رسائل الأدباء رسالتان بين محمد بن تاويت التطواني والأستاذ أحمد أمين

* رسالة محمد بن تاويت التطواني
:
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة الأستاذ الكبير أحمد أمين
السلام عليكم ورحمة الله
سيدي الأستاذ، ذكرتم في محاضرتكم القيمة، التي سبق أن غذيتم بها عقولنا، أن الخليفة الأول، كان في إقدامه، على قتال المرتدين مستبدا،، الخ.
سمعت ذلك فوقع مني موقع الاستغراب، وهممت أن استوضح جنابكم في المسألة، حينما تصديتم لتلقي الأسئلة، لكني خشيت حصر اللسان، فاخترت أن يكون السؤال كتابيا.
لأجل هذا أقدم إليكم ما خامر ذهني في القضية، راجيا منكم توضيح وجه السداد فيها،،
ظهر لي أن الخليفة لم يكن مستبدا فيما أقدم عليه، حيث كان مستندا في ذلك إلى كتاب الله وسنة نبيه، فرد ما وقع فيه النزاع إلى الله والرسول، من غير ما يستبد برأيه، أما الكتاب فقوله تعالى: ( ‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ ) [التوبة: 123].
وأما السنة، فقوله صلى الله عليه وسلم: « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلاه إلا الله».
فعدوله عن رأي المشيرين عليه بعدم القتال، إنما هو - كما يظهر - لمعارضة النصوص لذلك الرأي، وأكبر ظاهرة عرف بها أبو بكر، اتباع الرسول وتنفيذ أوامره، على خط مستقيم، ويشعر قوله في تلك القضية بعلة عدم أخذه برأي المشيرين: « والله لو منعوني عقالا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم عليه».
وغير خاف على جنابكم، أن الكلام إذا قيد بقيد فروح الكلام هو ذلك القيد.
ويزيد المقام توضيحا، قوله تعالى في قضية إبدال أسامة « أيوليه النبي ويعزله أبو بكر؟».
فلم يستمع لقول المشيرين ، لمخالفته أمر الرسول، والقضية هذه - كما لا يخفاكم - هي أشبه بأختها من الماء بالماء،.
وهذه قضية جمع المصحف، انظروا كيف أجاب المشير عليه بجمعه «كيف أفعل شيئا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟».
هكذا أجاب من أشار عليه بذلك، ولكنه لم يلبث أن أدرك أن المسألة ليس فيها مخالفة، إذ لم يرد فيها نص يحرم، حينئذ أذعن للرأي ( فلم يزل أبي عمر حتى شرح الله صدري لذلك)، فأمر بجمع المصحف وتدوينه،،
هذا ما خالج صدري، وأرجو سيدي الأستاذ أن يتفضل بالإجابة عن هذا السؤال وتوضيح ما أشكل، والله لا يضيع أجر المحسنين.

13/1/1939
محمد بن تاويت التطواني
عضو بالبعثة المغربية.

***


* إجابة من الأستاذ أحمد أمين
:

حضرة الفاضل محمد بن تاويت التطواني سلام عليكم ورحمة الله،
قرأت خطابكم، وسرني جدكم، وتمحيصكم لما يعرض عليكم،
كان غرضي من قولي: «إن أبا بكر عمل برأيه في مسألة الردة» أنه اجتهد، وكان اجتهاده في تطبيق الحادثة على ما ورد في الكتاب والسنة، ولكن عمر اجتهد أيضا.
والحادثة محل نظر، ومحل اجتهاد، لان أهل الردة لم يرتدوا عن الإسلام كما قد يظهر من تسميتهم، بل امتنعوا فقط عن أداء الزكاة مع إقرارهم بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فاجتهاد أبي بكر أنه يعاملهم معاملة المشركين، واجتهاد عمر أنه يعاملهم معاملة المسلمين العاصين.
فلما شاور أبو بكر عمر وبعض الصحابة أشاروا عليه ألا يقاتلهم، أي ألا يعاملهم معاملة الكفار، ولكن أبا بكر لم يرض عن رأيهم ولم يعمل بمشورتهم، لأنه رأى رأيه اقترب إلى النصوص.
فكانت الشورى غير ملزمة، ولذلك شاورهم ولم يعمل برأهيم ، بل عمل باجتهاده هو، وهذا كل ما أريد، فإني أريد أن أقول إن الشورى لم يكن لها قانون كالخضوع لرأي الأغلبية ونحو ذلك، بل إن الإمام حر في قبول الرأي وعدمه حسبما يؤديه إليه اجتهاده.
وأظن أنه بذلك يتضح رأيي.
وأكرر شكري على اجتهادكم وتحريكم الحق والسلام.

15/1/1939
أحمد أمين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى