خيرة جليل - التعليم الأولي رهانات وكفاءات على المحك....وجهة نظر

تعددت مسارات قطاع التعليم الأولي في المغرب
وتعددت القوانين والتشريعات التي سنت لتنظيمه كما تعدد المتدخلون الفاعلون في القطاع، كما تعددت أدوار مختلف القطاعات الحكومية وشبه الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص لانه يشكل رهان ومشروع وطني يضع الكفاءات على المحك....اكيد ان البرنامج قد حدد سقف تعميم التعليم الأولي في
أفق سنة 2028 لجميع الأطفال، ولينخرط الجميع بكل مكونات المجتمع المغربي، وضمان الجودة التي يجب أن تكون من البداية، كما أكد على ذلك جلالة الملك في الرسالة الملكية الموجهة إلى المناظرة الوطنية حول التعليم الأولي.
ونحن نعلم ان المغرب قد قام بجهود جبارة وقطع أشواطا كبيرة في مجال تعميم التعليم الأولي، ولدينا يقين بأن الأهداف المرسومة ستتحقق، كما أن هذه الاوراش قد ضخت نفسا جديدا من طرف الطاقات الشابة التي انخرطت في هذا الورش التربوي الكبير الذي تعتبر على الصعيد الوطني، وزارة التربية الوطنية والتعليم والرياضة، هي المشرف الوحيد على هذا القطاع ، قانونيا وتشريعيا وتربويا وتدبيريا وتمويليا… ولا يوجد متدخل آخر.
و من ناحية الجودة فقد جرى الاشتغال على ركائزها، اعتمادا على تجارب عدد من المتدخلين على الصعيد الوطني.....وبكوني من الوسط التربوي ومن المهتمين بالشأن البيداغوجي خاصة والتعليم عامة، فقد حاولت ان اخذ بعض التجارب واتتبعها لارى مدى تطورها على أرض الواقع، وكيفية انزالها ؟ والى أي حد استطاع المربي او المربية الانخراط في هذه التجربة الفاعلة والمتفاعلة مع محيطها ؟
لدراسة العينة، اختر ت تجربة من الوسط الحضري بمدينة بني ملال بمدرسة بن الهيثم وتجربة اخرى بمدرسة المعمل بمجال شبه حضري بمدينة سوق السبت اولاد النمة والمنفتحة اكثر على العالم القروي باقليم الفقيه بن صالح، لأعود في مقالات مقبلة لخوض الكتابة على تجربتين جديدتين تكونا من العالم القروي بالجبل مائة بالمائة والعالم القروي بالمجال الفلاحي بالسهل ... واتابع الكتابة على تجارب اخرى حتى استطيع ان اقف على مدى نجاح التجارب واهم التحديات التي يواجهها المربي والاكراهات التي تقف امام الاسر ومدى استفادة الأبناء من هذا التعليم.
... التجربة الأولى من مدرسة المعمل بمدينة سوق السبت وقفت عند تجربة المربية مريم جليل مع جمعية النهوض والتجربة الثانية بمدرسة بن الهيثم باولاد عياد بني ملال لدى المربية سلمى صبيرة مع جمعية الاشبال. على اختلاف جمعيات المجتمع المدني الراعية للتجربة تحت إشراف وزارة التربية الوطنية وجدت ان القسم وعدد التلاميذ..... يتطابق مع جميع المعايير التي ينص عليها القانون المنظم لهذا القطاع. فبكلا المؤسستين نجد أن جدية وقوة شخصية المدير التربوي بالمؤسسة لعبت دورا كبيرا في ضمان السير العادي للتجربة والوقوف عند الصعاب وتبسيطها سواء امام الاباء في عملية التسجيل والاستقبال وضبط اللوائح او ربط حلقة التواصل بين الاباء والمربيات.....او تتبع التجربة مباشرة والوقوف على عملية التحاق الاطفال باقسامهم في كل يوم وهذه نقطة قوة تحتسب لمديري هذه المؤسسات. فيما يخص انخراط الاباء في هذا المشروع ومن خلال الحوار مع كلا المربيتن صبيرة سلمى بني ملال او مريم جليل بسوق السبت فقد اكدتا لي على أن الاباء كانوا جد متحمسين لتسجيل ابنائهم باختلاف جنسهم ذكرا أو انثى واختلاف اعمارهم واختلاف مستوياتهم الاجتماعية .. .والشيء الجميل ان الفوارق الاجتماعية تذوب بشكل تلقائي بين الأطفال حين يتم التحاقهم بالمؤسسة التعليمية، بل لاحظت إقبالا منقطع النظير من طرف الاطفال وانسجاما تاما بين المربيات والاطفال من خلال الأنشطة المنجزة ومدى نجاحها وردة فعل أولياء الأمر واطفالهم .... كما لاحظت ان المربيات يتوفرن على كفاءات تربوية عالية، فيما يخص درايتهن بعلوم التربية وسكولوجية الطفل والبداغوجية الفارقة وبداغوجية اللعب ...... وإدماج الطفل بفضائه التربوي مما سهل عملية الفطام البيتي والالتحام التربوي بمربيته. بحيث يلجأ إليها في كل صغيرة أو كبيرة وفي كل لحظة وفي ابسط الاشياء كشد رباط حذائه او عقد ازرار ثيابه او حتى مشط شعره. وهذه الاشياء ليست في متناول جميع المربيات إن لم تكن لهن دراية بسكلوجية الطفل وخبرة تربوية وارتباط عاطفي جيد بالطفل مما يعكس حنكتهن وجديتهن في التعامل معه وحسن الانصاط اليه والاحساس بالمسؤولية اتجاهه. ... كما أن كلا المربيتين لاحظت انهن يبحثن عن المواهب لدى اطفالهن بالقيام بورشات انشاء او رسم على الوجه بالحفلات او احياء بعض المناسبات الوطنية كالمسيرة الخضراء وعيد الاستقلال او رمضان . ....او تحضير طقوس الحناء واللباس التقليدي للاطفال ...... الجميل ان بيداغوجيا اللعب يستفيد منها الاطفال في كلا التجربتين بشكل كبير وخصوصا في رسم الحروف بالعجين وكتابتها على الورق المقوى او تقطيعها واتقانها بشكل جيد مما سيسهل عليه عملية الانطلاقة الفعلية في التعليم الابتدائي بالسنوات القادمة..... وهذا راجع لمدى انخراط الاباء في مسؤولية الحاق الأبناء بالتعليم الأولي والسهر على عدم تغيبهم عن حصصهم التربوية مهما كانت الظروف. كما ان كلا المربيتين تقوما بضبط الغياب واسبابه ونسبة تكراره في الأسبوع والشهر لضبط
اسبابه الأسرية او الصحية وتسجيل الملاحظات ........
ملاحظة شدت انتباهي وهو أن الطفل يصبح مع الوقت متقبلا للاخر ومنخرطا في الانشطة وأقل تعصبا واكثر تقبلا لذاته ... خصوصا عندما طرحت السؤال على كل مربية : ما هو الشيء الذي يتغير في الطفل بعد التحاقه بالتعليم الأولي بغض النظر عن الجانب التعلمي؟
كان الجواب واحد من كلا الطرفين: انه يصبح اكثر تقبلا للاخر ومتسامحا ومتضامنا مع اثربائه خصوصا خلال فترة الاستراحة فالاغلبية تتقاسم ما لديها مع بعضها دون ان يطلب منهم ذلك، وهذا ما يحسسنا أن الطفل اصبح له احساس الانتماء للفضاء التربوي لقسمه مما يسهل عليه عملية الفطام والتخفيف من الارتباط بوالدته ، ليبدأ بمرحلة البحث عن رفاق اللعب وتعميق الانتماء لجماعة قسمه دون الاقسام الاخرى .
سالت المربية مريم : ما الشيء الذي يفرح اطفالك اكثر من الدراسة ؟ فاجابت الانخراط في الانشطة ذات الطابع المسرحي المرتبط بالبيئة نهاية كل مرحلة دراسية وكل ما هو حسحركي .
بالنسبة للمربية سلمى كان جوابها هو : الانشطة ذات الطابع الفلكلوري او الكرنافالي والرسم على الوجه بالالوان ....
حين سالتهن عن طموحهن التربوي اجاباتا بكل ثقة : إقامة مهرجان اقليمي او جهوي فيه مبارة للاطفال وتكون لجن مختصة وجوائز تحفيزية لهم لغرس روح المنافسة منذ نعومة اظافرهم حتى يلتحق الطفل بالتعليم الابتدائي و قد تحدى مشكل الكتابة والقراءة الأولية وله ثقة بنفسه لانه اجتاز المرحلة الأولية بنجاح دون تعثر. وحتى يكون قادرا على التعبير عن ذاته واحتياجاته بكل تلقائية وبدون خوف او ارتباك امام زملائه وفي هذه السن المبكرة جدا وقد اكتسب المهارات الأولى للكتابة وحسن الانصات وترسخت لديه مجموعة من القيم الإنسانية العريقة وتعرف على بعض خصائص وطنه من نشيد وطني والتعرف على علمه وبعض عاداته .....
فعلا ان متابعتي لكلا التجربتين تطلب مني وقت استغرق اربع سنوات بتجربة سوق السبت وسنتين ببني ملال ولم اندم على التتبع لاني احسيت فعلا ان هذا الاستثمار في الطفل هو استثمار في المستقبل ، وان اطفالنا اليوم هم في مرحلة بناء مشروع الأمة وهو ما يجب ان ينخرط فيه الكل بجدية .
فهنيئا لكل من مدرسة ابن الهيثم ببني ملال ومدرسة المعمل بسوق السبت بهاتين المربيتين الطموحتين والجادتين في انخرتطهما الكلي بجدية تامة وهنيئا لكل من نيابة بني ملال ونيابة الفقيه بن صالح بهاتين المدرستين ومديريها التربويين الساهرين على تنفيذ المخطط التربوي للتعليم الأولي بكل التزام وجدية ماديا ومعنويا. .... والى اللقاء ان شاء الله مع تجربتين جديدتين من وسطين مختلفين ..... خيرة جليل .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى