محمد مزيد - مسرات مخبوءة..

يخرج من الشقة ، كل يوم قبيل غروب الشمس، بحثا عن المسرات المخبوءة ، وقد كفت زوجته عن السؤال " الى أين أنت ذاهب؟" ، أكتفت بجملة واحدة تقولها وهي تبتسم إبتسامة متذمرة " رايح للمسرات المخبوءة مو ؟ " فيبتسم لها منشرحا وبهز برأسه، ثم يغلق باب الشقة خلفه.
يسكن في عمارة قديمة ذات ثمانية طوابق، شقته في الطابق الاول، يتكون طابقه من اربع شقق، اثنان عند فم السلم، اي انه عندما يصعد 17 درجة تقع على يساره شقة المرأة االايرانية الساكنة لوحدها، وبجانبها شقة فتاة تركية مطلقة ومعها امها، اما الشقتان الاخريتان ، عند مؤخرة السلم، واحدة له مع عائلته الصغيرة ، والثانية مغلقة على الدوام لا يعرف من يسكنها ، بالكاد يرى رجلا محني الظهر ، يلقي عليه التحية اذا كان صاعدا ، و يسلم عليه اذا كان نازلا ، والجار يكتفي بهز رأسه الى الاسفل.
هذا اليوم مساء ، عندما وصل الى فم السلم لينزل ، وجد باب شقة الايرانية مواربا ، ثم فجأة سمع صرخة استغاثة نسائية انطلقت في اللحظة التي وصل فيها الى فتحة الباب ، صعدت عنده الغيرة العراقية ، فوقف عند الباب، يعلم انه لايسمح عرفا واخلاقيا بدخول الشقق بدون ضغط الجرس ، لكنه نسي الاعراف الاخلاقية المتحضرة، اذ ان صعود الغيرة ، يعمي البصيرة ، ويجعله في قلب الحيرة، ..لا يعرف كيف دخل الى الشقة ، ووجد نفسه يقف في الصالة، متلهفا لينقذ ما يمكن انقاذه، فرأى الفتاة الايرانية جالسة على الاريكة واضعة ساقا على الاخرى وهي ترتدي البرنص الابيض الذي كان يكشف عن فخذيها، لم تفاجئ بوجوده داخل شقتها، حيث انهم يتزاورون دائما بدون الاعلان عن الزيارات المفاجئة، اذ انها غالبا ما تدخل شقته، اذا كان بابها مواربا لتأخذ السلم المعدني المصنوع من الالمنيوم، تعلم اين يضعونه، وبعد يوم او يومين ترجعه الى مكانه، فما إن رأته ، بالكاد لملمت برنصها لتستر فخذيها الابيضين، بيدها قدح فيه شراب احمر، وبالاخرى الريمونت كونترول، توجه به لتقلب قنوات التلفاز ، اعتذر منها لانه دخل بدون ضغط الجرس، وبرر لها سبب دخوله عندما سمع صوت استغاثة نسائي، فضحكت ، وقالت انه صوت صراخ امرأة من التلفزيون " ، وطلبت منه الجلوس ليتابع معها فيلما ايرانيا، فجلس، ثم نهضت هي لتأتي له بقدح فيه شراب احمر ، فابتسم لها ، قال لها انا لا اشرب الخمور، تعلم هي انه لا يتناولها فقد تركها منذ زمن بعيد ، وضعت القدح امامه على المنضدة ، وسألته "لماذا تركتها فهي تنعش الروح ، وواحد مثلك يجب ان تنتعش روحه وهو يعيش في غربة قاسية لا أحد يعرف فيها مصيره والى اي بلد ستلقي به الامم المتحدة، للمرة العاشرة يعيد عليها لماذا ترك الخمور ققال لها " في يوم كنت اشرب مع صديق بصراوي في بار المرايا وسط بغداد ، شربنا كثيرا من الجعة، وفي لحظة ثمالة سألني الصديق وكان مشتاقا الى والدته ، هل عندك مانع اذا ما ذهبنا الان الى البصرة؟ قرارات الثمالة يمحوها الصحو، في تلك اللحظات يغيب العقل وتغيب الحكمة، فقلت له" هيا ، الى البصرة "، صعدنا تكسيا ، جلس هو بجانب السائق وانا في الحوض الخلفي ، ولما وصلنا الى مدينة الحي قبل وصولنا مدينة الناصرية لكي نبول ونتناول اي طعام نسد به جوعنا، اكتشفت انني ذاهب بالغلط الى البصرة ، وقد بادرني هو بالسؤال " احنه وين رايحين ؟ " .. ولما وصلنا البصرة ، قررت منذ ذلك اليوم الا اشرب بعد الان ، خوفا من اتخاذ قرارات قد تسبب لي المتاعب وانا في منأى عنها" . فضحكت الفتاة الايرانية ، اشرب هذا القدح وساذهب معك الى البسرة ، انا جيدة بالرفقة وسأنام في حضنك طوال الطريق " فرح كالاطفال ونسي سنواته الخمسين، وتصور نفسه سيذهب معها الى اي مكان تطلبه منه، الى انقرة ، اسطنبول ، درابزون .. وهي بحضنه يداعب غمازتيها الساحرتين او شعرها الاسود مثل الحرير ، فكرع القدح الى الاخر ، وما إن مرت لحظات حتى دب دبيبها ، ودارت به الدواهي، فاخذته الفتاة من ذراعه الى غرفتها والقت به على فراشها ، وبعد ساعات صحى من الثمالة ، فوجد نفسه مربوطا من قدميه بجوارب حريرية ، وربطت يديه الى مسند السرير ، حاول أن يفك القيد من يديَه بشتى الطرق من دون فائدة، يعرف انها تمزح معه، النساء الايرانيات يمزحن كثيرا ، ، ولما يصاب الانسان بالوحدة يفعل اشياء لا تخطر على البال ،صرخ عليها فلم تستجب ، يمعودة ، يا ابلة زنبر ، يا خاتون ، ولا من مجيب ، كانت الغرفة غير مضاءة ، لكنه يرى نورا من الصالة ، لام نفسه لانه كان يبحث عن مسرات مخبوءة ، فقال لنفسه " اكل تبن ابو المسرات المخبوءة "، نظر الى جانبي السرير ، فوجد بدلة رجالية سترة وبنطال مرميين على الارضية الخشبية ، وثمة حذاء اسود رجالي عند الباب، القى نظرة الى ملابسه ، فعلم انها غير مخلوعة من جسده ، يعرف ان لدى زنبر زوج ايراني يعيش ويعمل في ايران ، وكل ستة اشهر يأتيها لمدة اسبوع ثم يسافر، وحكت له قصتها التي اخبرت بها لجنة الامم المتحدة كاذبة، انها مطلقة من زوجها، والمطلقات والارامل تسرع منظمة شؤون اللاجئين على استيطانهم في دول الاستيطان المعروفة كندا واستراليا وامريكا ،
بعد ان دب اليأس في كل محاولاته للافلات من القيد ، دخلت عليه زنبر ( وهو اسم اطلقته عليها زوجته بسبب خفتها وتغنجها ) قالت له زنبر " اعتذر لانني وضعتك بموقف حرج ، الحقيقة أن زوجي هو الذي قام بذلك ، وذهب ليجلب البوليس لانك تنام في فراش الزوجية" ، وشددت بالقول " توسلت به الا يفعل ذلك لانك كهربائي ، جئت تساعدني بعد سماعك صراخ استغاثة من التلفزيون ظنا منك بانني قد تعرضت الى ما دعاني الى الصراخ "،لكنه لم يصدقني ، وقال لماذا ينام على فراشي ؟ كان مصرا على تبليغ البوليس ، بزعم انك لابد قد شاركت في الجيش العراقي اثناء حرب السنوات الثمانية، ويقول ربما انت الذي قتلت والده، زوجي غيور جدا ، ولما وجدك نائما في فراشه ، لم يتحمل الامر ، فذهب مسرعا ليخبر عنك ، وبسبب انفعاله نسي انني يمكن ان افك قيدك واطلق سراحك ، ".
كانت قد فكت قيده واسرع ليخرج من باب الشقة ، لكنه قال لها " لو كان حقا غيورا لما تركك وحدك هنا ليأتي اليك كل ستة اشهر حتى ينال وطره منك ، وقال لها بالعربي " سالفة الغيرة هاي احكيها للدبة " .. وانصرف الى شقته ، وهو يحمل في داخله " مسرات مخبوءة " .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى