عزيز معيفي - عمر زايد حروفي برؤية تشكيلية مبدعة

يستقبلك عمر زايد في مرسم "العودة السعدية" بباب دكالة، الذي تُشرف عليه جمعية مرسم مراكش للثقافة والفن، حيث يعرض لوحاته، يستقبلك بابتسامة تدلّك على أنك بحضرة فنان من عيار الكبار...
فنان يرى الحياة من منظور المتصوف الذي يبتهج لنور الإشراق، ويسعى لنشر الجمال في عالم يسوده الجشع والحرب والدمار.

1.jpg


عمر زايد يستمتع بفنه وفي فنه
"لو لم أكن مستمتعا لما استمررت"..
هكذا قال، وأضاف: "أشتغل أحيانا، أزيد من ستة عشر ساعة، وأجد نفسي أثناء الليل مشدودا للوحتي، لدرجة أنني أتمنى ألّا يصبح الصباح، لأواصل خلوتي، وأبقى منغمسا في متعة إنجاز عمل فني جديد.."
عمر زايد تشرّب فن الخط منذ طفولته، وتدرّج بعصامية في مراتب امتلاك تجربة الحروفية، غير أنه عزز مساره الفني بالحصول على الإجازة في خطَّي الثلث والنسخ على يد شيخ الخطاطين التركي حسن شلبي.
هكذا تحول عمر زايد إلى ثالث ثلاثة بالمغرب مجازين في فن الخط..
رغم الدرجة التي بلغها، بحيث أصبح مرجعا في العالم العربي والإسلامي في فن الخط الكلاسيكي، وخاصة خطّي الثلث والنسخ، حافظ على بساطة الفنان الانسان، واعتبر نفسه دائما في وضع البداية. فهو لا يؤمن بالنهاية والاكتمال، لأن توازن العالم يقف على التفاعل.. كذلك اللوحة تجعل من الحرف بداية لما سيأتي، فيحلّ الدفق الجميل باستمرار على فضاء اللوحة الأبيض، ويأخذ الحرف بأبعاده الجمالية المتماوجة مكانا له في الروح..
يقول زايد: "انشغالاتي تأتي من الافتتان بالكون، ومحاولة اكتناه العالم بما هو خلق مستمر، كذلك الحرف لا يولد جاهزا، بل يخلق لنفسه مسارات في الفضاء، ويأسر العين، ويجعلها تبحث عن الجميل."
ومع ذلك يأسف عمر زايد لكون الجمهور المغربي لا يملك ثقافة كاليغرافية، ويحتاج لمحاربة الامية الفنية، لأن من يجهل تراثه الفني كمن يجهل نفسه..
عمر زايد منارة في فن الخط الكلاسيكي الأصيل وحروفي مبدع
العلاقة مع الخط تقتضي التشرّب برمزيات الزخارف، والقدرة على الافتتان بسحر الحرف، وهو يأخذك الى الأسرار الكامنة فيما يشدنا الى الوجود.
من لا يملك حسّا رهيفا، ووجدانا شاسعا يصعب عليه ان يقتحم الأسوار التي يُسيّج بها القبح روحه.
بالعودة الى الحرف العربي، يُصنّف زايد نفسه كحروفي، لكنه يتمسك بتطبيق قواعد الخط مع مراعاة المقاييس. فرغم تداخل الحروف في اللوحة، يحافظ على حرف أو عدة أحرف مبعثرة، ويُشركها في حروف متداخلة. لا بد ان يكون الحرف قويا، ويمتلك قوة التعبير بنفسه.
ابن مقلة سبق دافنتشي الى وضع دائرة للحروف العربية بستة قرون
اللون يمنح أبعادا تشكيلية للوحة، ويأخذ الحرف الى مسارات جمالية تتّسم بحرية أوسع..
غير أن الحروفي الأصيل ـ يؤكّد زايد ـ لا يفرط في هالة الرّهبة والقُدسية التي تمنحها المشارب الإسلامية للحرف. ولذلك يتمسّك بهذا المنحى في تجربته التشكيلية.
منطلق هذا الفنان الصموت في رؤية العالم يشبه نظرة الطفل، فهو يرى العالم باندهاش.. لا يكتفي بما هو جاهز، لأنه يبحث عن الجديد في التفاصيل. يقول : "يمكن اعتباري طفلا ينمو باستمرار، لذلك تتغير لوحاتي في أبعادها الفنية باستمرار، لكنها تسعى لنقل الجمهور من جمالية الحرف، إلى تأمل أعماق الذات الإنسانية.."
الفن فلسفة حياة، تجعل الفنان الأصيل يولد باستمرار، ولذلك عبّر زايد عن اقتناعه الكامل باختياره الفن كحياة من نوع اخر.. حياة تزخر باللّامرئي الذي تعجز العين الامية عن رؤيته. هنا يتساءل عن غياب فن الخط، والفن التشكيلي بصفة عامة عن برامج المدرسة المغربية، في الوقت الذي تكتسح فيه الانفوغرافيا الفضاء المرئي، وترسخ البعد التجاري الاستهلاكي وتجعل حياتنا خالية من العمق الإنساني.
من ناحية أخرى، تكتشف وأنت تحادث هذا الفنان الودود، تجربة واسعة في صناعة الورق الطبيعي الذي يستعمل في انجاز اللوحات الفاخرة، وكذلك تكتشف تجربته الواسعة في صناعة الحبر من مواد طبيعية.
يتطلب انجاز لوحة مراحل عدة، ومهارات واسعة وحركات رشيقة من اليد، والا فسدت. يمر الخطاط من مرحلة التخطيط أو الكتابة، وتتلوها مرحلة التنظيف بسِكّين خاصة بهذا الغرض، ثم التطعيم.
هذه الخبرة تشرّبها من ثقافة القدماء، الذين يصرون على درجات عالية من الكياسة والإتقان، بلغت حد استعمال تقنيات سرية لإضفاء سحر خاص على اللوحة.
عمر زايد يفني نفسه في عمله على حدّ تعبير شيوخ الصوفية، لأنه يتدرب ساعات طوال قبل أن يشرع في إنجاز لوحة. ويكاد لا يفارق مرسمه الحالي حيث يعرض، كما يعكف حاليا على تهيئة رواقه الخاص بحي باب دكالة بمراكش.
ويبقى عمر زايد من أجلّ الأسماء التي تُغني وأغنت الرصيد الحروفي بالمغرب والعالم العربي والإسلامي، فضلا عن دوره في إيصال الرسالة التعليمية التي تحمل أُسس الخطّ العربي الأصيل باعتباره مرجعا ناذرا في خطّي الثلث والنسخ.

عزيز معيفي



مشاهدة المرفق 25845

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى