حمد علي حسين - يوم وجدت للحب مرافيء.. قصة قصيرة

أشتد بي الشوق للفتاة التي أحب ووجدتني في نوبة شوق كبير تأخذني بعيدا ً عن كتابي الذي كنت أقرأه إستعدادا ً للإمتحان. حملتني تلك النوبة من الشوق إلى عالم الخيال الذي أعيش فيه كلما هزني الشوق إليها ولرؤيتها.وأغرق في لجة تساؤلات تضج في رأسي حين يخطر لي طيفها . يا ترى هل ستكون لي فرصة اللقاء بها ؟ أن أعيش العمر معها ؟ وهل ستكون لي فرصة في عالم يضمنا معا ً ؟ وهل ستكون لي فرصة التمعن بتلك الملامح التي رسمها الله جمالا ما بعده جمال؟ تلك العيون التي تشابكت أهدابها وسوادها لتشكل غابة نخيل في ساعة السحر كما يصفها السياب يرحمه الله، العيون التي فيها من بريق الوجد ما يشعل حنيني لها وهي تتهادى أمامي وقد امتلكت أمر فؤادي ،فما بوسعي النأي عن التفكير بها وكثيرا ً ما أجدني أسير ذلك البريق من غير قيود .يا ترى كيف يتسنى لي التقرب منها وأنا الذي يملك في هذه الدنيا من حظ إلا النجاح في الدراسة والوصول إلى المرحلة الجامعية على الرغم من كل الغصص يا ترى أنى لي أن أدنومنها؟ لقد وجدتها تستجيب لنظراتي بود ظاهر، تشي به ملامحها وكأنه دعوة قبول ورضا . سرحت ُ بصري بعيدا ًعن كتابي الذي بين يدي وكأن شيئا يحملني إلى ما وراء الأفق، كنت جذلا ً وأنا أستعيد كل نظرة منها. يا ترى هل سيكون بوسعي العيش معها وهي أبنة ثراء واضح ونعيم مرسوم على ملامحها وتصرفاتها ولباسها وزينتها وكذلك رفيقاتها من الطالبات اللاتي يشكلن معها مجموعة متميزة ؟. وجدتني أكـُبر في نفسي مؤهلاتي التي ليس بوسع أحد ما أن يبخسها ، كما أني أومن بالزمن اللآتي ،يوم سيكون تحصيلي العلمي موازيا ً لتحصيلحها والذي سيجعلني ذا حضوة عند أهلها ، أن فقر الحال زائل مهما قسا. فجأة افقت ُ على صوت زميلي الذي كان يجلس بجواري وهويخاطبني همسا ً من غير أن ينظر إليّ ” تر من ْ ينظر إلى أعلى تنكسر رقبته .” ذهلت ُ ، تطلعتُ إليه وقد أستحوذت علي ّ دهشة كبيرة لهذه المصادفة ، تملكتني نوبة أستغراب ، لقد وجدت ُ عبارته تنتشلني من وهدة سرحان في عالم الخيال، كنت ُ أجوس خلال دروبه المترامية في آفاق رحابته. تطلعتُ إليه مليا من خلال نظرات هائمة في المجهول وهي تحاول أن تستشف ما كان يروم الوصول إليه من وراء كلماته ، غير أني وجدته هوالآخر ساهما ُ مسرحا ً بصره في المجهول ، سألته عن قصده فرد بعفوية واضحة ” لا أقصد إلا الحقيقة ، فلم يقل الذين من قبلنا هذا جزافا ُ وترفا ً ولغواً بل حكمة وعن تدبر، ومما لا ريب فيه ، انهم صاغوا أمثالهم بعد معاناة كبيرة وتجربة قاسية . يا صاحبي ان الأحلام الكبيرة التي لا تتحقق ، تتعب صاحبها وتخلف بعدها عذابا ً وشقاء ” ثم لاذ بالصمت مطرقا ً رأسه وهويحاول النظر في الكتاب الذي بين يديه . ثم أخذ ينقر المنضدة بأصبعه نقرات مبهمة يحاول ان يبدد بها شحنات قلقه ,قال بنبرات اكثر رزانة من ذي قبل ” نحن لا نحب الفقر ولا أحد من الناس الفقراء يحب فقره ، بيد أنه قدرنا وعلينا أن نتعايش معه بجلادة لئلا يهصرنا كما هصر الذين من قبلنا يوم كان الجهل والتخلف غالبا على أمرهم . أني ، ياصاحبي ، انحني اليوم إجلالا لهم ، لأنهم تجلدوا ، كل حسب قدرته وقناعته . لقد تشابكوا مع الظروف ببسالة الصبر . هلا أخبرتني يا صاحبي ما الذي يحملك على الأندهاش الذي ارتسمت ملامحه على محياك وأنت تسمع عبارتي ، لا ريب عندي انها وجدت صدى فيك وارجوان لا تكون قد أصابت فيك مقتلا .( أبتسم ) أليس كذلك ؟” أجبته وقد وجدتني مأخوذا بسحر كلماته ” أجل ، يا صاحبي ، كأنك كنت تقرأ ما يجول في رأسي من أفكار وخواطر ، انني أفكر بالفتاة التي احب وأريدها معي ونحن على ابواب التخرج ، بيد أني على الرغم من ذلك ، أكاد أتيه في دوامة لا قرار لها .أني أريد وأخشى ما أريد ، اني كمن يحب النجوم ، غير أنه يفقدها عند كل فجر جديد .الفجر الذي يكشف لي ما هي عليه من ثراء واضح وترف يرتسم على وجهها الأسمر ويكشف ما أنا فيه من فقر وحرمان وثقل أحمال الأهل واحلامهم وتطلعاتهم إلى الزمن اللآتي ، أنني أجدها محنة يا صاحبي ” قال ” أجل ، غير أنها ليست محنتك وحدك ، لا ريب عندي أن هناك الكثير والكثيرات أيضا من الذين يعيشون الحرمان حتى في الحب، هلا تلحظ ملابس الطلاب والطالبات البسيطة التي لا تتجدد وكـنها غير قابلة للتجديد ؟ وهناك من ْ يعاني بصمت وتعفف ، أنهم من أولي العزم، من ذوي الصبر المعفر بالأسى. ثم واصل التحدث بعد لحظات صمت ،” قبل أيام كنا صحبة نجلس في نادي الكلية ، فسأل أحدهم صديقا له من الجالسين قال بأنه كان قد دخل السجن من قبل لأسباب سياسية. ” لقد دخلت السجن ، أليس كذلك ؟ أكنت من اليساريين المؤمنين بالأشتراكية ، العدل الأجتماعي، ؟ ” فأجابه صديقنا ” أجل ، يا صاحبي ، لقد أدخلوني السجن مع آخرين ” غير أن صاحبنا السائل المترف بالثراء وبالنعيم الظاهر عليه لباسا ً وقيافة وأناقة وأشراقة وجه عاد يسأل ” ولماذا أنت أشتراكي ؟.” تطلع فيه الصديق الآخر مليا ًللحظات من دون أن يقول شيئا ً مكتفيا بالنظر إليه، ثم جاء صوته و هويحاوره ” أني لأجد صعوبة في أن اجعلك تفهم السبب تماما ، غير أن بوسعي أن أضرب لك مثلا ، حين تزوج أبي من أمي ، كانت حشايا فراش عرسهما ليلة العرس من الشوك ، وعليك أن تتصور حال أمي وهي تنام على الشوك وكيف كانت ليلة زفافها والشوك يوخز جسدها وهي عروس ، أما أنت ، فمن الذي لا ريب فيه ،ان اباك قد تزوج من أمك على فراش من حرير وحشاياه من ريش نعام وما احسب أمك قد عانت ليلتها من الوخز ، اني ومنذ تلك الليلة ، يا صاحبي ،كنتُ نطفة في رحم قاسى من وخز الشوك وحملت ُ من تلك الليلة الوخز وشما ً وقدراً ، أما أنت يا صاحبي ، قد رفلت َفي النعيم وأنتَ في رحم أمك وعشت َ نطفة في قرار مكين من الدعة والهناء ، وهكذا مضت حياتنا نعيما وعذابا , والفرق كبير بين النعيم والعذاب، فيا صاحبي أنا عالمان بينمها برزخ فلا يلتقيان ، أني رضعت ُ الحرمان من ثدي أمي التي لم تشبع يوما ً ولا أدري ما رضعت َ أنت من ثد ي امك ؟ هلا عرفت َ الآن لماذا أصبحت ُ أشتراكيا ؟ أني أتطلع إلى الزمن اللآتي، زمن الأمل الكبير الذي لا ريب فيه ، الزمن الذي لا يجوع فيه أحد ولا يعيش فيه الحرمان أحد ، الزمن الذي يجد الأنسان فرصة عمل ويتعلم ويـُعالج ويأكل من خيرات بلده من دون منة من أحد . ” بعدها أصبحنا جميعا لوذا ً بالصمت.ثم جاءنا صوته مؤكدا ً ما ذهب اليه” ما لي لا أكون ما أكون وأؤمن بما أؤمن به ، الآن أريد أن أكون في ضفة أهلي وحشد المحرومين ، فهل هذا هومثلبة، لا أريد أن أكون مع الذين أغتصبوا أحلامنا كما تـُغتصب العذارى، لا أريد أن تؤد تطلعاتنا إلى الغد الجميل وسموالعواطف ونبلها وبسالة الضمير، أجل يا صاحبي شتان ما بيني وبينك ، ومن وحي هذه الحقيقة يكون وسيكون ثمة فراق بيننا ، أما أنت الآن فلا يوجد فيك صورة المُعـَذب وقد نال منه الحزن .” خاطبي بعد لحظة صمت ” أما أنت يا صاحبي ” لا تتطلع كثيرا إلى فتاة من الناس الذين يعيشون في مصاف عالية والذين لا يريدون لنا أن نقرب منهم حتى في الطموح والتمني والعواطف، لا يعني الحب عندهم شيئا ً , أعشق فتاة من ثوبك ، من أهلك ، أنهن تعلمن وحصلن على الشهادات ، ألأ تراهن في الكلية ، لقد خرجن مثلك من دائرة الجهل والتخلف وأخذن يتطلعن إلى المستقبل والزمن اللآتي. أنا لا أدعوك إلى طبقية في الحب والهوى، غير أني أجد في هذا رد أعتبار وإكرام للذين يحاولون أن يشقوا طريقهم وسط تزاحم الذين يتربعون على عرش السلطة والمناصب من شخصيات سياسية ، كنا نعدها كبيرة بسموها الأخلاقي ونزاهتها وانها أسوة حسنة ، بيد أننا أكتشفنا بجلاء أنها تعاني أنهيارا ُذاتيا كبيرا ً وهزال ثقة ، تلك الذات التي يتمثل إنحرافها الوطني والأخلاقي بلهاثها وراء مكاسب شخصية بحتة على حساب الفقراء والمساكين , أنني أوجس منهم خيفة ، أنهم يبدأون مناضلين ثم يتحولون إلى موظفين منتفعين ووعاظ سلاطين ، وبئس مثل هؤلاء مثلا ، الذين استباحوا المال العام واصبحوا من أكلة السحت الحرام.” لذت بالصمت مصغيا إليه ، ثم وجدته يتحدث بألم الواعي الدائم الشقاء . ثم قال ” بوسعك أن تمضي إلى حبيبتك واثق الخطوة ، ولآ تتعثر بهمومك والتي أعرف أنها كثيرة وادنومنها ولا تجعل منها قيودا ً فترفس بأثقالها ، إياك الشعور بالدونية . مرت بي الأيام وأنا دائم التطلع المحمل بالحلم منتظرا اية فرصة قد تجود بها الأيام. وحانت تلك الفرصة التي طال لها الأنتظار، في مكتبة الكلية، وجدتها واقفة منتظرة إستعارة كتاب. ألقيت عليها التحية فردت بصوت بدا لي بنبراته هادئا ً ودودا ً. تقدمت ُ لأملاء استمارة الأستعارة وقدمتها للموظف الذي أتى إلينا مبتسما واخبرنا أن كلانا يطلب الكتاب نفسه ومتبقية منه الآن نسخة واحدة وقال ” أيكما أشد حاجة له ومن ْ منكما الذي يتطوع للتنازل عن الأستعارة هذه المرة ؟ “قلت أني لست بحاجة ملحة للكتاب ، لأني أريد أن انسخ منه ثلاثة صفحات فقط ولا بأس ان أنتظر ” وجاءني صوتها تغلب على نبراته حماسة تلقائية وعفوية واضحة ” أني مستعدة أن أنسخها لك لوأخذت أنا الكتاب.” قلت ُ مبتسما وقد شعرت ُ بدفقة فرح تسري في أوصالي ” ربما قد أشغلكي بهذا ،لا ؟” ردت بالحماس نفسه ” كلا ، أنك متفضل علي ّلأني بحاجة اليوم للكتاب وأعتقد أن نسخ ثلاثة صفحات لن يستغرق وقتا طويلا ، كما أني سأقرأ بإمعان ما تريده ، ربما قد أجده أكثر نفعا ً أومتعة .” قلت ” حسنا ، لك ما تريدين ، أتفقنا وأرجوأن لا تستعجل الأمر ، فما أنا في عجلة من أمري . ” أخذت ْ الكتاب بفرح غامر ، شعرت ُبذبذبات منه تنسل جذلة إلى قلبي وتمنحه أملا ً وحيوية وحنانا. خرجنا معا من المكتبة كنت ُ أسير بقربها وما أنا بالمصدق، بيد أني تماسكت ُ بعزم اريد أن أكون جديرا ً بها , أفترقنا بعد ان أكدت لي أنها ستنجز ما وعدت ْ. فشكرت ُ لها كل ذلك ثم وقفت ُ متمعنا ً شكلها الذي تشكل في مخيلتي وأحسست ُ أنها قد تركت ْ في ّ أكثر من آصرة ووشيجة بل جسرا ليعبرمنه الأمل .

كان للأنتظار لذة اللهفة وكنت أردد مع نفسي ” أسألقاك ِ يوم ألقاكِ ستمنحي روحي أخضرار الشوق وزهوالأمل وقد أتسع مداه ليعبرأسوار الزمن إلى قادم الأيام .

بعد يوم جاءت فرحة بوجه يطفح بشرة نضرة وبعيون تشع بريقا ً من الوجد وقد فرشت على ثغرها الكرزي ابتسامة عريضة ، هادئة . جاءت تمشي ملكا وكأنها تمشي على بساط من حرير أوعلى عشب ندي مفعم بعبير ربيعي وهويضوع على الدنيا حنانا وإشتهاء , نهضت ُ واقفا لمقدمها وكأني افرش لها ذراعي ّ جناحي ّ فراشة لأضمها لهفة وإشتياقا ً، دعوتها للجلوس وإستحابت ْ ملبية دعوتي لها. جلست قبالتي وكأنها تجود على بلحظات كريمة ليتسنى لي التمع في وجهها البدري، أحسست ُ بأنفاسها عبيراً ووجدت نظراتها جسور ود ٍ طافح، تهادى إليّ صوتها رقيقا ً بنبرات رصينة وجادة وهي تقول ” لقد وجدت ُأشياء جديدة بالنسبة لي في الصفحات التي طلبت َ نسخها ، أنها بحق تعبر بوضوح عما يرمي اليه الكاتب .وأسلك الآن كيف وقع إختيارك على هذه الصفحات من دون غيرها ؟ لا بد إنك قد قرأت الكتاب أكثر من مرة، أليس كذالك ؟ قلت ُ جادا ً وكأني استعير رصانة كلماتها ” أجل ، لقد قرأته مرات عديدة لأني معجب جدا ُ بالكاتب نفسه ، كما أني قد قرأت له أكثر من كتاب ، ربما أصبحت ُ ملما ً جيدا ًبآرائه التي أجد لها صدى في نفسي ، كما أني أجد ما يكتبه قريباً إلى أحاسيسي وربما إلى عواطفي ودخيلتي كلها ، أنني معجب ٌ به منذ قرأت له روائيا ً قبل أن اقرأ له كاتبا. لقد تعلمت ُ منه انه ينبغي على الروائي ان يقدم في منجزه الأبداعي أشياء وأشياء ليثري القراء بما لديه من تراكم معرفي وليستفزه وليس ليدعه يستلقي على وسادة من الخيال . ” قالت ْ ” حقا أني أجدك قارئا ً غير عادي ، أنك تقرأ ما بين السطور .” قلت ُ ” عفوا ً آنستي ، أني ليست كذلك ، بل أني أتمعن بما أقرأ ، لا ينبغي أن يعاني القارئ من فراغ معرفي وعلى الكاتب أوالروائي ،أن يبذل قصارى جهده ليملأ ذلك الفراغ ، لآ أود يا آنستي أن أكون قارئاً غير عابئ بما يقرأ ولا يمكن أن أركن إلى محنط الفكر والتراث . ” قالت بعد أن تطلعت ْ في ّ مليا ً” أني أكاد أسمع كلاما ً جديداً من قارئ في مقتبل العمر .” أجبت ُ فرحا ً ” أنني سعيد بقولك ِ هذا ، أنه شهادة لي بأني على صواب .” مضت بنا الأيام وقد توالت ْ لقاءاتنا في بناية الكلية وخاصة في النادي حيث يجلس الطلبة وكانت جلساتنا متباعدة الزمن وإنْ كانت متكررة وكانت أحاديثنا عامة بيد أني كنت أجدها تتحدث معي هادئة النبرات رقيقة الكلمات وكأنها تجوس في دروب جديدة عليها، كنت ُ أتحدث إليها متشجعا ً ومن دون أي تكلف في الكلام ـ بل أني وجدت كلماتي أكثر إنسيابية معها . ذات مرة جاءت وجلست بقربي بعد أن انفردت عن رفيقاتها وكانت قد أبتعدت عني يومين قالت مبتسمة ” أشتقت ُ إلى حديثك .” قلت بهدوء ” ,وأني أشتقت ُ اليك أنتِ أكثر.” قالت ” أود أن أتحدثي عن نفسك ، من تكون ؟ وأين تسكن ؟ ومع منْ تعيش ؟ وكيف تقرأ ؟ بصراحة أود أن أعرف عنك الكثير وأرجوأن لا تعد هذا تطفلا أليس كذلك؟ ” قلتُ ” كلا ، يا آنستي الجميلة ، ليس تطفلا أوفضولا ،ربما هوما يفرضه علينا تعارفنا الذي شاءت الأقدار أن يتم منذ أيام معدودات ولكنها رائعة عندي .أني يا آنستي شاب ولد في هذه المدينة كما ولد فيها ابي وأمي ومن قبلهما أبواهما ، نشأت وترعرعت في أزقتها في أحدى حاراتها ودرست ُ في مدارسها ، عائلتي تعيش في مستوى الكفاف كما يصفها أهل الأقتصاد ، فقيرة الحال غير انها لم تجع يوما وكما لم تعر . أبي عامل بسيط تعلم عند الكتاتيب ، لذا أني أدين له بكبير الفضل ليس لأنه أبي بل لأنه أرسلني الى المدرسة ، وأنه أصر على مواصلة تعلمي من دون ان يرسلني لعمل لكي اساعده في شؤون البيت وكان يقول لي عبارته البليغة “تلحق على التعب.” وإلى حد الآن لا يقبل ان أعمل لأتفرغ للدراسة. أنا وأخوتي وأخواتي عشرة أفراد ، وأنا كبيرهم وصغيرتنا طفلة لها من العمر عام ونيف .نمتلك داراً بسيطاً ً يحتضننا بدعة وحنان. لقد علمنا أبونا الرجل البسيط حب الناس واحترامهم واجده الآن وقد أورثنا نزعته التصالحية مع الآخرين.أما أمي فأمرأة أمية وبسيطة ،أنها طيبة إلى حد كبير وكثيرا ما أتطلع إليها في ملابسها البسيطة فأجدها ذات قناعة تستحق كل الإعجاب ألآن . اتعرفين أنها لا تأكل إلا بعد أن نأكل نحن جميعا ً ثم تجلس إلى الطعام لتتناول ما تبقى منه من دون أن تقول شيئا ً .هؤلاء هم أهلي وأبطال عالمي وفرسانه الذين يعيشون بحق ببسالة الضمير كالذين أقرأ عنهم في الروايات . أني أحس الآن بمسؤولية اخلاقية كبيرة إتجاههم وكثيرا ً ما أجلس وحيدا ً لأتأمل وضعهم وأتساءل عن أحلامهم وأمانيهم وكيف ينظرون إلى المستقبل وهم يعيشون نوعا من الحرمان الذي تآلفوا معه منذ نعومة أظفارهم. ” نظرت إليها فوجدتها متطلعة إلي ّ ساهمة وكأنها مأخوذة بحديثي . تطلعت إليها ، كانت رائعة بهدوئها وقد أزدادت جمالا. وواصلت ُ حديثي :

“اني لا يهمني كثيرا ً من ْ تكوني واين تسكنين وكيف تعيشين أن هذا لا يعني لي شيئا والذي يعنيني هوأنت ، الأنسان الذي امامي ولكن لا أجد بأسا ً لوتحديثني عنك وعن عائلتكِ .؟ ” قالت تسألني وهي تبتسم ” أ تصر على هذا ؟ قلت ُ ” كلا واعفيك من الحديث إذا كان قد يسبب لك نوعا من الإحراج . ” قالت ” ليس هناك من إحراج ، فأبي صاحب شركة محاماة يعمل فيها موظفون . وأمي كانت موظفة وتفرغت للبيت ونملك دارا كبيرة بالإضافة إلى دور أخرى مؤجرة وتشكل موردا آخرا ً لنا .نحن أربع بنات وولد واحد يعيش خارج الوطن فقد أرسله أبي أثناء الحرب إلى هناك خوفا من الحرب .لنا أقارب عديدون بيد اني لم أجد من بينهم أحدا ً له ثقافتك وثقتك العالية بنفسك وإعتزازك بأهلك وأهتمامك بهم وبأحلامهم .وهذا ما يزيد أعجابي بك وأحترامي لك وحبي لك ، أجل حبي فقد أحببتك يوم وجدتك تنظر إلي من بعيد والآن اني اكثر حبا ً لك بعد حديثك الصريح . كم عالية هي ثقتك بنفسك ، لقد أحببت الرجل الذي فيك وهذا ما أريد من رجل المستقبل .” وجدتني مأخوذا بصراحتها. “أبتسمت ُ لها وأنا أرنولها.كما وجدت ُ البريق في عينيها وقد أخذ يدب بل ينسل إلى أعماقي عبر ذبذبات تأتي إلى ّ متغللة في ّ ومحركة كل أحاسيسي. شعرت ُبموجة فرح تسري في أوصالي عدت ُ ابتسم لها أبتسامة طفل يغمره فرح مفاجئ. قالت ” أراك تنظر إلي ّ وكأنك تراني لأول مرة . ” قلت ُ جذلا ً ” أني أراك ِ اكثر نضارة بل اكثر جمالا ً. لقد هزني بريق عينيك ِ ، كم أتمنى لوأني أرفع خصلة شعرك ِ عنهما كيلا أجدها تحول بيني وبينهما” أبتسمت ْ برقة ورفعت ْ يدها لترفع خصلتها عن جبينها وعينيها، وهمست ْ ” ها وقد رفعتها ، هكذا تريدها ؟ قلت ُ بفرح طفولي ” بلى ، إنك ِ الآن أجمل وأكثر إشراقا ً. ” قالت وثمة إبتسامة ودودة أفترشت ْ على محياها” على رسلك ، أجد الآن الشاعر الذي يسكن فيك قد أستفاق ، وها هويحاول عبور عتبات الحياء غير المرئية فيك .” قلت ُ مبتسما ً وقد أدهشتني كلماتها” إنك ِ تسبرين أغواري يا آنستي ، أي حس هذا الذي تمتلكينه ، رويدك ِ فأنت ِ التي ينبغي لها ان تكون على رسلها. لقد شفني الوجد وأنا أجلس معك ِ ، أني في صومعة الإعجاب بك ِ، وقد أخذتني نشوة متصوف فراح يحلق في رحابها ولها ً ومأخوذا ً بسحر جمال لم يألفه من ذي قبل. فأعذرني أنْ تماديت ُفي حديثي ، فلقد وجدت ُ بابا ً للفرح وقد انفتح لي وسط غابة حزن كظيم ، حقا يا آنستي أن للحب ضفافا ً ومرافئ.” قالت وقد وجدت ُ الفرح يرتسم في كل ملامحها” قالت ” أ لم أقل لك لقد أستفاق فيك الشاعر، فها أنت تقول كلاما ً رقيقا ً يمس شغاف القلب مس النسيم العذب, أن كلماتك فراشات تتراقص جذلة فوق لهيب الوجد فيك ،أنني سعيدة جدا ً لسماعك بل لكلماتك المعبرة التي تنبض صدقا ً كما تنبض عاطفة وسحرا ً .

ثم جلسنا لاءذين بالصمت ونحن نتبادل النظرات هادئة وهي تتعانق بلهفة. نظرت إليها من خلال غبش الدموع التي أحسست بها ندية وهي تخضب بالفرح جفني ّ، ثم أطرقت ُوكأني أعتذر لها لفرط وجدي الذي فاض مني من غير وعي وعبر عتبات الحياء كما وصفته ولدهشتي وجدت ُ عينيها الجميلتين قد أغرورقت بالدموع وهي تحاول أن ترسم إبتسامة على شفتيها الرقيقتين وكأني بها تعتذر هي الأخرى .قلت ُ ” أن هذه الدموع هي أوراق أعتماد لعلاقات ود صادق وحب فتي ولد َ من رحم نشوة صوفية لعاشقين مأخوذين بسحر غير مرئي.” قالت ” مرة أخرى ها هوالشاعر فيك يبوح بصوت يعبر أسوار الصمت ليقول لي الكلمات التي تأخذ بشغاف قلبي بل تحمله على جناحات فراشات وتحلق في رحاب عاطفة ملكت كل ما في ّ من مشاعر وأحاسيس، وها أنا أجدني أسيرة راضية مطئمنة لقيود لا تدمي معصمي. لقد ولد حبنا نقيا ً في روضة ود صادق وأرضعته الفراشات من رحيقها .” لذنا بالصمت ثانية لحظات ثم أفقنا من بحران وجد وغياب في ” نغم يذوب “. أليس هذا هووله ٌ وهيام !!


تكررت لقاءاتنا مع الأيام ، كثيرا ما كنا نجلس كطيري حب يتناجيان بهمس الزهور من دون كلمات .مرت أيام وأيام وشهور وشهور وقد كبر فينا الشغف ببعضنا واشتد التوق إلى سماع أخبارنا، عرفت ُ عنها وعن أهلها الكثير وعرفتني أكثر وأكثر. أتفقنا على الزواج بعد قناعة وإيمان رحنا نرسم خطوطا عريضة لحياتنا معا ً في المستقبل الذي تصورناه جميلا ً. تخرجنا وحصنا على فرصة عمل كل في مكان. وهكذا بدت الدنيا تبتسم لي ، كانت حلما ً ورديا ً يشكل حاضرا حلوا ً. بعد شهور قررنا ضرورة أن تبادر هي بمفاتحة أهلها بمشروع الزواج. ورحت أنتظر ردهم ويحدوني أمل كبير، ولكن جاءت في أحد الأيام كئيبة كسيرة النفس وفي صوتها غصة كبيرة تحمل رفضهم لي، لأني فقير الحال وليس من طبقتهم، دهشت ُ أ لا يزال هنلك بين الناس من ْ يفكر بالطبقات في هذا الزمن !! أ لا يزال الفقرسدا ُ منيعا ً في طريق الأحبة وسيفا ً مسلطا ًعلى رقابهم ؟ عزمت ً أن أكافح من أجل حبي الذي هوأملي في حياة افضل .فقررت ُ أن أزور اباها في عمله ، ذهبت ُ وكأني ذاهب لمنازلة خصم عنيد وتشجعت ودخلت ُمكتبه واثق الخطى ، حاملا ً عزما لم أرد له أن يلين .بعد عرفته بنفسي، نظر لي مليا ً وكأنه يتفحص شيئا ً يسعى أن يجد فيه ما يمنحه فرصة لرفضه . بعد أسئلة عن عملي ومرتبي وأهلي وثم عن عائلتي وحياتنا وعيشنا. أكد رفضه لأني أشكل لهم شخصا ً لايستحق نسبهم وقال بصريح العبارة” أنك لا تمتلك أي وضع إجتماعي prestige، فلا وضعك الأجتماعي يليق بوضعنا ولا وضعك المالي يرقى إلى وضعنا المالي ولا حتى الثقافي على الرغم من أنك تحمل شهادة جامعية غير أن أهلك لا يزالون ناس أميون ، كان عليك أن تفكر بهذا كله وأن تأخذه بنظر الأعتبار قبل أن تأتي إلي ّ وتطلب يد أبنتي.” قلت مقاطعا ً” يا سيدي ، أني غير الذي ترسمه في ذهنك، أني أنسان يعيش الدنيا أملا ً، فإذا ترى الحاضر ليس حلوا ً لأبنتك فأني أراه حلوا ً وأرى قادم الأيام أحلى وأن الغد يولد من رحم الحاضر أحلى فأحلى ، أنك ترى المستقبل فاجعا بلا مبرر ، فلقد كنتُ سابقا ً فقيرا ليس عنده ما يكفيه ، أما الآن ، فأني والحمد لله عندي ما يكفي ، أني على يقين سيكون في المستقبل عندي ما هوأكثر وأكثر.أني لا أغلق أبواب الحياة لأني أعشقها عشقا ً كبيرا ً، لوكنت ُأفكر كما تفكرأنت َ لما أحببت أبنتك وهي أبنة الغنى والثراء وإنْ كنت ُ اجهل منْ تكون ، أني وجدت فيها رقة الأنسان الذي يعتز بأنسانيته ويعشق جمال الحياة بكل أنواعها الزاهية وتحب الناس كل الناس ولا تغلق أبواب الأمل في وجوه الآخرين من الذين يعيشون الحياة أملا ً كبيرا ً في قادم الأيام، يا سيدي أني وجدتها صنوا ً لي على الرغم مما بيننا من مسافات الوهم الطبقي الذي تحاول أنت ألآن أن تجعل منه حقيقة ، يا سيدي نحن أقل منك مالا ً بيد أننا لسنا قرية خاوية على عروشها ، فلقد أثمرت تلك العروش عطايا كثيرة في كل مجالات الحياة ، فمنا أصحاب شهادات ومهن وحرف تدر رزقا ً طيبا ً مباركا ًلأنه شريف ونزيه ، كما أود أن أقول لك كنا ،أنا وأبنتك ، مستعدين للأرتباط من دون موافقتك ، غير انني لم أرغب أن تكون زوجتي من هذا المستوى المتمرد على اهلها بما قد يؤذيها، اردت ُ لها كل خير وسعادة من دون أذى لأنها حبيبتي ،ولأني أعرف مدى خطورة الخطوة المنفردة في الزواج ، أقصد من دون موافقتك كأب ،أنني أحببتها فلا أريد لها إلا الخير والخير عندي فقط يتمثل بموافقتك. تذكر ياسيدي أني جئت ُ إليك من الباب لا طامعا ً ً فيPrestigeولا مال ولا جاه.”فجأة رفع يده وهويقاطعني قائلا ً” كفاك إلقاء كلمات منمقة من خطاب الفقراء الحالمين العاجزين . لا أريد سماع الكثير من هذيانك ، أني أرفض زواجكما ،وأرفض وأرفض ، لأنه ضد المنطق عندي .عليك الأنصراف بهدوء أيها الشاب . مع السلامة ولا تعود إلى هنا ثانية، كما أني أطلب منك الأبتعاد عن أبنتي وأن تقطع كل علاقة بها وإلا … ” قاطعته قائلا ً ” قبل أن أخرج أود أن أقول لك أني سأبقى متمسكا بها بقدرتمسكها بيّ ولن أجبرها على شيء لا تقتنع به. ” ثم غادرت المكتب من دون أن التفت إليه أوأن أقول شيئا ُ آخر . غادرت ُ المكتب وقد ذوى فيّ الأمل بيد أني كنت أنتظر ردها. لم ارها شهراً بعد آخر عرفت انها تزوجت من صاحب Prestigeأبن صاحب شركة من حديثي النعمة والجاه الذين جمعوا الثروة بعد الأحتلال ، كان أبوه قد دخل السجن سابقا لأختلازه المال العام وبعد الأحتلال اطلق سراحه على أنه سجين سياسي وتبؤ منصبا جديدا ًحيث تسنى له ولغيره سرقة المال العام من جديد تحت ذريعة المظلومية . عرفت بعدها بسفرها وزوجها واهلها إلى خارج الوطن ، لربما هروبا ً وتهربا ً. كنت اقضي الوقت متجولا ً من دون هدف واضح فقط لتمضية الوقت وأنا أردد مع نفسي :

مسكين ٌ هذا القلب ُ
أضناه الحبُ الخائب ُ والترحال ْ،
يحلم ُ بالوصل ِ والوصل ُ محال ْ .
يطوف ُفي الدنيا والأكوان،
يصارع القدر َ المخضب َ بالأوحال ْ
وآلام َ القلب ِ المنكود ِ الحظ ِ،
المسحوق ِ الهامة ِ، التائه ِ في الأسفار ْ .
عبر َ بحار الكون ِ مقيدا ً بالأصفاد ْ
يا قلب ُ لا تركن ْ للحلم ِ
فما بوسعك َ أن تنال ” منال “

بحثت ُ عن صاحبي فوجدته يعاقر صمته في صومعة أقامها لنفسه في ركن من أركان مقهى في مكان بعيد . أدلني عليه صديق قريب منه قائلا ً ” أنه يلح بالسؤال عنك ” ذهبت إليه فوجدته يجلس وحيدا ً كعادته ، مسرحا ً بصره في الأفق البعيد ، يمص سيجارته بنهم ، أشرقت ملامحه لرؤيتي ، غير أنه لم ينهض للقائي ، وأكتفى أن أشار لي بالجلوس ثم أبتسم وهمس كعادته وكأني به يبوح ” أجلس أني في شوق إليك ، وكثيرا ً ما كنت أشتاق إليك ،أني لا أملك إلا أن أشتاق، لا تحدثني عن حزنك ، فأني لآ أحب حديث فجيعة العشاق، انك لست وحدك الذي عصفت به الأقدار، أنهم حشد كبير ، بيد أني لآ أريدك أن تكون رقما ً يضيع في تلك الأرقام، أخبرني كيف وجدت طعم الخيبة ؟ يقال انه مر ،غير أني لا احسبه أكثرمرارة من الحرمان ، أني أتفق معك أن الخيبة في الحب أشد قسوة وأشد وجعا ً في القلب والوجدان .”

لاذ بالصمت ،ثم رفع بصره وتطلع إلي ّ. قلت ُ ” حقا ً أني أعاني ذلك الوجع في القلب والوجدان وقد تنوعت أوجاعي ياصاحبي ، ربما هذا هوقدري ، فقد قالوا ان الحب قدر، يأتي إليك من غير موعد,” جاءني صوته وهويردد ” صابر وكل عمري صبر ، والحب على العاشق أمر، والدنيا لوصارت عسر ، أصبر على المكتوب .” ثم أبتسم لي، غير أنه أطلق زفيرا ً، كان حسرة أكثر منه زفيرا ً. قال ” يا صاحبي (عليك ان تتعلم كيف تنسى إمرأة اصبحت لرجل آخر.) أعتقد أن الحبيبة لا تصلح أن تكون زوجة .” سألت ُ ” كيف ؟ ولماذا ؟”قال ” الفرق بينهما كبير ، فالحبيبة قدر والزوجة إختيار، الحبيبة خيال والزوجة واقع معاش. الحبيبة لها صورة تصنعها أنت من خيالك وكما تحب تماما ً وتعيش معها كما تحب وتعيد صورتها،لأنها من صنع هواك وضنونك كما يقول الشاعر ” كامل الشناوي” يرحمه الله وتعيش معك ربما بشكل واحد ، أما الزوجة فتراها كل يوم بشكل جديد: تراها ربة بيت ، تطبخ الطعام وتنظف البيت وتراها من دون زينة، وتراها متعبة ومريضة ، وإذا صارت أما ً ، يأخذ الوليد حصة كبيرة من أهتمامها وعواطفها وكلما زاد عدد الأولاد ، أزداد الأهتمام بهم وقل الأهتمام بالزوج ولا يبقى له إلا الفراش ، لذا لم يكتب النجاح للعاشقين كأزواج. هل سبق لك وقرأت الأسطورة ألأغريقية . عن بيجماليون النحات الذي عشق تمثالا ً لمرأة صنعها من العاج إلى الحد رجى الإلهة ( أفروديت ) ان تحيل ذلك التمثال إلى أمرأة حقيقية وتحقق له ذلك وعاشرها معاشرة الأزواج. وفي يوم عاد الى الدار فوجد الزوجة الرائعة الجمال ، ربة بيت تكنس وقد علاها الغبار وتطبخ ورائحة الطعام تفوح منها، لقد وجدها غير تلك التي عشقها فعاد يتوسل إلى الإلهة أن تعيدها تمثالا مرة أخرى وعندما تحولت، حطم التمثال . في القرآن الكريم يذكر الله سبحانه وتعالى أن بين الزوجين مودة ورحمة وليس الحب ، والمودة نوع من الحب . . أرأيت يا صاحبي أنك ليست وحدك ، كما قلت ُ لك عليك الآن أن تتعلم كيف تنسى إمرأة اصبحت لرجل غيرك ، بعد سماعي ما حدث لك مع حبيبتك ، أني أجدها نموذجا للذات الأنثوية المغيبة المسلوبة الإرادة التي تفتقد الإيمان في أية قضية . وإلا ما تفسيرك لأنصياعها لرغبة أهلها على الرغم من الحب الذي تكنه لك ؟ كيف لم تقاوم من أجل ذلك الحب ، تلك العاطفة النبيلة وإيمانها بك وإعجابها بك شخصا ًرائعا ً؟ أية أنثى تتخلى عن فارس أحلامها عند أول منازلة ، لا تستحق العناء، لأنها لم تستطع صبرا ً عند أول نازلة بحبها وبحبيبها ، أحسب انها قد رضخت مفضلة عليك الذي أختاروه لها أهلها، أني أحسب أن ذهنها يعاني إنشطارا ً في الوعي ، فهي تريد وتجهل ما تريد . ربما قررت أن تستسلم لخيارات أهلها وتحتفظ بمشاعرها نحوك .أنها يا صاحبي ، إمراة لا تحسن الدفاع عن قناعتها في الحياة وخاصة عواطفها ، فلا تحزن لفراقها. أنها سلعة عرضت للبيع فتقدم لها من ْ بوسعه أن يدفع سعرا ًأعلى . أنها ذات أنثوية فقدت أهليتها .”

قلت ُ ” لكني لا زلت أعشقها واهيم بحبها ، أنها الحب الأول ، أني أحسب الحب الأول كالوليد البكر حيث يبقى بين أخوته بكرا ً وله منزلة خاصة. ” قال ” أني متفهم لما تقول ولكن لا تنسى هناك من ْ يقول ان الحب الأول وهم كبير في حياة العاشقين ، دعني أقرا لك ماكتبه عاشق عاش التجربة ذاتها يوما ما :

كان طيفا ً يمشي في الدرب معي،
كان وهما ً يلبس ُ ثوبا ً شاعريا ً،
كان نارا ً تصلي أضلعي.
كان حبا ً يا شقية .
والحقيقة ، أنه حقيقة وحقيقة
ليس وهما ً نزقا ً طاف بنا
في متاهات ِ الوجود ،ِ
في دروب ٍ سرمدية .
كان حبا ً يا صبية .

******

حديثني عن مفاهيم الهوى
في المدينة الحضرية ،
فأنا لا زلتُ فتاتي بدويا ،
يعرف ُ الحبَ نقيا ،
هكذا شئنا نحب ُ
وسيبقى حبنـُا هذا نقيا،
بدويا .

******

أن أبحث ُ عن ذات ٍ فتاتي،
لا عن خطايا ،لا عن متاع ْ
أنا إنسان ٌ ،أنا ذات ْ،
فعشقي ما شئت ِ أنت ِ،
أنت ِ، لا ، لن تزيدي عن متاع ْ،
عن فتاة ٍ حضرية ،
كان حبا ً يا شقية،
ليس وهما ً نزقا ً طافَ بنا ،
في متاهات ِ الوجود ِ،
في دروب ٍ سرمدية .

******

قال ” لقد أحسن قولا ، فوصفها جيدا ً وأجده قد أصاب كبد الحقيقة فيما كتب ” أنها لا تزيد عن متاع “، لذا ، يا صاحبي ، ما أحتفاظك أنت َ اليوم بعهود لم تصنها حبيبتك وكما أنها لم تحفظ هواك ولم تصنه، يا صاحبي ، لِم َ هذا الأسر والدنيا لديك كما يقول الشاعر إبراهيم ناجي ؟َ مرة أخرى أقول لك ( تعلم كيف تنسى إمراة أصبحت لرجل آخر).

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى