مقتطف أيمن مصطفى الأسمر - الحقيقة الكاملة (8)

(8)

سادت بين العاملين في القناة حالة من الغضب العارم مع بدء ما أسمته إسرائيل "حملة الجدار الواقي" وما رافقها من حصار لكنيسة المهد في بيت لحم وجرائم حرب بشعة في مخيم جنين، كان الأمر في الواقع صدى لحالة من الغليان الشعبي المتصاعد تجتاح الشارع العربي بأكمله تندد بالتخاذل العربي الرسمي عن دعم الانتفاضة، والعجز عن مواجهة الواقع الذي تحاول كل من أمريكا وإسرائيل أن تفرضاه على المنطقة بل والعالم بأسره، جاءت القمة العربية لترسخ هذا الشعور بالعجز العربي عن مواجهة الشروط والتحديات التي وضعتها أمريكا وإسرائيل، إضافة إلى سلسلة من الخلافات العلنية أظهرت العرب في صورة من لا يمكنهم الاتفاق على شيء، اللهم إلا الاكتفاء بتحويل الأفكار السعودية إلى مبادرة للسلام، رفضتها إسرائيل وميعتها أمريكا، من ناحية أخرى ساهم الانحياز الأمريكي الصريح لإسرائيل في تصاعد مشاعر السخط والكراهية تجاه الإدارة الأمريكية، بل تجاه صورة أمريكا بصورة عامة، وازداد الأمر سوء مع تواتر الأنباء عن فشل لجنة التحقيق التي كلفتها الأمم المتحدة بتقصي الحقائق بخصوص جنين في مباشرة مهامها نتيجة للصلف والاستهزاء الإسرائيليين، والفيتو الأمريكي المستعد دائما لحماية إسرائيل من أي إدانة دولية بصورة مستفزة وغير أخلاقية، علق حكمت - وهو أكثر الزمـلاء وقارا وهدوءً - في غضب شديد:

ـ لن يدهشني أبدا أن تواجه أمريكا ما هو أفظع من أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

وافقه نزار قائلا:

ـ هذا صحيح، لقد صدمتني هذه الأحداث عند وقوعها لكنني الآن قد أتفهم دوافع من قاموا بها أيا من كانوا.

أشار عبد الرحمن علينا بعد مشاورات مكثفة مع المسئولين بالقناة بتمديد سلسلة الحلقات الخاصة بالانتفاضة والتي كنا على وشك اختتامها كما هو مقرر من قبل لتواكب الأحداث والتطورات الجديدة، تم ضم حكمت ونزار إلى فريق العمل القائم بالفعل مع ربط دائم بمراسلينا في عدة عواصم ومنظمات دولية وإقليمية وغير حكومية، فضلا عن مراسلينا في إسرائيل والأراضي المحتلة، انصب التركيز على إظهار جوانب المعاناة الإنسانية للمواطن الفلسطيني البسيط في ظل تكثيف العدوان الإسرائيلي، وفضح الموقف الأمريكي المنحاز دائما إلى جانب إسرائيل.


******

في غمرة انهماكي بالعمل في الإعداد للسلسة الجديدة من الحلقات حول الانتفاضة وما استجد من تطورات خطيرة على الأرض، باغتني عبد الرحمن وإذا به يكلفني بالسفر على وجه السرعة إلى الأراضي المحتلة، قال وهو يفاتحني في الأمر:

ـ نحتاج إلى تقديم صورة حية وأكثر قربا عما يجرى من عدوان إسرائيلي صريح وانتهاكات صارخة للحقوق الفلسطينية في الضفة وغزة.

تابع بسرعة دون أن يعطيني أي فرصة كي أرد عليه:

ـ يجب أن تعلم أنها مهمة مؤقتة ستعود سريعا بعد الانتهاء منها، لا أريدك أن تشعر بخيبة أمل كما حدث بعد عودتك من أفغانستان، يمكنك اعتبارها امتداداً لعملك الحالي.

قلت بسرعة قبل أن يكمل حديثه:

ـ مراسلونا هناك يغطون الأحداث بالفعل فما الداعي لذهابي؟

ـ أريد شخصا حر الحركة لا يتقيد بالقيود المتعارف عليها، كما أنني أثق فيك بصورة خاصة.

شدد كثيرا على عبارته الأخيرة كأنما يريد أن يقنعني بالأمر، تابع قائلا:

ـ لن تكون مرتبطا بمكان أو زمان محددين، كلما استطعت أن تكون في كل مكان ... فى أي زمان ... كلما كان ذلك أفضل.

ثم قال بجدية شديدة دون أدنى ابتسامة:

ـ ألم تسمع عن الاستنساخ؟

رغما عني ابتسمت لدعابته وبدا لي أنه أقنعني بالفعل بما يقول، سألته وقد سلمت بالأمر:

ـ هل سيرافقني رشيد؟

ـ للأسف لا ... ستكون بمفردك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى