صبحي شحاته - يوم كمال العالم

الجو صباح رائق جميل بهيج نسماته لطيفة، عصفور صغير رشيق يحلّق لاعبا مع النسمات، يقترب من نافذة عالية مواربة، يدخلها... العصفور في العتمة الخفيفة كأنه طيف حلم يمر من غرفة إلى أخرى... شاب نائم في سريرواسع، راح العصفور يزقزق ويرف بقوة فوق رأسه...
لم يفتح الشاب عينيه وإنما تبسم، وأخذ يتقلب بدلع محاولا الإمساك بالعصفور، حتى نهض قليلا وجلس متربعا في سريره، حط العصفور على رأسه... فتح الشاب عينيه بقوة صارخا بفرحة غامرة، كأنه يفتحهما على عالم جديد تماما، ثم فتح كفه كأنه يسلم على العصفور، قفز العصفور من على رأسه، إلى كفه وراح ينط عليها، قال الشاب بمرح شديد:
- صباح الخير يا صديقي، شكرا لك على إيقاظي، اتمنى أن يكون اليوم هو الموعود المنتظر من آلاف السنين يوم الصدق والحرية والكرامة... يوم كمال العالم...
انطلق العصفور يزقزق عبر أرجاء الشقة لا يسكنها سوى الشاب فيما يبدو، مر على الكثير من الكتب ملقاة على الأرض، وفي كل مكان مفتوحة أو مغلقة، حتى خرج من النافذة المواربة التي دخل منها، وراح يحلّق مع النسائم اللاعبة مجددا...
السماء زرقاء تماما باهرة الزرقة، وقرص الشمس الوليد يلوح هناك كأنه رسم في لوحة مرسومة توا ظازجة باهرة...
يهبط العصفور إلى الأسفل متقلبا في الهواء، حتى يحط على رأس الشاب الذي يقف أمام باب بيته الحديد المفتوح في أجمل ثيابه، وفي قلبه الامتنان لكونه يشهد بداية العالم الحقة، بدا خجلا من شعوره هذا بالذات، إذ حسبه له وحده، ولا يشاركه فيه أحد...
انه يتطلع الآن الي البيوت في الشارع، كأنه راغب في رؤية دليل يثبت له أن ماهو فيه حقيقة وليس حلما، وأن حالته هى ذاتها حالة كل الناس...
اقتربت منه طفلة تركب دراجة ترف عليها شرائط الزينة، توقفت أمامه، كانت بالغة الجمال وباسمة، قدمت له وردة، انحنى مندهشا على الطفلة وقبلها شاكرا، ظانا أن هذا هو الدليل الذي كان ينتظره، وأن الطفلة أتت له به، وما أكد له الأمر تماما، رأيته الطفلة وهي تمضي بدراجتها لتستقبل الخارجين من بيوتهم مع عصافيرهم، وتهديهم وردة من باقة الورد التي تحملها في سلة الدراجة.
مشى في الشارع بخطوات واسعة رشيقة يتنفس بقوة، وأحساس بالروعة يشمله كأنه يريد أن يطير، وهو يرى البيوت كأنما لأول مرة في حياته مطلية بألوان جديدة، بل والشارع ذاته نظيفا جدا وسماؤه مزينة بأوراق الزينة البهيجة، والعصفور يحلّق فوقه، وكلما تلفّت رأى عمل يد الجمال في كل ما يتطلع إليه، واصل مشيه وهو يكاد يقفز من السعادة، لتأكده أن اليوم هذا هو حقا يوم عيد البشرية، التي وصلت أخيرا إلى الجمال والحب والكمال الذي حلم به كل البشر منذ قديم الزمان...
خرج من الشارع إلى الميدان كان واسعا مديدا غاصا بالناس، كلهم في مرح وفرح يحتفلون منذ الفجر، فأسرع إليهم غير مصدق...
هبط طائر أمامه، وانحنى له كأنه يطلب منه ركوبه، كاد من شدة غبطته أن يجن فالأمر جاد والبشرية فعلا وليس خيالا صارت في كمالها الحقيقي، وهاهي الوحوش تشارك الإنسان الحياة بأمان، كان الطائر ضخما عظيم الجرم، ومع ذلك يجعل من نفسه وسيلة لنزهته، مس ريشه الناعم جدا، فأقعى الطائر الكبير حتى يستطيع ركوبه رفع ساقه وركبه بسهولة، وغاص في ريشه الهش الغزير الوثير، وفي لحظة كان الطائر منطلقا به كالسهم إلى السماء تلاحقه صيحات الناس الفرحة المرحة وكذلك يلاحقه العصفور الصغير المرح...
تردد صوت جميل من فوق الجميع كأنه صوت العصفور المرح:
- هذا يوم الكمال، لا أحد ناقص الآن، لا أمراض لا أحقاد لا تباغض... أنه يوم قيامة الجمال على الأرض، فلا دمعة هنا أوهناك إلا دمعة الغبطة والحبور والسرور...
كانت الأطفال تجري تحت الطائر فرحة ظائطة وسط خضرة الميدان المديدة، وكان الناس يتطلعون إليه وإلى من اختاره للنزهة في الأعالي، بوصفه مميزا عنهم قليلا، حتى خجل الشاب صاحب العصفور، فهو لم يطلب لنفسه هذا دونهم، وإنما الطائر هو من جاء إليه ورفعه فوق الجميع هو وعصفوره، وكان الجميع يبتسمون له ويضحكون ويرمونه بالورود التي تطايرت إليه من أسفل ومن أعلى حيث النوافذ العالية التي كان يمر أمامها، والطائر يطلق صيحات بهيجة: عاق عاق عاق...
شاهد الشاب الكثير من الطيور تحمل من هم مثله من الأبطال المحبين للخير الذين بشروا به ووعدوا بأن الجمال سيسود العالم يوما ليس بعيدا جدا، رغم أن أحدا لم يكن يصدقهم أبدا، واعتبروهم مجرد حالمين وكائنات ذات أرواح طفولية...
راح الشاب يلوّح للجميع باكيا بغبطة شديدة، جعلت الحشود من تحته تدمع وتهتف في نفس واحد راعد:
- شكرا لك يا من حلمت يوما بالجمال لنا...
استوووب... رائع يافنان... برافوا يا أستاذ ياعظيم... بداية موفقة جدا... كله طبيعي جدا... لقد صدقناك تماما حتى الدموع...
قال المخرج السمين الطويل العريض وهو يتقدم من الممثل الشاب، متعرقا مرهقا من شدة حرارة الجو، سلّم عليه بقوة وعانقة وهو يواصل مؤكدا أنه أجاد تماما في الإيحاء الحقيقي وبالواقعية، وأنه صدق أنه في بداية يوم الكمال العظيم حقا، وأنه كان حقا يركب طائر السعادة الخرافي، وليس مجرد قطعة خشب على شكل طائر تتحرك خلفها مناظر طبيعية لأطفال وبشر سعداء حالمين...
لملم فريق عمل الفيلم أدواتهم، وركبوا عرباتهم التي اتجهت بهم إلى الاستديو ليجهزون المشاهد التالية... والممثل الشاب معهم كعادته ذاهلا حزينا...
كان الجميع يعرفون أنه ما أن يدخل في الدور حتى يصدقه إلى درجة أنه لا يستطيع الخروج منه إلا بعد حين طويل وبصعوبة، ويظل في حال الدهشة والصمت والذهول طويلا كأنه لا يريد الاستيقاظ من حلم الفيلم، ويتمنى البقاء فيه إلى الأبد...
همس أحد الممثلين بغيرة ومرارة وحقد لصاحبه المجاور له في المقعد فيما العربة تنهب الطريق الحارة المشمسة:
- أعرف أنه فنان حقيقي موهوب جدا بالغ الذكاء أيضا يستطيع أن ينوّم نفسه جيدا حتى بعد انتهاء التصوير، ليكون جاهزا دائما للمشاهد التالية دون تجهيز وإعداد، إنني أحسده وأغار منه فعلا، كما تقول... لا أنكر ذلك، إنه ممثل قدير لا حل له، بل ليس ذنبه أنه قاطع عيش ناس كتير، مستنيين فرصة واحدة، من فرصه التي تنهال عليه دون طلب، إنه غول سفاح... لو بصيت في عينيه تحس أنه مصدق نفسه فعلا، وأنه في يوم الكمال هذا فعلا... حاجة مذهلة، أنه نقي جدا، كيف يفعل هذا، كيف يكذب بكل هذا الصدق... أنه خطر جدا على الجنس البشري، فهو يكذب باتقان متناهي بل بريء تماما من كل افتعال، الأمر الذي يجعله أكثر البشر تدميرا للعالم بهذه الأكاذيب والأوهام المفتعلة التي نصنعها للناس لنوهمهم فيها بهراء الكمال القادم، حتى يصبروا على ماهم فيه من سخف وهوان وإذلال... اللعنة عليه... ربنا ياخده، قادر يا كريم...
- استووووب... برافوووو برافووو برافوووو رائع جميل جدا يا اعمنا.... أنت شرير... شرير ابن شرير فعلا... صدقناك... أنت مالكش حل أبدا... واقعي تماما تماما، يخرب شيطانك...
قال المخرج النحيف القصير العجوز، وهو يتقدم من وراء الكاميرات المحتشدة من الممثل الواقف في ديكور العربة، باسما بسخرية واعتداد بالذات، وقال بخبث للمخرج:
- صحيح.. الأداء كان مقنعا إلى هذا الحد يا...
جزّ المخرج على أسنانه وهو يتجاوز قطع الديكور المتناثرة ويتجاوز أيضا تكبر الممثل الذي لا يحب أن يكمل نطق اسمه ويكتفي بيا... تلك... وراح يشعل سيجارتين ويقدم واحده للمثل كأنه يرشوه ويقول وهو ينفخ دخان السيجارة بقوة كأنه يريد ان يحرق أحدا:
- فوق الوصف، أنت معلم.. أنا نفسي صدقتك، وكرهت يوم الكمال هذا فعلا... أنت قادر طول عمرك قادر... سحقت صاحبنا ممثل الخير الرقيق أبو دمعة في عينيه هاهاها...
التفت المخرج إلى فريق العمل وصاح بقرف فجأة:
- يالا بسرعة المشهد التالي... فين المساعدين... اغلقوا الاستديو، ما فيش حد يخرج إلا بإذن مني...
اتجه المخرج إلى غرفته، يدخن بشراهة، يتصاعد من فيه الدخان نفخات قوية ضجرة، قطع طريقه أحد الكومبارس وهو يقول بتحد ومرارة وارتعاش وسخرية:
- لحد دلوقتي سيادتك مطنشني، وما خلتنيش أظهر ولو في لقطة واحدة، في الفيلم، أنا هنا ليه، لا أنا مع الأخيار ولا الأشرار أنا مين، أنا فين، انا أمتى... يا كوتش...
قال المخرج بصوت مكتوم مختنق بالدخان:
- دي مشاكل إدراية انتاجية وأنا زيك عبد المأمور، رُح لهم أنا مالي... أنت عاطل ومع ذلك بتقبض... عايز أيه أكتر من كده.. اصبر يمكن البطل المتكبر المغرور يمرض، أو تيجي له مصيبة تاخدة... ده متوصي عليه من فوق ياعم...
- أنا هخرج أدخن على المقهى رأسي هتنفجر، ونفسيتي زي الزفت أنا فنان مش آلة مركونة ياكوتش اوع تنسى...
- غور في أي داهية تريد، أنت مش موجود أصلا... مين هيسأل إن رحت ولا جيت... آه... استنى... هات لي معك علبة كشري... علبة كبيرة فيها كل حاجة ماعدا الرز، يعني لوز على بندق بلغة الصنايعية ياعمهم...
- والله انا مش عارف أنت مخرج كبير مشهور حقيقي والا كومبارس معنا، المفروض أنك غني وعاملهم على قلبك قد كده، أيه بقى لازمة البخل... علبة كشري... ياكوتش...
- يابني كل واحد وأصله، أنا آكل الي اتربيت عليه، أنا جاي من الفقر من العذاب من شبرا، لو ما أكالتش الكشري مش هعرف أشوف صح الدنيا بأخيارها وأشراراها، ويوم جحيمها ويوم كمالها أيضا... يالا غور في داهية من وشي بقي، كفاية عطلة... أنت وهم... مش حقيقة...
يخرج الكومبارس من باب الاستديو المظلم إلى الشارع الغاص بالعربات الجو كئيب بارد جدا والسماء مثقلة بالسحب، تنز ماء خفيفا، جلس على المقهى... رأي عربة فاخرة فارهة تقف مقابل المقهى في الجهة الاخرى من الطريق... فعرفها أنها عربة الباشا الكبير فتنهد بحرقة...
أحضر له العامل الشيشة كأنه يعرف طلبه وفنجان القهوة قائلا:
- حبيبي يا فنان.. أيه الأخبار انتهيتم خلاص من يوم الكمال أو البتنجان ده... لازم تفوت لي شوية تذاكر كتيمي، أعمل بهم مصلحة يوم العرض وهشوفك برده...
لم يرد الفنان وبدا في حال الاختناق وقال في نفسه:
- معلش كلهم ظهروا على وش الدنيا ماعدا أنا... أمتي تيجي يا فرصة...يانص فرصة، ربع فرصة ... مش مهم أكون مع مين، الأخيار أو الأشرار... المهم أكون في الفيلم.. لازم أظهر مهما كان الثمن ولو يدهسني تكتوك حتى، ها ها ها...
التفت بسرعة لشخص خارج من باب الاستديو متجها إلى العربة الفارهة، ألقى مبسم الشيشة وراح يجري صائحا:
- فاضل بيه... يا فاضل بيه...
توقف البيه بضيق والتفت إليه باحتقار، وقف أمامه الفنان وهو يضم ذراعيه أسفل ظهره كخادم قائلا:
- معلش إني وقفت حضرتك كده في الشارع من غير ميعاد ولا مناسبة، أرجوك أن تذكر اسمي للباشا الكبير، معلش لازم أظهر في فيلم يوم الكمال العظيم، ربنا يعظم قدرك كمان وكمان.. أرجوك ولو مشهد واحد بس...
تركه البيه دون كلمة وواصل ليلحق بالسيارة المنتظرة، تطلق بوقها العالي الغليظ، وثمة من يجلس في مقعدها الخلفي تحجبة ستارة غامقة غامضة، لابد أنه الباشا بذات نفسه... والفنان ينظر إلي البيه بحسرة، فتح البيه الباب ليركب... اندفع الفنان إليه متجاوزا الطريق منفلتا من العربات المارة بسرعة، كأنما دفعه شيء أو ركله فلا فرق أمسك بالباب قبل أن ينغلق، وقال بضيق ويأس وشر:
- لو الدنيا حكمت، أنا ممكن أكون مع الأشرار في أي لحظة وفي أي مكان، في الخيال أو في الواقع ما تفرقش معايا... وأنت عارف ده كويس يا بيه...
نظر له البيه محمرا غاضبا محدقا بعينين واسعتيبن ناريتين واحدة عليه والأخري على من بداخل العربة وقال:
- الميزانية كبيرة والمصاريف متلتلة والباشا الكبير شايل على ظهره السينما المصرية والعربية والعالمية، ومش ده الفيلم الوحيد الي بيشتغل فيه وبيصرف عليه.. أنا معذور نفسي آأكل الكل عيش، لكن هو ده الواقع، وما تحاولش تستغلني تاني، أنا كويس آه بس في حدود... اِرض بنصيبك ياعبده، الشقاوة طريقها وحش، الطيب أحسن... ومتنساش أنا اللي لميتك من الشوارع، وريحتك من التطبيل على الطبلة والتار والنفخ في المزمار في الحارات وراء الفرق الشعبية السرسجية، ارجع مكانك على القهوة، ودخن حجر الشيشة زمانه اتحرق...
دخل فاضل بيه العربة وهو ينفخ قرفا وجلس في المقعد الأمامي، همّت العربة بالتحرك، فخرجت من النافذة الخلفية يد سمينة بين أصابعها سيجار ضخم مشتعل، وقال صاحبها الغامض بصوت أجش:
- يا عبده ياكومبارس...
انحني عبده بسرعة ووضع يده كطفاية تحت السيجار، قائلا:
- لبيك يا باشا يا كبير ...
انطلقت ضحكة الباشا الجهيرة وهو يهز السيجار ويضرب عليه بأصبعه الضخم، فسقط رماده الساخن الحارق في كف عبده... وقال بمرح:
- احتفظ بالرماد ده في فنجان حتى يمتلئ، وهديك بقدره ذهبا، وفوقهم دور كبير في الفيلم، هي دي فرصتك معي ما فيش غيرها ياعبده يا طماع يا شرير...
انطلقت العربة وضحكات الباشا الكبير هو ومساعده فاضل بيه تتعالى دون انقطاع...
عاد عبده مجتازا الطريق حاملا رماد السيجار بحرص، محاولا ألا يضيّع منه شيئا وعازما أنه رغم كل الإذلال سيقبل الرهان ويحتفظ بالرماد حتى يملأ منه فنجانا مهما كانت الصعاب، ليصل إلى بر الأمان ويعيش يوم الكمال العظيم الخاص به... ووقتها يحلها ربنا يا دنيا...
راح عبده يقبض بقوة على الرماد صارخا أمام جميع زبائن المقهى وهو يتجه إليه عابرا الطريق الأسفلتي الذي تتفلت فيه العربات بسرعة خطرة:
- فرصة واحدة يا دنيا ولو كانت رمادا محترقا... همسكها بأيدي دي كده، ومش هتفلت أبدا مني، وهنجح يعني هنجح، ولما أوصل واركب العالي، هوري البشر كلها يوم سواد العالم...
فجأة يصدمه توكتوك مسرعا بجنون فيطير وكفه تنفتح رغما عنها بقوة، فتطير فوقه ذرات الرماد الهشة كشزر النار وهو يصرخ بكل قهر وحزن وألم:
- ليه... ليه... ليه... يا دنيا يا جاحده... اشمعنا أنا.. هو أنا مش ابنك زيهم برده...
راح يتدحرج ويتخبط صارخا بقهر تحت عجلات التوكتوك... بينما الكاميرا تغادره وتركز على شزر الغبار الناري الصاعد هناك في الأعالى، حتى صار كأنه عاصفة تتلظى بالنار وتهم بالإنفجار كاسحة العالم كله...
- استوووووب....
صاحت المخرجة الشابة الأنيقة الطويلة وهي تخرج من وراء حشد الكاميرات مشيرة لفريق الإسعاف ليلحقوا الدوبلير الذي صدمه التوكتوك بدلا من الممثل الذي أسرعت إليه باسمة بنشوة:
- رائع رائع رائع... بديع... واقعي جدا... صدقتك... بجد صدقتك يا ابن الأيه، يا فنان أنت...
*

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى