هيثم الامين (عطارد المجنون) - أحلام متداولة

تذهب النّساءُ إلى أحلامهنَّ حين ينامُ الرّجالُ؛
يذهبنْ
دون أن يضعن العطور والألوان!
يذهبن خفيفات
كأجنحة الفَرَاشِ الملوّنة حين يطيّرها أطفال الرّيح
ومسالمات
كأغنيات الجدّات وهنّ ينيّمنَ أحفادهنْ!
حين ينام الرّجال وأطفالهنَّ
وينام اللّصوص وكلاب المدينة
تصير النّساء نوافذ مشرّعةً
ويصرن ألوانا فاتحةً وطائرات ورقيّة
ويذهَبْنَ
إلى أحلامهنّ
بعد أن كنّ قد رتّبن جراحهنّ على رفوف الانتظار
وقمن بتجميد لياليهنّ الحمراء المكرّرة
في عيون رجالهنّ الباردة؛
لياليهنّ الحمراء التي صارت كما العلكة القديمة
دون لون، دون طعم وبرائحة كريهة...
تذهب النّساء إلى أحلامهنّ
كما مطر خفيف
فينبُتُ في الأرض
كما تنبُتُ شقائق النّعمان والخزامى
أبطال رواياتهنّ المفضّلون
فيتقاسمن معهم الرّقص والرّكض والقبلات
ويتقاسمن معهم حتّى النّهايات...
توقف النّساء عقارب السّاعات
ثمّ يذهبن إلى أحلامهنّ دون خوفٍ
من لحظة منتصف الوقت
ومن تمرّد حبّة اليقطين !
يذهبن مرتديات ذيولا من ذهب
ليغنّين أنوثتهنّ لبحارّة أقوياء لا يرتدون إلّا سراويل قصيرة،
بحّارة - تعشقهم الشّمس - بشفاه مالحة
وبأصابع غليظة
ويحملون الكثير من الموانئ والحكايا على ظهورهم...
ولأنّه
وحدهم البحّارة يصدّقون قصص عرائس البحر
تجدهم يتسابقون من أجل أن يغرقوا
بكلّ سعادتهم
في لجج النّساء الحالمات.
النّساء اللّواتي يذهبن إلى أحلامهنّ
ولا ينتظرهنّ، هناك، أحد
يصرن حانات يرتادها الشّعراء
والمغنّون
وسدنة معابد الأنوثة
فيخبرونهنّ: كم أهنّ جميلات
وكم هم محظوظون لأنّهم عرفوا الطّريق إليهنّ!
أعرف امرأة تملك حلما وحيدا تأوي إليه!
فمنذ تعلّمت كيف تهرب من شبح رجل يسكن غرفة نومها
وهي تزور، في أحلامها، رسّاما ثلاثينيّا...
تجلس، بالسّاعات، عارية، تماما، في مرسمه الصّغير
ثمّ، ككلّ مرّة، يبدأ – هو - برسمها
وتبدأ - هي - بسرد نفس القصّة عن الزّرّ المزركش؛
ذلك الزّر الذي سقط من قميصها المستورد؛
القميص الذي أهداه لها رجل كانت تحبّه
ثمّ رحل مع الغربة...
ذلك الزّرّ الذي لم تجد له نظيرا في الأسواق المحليّة
ولا يليق أيّ نوع آخر من الأزرار بقميصها...
وما زالا، في كلّ مرّة تقصّ عليه القصّة، يتقاسمان البكاء!
وعندما يخفّ حزنها
ترتدي ثيابها ببطء وتعود لغرفتها المسكونة
بينما رسّامها الثّلاثينيّ يواصل رسمها على هيئة:
غابة و نهر وجثّة عصفور.
في النّهاية،
كلّما استيقظ طفل ما.. عادت امرأة من أحلامها...
كلّما استيقظ لصّ ما أو كلب ما.. عادت امرأة من أحلامها...
فإذا استيقظ أوّل رجل
عادت طوابير النّساء من أحلامهن
فيشغّلن عقارب السّاعات المتوقّفة من جديد
ويرتدين أحزانهنّ اليوميّة
وألوانهنّ
ثمّ
يتسلّقن يومهنّ وينتظرن،
بفارغ الصّبر،
أن يعود الأطفال و الرّجال
واللّصوص و كلاب المدينة
إلى النّوم.
**
الرّجال، أيضا، يذهبون إلى أحلامهم؛
يذهبون حين يستيقظ/ ينتصب كلّ شيء!
حين تستيقظ المدينة
يحلم الرّجال أنّهم أبطال عادوا منتصرين من حرب قديمة
وأنّ أصص الحبق و الورد
في الشّرفات
أميرات يستقبلنهم بالأكاليل و ينثرن عليهم فتافيت السّكر...
يذهب الرّجال إلى أحلامهم
وهم يقودون سيّاراتهم أو يمشون على الأرصفة
حين تستيقظ الزّحمة في الشّوارع...
يقودون سيّاراتهم ويشتمون
زحمة المدينة،
السيّارات التي في الخلف،
السيّارات التي أمامهم،
شرطة المرور والمتسوّلين
والضّوء الأحمر
بينما عيونهم شاخصة تراقب الفتيات الجميلات
اللّواتي ينتظرنهم،
شبه عاريات،
على شواطئ الشّمس الهادئة
وهنّ يصرخن: لقد وصلت سفن الأنبياء و الآلهة!
بالأمس، في المقهى،
ونحن نلعب الورق ولا نتحدّث عن الوطن
قهقه صديقنا الحزين، دون سبب!
ثمّ أخبرنا أنّه عاد، للتّو، من حلم!
أخبرنا أنّه وجد الحلّ ودحرج الصّخرة إلى قمّة الجبل!
ونحن الذين لا نثرثر عن الوطن
سألناه بصوت واحد:
ماذا حدث بعد ذلك؟
لكنّه لم يجبنا
وغادر و هو يحاول اخفاء انتفاخ عند مستوى سلسال بنطلونه!
يذهب الرّجال إلى أحلامهم
ولكنّهم، أحيانا، لا يعودون
فأنا أعرف رسّامّا ثلاثينيّا
يسكن وحيدا في أحلامه
وما زال يصرّ أنّ حبيبته التي قفزت من فوق الجسر
ما زالت تأتي إليه
وتتعرّى أمامه
ثمّ تطالبه أن يرسم لها غابة ونهرا ليهربا معا من الحياة
لكنّه لا يفهم
من يُغضبها، في كلّ مرّة، ويلقي جثّة عصفور عند النّهر
فتغادر هي الحلم
ويعود – هو – لشتم الأطفال الذين يركضون خلفه
و يرشقونه بالحجارة؟!
بينما في الميدان الكبير الذي تطلّ عليه المقهى
آلاف النّساء يطالبن بسنّ قانون يجبر الرّجال
والأطفال
واللّصوص وكلاب المدينة
على النّوم باكرا...
أمّا نحن الذين لا تهمّنا أخبار الوطن
ولا نساند مطالب النّساء
فنرتدي أحلامنا الضّيّقة
وننتظر لاعبا رابعا لينهي معنا لعب الورق.


هيثم الامين/تونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى