محمد مزيد - طه حسين يلتقي فاتن حمامة

طرق الدكتور طه حسين باب الفنانة فاتن حمامة، بعصاه الابنوسية التي لم تفارقه منذ إن كان يدرس في باريس، وعندما فتحت الشغالة الباب وهي تعمل عند الفنانة حمامة منذ انتهاء تصويرها فيلم "دعاء الكروان" اخراج بركات حتى الان ، كانت قد وجدت عند الباب اعمى يكاد يهوي بعصاه على رأسها ، وهو يقول لها متذمرا " يا ولية صار ساعة وانا اقف اطرق باب سيدتك المفعوصة حمامة " كادت الشغالة تغلق عليه الباب لولا عصاه التي منعتها من فعلها المتذمر ، فهرعت الى سيدتها " سيدتي ، اعمى يقف عند الباب عاوز يدخل الى البيت، اظنه يريد مساعدة من حضرتك "، تركت الفنانة الكتاب الذي كانت تقرأ به، ونظرت الى حيث يقف الاديب الكبير فقالت لها ضاحكة " يا مهبولة ، ده العميد طه حسين بلحمه ودمه ، كم طه حسين عندنا في البلد ؟ " فهرعت اليه ووقعت على يده لتقبلها ، لانها تعلمت من رواية دعاء الكروان التي مثلت فيها شخصية امنة الخادمة ، وباقي رواياته الكثير ، وقد شجعتها عل قراءة الادب الروائي، تحسس العميد وجه فاتن بيده غير المشغولة ، واكتشف ان بشرتها مازالت ناعمة جدا فقال لها " يا فاتن ، ماشاء الله عليك مازلت شابة لم تعجزي بعد " .. طلبت الفنانة من العميد أن يجلس في الصالة، قادته الشغالة من يده واجلسته على الاريكة ووضعت امامه منضدة ، كان يبحث بيده في فراغ الاريكة عن فاتن، ثم قال وهو يرفع وجهه لينظر الى فراغ بصيرته، كما لو كان ينظر الى زاوية في اعلى الصالة تمتد امامه الى الافق ، " تعال اجلسي جنبي يا حمامة " فجلست غير بعيد عنه وهي تكتم ضحكة حاصرتها في تلك اللحظة، لانها رأت إنشغال يد الرجل العجوز وهي تتحسس قماش القنفة من القديفة ، فقال " انا مش مرتاح من الواد بركات ، لما وصفولي الفيلم ، عرفت انه اختزل الكثير من التفاصيل في قصتي " دعاء الكروان " ، جلبت الشغالة قدحا من عصير البرتقال ، ووضعته على المنضدة الصغيرة امامه ، لا تعرف بماذا تجيب الفنانة الكبيرة عميد الادب العربي ، كانت تلاحق شفتيه ، ليقول شيئا اخر ينقذها من عدم الرد على اتهامه لبركات ،وهو المخرج الذي تحترمه كثيرا، ذلك لانه اعقل وانضج من كل المخرجين الذين عملت معهم ، وعندما رن الموبايل رأت على شاشته اسم ولدها الوحيد طارق من طليقها عمر الشريف، فلم ترد عليه ، وتوقعت ان خصاما جديدا دب بينه وبين والده الذي ادمن اللعب على موائد القمار، برغم شيخوخته، فقال لها العميد " لماذا لا تردي على التلفون يا فاتن ؟ " فتضرج وجهها بالحمرة ، وارتبكت " ده ولدي طارق ، واذا رفعت الخط معه سيأخذ مني ساعة كاملة ، ولا اريد انشغل به ، وحضرتك موجود عندي " فقال العميد " شوفي يا حمامة ، طول عمري وانا احترمك واقدر نبلك ونضجك وكياستك العالية، ردي عليه لا تكسري خاطره " فردت " أيوه يا طارق ، ايوه عندي ضيوف، من اهم ضيوف حياتي ، مين ، انه العميد طه حسين، طب حبيبي باي " .. التفت العميد الى جهة جلوسها وقال" والده بعده صايع مع النسوان ، اليس كذلك ؟ " فقالت فاتن بحزن " حياته كده وهو حر فيها يا دكتور "، بحثت اصابعه عن قدح العصير ولم يعثر عليه فابتسم ، هرعت فاتن لتساعده في الامساك بالقدح ، غير انه شم عطرا باريسيا سبق له ان شمه في سنوات غربته في باريس وذكره بايام الجمال والعطور، عندما كان يدرس في السوربون ، قال لها " اسمعي يا فاتن ، انا اعرف انك مشغولة ، جئت اشكرك لانك جسدت بحرفية عالية وجمال شخصية آمنة في روايتي ، ولو انا زعلان لان تفاصيل كثيرة شطبها الواد بركات مخرج الفيلم ." انبرت فاتن دفاعا عن مخرج افلامها التي تحب العمل معه، فقالت " مش هو الذي شطب تلك التفاصيل ، ده يوسف جوهر ، واحد من اعظم السيناريستية عندنا في مصر ، هو اجتهد بذلك فوافقه بركات ، وهو صنيّع ماهر لا يمكن لاحد من المخرجين ان يتلاعب بحواراته يا عميد ؟ شعر الدكتور طه حسين بالغضب من رد فاتن ، فنهض ، وقال لها ، ده مفعوص تاني مش عارف كيف يقرأ .. انتم بهذه الاعمال ستشوهون الروايات وتظهروها للناس على غير ما كتبت به ، ابلغيه انني مستاء جدا من ذلك ، والسلام " .. وقبل أن يغادر، رن موبايل الفنانة ووجدت أن صاحب الاتصال هو ولدها طارق ، فقال لها العميد " اجيبي على فلذة كبدك ، لا تخليه ملطوع يا ام طارق ههههه ثم اطلق ضحكته المحببة وغادر بيتها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى