محمد فيض خالد - على السكين..

لم أجد شبيها له في سمرته، تشعر حين تراه ، وكأنه خليط بين السمرة والزراق، مزجا في لمعة أضفت على وجهه مسحة من البساطة والوقار، في هدوء ينزل حمل البطيخ في غرارة كبيرة تدلت من فوق ظهر حمار ضخم ، يستقر في وقفته مطمئنا كصاحبه، على رأس الدرب مكانه منذ أعوام ،لا أذكرها تحديدا يذكرني بها المعلم " نصحي" النجار، وهو يلملم طرف جلبابه تحت كعبيه ، يتقي برودة الصباح :" محمد الأسمر ، يبيع البطيخ منذ كان صبيا مع والده، هو أسمر لكنه أبيض القلب" ، في نبرة تداخلت حروفها كبربري يصرخ في ابتسام ، تشع البهجة من بين أسنانه البيض :" ع السكين " ،لا يمنع حر القيلولة من توافد النسوة ، وفي أعقابهن الحفاة من أبنائهن ،قد غابت ملامح وجوههم خلف قناع شفاف لزج ، خليك من الدموع ومقذوف الأنوف ،وبكاء وتوسلات لا تنقطع لأجل الشراء ،في هاته الأثناء وجدت " آمال " فرصتها ، تجلس القرفصاء ،وتقوم بدحرجة البطيخة أسفل منها ، ليلتقطها ابنها من خلف ، ويسلمها بدوره لأخ يتولى توصيلها للبيت القريب.
تقتصد قدر الإمكان في سرقتها، لاحقا أغواها شيطانها فضاعفت غلتها ، لتهدي أقاربها من خيراتها، تثير أفعالها المشينة حفيظة الجيران ، زجروها ، طالبوا أن تتوقف ، لكنها قابلت النصح بشيء من الاستخفاف ،اهتدى "الأسمر" لسرقتها أخيرا، بعدما أكل الغيظ كبده، قدم رشوة سخية لعاطل دله عليها ، وذات ظهيرة لم يتورع عن التشهير بها ، بعد إذ وقعت في الفخ ،انقطعت عن المجيء ، لكنها أرسلت أبنائها ليحوموا كالبوم ، في انتظار الفرصة..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى