مصطفى معروفي - الملحمة

الملحمة هي أحد الفنون الشعرية التي لم يلتفت إليه العرب لا في القديم ولا في الحديث،ولو أن بعض النقاد أشاروا إلى أنه توجد بعض ملامح هذا الفن في إنتاجات شعرية عربية لكنها لم تبلغ المستوى المطلوب من النضج معه تتحقق فيها العناصر الأساسية المطلوب توفرها في الملحمة،وقد عزا هؤلاء النقاد خلو الشعر العربي من الملاحم إلى أسباب منها أن الملحمة تتطلب الروية والتفكير ،بينما الإنسان العربي يميل إلى الارتجال وإلى البديهة،كما تتطلب الملحمة الاطلاع على طبائع وأحوال الناس ،والعرب كانوا مشغولين بأمور غير هذا الاطلاع وما هو في مقامه،ثم إن الملحمة تحتاج إلى النفَس الطويل في التحليل عكس ما يؤثر عن العرب من إيجازهم في القول وعدم التعمق في البحث،ثم إن الملحمة ميدان خصب يجيش بالأساطير حتى لتبدو الأساطير تشكل أحد أعمدتها الأساسية،وهو ما حرمتهم ـ أي العرب ـ منه أرضهم الصحراوية وبساطة معتقداتهم الدينية.
والآن لنتعرف الملحمة ماهي،ثم من بعد ذلك نذكر مميزاتها أو بعض مميزاتها.
الملحمة:
هي قصة شعرية طويلة مؤلفة من آلاف الأبيات ،وتتحدث عن بطولات خارقة وأساطير متنوعة بأسلوب قصصي .
ومن أشهر الملاحم نجد هناك ملحمة "الإلياذة"وملحمة "الأديسا"وهما معا للشاعر الإغريقي الكبير هوميروس،ونجد ملحمة "الشاهنامة"للشاعر الفارسي الفردوسي ،وملحمة"الكوميديا الإلهية"للشاعر الإيطالي الكبير دانتي ثم ملحمة"الفردوس المفقود"للشاعر الإنكليزي الكبير ملتون وهناك ملاحم أخرى كملحمة "جلجامش"وملحمة "أغنية رولاند"...الخ
مميزات الملحمة:
إن القارئ لأية ملحمة سرعان ما ينتبه إلى موضوعيتها ،فالذاتية فيها نادرة ،حيث إن الشاعر فيها لا يتحدث عن عواطفه ولا عن تجاربه الذاتية الخاصة،فهو يتحدث عن البطولات وعن أصحاب هذه البطولات ويسرد الأحداث راسما الأجواء التي تقع فيها هذه الأحداث وما تحدثه من وقع في نفوس الأبطال وسلوكهم.ولا يكشف الشاعر في ذلك عواطفه إلا حين يقوم بتمثيل الوقائع،أو بتصويره لعواطف أبطال الملحمة،وحين يقوم في مناسبات معينة بإعلاء الشأن لبعض المواقف والتنقيص من شأن أخرى.
كما يلاحظ القارئ للملحمة أنها لا تعنى بتصوير الحقيقة كما هي وبتصوير واقع الحياة كما هو ،بل كل همها واهتمامها منصب أساسا على تصوير بطولات الأبطال مازجة إياها بالأساطير والخرافات.
ولعل ما يشد انتباه القارئ في الملحمة أكثر هو تصويرها الرائع وتعابيرها الفنية الفائقة الإبداع والجمال.
وفي الختام أجدني أتساءل عن سبب عدم اهتمام العرب حديثا بهذا اللون الفني من الشعر مع أنه قديما كانت لهم محاولات هي قريبة الشبه بالملاحم ،أو لنقل هي محاولات تنزع إلى الملاحم ،كما نرى ذلك في شعر عمرو بن كلثوم وشعر عنترة في المعارك كما يمكننا أن نلمح الشبه الملحمي كذلك في "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري.
اللهم بارك لنا في ما علمتنا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى