كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - (عويلُ القهرِ).. مجموعة شعرية..

* مداركُ الضّوءِ..
يتوضأ الماء من شعاع وجهكِ
وينحني الزمان لقامة سطوعكِ
والآفاق بحرارة تقبِّل يديكِ
الريح تتمرَّغ على عشبكِ
الندى يتضوَّع لهفة لأنفاسكِ
أنتِ رحاب الولادة
اتّساع الأمد
قمة التّكوين
نضارة الأبد
رحيق الخلود
بوابة الأمان
شجر اللانهاية
بسمة العشق
نار البزوغ
رمق الدّيمومة
جلَّنار البداية البيضاء
متراس الصدى
شراع الأزل
حضن الزّيزفون
حلب الجنة
همس الياسمين
مدارك الضّوء
مدماك النّجوم
يشتاق الماء إلى جسدكِ
ويجوع الضّوء إلى حليبِ نهديكِ
يا حلب الأمومة الشهباء
سنعود إليكِ حين نقتل موتنا
ونحطم أوثان الخوف.*
إسطنبول
* رُبَّانُ الشَّر..
تعثَّرتٍ الجُثًّة بابتسامةِ القاتلٍ
فتهاوتْ عليها رصاصاتُ المحبًّةِ
وسقطتْ شاكرةً لطفَ الجاني
الذي لم يبخلْ عليها
بطلقةِ الرحمةِ
للقاتلِ تاريخٌ عتيدٌ بالإنسانيًّةِ
فهو مَن شرًّدَ القتلى
تحت الأنقاضٍ
وهو مَنْ أخرسَ الأنينَ للأبدٍ
وهو من صدَّر المواطنينَ
إلى أصقاعِ العالمِ
عبر البحرِ والبرِ
والقذائفِ الذكيّةٍ
القاتلُ قدَّاسُ السلامِ
في محافلِ الذئابِ المتحضرةِ
القاتلُ المفدَّى
يلُمُّ شملَ ضحاياهُ
يقتلُ كاملَ أفرادِ الأسرةِ
حتّى لا يعصفَ بها التشرّدُ
يحرصُ على دفنٍهم بحفرةٍ واحدةٍ
مفتوحةٍ على الكلابِ الضالًّةِ
هو رحيمٌ مفترسٌ
شرسٌ وجدانيُّ الغرائزٍ
نصفُهُْ حيوانٌ
نصفُه الآخَرُ ملاكٌ
كلُّه عضوٌ في جامعةِ الدولِ
ما من مجرمٍ إلَّا ويقدِّر شأنَهُ
ما مِنْ صفيقٍ إلّا ويهتفُ له
وما من ذبيحٍ إلّا وتعرَّفَ على سِكِّينِهِ.*
إسطنبول
* شمعدانُ الأبدِ..
يَتَتَبَّعكِ الكونُ
أينما ترفرفينَ بأنواركِ
الأرضُ تلثم خطواتكِ
والسَْماء تسرَّح لكِ شعركِ
والشَّمس تقف صاغرة
أمامَ أنوثتِكِ
القمر خادمكِ المطيع
والنّدى ينظف شبابيك قلعتكِ
البرق يسبح في دياجير بسمتَكِ
وتلتصق بظلكِ الرّغبة العارمة
أنتِ سفينة الأمنيات
ورحاب النّجوى
لأجلكِ يزهر الضّباب
ويضيءُ النّدى
ويرسلُ لكِ القمرُ أشعاره
أنتِ كوكبُ البهجة
وضفائر الإبتسامة
عنق الهمسة
وصدر الغمام
لو أنَْ قصيدتي لامست رقتكِ
لنصهرت بكِ أحرفي
وذابت المعاني على شفتيكِ
وتوضأ قلبي بنيرانكِ
وَصَلَّت دمعتي عند ظلكِ
أنتِ بهاء الخليقة
شمعدان الأبد
وشهقة الأزل البريئة
بكِ تتَّحدُ الآفاق
وتعشَوشَبُ الموسيقا
ويورقُ الأمد
تراكمت هواجسي عند أدراجكِ
احترقت براكين حنيني
وتجعَْدت صرخات نبضي
وطفح المشيب بخطاي
وأنا ألاحقكِ من سماءٍ لسماء
ومن جنةٍ إلى جحيم
فأمسكت بي مخالب القبر
وأنتِ غارقة بضحكتكِ الخجولة!.
إسطنبول
* بِلا رأفة..
تورقُ النَّارُ فوق أسطري
وتتفتًّحُ لغتي على احتضاري
فأنا تناسقّ الفاجعةٍ
في أبنيةِ التَّهدّمِ
وتلعثمِ الزلزالِ
في صفائحِ صمتي
يتسرَّبُ الخرابُ إلى جذوري
وتمتدُّ ألسنةُ البرقِ
نحو هشيمي
وتميدُ بي دمعتي
إلى سقوطي
لأقفً على تلالِ أوجاعي
وحنيني يناهزُ الفوضى
ليستلَّ قلقي الأشرعةَ
وأفقي مكتظٌ بنثارِ دمي
والسّماءُ حُبلى بهَواني
أمتدُّ إلى أفقٍ خائرِ المحيًّا
أختبئُ في رعشةِ الظَّلامٍ
وأتغلغلُ في مهاوي الخوفِ
أتمسَّكُ بالخسفِ
وأركضُ في أروقةِ الانهيارِ
تتلفَّتُ صرختي
تتهالكُ أنفاسي
وينبثقُ من أنيني الرَّمادُ
أحفرُ بأظافري أخدوداً بالسديمِ
وأدسُّ قلبي في قشرةٍ الهلاكٍ
محاولاً الوصولَ إلى عَراءِ تنهيدتي
فيتبعُني اليأسُ
ويلاحقُني عربيدُ المآسي
وكفنُ الاستغاثةٍ
ينهمرُ فوقي بلا رأفةّ
يُكَمِّمُ دهشتي.*
إسطنبول
* حارسُ النَّدى..
يستبدُّ بيَ قلبي
فأرضخُ له كما الحمار
أُطيعُهُ بكلِّ حماقاتِهِ
وأتتبَّعُ خُطُواتِكِ
في النَّهارِ
وأكتبُ فيكِ الشِّعرَ
المختمرَ في لواعجَ
ليلةٍ من سهادٍ
قلبي
لا يسمحّ ليً بالتَّردُّدِ
ولا بالخوفِ
ولا بالنومِ
طِوالَ الوقتِ يناوبُ نبضي
عندَ بابِكِ
كحارسٍ
يفتِّشُ الهواءَ
عن قنبلةِ عشقٍ
تغتالُكُ
تغتالُني
وتسرقُكِ من أحلامي
لا ، لا ، للشعراءِ في بابِكِ
ممنوعٌ أن تقتربوا
كلماتي ، لغتي ، ناري
أسوارٌ حارقةٌ
حولًكِ
ولولا مهابةُ اللُّغةِ
وعنفوانُها
لتجرَّأتُ
و اختطفتُ كلًّ الكلامِ
و كلَّ الظنونِ
و كلّ القصائدِ
ورميتُها مكوَّمةً
تحتَ أقدامِكِ
قلبي
قد يمنع السَّماءَ
من تسلّقِ أسوارِكِ
مخافةً من قمرٍ طائشٍ
قد تراودُهُ نزواتُهُ
ويقعُ في حُبِّكِ
ممنوعٌ أن يعشقَكِ غيري
ممنوعٌ أن تنظُري
إلَّا للهفتي ودموعي
أنا اختصرتُ الكونَ
بكِ وحدَكِ
ليتكِ تختصرينَ النّجوم
وتختارينَ شحوبي
أنا أكثر؟ مَنْ أحبَّكِ
ولكنَّكِ عبَرتِ
دونَ التفات.*
إسطنبول
* ابتسامة..
حينَ ظننْتُ أَنَّكِ ابتسمتِ لي
لامسَتْ قلبيَ النشوةُ
وضحكَ دمي
بلْ طارَ صوابُ نبضي
توسَّعَتِ الجدرانُ
ارتفعَ السقفُ
تغامزتِ النجومُ
غارَ القمرُ
باركَني اللَّيلُ
تمايلَتِ الأرضُ
صدحَتْ موسيقى الأثيرِ
ارتبكَ النَّدى
أطلَّتِ السعادةُ
فرِحَ الصَّمتُ
هاجتِ الورودُ
تنصَّتَ الوقتُ
اسْتَعَرَّ الهواءُ
تكلَّمتِ النوافِذُ
تهامسَ دُخانُ السجائِرِ
تعالى صوتُ الكؤوسِ
تهلَّلَ وجهُ الستائرِ
تمطَّتِ الكراسي والأرائكُ
اشتعلَتْ بداخلي القصيدةُ
لكنَّني قبلَ أنْ أتقدمَ نحوكِ
اكتشَفْتُ أنَّ ابتسامتَكِ كانتْ
لنكتةٍ سمِجةٍ
لأحد التافهينَ مِنَ الحضورِ
فانكمشْتُ في مكاني
الوكُ نبضَ قلبي
وأُراقِبُ تصرفاتِك.*
إسطنبول
* المَسْكَن..
تتعرَّى قصيدتي.منِّي
تتكشَّف عيوبُ دمي
وأحافيرُ روحي
وتقرُّحاتُ أحلامي
أبدو مشوَّهَ القوى
ضليلَ الهواجسِ
مشلولَ الدروبِ
ومعطوبَ الابتسامةِ
أنا يزحفُ على جسدي الموتُ
بدونِ قصيدتي
يأكلُ العفنُ نبضي
يبتزُّني القلقُ
وتتهدَّمُ خيوطُ قِوايَ
وأشعُرُ أنِّي سورٌ
مخلوعُ الأحجارِ
وبحرٌ حظروا عنه الماءَ
أو أفقٌ اصطادوا رحابَه.*
إسطنبول
* أبناءُ أمَّتِي..
سانصبُ خيمتي
تحتَ دمعتي
وأجمعُ تشرُّدي
في جمرِ صرختي
وأنادي على أخوتي
أن يعيدوا إليَّ ضِحكتي
وأن لا يَرجًموا وِحدتي
ولا يأكّلوا جُثَّتي
أو يمسحوا سكاكينَهم
بآهَتي وبِحُرقتي.*
إسطنبول
* إعدام طوعي..
تترمَّدُ الأمواج
وتسيلُ النار
والأرضُ تضمر
السماءُ تشيَّد من دمعٍ
والجبالُ تنمو في قلب السنبلة
ويتعالى تحطم الحلم
في صيرورة الخوف
البسمة تقف على مشارف الانهيارِ
والنسمةُ تكسو وجهها التجاعيد
الندى يشيب صوته
والسراب ما ينفك يضحك من خطاي
يتقرَّب مني الأزل
والسَّرمد يمسك بلهفتي
يمنع عني أسوار الأبدية
والحشرجة في دمي تصطفق
اليباس يحمحم في أودية الربيع
وطوابير الملائكة تبحث
عمَّن يبيعها جوازات السفر
العشب يغادر أحاسيس الخراب
والقمر تسقطه قذائف الأنين
والمخبر الأخلاقي
يأكل أفخاذ قصيدتي
لكي تدلي أحرفي
عن مخبأي
في صقيع الدفاتر
إني أتحسس حطب شهقتي
أتوجّس درب غيابي
لاتفادى جحافلَ الخيانات
التي أمطرتنا ببشائر
عصر الإستبداد الأبدي
عاش الخراب
عاش الدمار
عاش الموت
ورفرف علم العدم.*
إسطنبول
* صرخاتُ القلمِ..
ينحني الفراغ
تتكسّر الآفاق
وينهض الإنهزام
يطاردني الخوف
تلاحقني الفواجع
تقصفني المسافات
ترميني الإستغاثة
وتحرقني أمواج الخراب
لتمسك بي قمم النّهايةِ
من ياقةِ دمعتي
من مقبضِ قلبي
من نافذةِ صمتي
ورسغ همستي
سيقتلني مخبئي
سيشي عليّ دمي
وتشهدّ ذاكريات نسياني
أجادل خنجري
أحتجُّ على طعنة حنيني
تقهقهُ مخالب نبضي
وتكشّر لي قصيدتي
عن أنيابها الوارفةِ الموت
كان حرفي جاسوساً على يقظتي
كان عميلاً للإختناق
يقرأ إشراقةَ هواجسي
يراقب تفتّح حلمي
ويكتب التقارير لسيّده الظّلام
مقابل لقمة ينهشها
من سُطوعي.*
إسطنبول
* بسمةُ الله..
تهاوتْ جبالُ قسوتِكِ
على صدرِ أنيني
كانتِ ابتسامتي تحبو
على أعشاب فتنتِكِ
السامقةِ بالندى الأخرسِ
يدايَ تقطفانِ بعضَ رحابِ نورِكِ
منْ تدفّقِ شلّالاتِ الغرورِ
قربَ ظِلِّكِ الطافحِ بالبهاءِ
قاتلتي الرقيقةَ
معذّبتي الراقيةَ
ملهمتي بالانتحارِ
عاركتُ غاباتِ عطرِكِ
أدميتُ شذى شهوقِكِ
تسلّقتُ رميمَ صمتِكِ
شددتُ جدائلَ عليائِكِ
سيّجتُ أمواجَ التصحّرِ
عندَ نافذتِكِ
قلتُ : أحبُّكِ
مهما كانتْ نصالُكِ
حادّةَ المسافاتِ
أعشقُ أظافرَ السخريةِ عندَكِ
أموتُ على بصيصِ نجمةٍ
تطلّ في ذكرى الآفاقِ
منْ حرفٍ سقطَ منكِ سهواً
أنتِ بصيرتي
سراجُ لوعتي
أحبُّكِ
يا نهدَ السحابِ
يا أمّ التعطّشِ
يا مسكنَ الفردوسِ
حلبَ التنهيدةِ
حلب الإشراقةِ
حلب الأبديّةِ
يا تنّورَ الذكرياتِ
يا بسمة الإلهِ المعمورة.*
إسطنبول
* حريقُ اللهفةِ..
بكاملِ دمعتي أطرقُ آفاقَ تعاليكِ
فامسحي عن موتي غرورَ الصحراءِ
واحقني وريدَ سقوطي بالأملِ
ضمّدي أمواجَ نيرانيَ الزاهدةِ
رمّمي خطواتي الناحلةَ
واحضني رفاةَ انتظاري
أكلَ الصدى غيومي
شربَ المدى حطامي
وسكنَ البرقُ ظلمةَ هواجسي
أسابقُ أحصنةَ الاندثارِ
أتوغّلُ في شقوقِ المرايا
أبحثُ عن كسرةِ ندى
عن جدارٍ تسلّقَ نبضي
إنّني أقضمُ أجنحةَ اشتياقي
ألتهمُ أحشاءَ بوحي
وأنزعُ جهنّمَ عن دمي
ينطلقُ منّي حنينُ الانهمارِ
على صدرِ هجرانِكِ
بصماتُكِ تلسعُ غيابي
كمْ نافذةً عندَ الغصّةِ
ليطلَّ عليَّ العدمُ ؟!
أحفرُ آهاتي بالخنجرِ
لأطمرَ قامتي تحتَ ظلالِ
ابتعادِكِ عنّي.*
إسطنبول
* المنتصر..
أوافقُ على موتي
مقابلَ
أن ألمسَ قبلتَكِ
ستكونُ نهايتي سعيدةً
ستحسدُني عذاباتي
التي طالما لازمتْني
وتغبطُني دموعي السوداءُ
وتفرحُ قصائدي
وتزغردُ أحرفُها التعيسةُ
سأُقْدِم على الموتِ ببطولةٍ
بحجمِ أشواقي
بسعةِ لهفتي
بجسارةِ حنيني
وسأقبِّلُ أنوارَكِ بِحُرقةٍ
وأعانقُ عطرَكِ بجنونٍ
سأحضنُ أنفاسَكِ بقوَّةٍ
وأضمُّ نبضَكِ إلى عطشي
وبسمتَكِ إلى روحي
وصمتَكِ إلى براكينِ لُغتي
سيغارُ منِّي الموتُ
ويضحكُ لي القبرُ
حين يتراءى له نعشي
فوق أكتافِ الغيومِ
تتقدَّم جنازتي
أسرابُ الفراشاتِ الحالمة.*
إسطنبول
* مجاهلُ البَوحِ..
كادتْ لمساتُ همسكِ
أن تضرمَ النّيران
بادغالِ هواجسي
وكنتُ أعتلي سحابَ وميضكِ
وأنا أتفكّكُ من صلابةِ الموتِ
وأبحرُ في موجِ رمالكِ
الضّوءُ أخذَ يتسكّعَ عندَ
سلالمِ الآفاق
والنّدى راحتْ تتعرّق براريه
والنَّسمةُ انهمكتْ بتعرّي نوافذها
شبابيك الانعتاقِ فُتحَت
على جبالِ الأنينِ
وأشرعةُ الحنينِ
وأجنحةُ السّديمِ
وأوديّة شهقة الصّليل
يعضّني عطش اللهفة
تتوّقّدُ ثمار البهاءِ
ويلوح عواء الرّيح
يتقاذفنا زلزال التّألّق
تنهار علينا ضراوة البرق
ويتدفَّقُ صهيل الجهات
لتحمل إلينا أحضان السَّكينة
تنطفئُ الأرضَ
تغفو الرّعود
وتستلقي تحتنا السّماء.*
إسطنبول
* قتلوني بحنانٍ..
داخل قبري سأتعرّى من دمعتي
وأغسل روحي من المرارة
التي لازمت قدرتي على الاحتمال
وساكنس عن شفتيّ بسمات المجاملة
وسأفترش الأرض بذاكرتي
وسأبدأ بتغيير الأسماء
التي تركت بصماتها
عالقة على جروحي
وساجمع نصال من أحببتهم
من قلبي الفاغر بالدَّهشةِ
ولو سألني ملكا الموت
عن أسباب الغدر
سأموت ولن أدلّ على رفاقي
سأمارس سلطتي على قهري
وأمنعه من الكلام
وأقول :
- كلّ هذه السّيوف والسّكاكين والخناجر
كانت عبارة عن مزحة
من الأيادي البيضاء
وأنا لا أضمر الشّرّ
لكلِّ من كنتُ أغنّي معه
عن حبّنا لبلادنا الوادعة.*
إسطنبول
* عندَ البابِ!..
تتفسّخُ النَّسمةُ
تتقيّحُ الدّمعةُ
وتتشقّقُ أصائصُ الذّكرياتِ
عفنُ الرّوحِ يفوحُ
والقلبُ ينبشٍ حاويّةَ الحنينِ
تحجَّرت حَنجرتي
تيبَّس الأفقُ
تهاوتْ رؤايَ
و تقزَّمتْ امتداداتُ الصّدى
ستموتُ الجهاتُ
ستفنى الشّواطئُ
وقيودُ الرّيحِ ستُدمي لواعجَ الأشرعةِ
سيكونُ المطرُ نهِماً
يبتلعُ الرّوابي
وينقضُّ الضّوءُ على عُنُقِ النّدى
يتزلزلُ ليلٌ البهجةِ الشّبِقُ
والصّقيعُ الأسودُ يقِفُ طابوراً
خلفَ الجنازاتِ الحالمةِ
العدمُ يحفُرُ القبورَ
والنّهايةُ تبحثُ عنّي
ستُمسِكُ بي مخالبُ البدايةِ
و ستغدُرُ بي متاهاتُ الزّوايا
فعند البابِ حِفرةٌ
وعند النافذةِ يدٌ أعرفُها
ستصطادُ مستقبلي.*
إسطنبول
* جموحُ الموتِ..
وجدتُ رأسيَ مقطوعَ الجسدِ
وأقداميَ مبتورةَ الفمِ
أمّابسمتي فمخنوقةُ النّورِ
وكان دربي مخصيَّ التّرابِ
والجهاتُ مسبلةَ الجفونِ
رأيتُ الشمسَ تزحفُ على ركبتيها
والأفقَ يقلِّمُ وهجَ السّرابِ
والشّجرَ يسألُ عن مصيرِ رمادِه
تلتجئُ الجبالُ إلى صدري
مرعوبةً من صرخةِ قابيلَ
لحظةَ أعترتهُ النَّشوةُ
بقتلِ أخيه المسالمِ
رفعتِ الفراشاتُ راياتِ إستسلامِها
وتعالى ارتفاعٌ القمرِ
والزّمنُ ولَّى أدبارَه
وبدأ التْاريخُ يكرِّرُ نفسَه
ففي كلِّ دقيقةٍ
يجأرُ خِنجرٌ بيدِ الضّغينةِ.*
إسطنبول
* أحاسيسُ التّرابِ..
بعددِ ذنوبي بحقّها
قبّل لي حجارة قبرها
والمس الشّاهدة بخشوع
سلّم لي على وودِ قبرها
على عذوبة الصّمت
على أنفاس السّكينة
وندى الرّوح الباقيّة
قُلْ لها
في غربتي أفتقد لأشجار صوتها
المثمرة بالحنان
والمورقة بالأمل
أمِّي
ياحضن الأفق
ياصدر الضّوء
ومسكن الدّفء
أحتاجكِ في كلِّ نبضة
وخفقة روح
ورفرفة حلم
أنتِ سماء دروبي
بحار صوتي
مجداف خطاي
سامحي دمعتي الجامحة
وعصيان أجنحتي
غادرتكِ
ولم تكن يداكِ
قد أقرت لي بالأشرعة
استعجلتُ ركوب الرْيح
وجرجرتني الدْروب
إلى جحيم التّشرد
حيث صرتُ
أقدم الولاء للكلاب الشّاردة
بدونِ حضنُكِ يبقى الكون قزماً
أجوف الغيوم
مفقوء الشّمس
والقمر أعور النّور
النّدى أسود الأصابع
والعشب يغدر بترابه
أحنُّ إلى سعةِ غفرانكِ
إلى تسامح صلابتكِ
إلى جبال صبركِ
لو جاء قلبي يزور قبركِ
اتركي باب الجنّة مفتوحاً
وأعطي للملائكة اسمي
وصفاتي
وقولي لحجارة قبركِ
هذا ولدي الشَّقي
دعوه يطهّر روحه
من سلسبيل ترابي.*
إسطنبول
* رقصةُ الفاجعةٍ..
أستلُّ مخاوفي
لأتحسسَ هواجسي
وأتلمَّسَ نشَفانَ دمي
الصرخةُ قفزَتْ في عظامي
ودوَتِ الرَّعشةُ بأوصالي
اصطفَقَ السقوطُ
انهارَ النبضُ
وارتطمَت أنفاسي بالرعدةِ
الغبارُ شاحبٌ
والهاويةُ بلا مستقرٍّ
طاحتْ بي أقدامي
وتخلَّت عنيَ الأرضٌ
تهدَّم فوقيَ الظلامُ
تكسَّر الهواءُ
وجفَْتْ عنديَ الآهةُ
وانحدرتْ بي الأسئلةُ
الوقتُ يشهقُ
الأملُ يتمزَّقُ
والوحدةُ تتَّسعُ
تكبُرُ السكينةُ
وينفلقُ صمتٌ عظيمٌ
من قلبٍ أخرسٍ
يدغدغ جُثَّتي.*
إسطنبول
* راياتُ الانكسارِ..
يتألًّمّ الضوءُ
يتصلًّبُ النَّدى
وتتيبَّسٌ النَّسماتّ
ويحترقُ الصَّدى
الجبالُ تذروها الفواجعُ
والبحارُ تدكُّها الظُلُماتُ
والدُّروبُ تهيمُ على قارعاتِها
الزَّمنُ تتقهقرُ مذابحُهُ
والطَّعناتُ تتوالى على الثلجِ
والأفقُ يُطِلُّ مقضومَ الأطرافِ
الغيمُ مبتورُ الفؤادِ
والسَّماءُ مُهدًّمةُ الاتساعِ
الكونُ يصرُخُ
ودماءُ البسمةِ تتدفَّق بغزارةٍ
منْ فمِ الوردةِ
المقطوعةِ
من بلادِها
والمسكونةِ بالاحتلالِ.*
إسطنبول
* عويلُ القهرِ..
تقطعتْ أقدامّ السماءِ
وتهاوتْ
فوق غبارِ الدمعِ
تهشَّمت أسنانُ البرقِ
ودُقَّ عنقُ الغيمِ
زُهقَ الضوءُ
وتصلَّبَ وريدُ الهواءِ
شقَّ الليلُ ثيابَه
وبالَ النهارُ على عينيهِ
الكلامُ مطحونُ العظامِ
والصوتُ مخصيُّ الصدى
والندى مهروسُ الحَنجرةِ
لا شيءَ في الأفقِ
إلَّا أحذيةُ العسكرِ
والزمنُ يسبِّحُ باسمِ الخرابِ
الدربُ يهرب من خُطوتي
والهاويةُ تتفتَّح أوراقُها
من قلبِ الوردةِ يُطلُّ الخنجرُ
من جنحِ الفراشةِ أشُمُّ
رائحةَ البارودِ
ومن أصابعِ العسلِ
تنسابُ الاكفنةُ
باعَ الحائطُ إحساسي بالأمانِ
والنافذةُ هتكتْ سَتري
والأبوابُ سلَّمتني للأصفادِ
بلادُنا بلا خارطةٍ
يحدُّها الذُلُّ والهوانُ
ويدخلُها
كلُّ ذي نابٍ عظيمٍ
الأخوةُ
دقُّوا مساميرَهم
على جدرانِ دمعتي
الأصدقاءُ
صنعوا لي مِقصلتي
والجيرانُ
ساوموا النيرانَ
على خيمتي.*
إسطنبول
* آفاقُ شفتَيكِ..
سأجتاح بسمتَكِ
بضجيج لوعتي
برمادِ جُنوني
بشَهقةِ احتضاري
سأندَّسُ في وميضِها
وأتسلَّقُ أقمارَها
وأصعَدُ سُدرةَ النشوةِ
أقبِّلُ شعابَ الرَّهافةِ
وأمتزجُ بغدقِ السِّحرِ
فعلى بسمتِكِ يتدحرجُ النُّورُ
ويتفتَّحُ الخلودُ
وينسابُ الزَّمنُ
بسمتُكِ عنوانُ الجنَّةِ
وشراعُ النَّدى
يا كوكباً مِنَ الموسيقا.*
إسطنبول
* صهيلُ الانتظارِ..
تفسَّخَ الغيمُ
تعفَّنَ الضوءُ
ترمَّدَ المدى
جفَّتِ الريحُ
شابَ المطرُ
تمطَّتْ جهنَّمُ
استغاثَتِ الأرضُ
ولجأتْ إلى دمي
وأنا أبتهلُ لبسمتِكِ
أنادي براكينَ أنوثتِكِ
أَشعلِي الموتَ لنأتي إليك صاغرينَ
نلتمَّسُ الرَّحمةَ منْ سيفِ فتنتِكِ
ليركع البحرُ
و يشربَ الشَّبقَ منْ طلَّتِكِ
القمرُ يتلألَأُ رغبةََ
الرُّوحُ مستعِرَّةٌ لتلمسَ أصابعَكِ
وصهيلُ الانتظارِ يجثو
لرهافةِ المجيءِ
سآتي إليكِ رمادَ ظمأِِ
شروقَ أمنيات
بُحَّةَ عُمُر
وهديلُ عذاب.*
إسطنبول
* مفاتيحُ الضّوءِ..
أَمتَدُّ أمامَ نِيرانكِ
لا أُقاومُ لهيبِ توغُّلكِ
تنشبينَ في دمي بحارٍ
من فتنةِ الإكتواءِ
وتتدفَّقينَ في سعيري
أمواجَ بهجةٍ وغبطةٍ
تتأوَّهُ في قفاري
وتتنهَّدُ على رمالي
وصحارى عمري تختلجُ
تصهلُ بأوديتي النَّشوة
تحمحمُ جبال الرُّوح
وتحلِّقُ أجنحة الرَّغبةِ
يتألَّمُ الضَّوءُ
تنصهرُ الفرحةُ
تذوبُ الآفاقُ
تتقوَّضُ الجبالُ
تمطرُ الشَّمسُ
وتخمدُ أنفاس السَّماء
فيهلُّ رذاذ النَْدى
وتورقُ مسامات السَّكينة
تشرقُ أعشاب الزَّمن
وتمتدُّ يدي إلى خصلةٍ
من شعرِكِ المخمور
كانت تدندنُ قصيدةَ الولادةِ.*
إسطنبول
* توحُّد..
حينَ تقتلُني
لا تطعنْ قلبيَ
لأنّكَ فيهِ
ولا تفقأْ عينيَ
لأنكَ تسكنُها
ولا تحرقْ روحي
لأنّكَ مساماتُها
ولا تهرِقْ دمي
لأنّهُ يتدفّقُ بحبِّي، إليكَ
أبعِدْ طعنتَك عن صدري
فهذا الصدرُ درعُكَ
ولا تأتِ من خلفي
فظهري ما زال يحرسُ ظهرَكَ
ولا تبتِر ساعديَّ
فهما يحضنانِ عطرَك
ولا تقطعْ قدميِّ
لأنْهما ما زالتا تسعيانِ إليكَ
لا تُقْدِمْ على شنق بسمتي
فهي تخصُّ قلبَك
كلُّ ما عندي
هو مِلكُ يديكَ
أنا وجسدي رهنُ أمرِك
أنا وقلبي طوعُ سحرِك
أنا وروحي تحتَ تصرّفِك
اقتلْني
لكنْ لا تؤذِ نفسَك
اقتلْني
لكنْ حاذر أنْ تموتَ بدلاً عنِّي
فأنا وأنتَ متداخلانِ
ومتّحدانْ.*
إسطنبول
* رذاذُ الاحتراقِ..
عندَ حوافِّ النّدى
أقامَ السّرابُ خيمتَهُ
وظنّ شفاه الفجرِ
ستبلِّلُ نضارتَها
بتوهجِ رمالِهِ الميِّتِ
اِمتطَّ عنقُهُ
أمتدَّتْ يداهُ
تواثبتْ نظراتُهُ
إشرأبَّتْ رُوحُهُ
بُحَّ انتظارُهُ
وخابَ رجاهُ
وتهاوى عندهُ الأملُ
السّرابُ بلا أسنانٍ
مُتساقِطُ الشّعرِ
مهدومُ الرُّكبتينِ
معطوبُ الظهرِ
مغلولُ العينينِ
ومازالَ يهفو للندى
وَيَنشَدُّ لصخَبِ العطرِ
ورذاذِ الاحتراقِ.*
إسطنبول
* عنفوان..
عبرَ عنقِكِ سأنفذُ إلى السّماءِ
فأستولي على الجنةِ
وأُُدخِلُ إليها كلَّ العشاقِ
سأغفرُ لهم ذنوبَ القُبُلاتِ
واللقاءتِ السّريّةِ
والمغامراتِ الجنونيّةِ
والعلاقاتِ المدمِّرةِ
سأجعلُ الإمارةَ بيدِ الشّعراءِ
ليغدِقوا على الأنوثةِ
قصائدَهم
المستوحاةَ من سجودِ النّهودِ
الحالماتِ بألسنةِ النّارِ
وأفواهِ الجمرِ
وشفاهِ السَّعيرِ
وأسنانِ الآهةِ العمياءِ
وأنينِ الغيمِ
وحَمحَمةِ النّدى
ومجونِ الجنونِ
وبراكينِ الانتظارِ
اللعينِ.*
إسطنبول
* فيضانُ الرّغبةِ..
يتجلّى البريقُ
يشعُّ السّحرُ
يفوحُ الحضورُ
تسطعُ موسيقى البهاءِ
وقلبي ينقادُ لعذوبةِ فتنتكِ
أحتاجُ لألفِ دهرٍ
لترتوي أصابعي، من لمسِ
نضارةِ النّورِ
من آفاقِ طلّتِك
في عروقي يتدفَّقُ الفرحُ
وشلّالاتُ انتشاءٍ
وحِممٌ من جنونٍ
ورعودُ نبضٍ
ورقصةُ دمٍ تشهقُ في أمواجهِ
ينتابُني شبقُ الموتِ
وسعيرُ اللهفةِ
وشراسةُ القُبُلاتِ
الصّاعدةِ لحدِّ الذّروةِ
حيثُ تضطرمُ نيرانُ النّدى
وتتفجّرُ براكينُ الآهةِ
التّواقةِ لأفُقٍ عميقِ الأنينِ
فتقطفُ السّماءُ أزهارَ الشهقةِ
ورحيقَ الرّعشةِ
وخلجاتِ النّجومِ
حينها سأهصُرُ بسمتَكِ
وأداعِبُ البرقَ السّاكنَ في عينيكِ
وأنثرُ على قِممِ جموحِكِ
موتي.*
إسطنبول
* قلقُ القلبِ..
أنا أحبُّ الأرضَ
لأنَّ دروبَكِ تتوزّعُ عليها
فكلّ النّجومِ والمجرّاتِ
تهفو لعناقِكِ
الكونُ يتّسعُ ليحتضنَ أنوثتَكِ
السّماءُ ترتفعُ لسموِّ معاليكِ
والمدى يطوفُ على الرّحابِ
يبشَّرُ بفيضِ رحيقِكِ
أنتِ أكثرٌ من ألفِ معجزةٍ
أشرقتْ على قلبي
سحابةُ نعيمِ
شجرُ الأناقةِ
شراعُ الأبدِ
سنبلةُ الابتسامِ
تعشقُكِ القصائدُ
تتمنّاكِ الأحلامُ
أخاف أن يخطفَكِ المحالُ
فأنا أغارُ عليكِ
من عيونِ الملائكةِ
ألم يكنْ إبليسُ واحداً منهٌمٌ؟!.*
إسطنبول
* عٌتمةُ النّدى..
في عتمةِ النّدى
يتفسًّخُ حنيني
ويتوهُ منّي دمي
تستيقظُ حاسةٌ الموتِ
تخلعُ روحي أغصانَها
يرمي قلبي أبراجَ الانتظارِ
وتموءُ بداخلي الذّكرياتُ
أعانقُ جمجمةَ الفرحِ
أحتضنُ رميمَ بسمتي
أقبِّلُ جبينَ قلقي
وأصافحُ جراحي المكتظّةِ
بالخناجرِ
يناديني الزّوالُ
يضيءُ لي القهرُ
يومئُ لقصيدتي القبرُ
وأنا لا أنزاحُ عن خرابي
يهرعُ نحوي آلتّقهقرُ
ينساب منّي الصّقيعُ
ويقبضُ عليّ التَّشردُ
أمشي على وجعِ الخرائطِ
تتقاذفُني آهتي
تحيطُ بي لوعتي
تلاحقٌني السّخريةُ
تسبقُني الفواجعُ
وأرى تلالاً من البؤسِ
تتدحرجُ صوبَ نزيفي.*
مصطفى الحاج حسين. إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - مدارك الضوء
02 - ربان الشّر
03 - شمعدانُ الأبدِ
04 - بلا رأفة
05 - حارس الندى
06 - إبتسامة
07 - المسكن
08 - أبناء أمّتي
09 - إعدام طوعي
10 - صرخات القلم
11 - بسمة الله
12 - حريق اللهفة
13 - المنتصر
14 - مجاهل البوح
15 - قتلوني بحنان
16 - عند الباب
17 - جموح الموت
18 - أحاسيس التراب
19 - رقصة الفاجعة
20 - رايةً الإنكسار
21 - عويل القهر
22 - آفاق شفتيكِ
23 - صهيل الانتظار
24 - مفاتيح الضوء
25 - توحّد
26 - رذاذ الإحتراق
27 - عنفوان
28 - فيضان الرغبة
29 - قلق القلب
30 - عتمة الندى
------------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى