أمل الكردفاني- البينزيز والموت في أحضان أستورياس

كان الفتى البينيز يهرب دائماً، يهرب من العالم في العالم ومغدقاً على العالم روحاً ثورية. وحين شرع في ترويض الوطنية الهائمة في أفق اسبانيا، أنتج مقدمته الشهيرة ليندا، أو أستورياس، والتي ترتفع وتنخفض كهضاب تلك المنطقة الإسبانية رائعة الجمال، المحتشدة بالخضرة والماء والوجه الحسن وحس المقاومة.
كتب اسحق البينيز استورياس لآلة البيانو لكنها انتشرت وشاعت كمقطوعة مخصصة للجيتار، وتبارى كبار العازفين على عزف أستورياس بمختلف الآلات. لم تمثل أستورياس انعكاساً لمقطوعة اسبانية شعبية بقدر كونها اندماجاً روحياً بين تاريخ الغرب والشرق (الفلامنجو)، حيث توزعت الروح الإسبانية بين ماضيها وحاضرها.
تبدأ المقطوعة بسرعة كصرخة جرح، وحنين إلى شيء ما. ثم تهمد. وتنقلب إلى رومانتيكية داخل سائل من الوحشة، ذلك الجزع من التيه في البراري، والمرأة العابرة في العروق، يبدو المقطع الموسيقي هنا متشرداً في عدة اتجاهات، ثم يعلن العزلة.
يعود اللحن للتسارع، كنبض حب خائف، تتنازعه رهبة اللقاء ومخاوف السقوط وآمال النصر بقبلة باردة، غير أن ذلك الجدار الحزين لم ينكسر طوال تلك الرحلة في أستورياس.
مات اسحق البينيز عن تسعة وأربعين عاما فقط بمرض الكلى. مخلفاً حياة كاملة وتمجيداً مستحقاً لاسبانيا، ولحناً خالداً.

أمل الكردفاني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى