حاميد اليوسفي - الحقيقة الموجعة..

قال الصديق الذي يجلس بجانبك:
ـ من يراك تتناول قهوتك على عجل، يعتقد بأن وراءك شغل أو مهمة ستنهض إليها، لكنك تُخيّب ظنه!
نظرتَ إليه مبتسما وأجبت:
ـ أنت تعرف بأنه ما دمتُ قد انقطعت عن التدخين، فأنا لا أحتاج إلى القهوة كل الوقت الذي أقضيه في المقهى.. وأتذكر دائما تشبيه مهدي (الكسّال)* بأن القهوة باردة، مثل كوكاكولا سخونة.
انصرف الصديق، وبقيتَ وحيدا تتأمل الفراغ الذي انتهت إليه حياتك. فجأة عدتَ إلى التفكير في الوضع المشتعل في البلد.
نساء ورجال التربية والتلاميذ وأولياؤهم يحتجون على أوضاعهم المزرية، ويخرجون بالآلاف إلى الشوارع كل ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع.. ويلتحق بهما من اكتوى بنار الأسعار التي لا تتوقف عن الارتفاع..
المتضامنون مع أهالي غزة ينظمون كل مساء ويومي السبت والأحد مسيرات حاشدة تجوب شوارع أكبر المدن..
وما استغربت له أكثر هو أن الوضع يزداد كل يوم استفحالا، والحكومة تقف عاجزة تتفرج على المشهد..
خفت أن يحدث للمستائين من الأوضاع التي آل اليها البلد مع الحكومة، مثل ما حدث للعمدة مع الشرطي الشاب..
كان للمدينة في السابق عمدة يركب سيارة الجاكوار يوم الأحد، وعَبَرَ مرة من زنقة بها شارة لمنع المرور، فأوقفه شرطي شاب حديث العهد بالعمل، وطلب منه أوراق السيارة. رفض الامتثال بدعوى أنه العمدة الذي يحكم المدينة.. تجمّع حولهما حشد من المارة.. أصر الشرطي على تطبيق القانون.. أخرج العمدة هاتفه، واتصل بعمال البلدية، وعندما حلوا بالمكان طلب منهم إزالة شارة منع المرور.. وقال للشرطي:
ـ هل فهمت الآن! أنا من أمرت بوضعها، وأنا من أمرت بإزالتها!
كتم الشرطي المسكين غيضه في نفسه، وهو شاب لم يمض على تخرجه بضعة أسابيع.. إلى حدود تلك اللحظة كان يعتقد بأن جميع الناس سواسية أمام القانون..
في المساء عاد إلى البيت محبطا مكسور الجناح، بعد أن اكتشف ـ الحقيقة الموجعة ـ أن من يضعون القانون لا يحترمونه..

الهامش:
ـ (الكسّال): عامل بالحمام التقليدي، يساعد الزبائن في الاستحمام مقابل عمولة..

مراكش 26 / 11 / 2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى