محمد مزيد - سعادة الفقراء

تنام تلك القريةِ البعيدةِ في تخومِ ذاكرتهِ ، على ذراعِ الفراتِ، يرتدي الصبيُ بسنواتهِ العشرِ، دشداشتهُ المقلمةَ البازة ، يتنقل بينَ الترعِ الصغيرةِ ، تحتَ ظلالِ غابةِ النخيلِ ، يلتقطَ " الجمريّ " ذلكَ التمرُ غيرُ ناضجٍ الذي يتساقطُ لوحدهِ من اعالي النخيل، هناك خارجَ بستانِ القريةِ، ظهيرةٌ حارقةٌ ، لا أثر للدوابِ والبشرَ تتجولُ ، الكلَ آوى إلى الظلالِ الموجودٌة في غابةِ النخيلِ ، لا يعرفُ الصبيُ بروحهِ اللائبة، عماذا كانَ يبحثُ ، يتحدث أطلسُ خيالهِ الآنَ ، كان يلتقطَ الكثيرُ منْ الجمريّ ، ويعبأَ جيوبهُ بها ، لكنْ في أعماقِ البستانِ، وفي اعماق ذاكرته ، كانت العائلةَ يعصرُون التمرُ ليصنعٍ منهُ دبسا لليالي الشتاءِ ، الفقراءُ لهمْ سعاداتهمْ التي لاتنتهي ، لا يعرف ما الحكمة من وجود الدبسْ في ليالي الشتاءِ ، لايفقهْ الصبيِ المعنى ، ماذا يحصلُ في الشتاءِ ؟ ولماذا على العوائلِ أنْ تعملَ دبسا ، لمْ يعرفْ تلكَ الحكمةِ منذُ صغرهِ ، ولمْ يحكيَ لهُ أيُ منْ الكبارِ، عن سرُ تلكَ الحكمةِ الغامضة ( دبسْ الشتاءِ ) . . غيرَ أنهُ ، بعدٌ سنواتٍ طويلةٍ ، وهوَ في عمرِ الشيخوخةِ ، عرفَ الحكمةَ متأخرا ، واكتشفَ أنها " الحبةُ الزرقاءُ " ، تلكَ " الحبةِ " التي تمنحُ السعادةُ للكبارِ حاليا ، تلكَ هيَ حكمةُ الدبسْ في الشتاءِ . . ألمٌ أخبركمْ أنَ الفقراءَ يعرفونَ طعمُ السعادةِ أكثرَ منْ الأغنياءِ والسلطاتِ ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى