مصطفى نصر - البيت المهجور..

وقفت أمام الشقة، الظلام يحتويها من كل جانب.
لقد أقسم زوجها ألا تنام في شقته هذه الليلة. كانت ثائرة مثله، لا تدرى بماذا أجابته. لكنها تذكر جيدا أنها أشاحت بيدها وسارت نحو حجرتها.
الجيران نائمون، مصابيحهم مطفئة. بيت أمها في آخر الشارع، تستطيع أن تسرع إليه، نعم، ستسرع إليه، بسملت، استعاذت بالله من الشيطان الرجيم وهى تهبط درجات السلم، لكنها لم تستطع أن تخطو خطوة ناحية باب البيت.
الشارع مظلم تماما، والبيت المهجور الذي يسمونه في الشارع ب " الخرابة " أمامها. بكت، لعنت زوجها بداخلها، كيف ستسير أمام تلك الخرابة؟! الكل في الشارع يؤكد أنها مسكونة بالشياطين وبصعاليك الحي.
البيت المهجور مكون من أربعة أدوار. بعد إزالة السكان استعدادا لهدمه؛ اختلف الورثة في ملكيته فتركوه دون هدم أو بناء؛ حتى سرق اللصوص النوافذ والأبواب ولم يتركوا فيه سوى الجدران، يصعد الصعاليك فوقها كالقرود، فالبيت سلمه محطم.
أرادت أن تعود إلى زوجها، عادت لأول درجة من درجات السلم، لكنها لم تستطع. إنه لم يعد يطاق. لو تجد الآن مارا يسير من أمامها، يعينها على اجتياز تلك " الخرابة ".
يأتى الصعاليك بقشر الأرز، يحرقونه داخل البيت المهجور، ثم يعبئونه في أجولة ويبيعونه لباعة الشاي فيخلطونه على شايهم.
بسملت ثانية واندفعت في جرأة، ووضعت قدميها فوق أرض الشارع، دفعها الهواء في عنف،
استيقظ الشارع كله – ذات صباح – على صوت امرأة تسكن الدور الرابع المواجه لأعلى الخرابة، كانت تصرخ وتؤكد " إن شابا في " الخرابة " يخلع سرواله ويكشف عن عورته لها." بحثوا داخل الخرابة لم يجدوا أحدا. أكد البعض أن ذلك شيطانا، لكن المرأة أقسمت بأن ما رأته كان شابا، وإنها رأته من قبل يدخل ويخرج من الخرابة.
ارتعش جسدها كله وهى تقترب من " الخرابة "، أحست بأن قدميها يلتصق بعضهما ببعض، وإنها ستقع، الظلام ازدادت حدته. حاولت أن تسير لم تستطع، أوقفها شبح كان يلتصق بالجدار، لا تدرى إن كان هو الذي أتى إليها، أم إنها أطاعته وأسرعت نحوه. ثم وجدت آخر أمامها. أرادت أن تصرخ. وضع الآخر يده فوق فمها. شبح ثالث كان يتدلى من فوق الجدار، أحست باسترخاء جسدها وبرغبة في دفع اليد التي تضغط فوق فمها، فهي لا تستطيع الصراخ حتى لو ابتعدت اليد عنها. أيادي كثيرة تلقفتها، صعدت الجدار مثلهم. احتك جسدها بنتوءات الجدار، آلمها الاحتكاك. لم تصرخ.
كانت ترتدى ثوب النوم الهفهاف الأحمر لزوجها، وهو مسترخ على الكنبة يقرأ في جريدة الصباح التي جاء بها من العمل بعد الظهر. أرادت أن تمازحه، لكنه كان مشغولا بجريدته، لا تدرى ما الذي جعله يصرخ فيها ويسبها. ربما لم يقدر أنها تمازحه.
أحست بضوء خافت يأتى من أعلى الجدار وهمس لم تفهمه، لم تدر بأي لغة كان. ابتعدت اليد عنها، نامت فوق الأرض، لامست بيدها حاشية تحتها. قبلها أحدهم، أحست بأنفاسه تكاد تخنقها، شعرت بتقزز، أرادت أن تدفعه بعيدا، لكنها خافت أن تلمسه، لامست أصابعها التراب بجوار الحاشية. آخر كان يلمس وجهها وشعرها.
تطور الحديث بينها وبين زوجها، كانت تقف حافية – حينذاك – فوق البلاط، قال:
- قلت لن تنامي الليلة في شقتي.
أمسك يدها، تألمت:
- دع يدي، يدك تؤلمني.
شدها ناحية الباب:
- لن أترك البيت الآن. الفجر يكاد يبزغ.
- ولو.........
أحست بأن الأيادى التي تعبث بجسدها كثيرة، وأن العرق ينز من جسدها رغم البرد عندما أرادت أن تتخلص منهم؛ التصق وجهها بالتراب، امتزج التراب بشعرها، التصق به.
شدها زوجها من يدها وفتح باب الشقة، لم تقاومه، سارت معه. أسرعت إلى خارج الشقة قبل أن يدفعها.
أحدهم كان يتصرف بجنون، يشد شعرها وملابسها. دفعه آخر بعيدا. لم تسمع حتى همسهم بجوارها. أحست برغبة في النوم وبأن عددهم يزداد.
هبت عاصفة من الهواء، أطفأت المصباح الخافت المتدلي من الحائط، ورفعت طرف ثوبها. ابتعدوا عنها، أشعلوا نارا في حجرة بعيدة. أغمضت عينيها وتذكرت أمها وزوجها وأخوتها، أحست بأنها لن تراهم ثانية.
لقد رآها زوجها وهى تسير أمامه. كان يشغل نفس الشقة قبل الزواج، خطبها من أمها، ولم تعترض رغم أنها لم تكن تعجب به ولا تحبه.
كلما تشاجر معها يقسم بأن تذهب إلى أمها وتذهب ويأتي ليردها في اليوم التالي. لكن هذه المرة الوقت كان متأخرا.
حملوها ثانية فوق الجدران، كانت مسترخية تماما، والنتوءات تحتك برأسها وجسدها كله. أرادت أن تخرج آهة، لكنها لم تخرج.
أسرعت إلى بيت أمها، دقت الباب. صرخت المرأة:
- ماذا بك؟
عندما لم تجبها أحست بأن زوجها قد ضربها ورماها على الأرض ومزق ملابسها.
في اليوم التالي جاء زوجها، كان يرتدى بذلة كاملة وكرافتة، والجريدة في يده، كان عائدا من العمل، قالت أمها:
- ارتدى ملابسك، زوجك جاء ليأخذك.
كان يبتسم لها في ود. سارت، وهو يسير خلفها مختالا، يضرب الجريدة بساقه ضربات منتظمة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى