مقتطف خضر عواركة - شبق.. فصل من رواية

- الحلقة الثانية عشرة: أدخلني بين قلبك والروح لأعرف نفسي..


" أخبرني عنك، علمني أسرارك، فسر لي يا صاحب النظريات والقاريء المطلع، ما سر إنجذابي القاتل إليك؟.
أبتعد عنك مصحوبة بألف سبب، فتعود نفسي إلى غرقٍ في بحر الشوق إليك دون سبب.
أهرب من ضعفي أمامك فأركض أركض حتى حدود الدنيا فأجد نفسي في مدار نفسك وكأن المسافات التي ما بيننا وهم يلغيه صوتك أو صورتك أو رسالة "من كلمتين" ترسلها إليّ.
أحن إلى حريتي منك...
أحن إلى أحلامي دونك...
أحن إلى صخور زرعَتّها التجارب في روحي لتحميني من الضعف والعمى العاطفي، فأجد رائحة أنفاسك بداخلي تفتتني ومن قبل ذلك أجدها تفتت كل صخرة قوية في نفسي.

تلقب المرأة حبيبها بـ" يا حبيبي" وأنا لا يحلو لي إلا أن أناديك بـ "يا مغناطيسي"
معك أصير دبوساً صغيراً يلتصق بك ما أن يمرّ في مجالك ولو بالخيال.
معك أنا حبة لوزٍ تكسرني نظراتك وتُخرج لبي وتمضغني إذ تقبلني فأذوب..
معك أنا.. امرأة أليفة أغفو إن لمست يدك شعري، أصحو إن لمست يدك وجنتيّ وأعطش إن لم تسقني وصلاً بك.
أهرم ويذوب شبابي وأصبح طاعنة في القلق إن لم تتصل بي.
علمني عليك...
أعطني دروسا في كتابك..
اكشف لي سحر ألوانك..
ارسمني لوحة، وعلقني بداخل قلبك حقاً، لعلي هناك ترتاح مني" الأنا" دونك فأصبح قلبك أو جارته..
أدخلني بين قلبك والروح لأجد نفسي، ولأعرف من أكون بالنسبة لك وما سأصبح عليه، يا من أراه فلا أتمالك نفسي عن الشوق إليه أكثر في حضوره من غيابه.
دعني أشتم عطر جسدك حين يكون بلا عطر...
أقسم يا صاحبي أني لو إشتممته ولم أكن أعرفك لأتبعتك غرباً وإن كنت في طريقي إلى الشرق.
أمسكني حين تلقاني فحين ذاك أكاد أطير فرحاً، يرفعني هواك عن الأرض فأصبح ريشة تتلاعب بها عيناك كلما نظرت إليّ، أخجل من نفسي إذ تقترب بوجهك مني، أشعر بي خارجة من بين شفتيك والأنف، ساخنة حارة فتعتريني نشوة مرة ومرتين وثلاث وعشر وخمس عشر مرة... وأزيد أكثر كلما لمستني عمداً، أما عن غير عمد فتصيبني رعشة الحمى التي كلما شفيتني منها طلبت المزيد.

أنهار بكلي فتصبح ركبتيّ مثل عاموديّ سقف إنهارت التربة تحتهما فصارا والسقف الذي فوقهما دون أساسات تحملهم.
قل لي يا سارقي من نفسي، قل لي يا واعدي بالفرح ولا أرى سوى أحزاني في مستقبلي معك، قل لي يا ساحراً أراه بعين الوهم فأحبه وأراه في عين الواقع فأعشقه مع أن سكين ذبحي اسمها
" أحبك"...
متى نلتقي؟...
متى تأتيني على صهوة القُبل والعناق لتأسرني ولتجعلني جاريتك في العتم وملكة تحكم عرشك في النهار...
قل لي يا معذبي بالفراق، متى تعود، متى ترجع إليّ بل متى تجيبني .
قل لي ما خطأي حتى إرتحلت وجففت أنهراً تفجرت ينابيعها من بين أيدينا والأحضان.
يا تاركي لما رحلت بلا وداع، ومتى ألقى نفسي من جديد.
يا من لهثت زحفاً بين جبالي لتصل إلى عنقي لتلثمه دمعة دمعة..
يا من نُحرت جيوشك قتلاً عن عمد منك وعن تقصير لتدك أسواري وحدك دون معين فاتحاً أبواب شفتي لكتائب نفسك الأمارة بالحب... فكلما هاجمتني وإستسلمت لك، إنسحبت لتهاجمني من جديد.
إعطف على نفسي برسالة...
بإشارة..
أرسل بعض من عندك إلى جبالكم التي تجاورنا...
أشعل نيرانا بحطب أخضر لتعيد إليّ روحي مع دخان يعلن موت من لم يمت بعد في إمارة خشب السنديان.
أجاب:
"حبيبة قلبي".. أنتِ في قلبي وروحي، لكنك اخترتي أن لا نكون سويةً كما أردت وتحفظت عما طلبت ففهمت منك أن ظروفك أهم عندك من مشاعرنا فإبتعدت.
تعالي الخميس إلى بيروت، نقضي يومين سويةً وتعودين بعدها إلى عملك قبل صباح السبت"
كتبت له:
متى ستأتي إلى دمشق؟
لماذا لا أنتظرك هناك، أحب أن أراك حيث الأماكن التي أحبها، أريد أن تبني لي مدينة من الذكريات وتشق لي شوارعاً من الصور وأريد لكل مقهى وطاولة وزاروب وتراب عرفني قبلك أن يعرفني معك...تعال إلي..
أشتاق إلى قبلة على حافة قاسيون. أشتاق إلى عشاء من المطعم الصحي نتناوله على شرفة غرفتي في باب توما. أشتاق لرائحة نارجيلتك في مقاهي حارتي، أشتاق لطعم فمك الممتزج بسيجارتي وبدخان نارجيلتك. أشتاق أن أخجل في الشارع حين تعانقني..
تعال إلي...ليس كل حب يجب أن يكرس بالخطوبة، ما رفضتك، رفضت نفسي ما أنت فيه فإن إرتبطت بك خسرت والدتي التي لم تلد أنثى غيري وأنت تذكرها بمآساتها.

لا تكرهني، هل تريدنا أن نتزوج وأرى أمي وهي تقتل نفسها إحتجاجاً..
تخاف الله وتريد أن تلمسني وأنا حلال لك؟
من قال لك أن الله يعاقب العاشقين إن صدقوا؟

خذني إلى شيخ، أعقد قرانك عليّ إن لم يكن قبولي بمنحك روحي وجسدي طواعية إعلان قبولي بك خليلاً.
لتنجو خذني كما تشاء ولكن دعني أغرق في وجعي إلى أن يحين وقت الرحيل أو نحتفل بحبنا في العلن بعدما تنتهي ظروفك وينتهي رفض أمي.
تلك التي أعطتني عمرها وناولتني حريتي وأنا في السابعة عشرة فرضيت أن اعيش ما لم تعشه هي. أن أعيش وحدي في دمشق بعيداً عنها وعن خوفي ممن حولي وعن إنتقاد عائلتها وعائلة أبي لأسلوب حياتي.
تلك التي وثقت بي حتى رضيت بي سيدة قراري في كل ما يخص حياتي ولم تطلب مني سوى أن لا أعشق أو أتزوج مطلقاً. الموت عندها أقرب من الموافقة على زواجي من رجل طلق زوجته لأي سبب.
ترى مأساة طلاقها من والدي في كل رجل مطلق وتكره كل من طلق لأنها ترى فيه والدي.
تحبك وتمنتك لي قبل أن تعرف ظروفك لكن قلي هل ربحي إياك ربحٌ إن خسرتها..
أعطني بضع سنين من العشق معك، سأكون لك كما تشاء لكن لا تجعلني أفجع أمي بما تراه هي نهاية الدنيا ومقتل كل أحلامها بي.
تعال إلي.. لأخنق عنقك بشفتيّ "على سنة الله ورسوله"
كتب:
سأرسل لك في الخميس عصراً سيارة تقلك إلى بيروت وسنعقد القران حين تقررين أن تكوني حرة حقاً حتى من أوهام أمك التي تسميها أحلاماً.

كانت مهمة ياسر ورفاقه في سورية قد إنتهت، لكن بعد أن تفتحت أمامهم أبواب خدمة المدنيين والمظلومين. الوضع الذي لا يطاق في مناطق محاصرة، المخطوفين، النساء اللواتي لا يعرف أحد مصيرهن ممن أعتقلن من قبل السلطة أو خطفن من قبل المعارضين، الثوار الحقيقيين الذين ما خرجوا سوى طلباً للتغيير لا طلباً للفوضى ممن وجدوا أنفسهم محاصرين بين ملاحقات السلطة لهم وما بين تهديدات المتعصبين دينياً وطائفياً الذين امتلكوا الشارع الثائر.
توافق أعضاء الفريق على تأسيس "مركز العناية بضحايا الأزمة السورية وللدفاع عن حقوق الإنسان" تكون مهمته الوساطة بين الأطراف المتنازعة والتخفيف عن ضحايا الأزمة في سورية وفتح قنوات تواصل بين السلطة السورية والمعارضين وبين كل منهما والدول التي تدعم أخصام الأطراف والتي تؤثر في مصير الوضع السوري. فقد تبين لهم أن فهم الوضع السوري لن يبدل شيئاً من الواقع الصعب لملايين البشر الذاهبين إلى المجهول.
إختير ياسر للتواصل مع السلطة السورية والمعارضين بإسم المركز الذي تأسس في كل من باريس وبيروت من نفس الجهات التي شاركت في الزيارة الميدانية.
وكم كانت فرحة ديما بذلك... فقد صارت زيارات ياسر لسورية بصحبة سعيدة أحياناً أمراً يتكرر.
ومر الشهر والشهران وياسر يقابل ديما مرة ويغيب عن الرد على إتصالاتها مرات لإنشغاله ما بين عمله وتطوعه في العمل الإنساني والسياسي.
وتصارحا كما يتطلبه الواقع من صراحة في مواضيع لا تعني أحداً سوى الإنسان نفسه ومن يختاره شريكاً له في نفسه.
كانت تخفي عنه أشياء وكان يخفي عنها شيئاً واحداً مهماً عن حياته، وكانا قاب قوسين أو أدنى من الإرتباط حين إنسحبت مما إتفقا عليه، أن يرتبطا رسمياً وعلى الملأ. لكن قوة القدر ساقتها هي إلى التفكير بأحلامها القديمة التي كانت من قبله تمثل أفراح العالم وكان إنتظار تحققها هو جل ما تطلبه من هذه الدنيا.
كاد يسرقها حبه من نفسها وأحلامها لكن ما عرفته منه عن حياته السابقة جعلها تتردد ما بين الحب المهدد برواسب الماضي وما بين الأحلام التي ترسخت في نفسها من قبله، ترددت هي وإستمهلته لأن شيئاً ما قد تغير.
وطلبت هي تأجيل موضوع الإرتباط إلى حين آخر.. ربما بعد سنة وربما سنتين لكن حين تشعر أنها تستطيع أن تتجاوز ما عرفته عنه حينها ستقرر في أي إتجاه ستسير معه.. لذا إتفقا على ألا يتفقا علي شيء الى أن يجربا نفسيهما في علاقة كاملة إلى حين يقرر القدر وحده مصيرهما.
قال لها:
الحب أجمل هدايا الله إلى الإنسان، بل الحب هو واحد من أسماء الإنسان وكما أن النفس أمارة بالسوء كذا القلب أمار بحب من لا يجب أن نحبه. يخيفني أن أحبك بهذا القدر، يخيفني أن أعرف كم أنتِ غالية علي .
يخيفني أن أنهار أمامك فلا أستطيع فراقك.
تعالي نجرب نوعاً جديداً من الحب لا يكون فيه ضعف ولا فقدان سيطرة.
قالت:
يا ويلي من التجارب، أرجوك.. كن مؤمناً كما تزعم.. لا تعاملني كملحد وأنت تعامل كل الآخرين بإيمانك، ألم تسمع بمن قال: "ولا تدخلنا في التجارب ونجنا من الشرير" لماذا لا نسعد ببعضنا كما نحن دون شروط.
لم أقل أني أريدك أن تبدل أيا من أفكارك بسببي، فلا تبدل حياتي ولن أبدل حياتك...
فقط دعنا نعيش قصة الحب التي ولدت بيننا دون قرار كما ينبغي بمن هم مثلنا أن يعيشوها.
قرأت عشرات القصائد لنساءك، أجعلني آخر النساء اللواتي ستكتب لهن..
لا تنشر قصائدك، لا أحب ان يشاركني بالقصيدة أحد..
لا تخبر أحداً أنك حبيبي ولن أخبر أحداً أني حبيبتك.
دع حبنا في العتم حتى ينتصر على شرّ أنفسنا وعلى الشياطين التي قد تزيدنا ذنباً إلى ذنوبنا.
لا أريد وعداً ولا أريد منك عهداً سوى أن نكون سويةً رفيقان وحبيبان دون مقدمات ولا نهايات.
دعني أعشق فيك حلماً أعرف أنه لن يكون حقيقة... حلمي بك سيقضي على كل أحلامي لذا دعني أعيشك حتى يحين موعد تحقيق حلمي الأول، فأفارق حلماً إلى حلم.
لا تحاكمني وفقاً للدساتير الشرقية، من تدمر في حمص حكمت إمرأة عالم الرجال، وفي مصر أم الشرق عبرت كليوبترا إلى الخلود مفضلة أنياب أفعى على شفتي الحبيب.
حرة أنا، وأنت حر لكن دعنا نتشارك نزوة طويلة الأمد إلى أن يقتلني ما فيك فأتخلى عن شفتيك لأستقبل أنياب سمومك الرجولية التي قد تحولني إلى جارية لك... أو يقتل الواقع فينا الحلم فتكتشف أني وهم لا يليق بقلمك أن تكتب عنه، أواكتشف أنك وهم و عقلك وسيلة المبدع في الكتابة لا في الحياة.
لا ترتبط بي، لا أريدك أن ترتبط بي كما يفعل كل الرجال بكل النساء حين يبدلون إسم العبودية إلى زواج. أنت قلت أن من ستتزوجها تريدها أن تصعق روحك وأن تكسر ظهرك...
أنا ناعمة يا صاحبي، أنا خفيفة الروح، وأنا لا أعرف كيف أقتل، لكني ماهرة جداً في فنون الحب فتعال لنسكر سويةً على خمر اللامبالاة بالمستقبل وأترك القادم من الأيام للقدر فهو منشغل بنا فدعنا ننشغل ببعضنا حتى يحين موعد غدر القدر بحبنا.


* خضر عواركة - " شبق" - الحلقة الثانية عشرة: أدخلني بين قلبك والروح لأعرف نفسي..

- منقول من صقحة الكاتب
  • Like
التفاعلات: Maged Elgrah

تعليقات

تحية طيبة واحترام تام للمبدع الاستاذ خضر عواركة ، ونشكرك على تفهمك وتفتحك.. ونعتذر على ادراج نصك ضمن خانة الايروسية بداية الامر لآنه سرد شائق في لغته واجوائه وطبيعة احداثه مما اوهمنا بذلك ، خاصة ان توجه الانطولوجيا تهدف الى كسر الحواجز الاجناسية و التابوهات .. والانفتاح على كل المشارب والحساسيات الادبية والفكرية وتوخي واختيار الجيد مما يكتب
نشد على يديك الكريمتين ونتمنى لك فائق التقدير واطيب المنى
 
أعلى