أمل الكردفاني- في مدح المال

والمال لا يحتاج لمدَّاحين، وليس لمادحين، فالمداح هو من اشتغل بالمديح فأكثر فيه كما لو كان مهنة له، كالنساجين والنهابين..الخ. وإن كان علينا أن نمدح المال؛ فذلك من باب ذم الفقر وثقافة الفقر، فما من وضاعة للمرء إلا كان خلفها أسرة وضيعة، وما من وضاعة للأسرة إلا من فقرها، فالفقر يُشرب النفس العنف وسوء الخلق، والهلع من فقد الصغائر، والنهم لارتكاب السرقات، واتباع حقير الأفعال، وما ينتجه من حسد وحقد وأنانية. لذلك فإننا لو رأينا طفلين متطابقين في الهيئة والشكل، ثم اختلفا في السلوك فعلاً ولفظاً؛ أدركنا من ذلك أيهما من أسرة وضيعة وأيهما من أسرة غنية. وإننا حين نشاهد قضاة المحاكم نعرف أيهم من بيئة وضيعهة وأيهم ابن ناس، وهكذا، فتلك بعض مثالب الفقر. أما الغنى والمال فشيء آخر.
المال يملأ عين الغني فلايهتم بالصغائر، والمال يمنح الغني الثقة في النفس، والقدرة على دخول الأماكن الفخمة، والتعامل مع علية القوم بلا وجل، ولا يخشى صاحب المال من بطشة السلطة، ولا بهتة الأشر، ولا غدر الصحبة، ولا تقلب أحوال العامة.
والمال يجعل كلام الغني كتاباً، وملبسه موضة، وإشارته أمراً، بل وخسارته منفذاً للربح.
والمال، يرفع من مستوى الصحبة والعلاقات العامة، مما يسهل كل أمور الغني، وييسر له اتباع شغفه واشباع حاجاته فتزول عنه هلعة الفقراء وريبتهم وتربصهم.
ومن ولد غنياً ليس كمن اغتنى غنى الصدفة والفجأة، فشتان بينهما، ولا تعلم الفرق بينهما حتى ترى سلوك من ولد غنيا عند الكبوات، ومن ولد فقيراً عند الارتفاع، فأخلاق من ولد غنياً لا تفقد نبلها، ولكنك ترى انعكاس الوضاعة على من اغتنى فجأة. ويميل الأغنياء إلى النظام ويميل الرجرجة والدهماء إلى الفوضى.
هذا فضلاً عن فوائد الغنى في ظروف الجوائح والملمات، فالمال ييسر اتقاء الخطر، وتجاوز الكارثة. ويستفيد الغني من كل شيء، ففي الدين يحسن تدينه، فإن كان متلبساً بالدين وخلقه سيئ فأعلم أنه اغتنى بعد وضاعة وفقر، وإن تعلم الغني، فتعليمه من خير المؤسسات التعليمية. وإن مرض الغني ففرص نجاته أكبر من الفقير.
وإن كانت السعادة هي شعور المرء بالسيطرة على محيطه، فهذا ما لا يحققه إلا المال.
لذلك فلغة الأغنياء مختلفة عن لغة الفقراء. وترى في وجوههم النعمة، فإن لم ترها فأعلم بأنه اغتنى بعد فقر ومجاعة.
وييسر المال للمرء فرص العمل وريادة الأعمال، والسفر، والتمتع بالحياة الدنيا، وخلوص عبادة الله لضعف انشغال الذهن بالحاجات.
فإن أردت أن تعين وزيراً فأطلبه من الأسر الغنية ولا تطلبه من الأسر الفقيرة. وإن أردت تعيين قاضٍ فعينه من الأسر الغنية لا الفقيرة ولا من اغتنى فجأة وهو من أصل وضيع. وأن أردت أن تولي على قوم أغنياء مديراً فولِّ عليهم الغني ولا تولي عليهم الفقير. وإن أردت أن تولي على قوم فقراء معاندين فولِّ عليهم فقيراً مثلهم فيسومهم سوء العذاب ويؤدبهم تأديبا، فهو أعلم بهم.
ويحقق المال طمأنينة للمرء، فتراه بطيئ الحركة، قليل الكلام، وأكثر الثرثرة الفارغة عند الفقراء والنساء.

أ.ه

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى