محمد مزيد - زها حديد تلتقي خضير فليح الزيدي في نيويورك

وجهت الفنانة المعمارية زها حديد دعوة الى الروائي خضير فليح الزيدي وارفقت مع الدعوة بطاقتي طائرة للذهاب والاياب من بغداد الى نيويورك ، وقالت حديد في دعوتها انها حجزت له بفندق صممته هي يطل على المحيط الاطلسي، وطلبت منه ان ياتي بنسخ من روايته التي استلهم مضمونها من حياتها ، لكي تعمل على ترجمتها وطباعتها على حسابها ، ارتبك الروائي الزيدي من مضمون الدعوة وتصور انها قد تكون نكتة ارسلها له احد الاصدقاء الحاسدين، غير أن بطاقتي السفر بالطائرة المرفقة مع الدعوة بددت مخاوفه ، وهيأ خضير نفسه للسفر الذي سيكون بعد اسبوع من تلقيه الدعوة .. وقبل أن يسافر بثلاث ساعات ودع اهله وحمل حاسبته وبضع نسخ من روايته " عمتي زهاوي " في حقيبة الظهر ، وتذكر ان المعمارية الكبيرة طلبت منه الا يحمل معه حقيبة ملابس كبيرة ، وبحدسه علم ، انها قد تكون هيأت له مجموعة من ارقى الملابس من ماركات عالمية من محال تضج بها مدينة نيويورك. وقبل ان تهبط الطائرة في مطار هذه المدينة ، هاله ما رأى من عمارات تنطح السحاب ، كانت تجلس بجانبه في الطائرة فتاة سمراء ، في الاربعين من العمر ، وبخجله المعروف لم يستطع ان يتجاذب معها اطراف الحديث الا في الساعة الاخيرة من السبع عشرة ساعة طيران بين بغداد ونيويورك ، ففهم ان الفتاة كانت بزيارة عابرة الى اهلها في بغداد وهي سيدة اعمال تدير شركة لصناعة الورق .. خلال ساعة الحوار ، اكتشفت انه اول مرة يسافر بها الى نيويورك ، فطلبت منه ضيافته قبل الالتقاء بزها حديد ، حسب العنوان الذي حفظه في الواتساب في حالة تعذر احد موظفي المعمارية من العثور عليه في المطار الذي هو عبارة عن مدينة كبيرة يضيع فيها البشر ، ووافق على الضيافة ، ولكنه لم يستطع ان يكتشف ان الفتاة سيدة الاعمال كانت لها مآرب اخرى .
بعد هبوط الطائرة في مطار نيويروك وبانتهاء ختم الجوازات لاحظت سيدة الاعمال ثمة شابين فتاة وفتى يحملان اسم خضير فليح الزيدي كل واحد منهما كتب على كارتونة بيضاء وبخط يجذب النظر، خارج صالة المطار مع الناس المستقبلين لركاب الطائرات ، فعلمت انهما يقصدان صيدها السمين ، كانت تنظر الى الرجل الهادئ الرصين ابن بلدها الضائع في غموض دعوة تلقاها من اشهر معمارية في العالم، وتوقعت السمراء، أن هذا الرجل كان يلقي عليها مزحة، لكنها لما شاهدت اسمه باللغة العربية على كارتونتي الشابين، تأكدت تماما انه صادق في كلامه ، وقبلها بساعة علمت من بطاقة الدعوة الموجهة له باسم زها حديد انه لم يمازحها ، فخططت ان تأخذه الى مكانها الدافئ على شاطئ المحيط وتسكنه في ( يختها ) غالي الثمن مع الحارسة الشقراء التي تقدم كل انواع الخدمات لضيوف اليخت ، كانت تريد من خلال هذا الرجل البريء الطيب ان تصل الى مراميها في الدخول الى عالم زها حديد، بعد ان اعيتها وسائلها السابقة من التقرب اليها ، وبقي خضير ينظر الى سيدة الاعمال ويتابع حركاتها لانها اصبحت بالنسبة له القشة التي لابد ان يتمسك بها وسط هذا البحر البشري التي تضج به صالات المطار ، تلاحق عيناه السمراوات والشقراوات والبيضاوات وهن يرتدين في شهر تموز الملابس الخفيفة التي تكشف عن كل شيء ، الصدور والافخاذ والاذرع العارية، كاد خضير ان يدوخ من اثر ملاحقة هذه الجميلة او تلك ، لكن سيدة الاعمال انتشلته من الغرق في بحر اجساد النساء ، بالوقوف خلفه وهمست باذنه " هيا اتبعني يا صديقي ، سترى مثلهن اكثر في اماكن اخرى عديدة" ، فزغردت عصافير روحه اللائبة الباحثة عن الجمال ، وطارت تلاحق خياله الذي توقف عن العمل تماما في تلك الساعة، بسبب ان ما يراه كان يفوق الخيال، ويفوق الوصف ويفوق اللغة ، رافق الروائي الفتاة السمراء وقد لاحظ انها وضعت عطرا جديدا وابرزت لون حمرتها على شفتيها فجعلتهما بلون صارخ ، وبدأت تتغنج اكثر من ذي قبل ، صعدا سيارة التاكسي الصفراء واتجهت بهما الى المكان الذي خططت ان تستضيفه فيه، فهو بالنسبة لهل لقية لا تعوض بثمن، وطلبت منه ان تسجل عندها رقم موبايل سكرتارية المعمارية ، ففعل خضير ببراءة من دون ان يعلم او يفكر لحظة واحدة بالمخطط الذي وقع فيه ، وصلت سيارة التاكسي الى شاطئ المحيط، وجاءت فتاة شقراء ذات قوام رشيق ترتدي تيشيرتا بلا اكمام ابيض ، وبنطالا قصيرا يكشف فخذيها ، فسال لعاب خضير لمرآى هذه الفاتنة وهي تاخذ حقيبة سيدة الاعمال قبلهما لتدخل الى بوابة اليخت ، وخضير مازال يدور براسه في كل مكان ليشاهد المناظر الخلابة والاشجار السامقة الاسيوية التي تشبه النخيل، ولما نظر الى المحيط هاله منظره بامواجه العالية وزرقته ، سار خلف السيدة على ممر خشبي باتجاه اليخت ، ودخلا الى صالته الفارهة وقالت له :
- ستكون هنا اقامتك قبل ان تلتقي بالسيدة العظيمة زها حديد .
وانصرفت لتتركه مع الفتاة الشقراء التي بدأت بتقديم الخدمات من طعام وشراب ، وفي الليل ، عندما جاءت السيدة الى اليخت وجدت الروائي منبطحا على بطنه وبجانبه الشقراء نائمين على سريرها وذراع الفتاة على ظهره العاري، فاغلقت الباب عليهما.
وجد الروائي نفسه في الحلم يرقص مع فتيات عاريات على بلاج المحيط وهو يوزع عليهن نسخ من روايته " عمتي زهاوي " . وفي صباح اليوم التالي جاءه اتصال من رقم امريكي بصوت انثوي مغر:
- انت وينك يا استاذ ، المهندسة بانتظارك وانشغلت لغيابك .
هرعت سيدة الاعمال لتستمع الى حواره مع المتصل وعلمت من الطرف الاخر يقول له :
- تنتظرك الانسة منذ ليلة الامس، المهم اننا عثرنا عليك، ستاتي لك فتاة من طرفنا في ظرف نصف ساعة، نريدك أن ترسل مكان اقامتك الان على الواتساب . فعل الروائي ما طلب منه، ثم ارتدى ملابسه وتناول فطوره وسرح بقايا شعره من الخلف وارتدى نظارته وقبعته وانتظر مجيء الموفدة من قبل المهندسة الانسة زها حديد .
وبعد ساعة، استقبلته المهندسة المعمارية في مكتبها الفاره، وعلى وجهها ابتسامتها الجميلة، خضير مرتبك كالعادة وحجول ، تلاحق عيناه فخامة الديكور بلون ابيض واللوحات خلف المعمارية والفتيات اللواتي يحمن في مساحة المكتب ، واحدة تقدم له الماء العذب واخرى تقدم له الشاي والمعجنات ، وثالثة تقف خلف الاريكة التي جلس عليه، بعد ان فرش يده اليمنى على مسندها مسترخيا، شاعرا بالغبطة والامتنان من نفسه كونه كتب عن اعظم معمارية في العالم، لكن خصير لم يشعر بالسعادة كثيرا اذ فاجأته الانسه التي ارتدت ملابس حريرية سود لامعة :
- كيف جلعتني لا احب الزواج والاسرة في روايتك وانا اشيد المعجزات لسعادة الاسر ؟
بلع ريقه مرتبكا، وبحث في ذهنه عن المفردات التي بامكانها انتشاله من الاخذ والرد في حوار قد يؤدي الى المماحكة فقال :
- سيدتي العزيزة ، مصادري هي ما نشر عنك في الاونة الاخيرة ..
وهو يتحدث اشارت الى فتى وسيم ذي انف اقنى جميل .. قالت :
- هذا حسن ابن اخي وهو يدي اليمنى ، انظر الى انفه ، اليس جميلا ، كيف وصفته بروايتك بان لديه انف كبير مشرئبا الى الافق؟ .
نظر الروائي خضير الى انف الشاب فوجده جميلا فعلا ، ولكي تتدارك الانسة الاحراج الذي وقع فيه ضيفها ، اطلقت ضحكة طفولية مع سعال خفيف ، وقالت :
- حسن يسامحك على ذلك وانا ايضا .. لكن التركة التي اخذت وصفك لها ربع الكتاب ما كان لك ان تستغرق فيها فقد وضعت وصيتي وكل واحد اخذ حقه ، بعدين هي 25 مليون دولار ، لماذا دوخت نفسك بها؟ .
تحسس خضير من خارج السترة مبلغ النقود الالف دولار في جيبه التي استطاع ان يستدينها من صديقه صاحب دار النشر ، بلع ريقه ، وفكر كيف تنظر الانسه الى مبلغ ال 25 مليون باستهزاء ..
- على اية حال حضرت لك مكافأة بسيطة جراء عملك الابداعي الراقي ، ولكن فهمني ، لماذا كان الحب ضعيفا في روايتك ، هل من المعقولة انني لم احب في حياتي رجلا ..
ازداد ارتباك خضير وقال :
- كل ظني انك تزوجت عالم الهندسة المعماريةوتفرغت اليها مرة والى الابد .ضحكت الانسة :
- ماذا قالوا لك هل انا خشبة بلا حس ولا روح ولا تفكر بالاحضان والدفء الرجالي ؟
انفعال خضير أخذ يظهر على وجهه ، اراد ان يخرج منديلا به يمسح العرق عن جبهته ، لكن الفتاة التي تقف خلفه ، مسحته له بمنديل قطني معطر وشاهد صدرها الابيض يتارجح امام عينيه الزائغتين ، فقال مرتبكا :
- كلا لا اقصد انك بلا حس ، بل إنك منصرفة الى عالمك المعاري الهائل ..
نظر خضير الى حسن صاحب الانف الاقنى وتسريحة شعره التي تشبه تسريحة الان ديلون واخفض بصره عنه خجلا ـ فقالت له زها :
- ساثبت لك انني امتلك كل الحس والانوثة ، هيا الى اليخت الذي تملكه سيدة الاعمال التي ضيفتك.
اتصل بها معاونوها ، وتم بيع اليخت الى زها بضعف سعره ، فامسكت بيد خضير وقالت له :
- هيا الى اليخت يا صديقي.
صعدا الى اليخت ، مع طاقم الخدمة ، وربانه، والفتاة الشقراء ، كانت زها تحتضن الى صدرها رواية " عمتي زهاوي " ولا تفرط بها من لحظة استلامها ،
وتحرك اليخت ، وشق طريقه وسط المحيط الاطلسي .. ونزلت المعمارية الكبيرة الى غرفة الاستراحة ، بينما كان الروائي ينظر الى امواج المحيط المخيفة ، ثم صاحت عليه زها :
- اين انت يا صديقي ، تعال الى هنا ..
دخل الروائي خضير فليح الزيدي الى صالة اليخت وجلس امامها ، واخذ اليخت يبجر بهما في اعماق المحيط .. ولحد الان هو جالس امامها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى