطربينَ والمطرباتِ في العراقِ . رحمه الله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى