عبد المنعم همت - برتقالة

في الركن القصي من ذاكرة المدينة جلس طفل يتأمل المارة ويمد يده مردداً كلمات يبدو انه قد مل تكرارها. القميص الاصفر الذي يرتديه تناثرت عليه شظايا الالم وغطته سحابات الخطوات التي مشاها يسأل الناس الذين منعوه أو منعوه . يده الممدودة رغم صغر حجمها الا انها تعبر حدود الوجود المادي وتكتب على جباه سكان المدينة أنكم تصنعون مني محنة لن تغادر ضحكاتكم الزائفة واحتفالاتكم ذات الوهم والوهن المقدس . عيناه تحدق في العابرين , في حقائبهم وملابسهم وقلوبهم التي تعطي من لا يستحق … يكاد يسمع صوت امعائه اللعينة ..فهي تجعله لا يسمع موسيقى الراب المنبعثة من المطعم الذي يبعد عنه بعشر سنوات من الحزن والف عام من التسكع في شوارع المدينة .. تقدمت نحوه امرأة عجوز ..خفق قلبه بشده ..اختلط صوت الامعاء مع الخفقان ..ادخلت يدها الى حقيبتها , تبادل النظر بين حقيبتها و وجهها وهو الذي قد حفظ ملامح سكان هذه المدينة ..أخرجت من حقيبتها برتقالة ودستها بين يديه ..لامس البرتقالة , تحسسها .. صارع الجوع قليلاً حتي تأخذ العين حقها من النظر الى البرتقالة .. ازاح جزءاً من قشرتها مستجيباً لنداء الرهق البدني والعوز المميت . تجمع الذباب وشكل سحابة معبراً عن حالة تطفل تفوق البشر . تصارع مع الذباب ..حاصرته افواج اخرى .. استجمع قواه ليبعدهم ..حرك يديه بقوة .. طارت البرتقالة من بين يديه واستقرت داخل سيارة نقل بضائع مسرعة.



* المجلة الثقافية مجلة جزائرية،

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى