الكاتب والفنان رياض محسن المحمداوي - أسطوانات جقماقجي .. اول شركة في تاريخ العراق توثق تراثه الموسيقي والغنائي ..

هي اولى شركات التسجيلات الوطنية العراقية التي أخذت شهرة واسعة بعد اختراع الكرامافون والتي ساهمت في توثيق أغلب التراث الموسيقي الغناء العراقي.
وللحديث عن تأريخ شركة جقماقجي.؟ فقد تأسيسه عام 1918 وعند تأسيسها لم تكن تتخصص بتسجيلات الموسيقى والغناء. بل كانت تقوم باستيراد بعض المواد التي لها علاقة بالغناء والموسيقى وبيع أسطوانات شركة "بيضافون" وكذلك بيع الأدوات الاحتياطية لالة الكرامفون دون القيام في التسجيل التي برعت وأبدعت به لاحقا... فقد قامت هذه الشركة في بدايتها ببيع الحاكي (الكرامافون) الذي يعمل بواسطة تدويره باليد لكي يواصل الكلام أو الغناء مما نسميه في العراق بلهجتنا الدارجة "التكويم" وأجزاء أخرى من الأجهزة الكهربائية البسيطة التي وصلت العراق في أول عهدة بالكهرباء كما قامت باستيراد الأسطوانات التي توضع وتركب على الحاكي وعلى نطاقا واسعا والتي بدأ الغرب بصنعها من الحجر وهو الابتكار الأول في عالم صناعة الأسطوانات حيث الحجر الصلد الذي يصدر ألحانا عذبة وشجية.
وقد أسس هذه الشركة الحاج فتحي جقماقجي الذي كان يعشق الموسيقى والغناء. رغم أنه كان متمرسا بإصلاح وصيانة الأسلحة النارية عندما كان يعمل في الجيش العثماني فقد كان يقوم بإدامة وصيانة البنادق والمدافع والمسدسات البدائية الصنع آنذاك. فحبه للموسيقى والغناء والجمال جعله يستثمر ما عنده من مال ليتجه إلى صناعة الموسيقى والغناء ليساهم في نشر البهجة والمسرات. فشد رحاله من مدينته الموصل إلى بغداد مع أسرته.
وعمل على تأسيس استوديو خاص به في منطقة (عقد النصارى) ومن بعدها إنشاء ستوديومتطور خاص بالشركة في منطقة البتاويين في بغداد وكان هذا الاستوديو أكثر سعة وتقنية من الاستوديو الصغير الذي أنشأه أول الأمر في (عقد النصارى) وتم استئجاره بالتعاون مع أحد مهندسي الصوت العاملين في دار الإذاعة العراقية وهو السيد ناجي صالح وبصحبتهما الموسيقار المبدع الراحل جميل بشير. بعد أن فتح محلا صغيرا في منطقة الحيدرخانة العام/ 1948 وقد تعاقد مع أكثر المطربين وسجل أغانيهم بأسطواناته التي كانت تحمل اسم أسطوانات جقماقجي والتي كانت تباع بكميات كبيرة. ومن ذلك الاستوديو صدح صوت مطربي العراق أمثل محمد القبانجي ورشيد القندرجي وسليمة مراد وزكية جورج ومنيرة الهوزوز وإنصاف منير ورضا علي وناظم الغزالي وغيرهم الكثير مما يصعب حصرهم كما سجل أغاني كبار مطربي الريف العراقي أمثال داخل حسن ومسعود العمارتلي وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم ولميعة توفيق ووحيدة خليل وزهور حسين وغيرهم.
فقد كان العراق سابقا للدول العربية وغير العربية في التأسيس المبكر لدار الإذاعة اللاسلكية وانتشار موجات الراديو وسماعها في أكثر بقاع بلاد الرافدين حتى البعيدة منها والذي كان لا يخلو من نشر العديد من الأغاني والموسيقى إلى السامعين في أوقات متفرقة بالإضافة إلى الأخبار والتمثيليات الإذاعية والنشاطات الأخرى لكنه لم يكن بديلا ومنافسا لشركة جقماقجي وعجز عن تحويل أنظار الناس إليها بل كان شريكا منافسا في نشر روح الثقافة الموسيقية والغنائية والذوق العام.
فلم تقف الشركة ورئيسها الحاج فتحي بالتسجيل لمطربي العراق ونشر إبداعاتهم الغنائية فكان قد اعتمد ولداه نجم الدين وعبد الله لجمع كل ما هو جديدا في الغناء العربي والعالمي. فقد كانا يسافران إلى القاهرة وبيروت ودمشق وحلب بين حين وآخر ليجلبا أحدث الأسطوانات لأشهر المطربين من مصر وسوريا ولبنان والتي كانت تلك الأسطوانات الحجرية تطبع في اليونان وبعض دول أوروبا بعد أن يتم تسجيل الأصوات في تلك المدن أولا ثم ترسل إلى الخارج لأجل طبعها. فكاو قد جلبوا للجمهوراسطوانات سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان وعبد الغني السيد ومحمد عبد المطلب ووديع الصافي وحليم الرومي مع ابدعات الأخوين رحباني المجددين لروح الغناء العربي في ذلك الزمن، ليس هذا فحسب بل اهتمت شركة جقماقجي بتسجيل أصوات خيرة المنشدين وقراء القرآن الكريم والموشحات وحتى للمطربين قليلي الشهرة حتى أن دار الإذاعة العراقية كثيرا ما كانت تستعين بأسطوانات جقماقجي لتضيفه لأرشيفها عند تقديم بعض برامجها الغنائية. كما أصبحت هذه التسجيلات فيما بعد مرجعا لطلبة المعاهد الموسيقية لما تحتويه من خزين موسيقي تراثي هائل وتحتفظ بأندر التسجيلات غير المتداولة.
وقد شهدت تسجيلات جقماقجي تطورا ملفتا للأنظار بعد أن آلت إدارتها إلى السيد سمير حفيد الحاج فتحي جقماقجي بسبب تعلقه بالموسيقى الغربية وبالأخص الكلاسيكية منها إلى جانب الموسيقى الشرقية والعربية على الأخص، ففي الثمانينيات بدأنا نسمع السيمفونيات الباهرة للعمالقة. باخ وبيتهوفن وهايدن وجايكوفسكي فأصبحنا نهيم ببحيرة البجع وألف ليلة وليلة وحلاق إشبيلية ومعظم سيمفونيات صانعي الموسيقى الغربية بعد شيوع عالم الكاسيت الصغير وانتشار أجهزة التسجيل حيث واكبت هذه التطورات في اتساع الثقافة الموسيقية ولم تعد تقتصر على النخبة وكانت شركة جقماقجي في الصدارة لمواكبة تلك القفزات السريعة في نشر الإبداع الموسيقي على نطاق واسع.
ونظرا لأهمية هذا الصرح الفني الذي حفظ الكثير من كنوز الثقافة العراقية الغنائية منذ تأسيسها المبكر فقد عرضت الحكومة الكويتية أواسط السبعينيات شراءها وقدمت مبالغ مغرية للغاية للسيد سمير جقماقجي لكنه رفض هذا العرض وفضل عدم إضاعة تلك الثروة الموسيقية الهائلة باعتبارها إرثا حضاريا موسيقيا يخص العراق عموما وعائلة جقماقجي بالأخص... وفي أواسط التسعينيات من القرن الماضي بدأ النزع الأخير يدب في أوصالها ولم تعد تقف على قدميها أمام السيل العارم من استوديوهات التسجيل ومحال الكاسيت فتم إغلاقها. فقد كان بمقدور هذه الشركة العريقة أن تستمر وتتواصل لو كان للدولة العراقية يد الاهتمام بدعمها لكن حدث العكس؟. فقد تعرضت للإهمال المتعمد من قبل وزارة الثقافة العراقية والقائمين على حفظ التراث الموسيقي العراقي الأصيل بمقاماته والذي أرسى أسس الموسيقى العربية كما نهب وضاع الكثير الكثير من ثروة العراق الثقافية والحضارية بعد الاحتلال الامريكي الغاشم للعراق عام 2003 ومن ضمن هذه الثروات مقر شركة جقمقجي للانتاج واتوزيع الفني المنزويةً في اخر شارع الرشيد والذي كان يضم انفس واندر المكتبات الصوتية والاجهزه القديمة التي لاتقدر بثمن .تراها الان مكان خاويآ يربي الى مياه دجلة باكيآ على ايامه حينما كان العراق ينعم بالامن والامان. وها هو اليوم اصبح نسيا منسيا ؟.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى