أ. ب. لطفي منصور - الشّاردَةُ والْواردَةُ: معناهُما والْفَرْقُ بينهما

الشّارِدَةُ: مشتقَّةٌ من شَرَدَ، بمعنى هَربَ، فَرَّ ، نَفَرَ، وَلّى مُسرعًا في جميعها. كلمَةٌ فصيحةٌ موجودَةٌ في الدّارجة. وهيَ موجودَةٌ في القرآن (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أيْ فَرِّقْ وَبَدِّدْ جَمْعَهم.
الشَّارِدُ هو الطَّريدُ للإنسان الذي يُطارَدُ مِن عَدُوٍّ والشَّاردَة ، وجمعُها شَوارِدُ ، الطَّريدَةُ من الصَّيْد ، تُطارَدُ بالخيل فتلحَقُ بها. ولهذا نَعَتَ امرؤُ القيسِ حِصانَه بِقَيْدِ الأوابِد، جَمْعُ آبِدَةٍ وهيَ ما يُصادُ مِنَ الْحيوانِ فقال:
وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ في وُكُناتِها
بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الْأَوابِدِ هَيْكَلِ
وقد ساغَ لأبي الطَّيِّب أنْ يسْتعملَ "طريدة" في موقِعٍ يُلائِمُها، "وشاردَة" في موقِعٍ آخَرَ يلائِمُها، فقال في وَصْفِ ثَغْرِ الْحَدَثِ:
طَريدَةُ دَهْرٍ ساقَها فَرَدَدْتَها
عَلَى الدَّينِ بِالْخَطِّيِّ، وَالدَّهْرُ راغِمُ
وَأَمَّا المكانُ الثّاني - وهو المُرادُ بهذه الكلمة -
فقولُهُ في وَصْفِ قُدْرَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ:
أَنامُ مِلْءَ جُفوني عَنْ شَوارِدِها
وَيَسْهَرُ الْخَلْقُ جَرّاها وَيَخْتَصِمُ
يعني الشّاعِرُ بالشَّواردِ التي هِيَ جمعُ شاردَةٍ، كما بيَّنّا سابِقًا، غَريبَ اللُّغَةِ الذي لا يُلِمُّ به إِلَّا قلَّةٌ من
الشعراء، كالفرزدقِ وجريرٍ وذي الرُّمَّةِ والرُّجَّازِ من أمْثالِ الْعَجّاجِ وابنِهِ رُؤْبَةَ ، الذي فاقَ أباهَ ، والْعِجْلِي.
وقد امتحِنَ المتنبِّي نفسُهَ عندما ذكرَ هذا البيتَ،
بحضورِ سيفِ الدَّولَةِ فسألّه أحدُ اللُّغَويّينَ: كم في اللِّغَةِ من الأسماءِ على وَزْنِ فُعْلَى؟ فقال: كلمتان هما ظُرْبَى وَحُجْلَى. قال أبو الفتحِ ابْنُ جِنِّي: مكثتُ سبعَ ليالٍ لِأَجِدَ ثالثًا لهما فلم أُفْلِحْ.
وظُربى حيوانٌ بحجم القطِّ يعيشُ في المستنقعات. وحُجْلَى طائرُ الْحَجَلِ المعروف.
أمّا الْواردَةُ فهي عكسُ الشَّارِدَة. ونعني بها الكلماتِ الْمَأْلوفةَ الْمستعملةَ، تمامًا مثلُ الحيواناتِ والطيورِ التي تَرِدُ إلى الماءِ. فالكلمةُ المعروفةُ التي يكثُرُ استعمالُها فَتَرِدُ إلى الذِّهنِ بيُسْرٍ وسهولة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى