على حزين - فوبيا..

ما من مرةٍ أذهب فيها إلى مكان ما , إلا وسمعت اسمي يتردد , وبكل قوة في المكان , ووجدت اسمي ينادى عليه, أنا لا أزعم أني مشهورٌ جداً إلى هذه الدرجة ولا معروفاً إلى هذا الحد الذي يجعلني أعاني من هذه المتلازمة الغريبة العجيبة ,
ما من مكان أذهب إليه إلا وأسمع فيه من ينادي عليَّ .!!
ــ ..........
بالأمس القريب ذهبت إلى إحدى المؤسسات الحكومية العريقة لإمضاء بعض الأوراق المهمة العاجلة , وهذه هي المرة الأولى التي أذهب فيها إلى هذا المبنى الكبير , والعريق, وما أن دخلت من البوابة الرئيسية حتى سمعتُ من ينادي عليَّ, فتوقفت , أنتبه , تلفتُ حولي, أبحث عن صاحب الصوت , وأصغيت السمع , وعيناي تدور في المكان لعل وعسى أن أتعرف على صاحب الصوت , وفي جزء من الثانية توقعت أنه زميل دراسة , أو في العمل , أو حتى التقى بي أثناء الخدمة العسكرية مثلاً أو حتى تعرف على في إحدى الندوات التي أحرص على حضورها دائماً, ولكن كل توقعاتي باءت بالفشل الذريع عندما لم أجد أحداً يلتفت إليَّ أو يقبل نحوي, فأصابني الخجل الشديد من نفسي وخاصة عندما وجدتُ بعض الجالسين ينظرون إليَّ وقد حبسوا ضحكاتهم, فنظرتُ إليهم , واكتفيتُ ببسمة باهته وضعتها على وجهي لأخبئ ورائها إحراجي الشديد , وأنا أسلِّم على أحدهم , وانصرفت , أتعثر في خجلي , داخل المبني , ..
" المبني قديم, ويتكون من خمسة طوابق وفي كل طابق عشرات الغرف المكدسة بمكاتب الموظفين .. أنا لا أعرف أحداً هنا , كما وأني لم يسبق لي وأن جئت إلى هذا المكان من قبل , أنا لا أعرف أحداً هنا " , ....
ــ ........
استأنفت السير هرولةً حتى وصلتُ إلى السلم , ولم ألتفت في هذه المرة , ولم أرد ولا أريد أن اتعرف على من ينادي عليَّ , فالصوت لا أعرفه , ولا سبق أن سمعته من قبل , واقنعت نفسي, بأن الأمر لا يعنيني , وربما يكون تشابه أسماء ليس إلا, وأن صاحب الصوت لو يقصدني لأتى إليَّ ...
وما أن وصلت إلى درج السلم حتى سمعت من ينادي عليَّ من جديد مرة أخرى ولكن في هذه المرة , كان الصوت مختلفاً تماماً , التفتُ حولي بكل قوتي بعدما توقفت عن الصعود, ونظرتُ عن يميني وعن شمالي أبحث عن صاحب الصوت من جديد , ..
" الغريب في الأمر أن الصوت يأتيني في كل مرة مختلف تماماً, فمرة أسمعه يأتيني قوياً أجش , ومرة الصوت يأتيني ناعماً طرياً, حالم , ومرة يأتيني كموج البحر الهادر , ومرة أسمعه همساً, ومرة كالبرق , ومرة ضعيفاً يكاد لا يسمع,"
تلفت حولي , كان الكل في حركة دائبة لا تتوقف, ولا تنقطع, أناس يخرجون من المبنى , ويدخل غيرهم , وأنا لا أعرف أحداً منهم , استأنفتُ صعودي على السلم بعدما تذكرت لماذا جئت إلى هنا , ولماذا دخلت هذا المكان , ...
في الطابق الثاني , سمعت الصوت من جديد, يأتني في هذه المرة من أحد المكاتب المجاورة للسلم ذهبت إليه مسرعاً, وقفت , نظرت, الكل منشغل ومنهمك بما في يده , ألقيت السلام على من بالداخل, ردوا السلام عليَّ , وعاد كل واحد منهم إلى ما كان عليه بعدما رموني بنظراتهم المستفسرة , وقفت متسمراً مكاني , وبيدي أوراقي, وأنا أتفرس الوجوه التي أمامي, فسألني أحدهم عما أريد , فأخبرته ببغيتي , فأرشدني إلى الدور الخامس , شكرته , وعدتُ إلى السلم الرخامي , جمعت قواي, وواصلت , وعلى درج السلم صعدت ,
" في المبني " أصنصير" مصعد كهربائي " لكني لم أركبه, فأنا لا أحب الصعود أو الهبوط فيه, وأفضل دائماً السلم, لا لشيء غير أني أعاني من فوبيا الأماكن الضيقة , وأيضاً الأماكن المزدحمة, والمرتفعة, وهذه لقصة حدثت معي وأنا صغير , لا داعي لذكرها الأن .. "
توقفت, برهة من الوقت ريثما ألتقط أنفاسي المتلاحقة , وأنا أتلفت حولي بإمعان وجوه غريبة في المكان لا أعرف منها أحداً , ولا أحداً يعرفني هنا , اجتهدت أن أتعرف على أحد من البشر المنتشر في المكان ولكني فشلت فشلاً ذريعاً
ــ من الذي ينادي عليَّ ...؟ !!,
قلتها بصوت مرتفع , وتوقفت , أنظر , وأنتظر , بعضهم التفت إليَّ والبعض الأخر مضى في طريقه وهو لا يعنيه الأمر , تطلعت برهة من الزمن الوجوه الطالةُ عليَّ تفحصتها جميعاً, كانت الوجوه غريبة وأنا لا أعرف منها أحداً, ....
في الدور الخامس سألت أحدهم, فدلني على مكتب المختص فأسرعت الخطى إليه, ألقيت السلام بعدما استأذنت بالدخول عليه فرد عليَّ السلام وهو يأخذ الطلب الذي في يدي وقد مددته إليه, يعود ليجلس على المكتب, يبدو أنه كان يَهِمُ بالانصراف لولا أن دخلت عليه , أمسك بالورقة والقلم الذي أخرجه من درج المكتب وراح يكتب شيئاً , ولكنه توقف فجأة , وكأنه تذكر شيئاً ما , تمعن في الأوراق المقدمة إليه قلَّبها بين يديه ثم دفعها إليَّ وهو يقول لي , بشيء من العصبية والتذمر:
ــ أين إمضاء السيد الوكيل ..؟!!
فأجبته, بعدما امتصصت غضبي , وأخبرته بأني لم يسبق لي أن فعلت هذا الأمر من قبل , وهذه هي المرة الأولى التي أفعل فيها مثل هذا , ثم سألته
ــ وأين أجد مكتب سيادته ..؟!!
ــ في الدور الأول ,
أخذت الورقة من يده , وخرجت مسرعاً, بعدما شكرته , وهرولت , لعلي أجده في مكتبه , فالوقت متأخر جداً, ويوم العمل انتهى , أو يوشك على الانتهاء , نظرت في ساعة الموبايل الصغير الذي في جيبي, كانت الساعة تشير إلى الواحدة ونصف ظهراً تقريباً , وقبل أن أصل إلى درج السلم سمعته ينادى عليَّ من جديد , عدت أدراجي مسرعاً إليه, دخلت عليه , لعله نسي شيئاً يريد أن ينبهني عليه أو يذكرني به , ولكن كيف عرف اسمي, يبدو أنه عرفه من الطلب المقدم إليه
ــ سيادتك بتنادي علي ..؟!!
نظر إليَّ نظرة مطوَّلة , غريبة بعض الشيء , ثواني معدودة , ثم قال بامتعاض:
ــ لا يا سيدي, اتفضل , اذهب اقضِ مصلحة , وافعل ما قلت لك ,
شعرت بالخجل , والحنق عليه , وخرجت ثانية من عنده أهرول ,
في الدور الأول , سألتُ , فدلوني , فدخلت , ألقيت السلام , بعدما استأذنتُ , فرد السلام , ورحب بي , طلب مني أن أجلس لأستريح, ريثما يعود إليَّ , انتظرته حتى عاد , أختت منه الطلب , بعدما شكرته , وانصرفت , مهرولاً, وما أن خرجتُ من عنده حتى سمعته ينادي عليّ , من داخل المكتب ,
ــ ............
توقفت, يختفي الصوت , هممتُ بالسير, يأتيني الصوت من جديد , عدت أدراجي, استأذنت بالدخول , فأذن لي , نظرتُ إليه , فرأيته يبتسم في وجهي , أردتُ أن أسأله إن كان هو الذي كان ينادي عليَّ منذ قليل أم لا , ولكن شيئاً ما أمسك لساني عن الكلام , فسمعته يقول لي ...
ــ لو سمحت أعلمنا بما سيكون ..
ــ ............
هززت له رأسي , وانصرفت , عدت إلى الدور الخامس حيث مكتب المختص, وأتممت مهمتي بسلام , وهرولتُ مسرعاً , وما أن وصلت إلى باب الخروج , وخرجتُ من المبنى , أو كدت , حتى سمعت من ينادي عليَّ من جديد ,
ــ ...........
فهممت بالانصراف, لكن الصوت يأتيني مرة أخرى, فوقفت للحظة , فتوقف الصوت عن النداء , فهممتُ بالانصراف من جديد , لكن نفس الصوت ينادي اسمي من جديد وللمرة الثالثة , فعدت أدراجي أنظر في داخل المبني المكتظ بالناس من جديد لعل وعسى أحداً أعرفه , أو يعرفني ,
ــ ...........
ــ من الذي ينادي عليَّ ..
لاحظ بعض نفرٍ جلوس, بجوار الباب ما يحدث معي , التفت أحدهم حيث مصدر الصوت , ثم قال لي وهو يبتسم ,
ــ ليس أنت المقصود بالنداء , وإنما شخص آخر , فهززت له رأسي, وابتسمت,, ومضيت في طريقي, وأنا أبتسم , وأنا أفكر فيما حدث , ويحدث لي في كل مرة أذهب فيها إلى مكان ما , أو دخل فيها لقضاء مصلحة ما ... ,

**************
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر
تمت مساء الثلاثاء الموافق 14 / 11 / 2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى